خياران اثنان لا ثالث لهما: إما اليمن ، وإما الرئيس
بقلم/ احمد الظرافي
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و يوم واحد
السبت 18 أغسطس-آب 2007 12:30 ص

مأرب برس - خاص

لا يوجد زعيم عربي، أو رئيس يمني سابق ، تهيأت له فرص وظروف مواتية ومناسبة للإصلاح والتغيير ، وخدمة المجتمع ، من حيث توفر الأمن والاستقرار ، ووفرة الإمكانيات والموارد المادية والبشرية ، مثلما تهيأت للرئيس اليمني علي عبد الله صالح .

ولا يوجد زعيم عربي، أو رئيس يمني سابق، أخلص له شعبه ودعم مسرته، وأحسن الظن به، وأولاه من المكانة والحب والاحترام فوق ما يستحق – رغم تطاول عهده في الحكم، ورغم كثرة الوعود وقلّة الوفاء - مثل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح.

ولا يوجد زعيم عربي، أو رئيس يمني سابق ، حالفه الحظ وجرى في صالحه مرات ومرات، وانزاح خصومه الكُثر وأعداؤه الألداء من أمامه - بقدرة قادر- وحظي بالنصر والتمكين له ولحكمه على أرض اليمن من أقصاها إلى أقصاها، مثلما حالف الحظ، ومثلما حظي به الرئيس اليمني علي عبد الله صالح.

ومع ذلك كله – وأقولها بكل مرارة - فقد أخفق الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، في أن يكون الزعيم المنقذ أو المخلص، وفي أن يكون رجل المرحلة.

أخفق في أن يكون عند مستوى تطلعات وآمال شعبه الذي ائتمنه على أمره وأسند إليه قيادة سفينته ، وأخفق في أن يكون عند مستوى المسئولية المناطة بهِ ، وعند مستوى الأمانة التي عهدت إليه .

وبعبارة أخرى، فقد أخفق الرئيس الصالح إخفاقا مريعا ، في أن يخلص البلاد من أمراضها الاقتصادية والسياسية المزمنة، بل وأخفق في أن يقدم شيئا ملموسا على أرض الواقع لإصلاح هذه الأوضاع، ولو حتى من قبيل حسن النية. ودعونا من الشعارات الزائفة ، ومن الخطط البراقة ، ومن أحاديث وسائل الإعلام الرسمية ، فإن كل هذه وغيرها ليست سوى أدوات سلطوية ، وبوقا للدعاية والإعلام ، ولنشر الخداع والتضليل ، ولتخدير الشعب وذر الرماد في عيونه ، وتنويمه عن عمد وعن سبق إصرار لكي يسكت على جوعه ولا يبقى مستيقظا فيطالب بحقوقه – وذلك بدلا من أن تكون تلك الوسائل الإعلامية أداة لقول الحقيقة ولرصد وتجسيد ما يجري على الأرض في الواقع المعاش بكل سلبياته وإيجابياته ، بل وبدلا من تكون حتى مجرد وسيلة للتعبير عن الرأي والرأي الآخر - .

في إحدى خطاباته التي بثها التلفزيزن اليمني قبل بضع سنوات – ولله ما أكثر خطابات رئيسنا وما أكثر ما يكيل لنا من وعود من خلالها – جاء على لسان الرئيس علي عبد الله صالح ما معناه : إن أي واحد يُطلِّق امرأته يلقي باللائمة علي رئيس الجمهورية . جاء ذلك في سياق رد فعل هجومي على معارضيهِ الذين استغلوا الأزمة الاقتصادية والسياسية الطاحنة التي مرت بها البلاد بعد الوحدة ، وورد هذا منهُ كنوع من السخرية من بعض الناس الذين يحملون الرئيس مسئولية المصائب والنكبات الشخصية والعائلية التي تقع لهم. والتي لا يدري الرئيس عنها شيئا، ويرى أنه غير مرتبط بأي صلة بها ، لا من قريب ولا من بعيد. 

