قوة الجماعة الحوثية ووهن الشرعية اليمنية.. أسباب وعوامل
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 3 سنوات و 8 أشهر و يوم واحد
الخميس 18 مارس - آذار 2021 10:58 م


على قناةِ الجزيرةِ ، في حلقتين من برنامجِ بلا حدود الأسبوعي ، كانَ ضيفُ الأولى وزيرَ خارجيةِ حكومة اليمن الشرعيةِ أحمدَ بنَ مبارك ، وفي الثانية كان الضيف محمد عبدالسلام المتحدث باسم حركة أنصار الله الحوثية اليمنية . ومن خلال طرح كليهما ، فقد تقيد ابنُ مبارك بكل أسلاك الحدود ، بينما تجاوز ابنُ عبدالسلام كلَ الحدود . وهنا يتبين الفارقُ الشاسعُ بين المنطلقِ جسارةً أو تهورا نحو غايته ، وبين المقيد استسلاما أو عجزا . كان متحدثُ الحوثي قويا في طرحِ مواقفه ، واضحا في مرادِ سياسته ، مجسدا أهداف جماعته . بينما كان وزيرُ الشرعيةِ غيرَ واضحِ معالم الطريق ، غير مدرك خطوات السير . حتى يُخيلَ للمتابع أنَّ وزيرَ الشرعية مجردُ متحدثٍ ، وأنَّ متحدثَ الحوثية وزيرٌ . فمن أين تولد هذا الطرحُ القويُ للمتحدث الحوثي ، وجاء الشرحُ الفنيُ للوزير ابن مبارك . أعتقدُ أنَّ أسبابَ ذلك تنبعُ من عوامل قوةٍ لدى الحوثي ، ومن مكامن ضعفٍ لدى الشرعية .. منها :
1 - الحوثيُ ينطلقُ حرا من موقعه على الأرض التي يحكمها سيطرةً وقيادةً .. فهو ليس لاجئا عند أحدٍ ، بل هو يملكُ المنطلقَ الجغرافيَ ، ويمتلكُ البعدَ السياسي ، دون عوائقَ تقيدُ منطلقَه العسكريَ وتوجهَه السياسي . بينما لا تملك حكومةُ الشرعية ذلك مطلقا .. ليس لها في أرضِ الوطن موقعا تمارس منه مهامَها وتنفذ فيه قراراتِها . فهي على الواقع تقبعُ في الرياض ، وهو أمرٔ لا يمنحُها حريةَ المنطلقِ وسرعةَ الانطلاقِ ، بل تجدُ نفسَها مقيدةً بحدود الرياض جغرافيا ورؤيتها سياسيا . وقد أثبتت أحداثُ المعاشيقِ الأخيرة أنَّ وجودَها في عدن مجردُ تزيينٍ سياسي فقط .
2 - الحوثيُ نقيُ الجسدِ سياسيا ، صافي الجوارح عسكريا ، لا يخالطه ولا ينازعه جناحٌ سياسي أو عسكري آخر . بينما الشرعية ليست كذلك ، في نياط قلبها السياسي خليطٌ متنازع الفكر ، غير متجانس الهدف ، وفي درع جسدها عسكريا جناحٌ متمردُ الولاء ، يعلن تبعيتَه لغير الحكومة الشرعية .
3 - الحوثيُ واضحُ الهدفِ والغاية ، قوي الفكر والمعتقد ، بغض النظر عن سموه أو ضلاله .. وهذا وَلَّدَ لديه قوةً وجسارةً ، استمدها من وحدة قرار مكتبه ، ومن عزم تنفيذ قوات لجانه . بينما في الشرعية لا نجدُ هذا صراحةً . هناك فكرٌ إسلامي ، ونهجٌ علماني ، وتوجهٌ ليبرالي ، وفي هذا الخليط قد لا تجد صدقَ الولاءِ ، ووضوحَ الهدف ، وعزمَ المسير ، بل قد تجدُ لدى البعض تواصلا تشاوريا خفيا مع جهاتٍ داخلية ترتبط بها فكريا ، ومع دولٍ خارجية تتلاقى معها توجها ، لتحقيق عجز الشرعية ، بتنفيذ كل ما يعرقل سيرها نحو الهدف المعلن عنه .
4 - الداعمُ الذي يقف مع الحوثي موحدُ الصفِ سياسيا ، وجليُ الهدف فكريا ، وطويل اليد عسكريا . دولةٌ واحدةٌ لا ينازعها أحدٌ في قرارموقفها ، ولا يغدر بها كيانٔ في مسير دعمها . كما إنَّ هدفَها فكريٌ عقائديٌ واضح ، ومصالحَها لدى أنصار الله - أعتقدها - لا تتعلقُ بنهبِ ثروةٍ ولا بترسيم حدود . بينما في الشرعية لا نجد الداعمَ موحدا في هدف نهجه سياسيا ، وفي غاية وجوده عسكريا . فالسعودية والامارات تتنازعان سلطة قرار الشرعية السياسي ، وولاء الموقف العسكري الشرعي والانتقالي . وعلى الواقع فكل تحركات الدولتين تتجه نحو السيطرة على الثروة ، وعلى مواقعَ استراتيجيةٍ ومنافذ بحرية هامةٍ .. دون نيةٍ للتحرك نحو صنعاءَ لتحريرها .
