حالة اللاحرب واللاسلم وتمدد الحوثيين السلطة تمهد للتخلي عن محافظات
بقلم/ محمد الغابري
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 3 أيام
الخميس 14 أكتوبر-تشرين الأول 2010 04:39 م

منذ الإعلان عن وقف الحرب «السادسة» فبراير الماضي، وحتى اللحظة دخلت الحالة في محافظة صعدة وما جاورها حالة اللاحرب واللاسلم، لم تعد هناك عمليات حربية شاملة، ولم يصل الطرفان إلى اتفاق ينهي الحرب، ويقيم السلام، إنها حالة شأنها شأن الشئون اليمنية كافة فلا يوجد حسم ولا قضية محسومة. كل القضايا معلقه، الحوار والانتخابات والتعديلات والأزمات والحراك والقاعدة.

الثابت على الأرض في صعدة وفي أروقة المباحثات والتفاوض أن الحوثيين حققوا تقدما واسعا في حرف سفيان، وفي بعض مديريات محافظتي الجوف آخرها مديرية برط المراشي.

في أغسطس الماضي تحدث حسن زيد الأمين العام لحزب الحق -المقرب من الحوثيين- عن قيام جناح في السلطة مع السفارة القطرية بتسليم حرف سفيان للحوثيين. وقد تبين لاحقا أن هناك تسليماً من قبل السلطة بما يقوم به الحوثيون، تجسد ذلك التسليم بمقالة لقائد الحرس الخاص تحت عنوان «صبرا آل عزيز» في إشارة إلى طرد بني عزيز وإخراجهم من ديارهم، وهم كانوا معتمدين على السلطة وقواتها المسلحة في مواجهة الحوثيين.

وفي حديث حسن زيد المشار إليه سابقا قال إن الحوثيين يسيطرون على أربع محافظات كليا وجزئيا. وفي أحاديث متفرقة للدكتور عبدالكريم الإرياني يظهر منها كما لو أن هناك اتفاقاً بين السلطة والحوثيين على المزيد من التمكين للأخيرين، فمرة يتحدث المستشار السياسي عن إهمال صعدة وأنها لم تأخذ حقها من مشاريع التنمية، ومرة أخرى يختزل أسباب ظهور مشكلة الحوثيين في معهد دماج، لكنه يصل إلى الذروة في الإشارة إلى تخلي السلطة عن صعدة بالقول إن صعدة لم تكن يوما جمهورية.

دلالات وأبعاد

إن محافظة صعدة ومحافظة الجوف ومحافظة حجة تشترك في الإهمال من قبل السلطة فإذا كانت السلطة تقر متأخرة جدا أن صعدة أهملت، فإن الجوف وحجة ومأرب من المهملات، وإذا كان ذلك أحد الأسباب التي مكنت للحوثيين في صعدة فلا غرابة إذا أن نسمع بأن الجوف لم تكن جمهورية وكذلك حجة، وذلك يعني أن السلطة تمهد للتخلي الرسمي عن الجوف وحجة.

تضاف إليها حديث وزير التربية والتعليم لن يفتح مدارس في صعدة ما لم تكن جمهورية، إعلان رسمي بأن صعدة خارج الجمهورية اليمنية وأنها كيان آخر، إذا قبلت بالانضمام للجمهورية سنفتح مدارس، كيف يمكن تفسير ذلك؟

اللامعقول

قد يصاب بعض الناس بآفات يفقدون فيها عقولهم ويصيرون مجانين، ويغدو سلوكهم اللامعقول طبيعيا، وغير مستغرب ولكن في حياتهم نشهد سلوكا غير معقول من أناس يبدون عقلاء بل وفي مواقع تتطلب أناساً في كامل قواهم العقلية، وسلوكهم اللامعقول محاولة تفسيره قد تصيب بالجنون، ومن هنا يأتي الاستناد إلى نظرية المؤامرة، ووجود قوى خارقة وخفية مسيطرة وتجند الكثير من القوى، وقد تعمل القوى المجندة بوعي أنها مجندة، وقد لا تدرك ذلك البتة لكنها مجندة.

نحاول الوقوف هنا على معطيات اللامعقول، وغير قابلة للتفسير، إنها التجنيد الفعلي للجنون لكن أهلها يظهرون عقلاء، هناك سلوك جنوني بكامل القوى العقلية مثله وتسميه الأعمى بصير واللديغ سليم والمهلكة مفازة تسميات عربية تفاؤلية لها مبرراتها، لكن هنا ما يسمى بالفوضى الخلاقة/ النشأة.

 