مع أن مقولة أولئك الناس الذين قصد الرئيس أن يسخر منهم ، قد تكون حقا ، وقد تكون معبرة عن الواقع – وقد يرى البعض أن ما قاله الرئيس لا يدفع التهمة عنه ، ولا يعدو ما قاله ، إلا أن يكون هروبا إلى الأمام ، وتنصلا من تحمل المسئولية ، أو ربما جهلا بواجبات الحاكم . وهل تحدث مسألة الطلاق بلا أسباب ، ودون مشاكل عائلية، وهذه المشاكل العائلية – بطبيعة الحال - لا تأتي من فراغ ، ولا تولد بالصدفة ، إنما قد تكون انعكاسا لغلاء الأسعار والفقر وقلة الأجور ، وشحة مصادر الدخل ، وصدى لتدهور الأحوال المعيشية والصحية ، وعدم وجود أو توفر الملبس المناسب والمسكن المناسب الملائم للحياة الكريمة ، ومن المسئول عن كل هذا وغيره ؟ أليس الحكومة ؟ ومن المسئول عن هذه الحكومة ؟ أليس رئيس الجمهورية ؟

فمعنى ذلك إذن أن رئيس الجمهورية - شاء أم أبى - قد يكون فعلا – بطريقة أو أخرى - هو المسئول عن مسألة الطلاق تلك، وعن غيرها من المسائل والمشاكل ، والتي - وإن بدت على أنها شخصية أو عائلية للوهلة الأولى - إلا أنها قد تكون اقتصادية معيشية في جوهرها وفي مضمونها.

ولست في حاجة إلى أن أعود إلى ترثنا الإسلامي لأ ذكر رئيسنا بمقولات عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو عمر بن عبد العزيز ، حول تشعب مسئوليات الحاكم وامتدادها لتشمل كل كبيرة وصغيرة - بما في ذلك تمهيد الطرق للدواب في الأماكن القصية النائية من البلاد – .

ولم يكن المطلوب من الرئيس علي عبد الله صالح أن يكون أحد العمرين، إنما كان المطلوب منه أن يحقق الحد الأدنى من العدل والإنصاف.

كان عليه أن ينصت أحيانا لأنات شعبه وأن يحس بمعاناته وهمومه ، وأن يلبي – ولو قليلا - من طموحاته وتطلعاته نحو غد أفضل ومستقبل مشرق ، ولاسيما فيما يتعلق بعملية الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المنشود بشكل ملح ، ليس منذ الأمس أو ليوم فقط ، وإنما منذ سنوات عديدة .

كان المطلوب من رئيس الجمهورية – إن كان حقا أبا لجميع الشعب كما يزعم ، ومسئوليته تجعله كذلك فعلا - كان المطلوب منه ، أن يشعر ولو بالحد الأدنى من المسئولية الوطنية والإسلامية الملقاة على عاتقه ، وأن يتقي الله قليلا في هذا الشعب المغلوب على أمره ، والذي أصبح - من جهة - فريسة سهلة لغول الغلاء والتضخم ولأنيابهما المفترسة ، والتي يمسي ويصبح وهي تنهش في لحمه ودمه حتى أوشكت أن تأتي على عظامه ، وأصبح - من جهة أخرى - فريسة لطاعون الفساد المالي والإداري المستفحل في الأجهزة الحكومية وفي المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية والأمنية ، من قمتها إلى قاعدتها ، والذي أتى على الأخضر واليابس فيها.

حتى أصبح اليمن أشهر دولة فاسدة ماليا في العالم بشهادة المنظمات الدولية ذات العلاقة .

لعلكم تلاحظون فيما سبق أنني في حديثي عن الرئيس علي عبد الله صالح استخدم صيغ الماضي ولا استخدم صيغ الحاضر أو المستقبل. لماذا ؟ لأني في الحقيقة قد فقدت ثقتي نهائيا بهذا الرئيس ولم أعد أتوقع أي خير يأتي منه لا في الحاضر ، ولا في المستقبل ، ولا لقريب ولا لبعيد ، لسبب بسيط ، وهو أن فاقد الشيء لا يعطيه.

وإنني أرى – ولا تسألوني من أنت ومن تكون حتى ترى أو لا ترى ، يكفي أنني مواطن من هذا الشعب المطحون برحى الغلاء والفساد وانعدام أي مظهر من مظاهر الدولة في الجوانب الاقتصادية- أقول إنني أرى أن بقاءه هذا الرئيس في سدة الحكم قد أصبح عبئا على هذا الشعب وأصبح الإصلاح متعذرا – إن لم يكن مستحيلا – في وجوده . وليس ذلك فحسب بل أنني أخشى أن يدفع الوطن ثمنا فادحا - أكثر مما دفعه من قبل - إذا استمر هذا الرئيس يكابر ويتشبث بالكرسي الرئاسي، ومضى على ظلاله القديم في الاعتقاد بأنه هو الوحيد الصالح لحكم اليمن ، وأن المؤهل لهذا الكرسي من أبناء اليمن الآخرين لم يولد بعد – إلا أن يكون النجل أحمد -.

