حرب الأكاذيب
تتكشف كل يوم معلومات وحقائق جديدة حول الأكاذيب التى قامت بها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش فى حربها على العراق، ومحاولاتها استخدام وتجنيد الصحفيين ووسائل الإعلام للترويج للأكاذيب التى تبثها الإدارة عن الحرب وأسبابها ومسارها، ولعل ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ـ والتي سبق أن كشفت الكثير عن تلك الأكاذيب ـ وذلك فى عددها الصادر في 20 ابريل الماضي يشير إلى وسيلة جديدة من حرب الأكاذيب التى تقوم بها إدارة بوش، فقد ذكرت الصحيفة في تحقيق مطول أن إدارة بوش جندت محللين عسكريين أمريكيين متقاعدين وأعدتهم ليكونوا معلقين عسكريين في محطات التلفزة ليتحدثوا فى شبكات التلفزة كخبراء فى حرب العراق ويتحدثوا بما يتوافق مع سياسة بوش وتوجهات إدارته علي أن يتم تزويدهم بمعلومات خاصة من البنتاجون.
وقالت الصحيفة في التقرير المطول الذي كتبه ديفيد بارستو أن " التسجيلات والمقابلات توضح كيف أن إدارة بوش استغلت سيطرتها على إمكان الحصول علي المعلومات فى محاولة لتحويل المحللين إلى نوع من حصان طراودة إعلامي" ..
وأضافت الصحيفة أن هؤلاء المحللين الذين يتقاضون بين 500 و1000 دولار عن كل ظهور تليفزيوني قد تم تدربيهم وإعدادهم فى البنتاجون، وأن البنتاجون قد نجح فى تجنيد ما يزيد على 75 من الضباط المتقاعدين وكان القسم الأكبر منهم من بين المرتبطين بمحطة فوكس نيوز وإن بي سي وسي إن إن وكان من بينهم تسعة ممن كتبوا مقالات فى نيويورك تايمز .
وقد أعادت هذه الفضيحة الأنظار إلى الشهادة الكاذبة التى قدمها وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول شتاء العام 2002 إلى مجلس الأمن حول امتلاك العراق أسلحة للدمار الشامل ، ثم قيام البنتاجون بعد ذلك باصطحاب أكثر من ألف من الصحفيين علي ظهور الدبابات ليكتبوا عن الحرب بعدما أعلن رامسفيلد أنه لا يضمن أمن الصحفيين المقيمين فى بغداد أي فى الجانب الآخر من المعركة، وقد تعامل البنتاجون مع هؤلاء الصحفيين كما يتعامل مع الجنود حيث تم تزويدهم بالملابس العسكرية وتدريبهم علي إطاعة الأوامر وفي نفس الوقت لم يكن يعطيهم إلا المعلومات التى يرغب فى نشرها والتي لم تكن سوى مزيج من الأكاذيب والتضليل الأعلامي الذي يخدم الجانب الأمريكي ، ذلك التضليل التى أنشأ له وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد مكتبا سريا خاصا فى البنتاجون سمي " مكتب التأثير الأستراتيجي " وكانت مهمته تقوم علي تزويد الصحافة ووكالات الأنباء عبر طرف ثالث بالمعلومات المضللة والكاذبة عن الخصم وعن مسار الحرب ، وظل المكتب يقوم بدوره حتى تم فضحه وكشف دوره فأعلن عن إغلاقة ، وفي ديسمبر من العام 2005 كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن فضيحة كبرى تتعلق بقيام قوات الأحتلال الأمريكي فى العراق عبر شركات للعلاقات العامة منها شركة " لينكولن جروب " بكتابة عشرات المقالات التى تروج للأحتلال وتتبني وجهة النظر الأمريكية ثم ترجمة هذه المقالات للغة العربية ونشرها بأسماء صحفيين عراقيين ونشرها فى الصحف العراقية ، وكانت تلك المقالات تحفل بالأكاذيب وتبين الأمريكيين علي أنهم حملة رسالة إنسانية فى العراق ، وأنهم جاؤوا من أجل إنقاذ العراقيين المعذبين من نير الظلم والأستبداد .
هذه بعض الفضائح السرية ، أما من الناحية العلنية فإن إدارة العلاقات العامة لكسب العقول والقلوب التي أسستها الأدارة ووضعت علي رأسها كارين هيوز التى استقالت بعد فشلها ، ثم إدارة تحسين العلاقات مع الدول العربية التى وضعت علي رأسها ابنة نائب الرئيس ديك تشيني والتى فشلت أيضا واستقالت كلها تثبت أن امتلاك الأموال الباهظة وتجنيد الكذابين والمدلسين وصناعة الأكاذيب لن تكون علي الأطلاق كافية لتحقيق أي نجاح يذكر وأن ترويج الأكاذيب لا يصنع نصرا ولا يغير واقعا حتى وإن نجح بشكل مؤقت ، لقد قامت هذه الحرب من البداية علي الأكاذيب لكنها لم تستطيع أن تحقق أي نجاح فى شيء ولم تخسر الوضع العسكري فقط وإنما خسرت كذلك العقول والقلوب وستظل الفضائح تلاحقها حتى رحيل بوش ومن يدري ماهي الفضائح التى سيتم كشفها خلال الفترة القادمة ؟ في الإثنين 16 يونيو-حزيران 2008 06:37:41 م |
|