5 - الحوثيُ يملكُ القرارَ الخاص داخليا ، وما دور إيران إلا في تعديل الصورة الشاملة سياسيا ، وتقويم الصف المترابط عسكريا . ولذا مَلَكَ قوةَ الردِ بصواريخه خارج حدوده ، وفاعليةَ التصريحِ بسياسته علنا دون مواراةٍ . فهو أمام كل خططِ التقارب معه ، ومشاريع التودد إليه لا يتردد أن يعلنَها صرخةً صادمةً ، صافعا بها وجهَ الجميع : " كل ذلك نضعه تحت أقدامنا " ، دون أدنى اعتبار عنده لمجلس الأمن وقراراته ، وأمريكا وعقوباتها ، والتحالف وتفاوضه . بينما الشرعية لا تملك ذلك ، فقد جاءت أحداثٌ جسامٌ تمسُ قدسيةَ السيادة ، وتجرح سموَ القيادةِ ، ولم نسمعْ لها موقفا سياسيا قويا فاعلا ، ولم نلمسْ لها تحركا سياسيا حازما جازما . يقصف طرفٌ في التحالف جيشَها ، ويتحكم في جزرها وموانئها ، ويستحدث قواعدَ عسكرية له فيها ، وينشئ قواتٍ تعارض سلطتَها وإدارتها ، وينهب ثروات الماء وخيرات البر ، ملغيا قرارها السياسي وتمثيلها السيادي . وأمام هذا وغيره ، تعلن الشرعيةُ برومانسية : " ونحن نثمن دورَ التحالف في دعم الشرعية ، ونقدر موقفَها في الدفاع عن حرية الوطن " .
6 - قوةُ الحوثي استمدها من معرفته بأبعاد استراتيجية مراد أمريكا وغيرها على المدى البعيد سياسيا ، فأحسنَ مع داعمه استغلالَ ذلك بما يزيده طاقة ميدانية وقوة سياسية . فأمريكا مازالت لم تتفقْ مع ايرانَ في الملف النووي ، الذي يشكل تهديدا لإسرائيل ، فجاء رفعُ اسم الحوثي من قائمة الإرهاب تجسيدا لفهمه الجيد لأطوار اللعبة وأدوارها . بينما الشرعية وتحالفها قد وضعت كلَ أوراقِها في درج المكتب البيضاوي ، وربما لم يعدْ هناك ما لم يتحقق لأمريكا وغيرها منهم ، من جبايةِ مالٍ ، ودعم اقتصاد ، وتسويق سلاح ، ونفوذٍ على الأرض .. حتى أنَّ السعوديةَ والشرعيةَ نحو التطبيع أقربُ للسندانِ من المطرقة . ومن هنا جاءت تصريحاتُ أمريكا مؤخرا باللين نحو عقاب أيران والحوثي ، وبالعسر نحو دعم المملكة .
7 - المكتبُ السياسي الحوثي وقواته الأمنية والعسكرية لا تستلم راتبا من جهة أخرى ، رواتبهم بالريال اليمني وليست بالريال الإيراني ، وأعتقدُ أنَّهم لا يتلقون هبة شيعية من المرشد الأعلى . وهذا أوجد لديهم إنتماء قويا وولاء متجردا . بينما الشرعية وجندها يستلمون راتبا بالريال السعودي والدرهم الإماراتي .. ويصطفون طوابيرَ لاستلام الهِبَة الملكية . وهذا أوجد ضعفا في الانضباط القيادي ، وخللا في التوجه الميداني .. فسارع كثيرون نحو الحد الجنوبي السعودي دفاعا عنه ، في وقت تحتاجهم جبهاتُ المناطق المحررةِ .
8 - حافظَ الحوثيُ على رسم شكل الدولة الحقيقية ، القادرة على إدارة شؤونها ، بأمنٍ حازمٍ وقرار جازم ، هيبة دولة وقوة إدارة . ويبين ذلك وحدةُ قرارها السياسي ، وترابطُ صفها العسكري ، وتناقصُ جرائم العنف الاجتماعي وتقطعُ الطرقات ، واستقرارُ سعر صرف العملة ... وغيرها . حتى مسألة الوحدة فقد بين موقفَهم جليا منها .. لا جدال فيها ولا فصال . بينما لم تستطعْ الشرعيةُ أن تجسدَ شكلَ الدولةِ في المحافظات المحررة ، فعدن والمكلا لا تخضعان لسلطتها ولا تتقيدان بسياستها ، وتشهد محافظاتٌ عملياتِ نهبٍ وبسط وترهيب وتخويف أمني دون ضبط ولا عقاب . ويشهد صرفُ العملة وأسعارُ المواد بكافة أنواعها واستخداماتها ارتفاعا كبيرا . ولا يخفى أنَّ الانتقاليَ المطالب بالانفصال يشغلُ أربعَ حقائبَ وزارية في حكومتها .
ومما سبق فيجب على الشرعية أن تراجعَ نهجَها السياسي الحالي ، وتغيرَ سلوكَها القيادي ، وتخلعَ جلدَ الخروفِ المنقاد التابع ، وتلتحفَ لبادةَ الأسدِ القائد الشاجع .. وبذا ستثبتُ جدارتَها بقيادة هذا الوطن ، وتؤكد شرفَ استحقاقِها بالدفاع عن هذا الشعب .. ولتتخذ خطواتٍ ومواقفَ حاسمةً قوية شجاعة ، يحقق لها سمو الموقف وصدق المنطلق وجدية السير ، ويجعل الشعبَ ملتفا حول قراراتها ، واثقا من قوتها ، داعما سلطتها ، داعيا لقيادتها ، واثقا من فاعلية قراراتها . وكلُ ذلك لن يتحققَ إلا بتنقية الحَبِ ، وتخليةِ الجُب ، وتصفيةِ القلبِ . فليرَ الجميعُ - حلفاء وأعداء - منكم قوةً وصدقا وتجردا وعزما .. تجدوا منهم تقديرا ومهابة وتوددا واستجابةً .