قد يزعم الرئيس أنه حقق نجاهات باهرة ، وانجازات مذهلة طوال سنوات حكمه التي تقارب الثلاثين عاما - وهي فترة طويلة جدا في حياة الشعوب ، إنها في الواقع عمر هذا الجيل - وقد يزعم أنصاره – وبالأحرى المستفيدين من الوضع الحالي البائس من المقتاتين على حساب أنات الشعوب – قد يزعمون أنه صنع المعجزات ، وحقق وحقق وفعل وفعل ، ولكن كل هذا لم يعد مهما في الوقت الحاضر لأن الأمور قد أصبحت واضحة للجميع ، وضوح الشمس في رابعة النهار ، ولم يعد للكلام والدعاية الإعلامية ، ولمقولة الهجوم خير وسيلة للدفاع ، ولسياسات التخوين والتشكيك بالولاء للوحدة والوطن.

أقول لم يعد لكل ذلك موضعا فيما يدور على أرض اليمن حاليا ، بعد أن بلغ السيل الزبى ، وبعد أن لدغ الشعب لدغات كثيرة قاتلة من نفس الجحر ، وبعد أن أصبح الهم الرئيسي للمواطن اليمني من الصباح إلى المساء هو البحث عن رغيف الخبز الجاف ، والذي صار أكثر الناس – بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة وتدني دخولهم - عاجزين عن توفير الكمية الكافية منه لأولادهم وأسرهم ، وأصبح ذلك هما يؤرقهم ويقلقهم في منامهم ، فضلا عن ما آلت إليه جودة هذا الرغيف - والذي يتلاشى يوما بعد يوم - من فقدان شبه تام للقيمة الغذائية. وإن مظاهرات عدن ولحج والضالع وتعز وغيرها من مدن اليمن لخير دليل على ذلك ، بل ولما هو أبعد من ذلك ، فهي تنذر بمستقبل صعب سيواجههُ الرئيس علي عبد الله صالح ، لاسيما بعد أن انكسر حاجز الخوف لدى عامة الشعب وخاصتهم ، وكان لا بد أن ينكسر مثل هذا الحاجز النفسي ، بعد هذا التدهور المعيشي المريع ، وبعد تفشي الفساد على هذا النحو الفاحش ، الذي لم يُعرف له مثيلا من قبل .

علما بأن إرادة الحياة كفيلة بكسر هذا الحاجز وغيره من الحواجز المادية والمعنوية . وليرجع الطغاة إلى التاريخ إن كانوا يجهلون هذه الحقيقة. وما أظنهم يجهلونها إتما هم يتظاهرون بالتذاكي ويحاولون القفز أو الالتفاف عليها ، ولن تقودهم هذه الطريق إلا إلى التردي والسقوط في الهاوية ، فتكون نهايتهم القاسية متأتية من حيث ظنوا – يالغبائهم – أن تكون نجاتهم .وهكذا تكون نهاية كل الطغاة سواء أكان النظام ملكيا أم جمهوريا .

فما الحل إذن ؟

أرى أنه لا يوجد سوى حلٍ واحد وهو أن يُعطف الرئيس علي عبد الله صالح فراشه ويرحل بهدوء من القصر الجمهوري. مفسحا المجال لعملية انتخاب حرة ونزيهة وشفافة لاختيار رئيس جديد للجمهورية.

ويتوجب عليه أن يبادر بذلك اليوم قبل الغد، هذا إذا أراد أن تكون له ذكرى حسنة بعد رحيله، وأن يترك صفحة بيضاء من خلفه.

صحيح أن الطائفة قد تضغط ، وأن القبيلة بدورها قد تضغط ، ولكن يجب عليه أن لا يصغي لمثل هذا النوع من الضغوط ، لكونها تنطلق من حس طائفي بغيض ، ومن منطلق قبلي ضيق ، وليس هناك مصلحة لليمن في أن يظل مأسورا بيد هذه الطائفة أو تلك القبيلة ، إنما مصلحة اليمن في وحدة شعبه بجميع طوائفه ، وفي تداول السلطة سلميا بين جميع الطوائف والقوى اليمنية ، وفي تغليب سيادة القانون على الولاء للطائفة أو القبلية . ولن نتقدم خطوة واحدة للأمام إذا استمرينا ندور في هذه الحلقة المفرغة .

وأن أي عملية تجميل سوف لا تغير من الأمر شيئا بقدر ما تزيد من عملية الاحتقان ومن الشعور بالظلم والتهميش لدى القوى والفعاليات الموجودة على الساحة.