قمم اللهم لا شماتة!!
بقلم/ محمد السياغي
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 14 يوماً
الأحد 04 يناير-كانون الثاني 2009 07:39 م

       كالعادة وعند كل محنة تنتاب الشارع العربي المتخثر يجري حاليا على خجل وربما استحياء التحضير لعقد قمة عربية وعلى وقع أحداث غزة البشعة والدامية هذه المرة، وما أشبة الليلة بالبارحة" كما يقال.. ستة عقود ونيف مضت على انعقاد أول قمة عربية ليصل عددها إلى عشرين قمة حتى الأمس القريب، ولا جديد يلوح في الأفق.. انكسارات وهزائم وتكريس للفشل، وتعميق لحدة الخلافات والانقسام داخل الصف العربي، وإذكاء لمشاعر الخزي والعار والذل والهوان، وعزف مكرور على نفس الوجع والألم والجرح الغائر في الأعماق، وشلالات دم ومجازر صهيونية نازية بشعة متواصلة ضد الأطفال والمدنيين والشعب الفلسطيني الأعزل، وأنظمة وزعامات عربية كسيحة، فاشلة لا ندري ماذا عسانا ننتظر منها ولا متى سيتم الانتفاضة ضدها!!

              قمة دمشق السابقة، هي نفسها القمة القطرية المنتهية، وحيث لا تختلف الحال كثيرا بالنسبة للقمة المرتقبة.. نفس الديباجة، لنفس الوجوه والسحنات التي تصدر الإحباط والفشل إلى نفس كل عربي شريف، ونفس أعضاء لجان الإعداد والصياغة والمراجعة والإقرار، والاهم أن جميعنا يعرف انه لا فائدة من بداية معروفة النهاية سلفا.. أجندة، وبنود وبيانات ختامية "معلبة" ومنتهية المفعول والصلاحية، يتم استدعاءها من نفس المكان في الرفوف والإدراج الصدئة، بعد أزاحه الغبار من عليها وتعديل المكان والزمان، لتخرج إلينا في شكلها وصياغتها النهائية ولغتها الروتينية الرتيبة المعروفة.. ولن نحصل في النهاية على أكثر من الندب، والشجب، والاستنكار والادانه، وربما توسل وتسول، وصفع ولطم على الخدود، و"لو به شمس لكان من أمس" كما يقول المثل الشعبي!!

                لا شيء يحفز على التفاؤل والأمل حتى الاتفاق على سرعة عقد قمة عربية طارئة كما لا حظنا ما يزال خيار غير مطروح على الأرض حتى اللحظة، كذلك هو الحال بالنسبة للتمثيل والمشاركة في أعمال القمة المرتقبة فيما لو عقدت ونتمنى أن لا تعقد، بالتأكيد سيكون مخجل ومخزي، ومن قمة إلى أخرى كالعادة تضاعف قمم الموتى من واقعنا وحالنا العربي المتأزم، ولا تتمكن حتى من أثارة فضول المتابعة لدينا لسير أعمالها، عدى "الفرجة" على ما بات يخيم على صالاتها وقاعاتها-كتقليعة معتادة- من أجواء خلافات وملاسنات كلامية تنقل ألينا عبر الفضائيات، لتثير فينا الشعور بالسخرية والتندر "وشر البلية ما يضحك"، حيث يتأكد للبعض من أعضاء المجتمع الدولي المتابعين الحقيقة المرة والمؤلمة أن العرب لن يتفقوا تاريخيا على شيء تماما كما يختلفوا على كل شيء حتى في كيفية التوصل إلى بناء أراده موحدة تجاه واقعهم المزري..و"اللهم لا شماته "!!

              نفس الوجوه، ونفس الكروش المصابة بالتخمة، لنفس أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة والعظمة.. منهم من سيختلق الأعذار لتبرير تخاذله -كالعادة- وللفت الانتباه إليه "كرجل مواقف"،وأن كانت مواقف لا يحسد عليها البته ! ومنهم من سيعلن حضوره طالما وفي ذلك تحقيقا لمصالحه وحساباته القطرية الضيقة، وفي كل الأحوال، يكفي أن نشعر بحضور من حضر من العاهات الموجودة، وبادر في سد الفراغ، وغياب من تغيب ووفر على نفسه وعلينا النظر إلى وجهه المقيت، والاستماع إلى حشرجته المثيرة للسخرية! بأن الوضع العربي ما يزال على ما هو عليه ولا جديد يذكر والحمد لله!! وأننا نركن على زعامات عربية وجودها مثل عدمها، يكفى أن نقتنع بأنها ما تزال تنعم بالخير والصحة والعافية والعمر المديد بما يمكنها من البقاء في الكرسي أطول فترة ممكنه!! وأنه لا يوجد ما يستدعي أن نتفاءل بزوالها عاجلا أم أجلا، أو حتى مجرد اتهامها بالشيخوخة والعجز بما يخول لنا أحالتها على المعاش وإعلان الحجر عليها وعلى جرائمها فينا!!

            كالعادة إذا ما عقدت القمة الفاشلة المرتقبة، سيتوافد الضيوف للبلد المضيف لإعمال القمة، ليضاعفوا من أزمة ومحنه وهموم أبناءه وشعبه، البعض سيأتي للقمة من باب إسقاط الواجب وتجنب اللوم والحرج لا أكثر، والبعض الأخر للاستعراض والظهور أمام عدسات الكاميرات وعلى شاشات التلفاز، مواكب رئاسية يسبقها دوي صفير سيارات الشرطة في بعض الشوارع، واختناقات مرورية في البعض الأخر، قبل إغلاق بعضها الأخير في إجراءات احترازية من تعرض موكب رئاسي من المواكب الوافدة لأي ردة فعل شعبية يائسة أو حالة عصيان غير لائقة من شعب عربي يمثل امتداد لشعوب عربية مسحوقة ومغلوبة على أمرها، أزمة غلاء خانقة ومفاجئة في أسعار اللحمة والخضار في البلد المضيف لإعمال القمة المرتقبة ، وحالة تأهب أمنية قصوى معلنه وغير معلنه، يحل معها الضيوف أهلا وينزلون سهلا، ينعمون بطيب الإقامة وكرم الضيافة، تسبقها أعيره نارية من واحد وعشرين طلقة تحية الوصول والتقاط الصور التذكارية في المطار، وقبل إعلان بيان نعينا في مصابنا الجلل، وكما يقول المثل الشعبي الشهير:"يا راقصه في الغد راء ما حد يقلك ياسين "!!

            وبعد تجاوز المشاركون في القمة من العجزة والكسيحين لكل الملفات الساخنة والملتهبة التي تعيشها المنطقة العربية اليوم، والقفز فوق جميع الحلول الناجعة أو حتى التي يتكهن في أن تبعث على إحياء الأمل فينا، وتثبت لنا أن المؤتمرين لا يمكنهــم إن ينتصروا لأنفسهم وكرامتهم دولا وشعوبا باتجاه معالجة حالات التمزق والتشظي والاختلالات والانقسامــات والصراعات التي تعصف بالأمة العربية ولو لمرة واحدة، هذا إذا لم تسفر النظرات المليئة بالحقد والكراهية تحت الحزام بين الزعامات المشاركة في إثارة نزعة تعزيز القدرات العسكرية لدى كل منهم بما يعزز من نفوذ كل منهم وسيطرته على شعبه التعيس!

             بالتأكيد في ظل تدخلات إقليمية سافرة، وتحالفات ثنائية معلنة، وأجندة دولية فاضحة، بجواز غياب بعض الزعامات عن القمة المرتقبة واختباء البعض الأخر ودفن الفريق الأخير لرؤوسهم في التراب مثل النعام خوفا من إثارة غضب وانزعاج أمريكا، وتفويت هذه الزعامات لجميع الفرص التاريخية التي من شأنها أن تعيدهم إلى أحضان شعوبهم العربية البائسة والمسحوقة..

             سيجمع الزعماء العرب في القمة مثل النعاج أن الفرصة في تبني مشروع عربي حقيقي يحقق أحلام الشارع العربي و آماله وتنتصر لكرامته من المحيط إلى الخليج ليست سانحة على الأقل في الوقت الراهن.. وأن فرصة الوقوف بوجه الطغيان الأمريكيصهيوني ما تزال بعيدة المنال.. وسينفض المؤتمرون معلنين انتهاء أعمال قمتهم الفاشلة في وجه الطغيان الصهيوني الامريكي الذي يعصف بقطاع عزة منذ أيام، مؤكدين كما هو الحال في كل مرة، أنهم منشغلون بنتائج خليجي 19 أكثر من انشغالهم باحداث غزة الدامية حيث تسفك دماء الاطفال، وبينما هم يحزمون أمتعة السفر في طريق عودتهم إلى بلدانهم، سيعلنون تفكك المنظومة العربية وانقسامها على بعضها، مالم يعطون الضوء الاخضر كما هو الحال في صمتهم للقوى المحتلة الغاصبة والمعادية الصهيونية الامريكية مواصلة أعمالها البربرية الاجرامية على القطاع والرقص على وقع الجرائم والمذابح الوحشية الجماعية! فيما يبقى وحدة الصخب والضجيج الذكرى المتبقية لنا من أعمال قمم الموتى!" وعزائي للجميع .

  Mohamed.sayagi@gmail.com