طبخات قاتلة فاسدة

إن المطبخ الرئاسي الذي صنع البيئة الملائمة لنشأة وتطور الحوثيين قد فكر وقدر، أن ظهور حركة أو جماعة تكون امتداد للإمامة تستدعي ذاكرة الأغلبية من اليمنيين وتعيد إلى أذهانهم ممارسات الإمامة من القهر والتخلف والجهل والاستخفاف والتمييز والاحتقال وأن ذلك ربما يجعل الناس يفاضلون بين الإمامة وبين التوريث فيقبلون بالأخيرة لأنها ستكون أهون الشرين، وفي الوقت نفسه وجود حركة فكرية مسلحة على تخوم المملكة يدفع الأخيرة إلى تقديم أموال طائلة للسلطة، للوقاية من حركة أو جماعة معادية على الحدود. ربما تحقق للسلطة بعض الأهداف جزئيا، لكن ما هو ثابت أن القضية غدت أكبر وأكثر إثارة وربما تستعصي على الكثير في تفسيرها، وذلك يدفع إلى مناقشة فرضيات تعود بنا إلى نظرية المؤامرة، وهي نظرية عملية جزئيا أي ليست على إطلاقها وفي الوقت نفسه لا يمكن استبعادها كليا.. من المستفيد من الحوثية وتمددها؟ إن القليل من التأمل في الأحداث ومسارها سيصل إلى نتيجة فحواها أنه يستحيل أن ما يصدر عن السلطة وأدائها هو من أناس بكامل قواهم العقلية أو يمتلكون إرادتهم في إدارة الشئون العامة، ولذلك يمكن القول إن السلطة أو أطراف منها فقدوا إرادتهم ويسلكون سلوك من ارتهنت إرادته أو سلبت منه.

الفرضية هنا: أن السلطة مخترقة على جميع المستويات من قبل قوى مختلفة متصارعة في المنطقة.. من المستفيد؟

إن أي سلطة لا يمكن أن تكون مستفيدة بإحلال أو حلول سلطة أخرى واقتطاع أجزاء أو مناطق من البلاد، مهما كانت مبرراتها بمعنى أكثر تحديدا أن العائد من تطوير الحوثيين على السلطة في تخويف اليمنيين وجيرانهم، وإثارة مخاوف دولية والحصول على تمويل كله لا يساوي شيئا أمام فقدانها لمحافظات ومديريات، وانسحابها لصالح سلطة حركة أو جماعة. الشاهد أن السلطة غير مستفيدة في نهاية المطاف.

المستفيد الأول: إيران

إذا كان هناك من جهة خارجية مستفيدة من ظهور الحوثيين فإنها إيران، وطموحاتها الإقليمية ولها دوافع تاريخية واستراتيجية.. مزاحمة القوى الكبرى في النفوذ في الممرات المائية، إضافة إلى التماس مع المملكة العربية السعودية.

فهل السلطة مخترقة من إيران؟ لا يستبعد حتى وإن ارتفعت أصوات احتجاجية على إيران، لا مانع المهم الواقع على الأرض.

الولايات المتحدة

إن المواقف المعلنة للولايات المتحدة تشير إلى صلاة ما بالحوثيين الذين تعلموا من إيران إمكانية التواصل مع «العدو» وفي الوقت نفسه تبدو الولايات المتحدة وفي إطار استراتيجيتها في المنطقة متعاونة مع الحوثيين. في هذا الإطار، فإن شعارات الحوثيين وعلى الرغم من أنها تضعهم في قائمة «الإرهاب» وفقا للمواصفات والقوانين الأمريكية كونهم يحرضون على الكراهية لأمريكا وإسرائيل إلا أن الإدارة الأمريكية قد صدرت عنها رسائل تفيد أن المهم الوقائع على الأرض فالقتل والموت إنما يصيب اليمنيين.

في ذروة الحرب السادسة وعبور الحوثيين للحدود قال الأمريكيون إنهم لم يجدوا أيادي لإيران في دعم الحوثيين، شهادة براءة أمريكية لها أكثر من دلالة ومغزى، وفي تقديم الأمريكيين دعم للسلطة يشترطون عدم استخدام السلاح الأمريكي ضد الحوثيين.

الولايات المتحدة تسلك ذلك في إطار استراتيجية بعيدة المدى، تعتمد على التواصل مع الأقليات والمذهب ومن بينهم توسع الجيوب الشيعية في المنطقة.

وفي حالة شن حرب على إيران الجدار الذي يعتمد عليه الشيعة العرب فإن المطلوب أن تكن الجيوب الشيعية العربية على درجة من القوة لإبقاء التناقض الشيعي السني حاضرا ودائما، ثم إن تجربة أمريكا في العراق قد أثبتت لها أن الشيعة مهما كان شعاراتهم معادية لأمريكا فإنهم في نهاية المطاف مستعدون للتمكين لأمريكا، والتقاء المصالح ظاهر. الشاهد في ذلك أن السلطة رهينة لقوى خارجية وإن بدت في البداية لها مصالحها الخاصة، لكن استمرارها في التمكين للحوثيين تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها مخترقة، وتعمل ضد اليمن بالمطلق وأنها غدت أدوات لتحقيق مصالح «العدو» أيا كان.

لا يوجد تفسير غير ذلك، الصراع على السلطة لا يصل إلى ذلك المستوى من الانحدار، وقتل الجيش وقتل معنوياته وإشاعة الخيبة والهزيمة تتجاوز المصالح الضيقة للسلطة إلى مستوى تقديم خدمات للقوى المسيطرة. ذلك يجر السلطة ذاتها مع البلاد إلى الهلاك، لو أنصفت لأعلنت عجزها عن المحافظة على الدولة اليمنية ووحدة وسلامة أرضها وشعبها، ومن ثم تشجب وتتسلم البلاد لأهلها لشعبها.

السلطة..

الحوثيون يظهرون في نهاية المطاف مجرد أدوات لقوى باطنية وربما ماسونية أيضا، قوى سرية بارعة لم تستثن من ملفاتها حتى «العلماء» لا يوجد تفسير غير ذلك، وإلا فليخبرونا وليقنعونا ما مصلحة السلطة في إضعاف الجيش وحتى لو كانت مصلحة آنية فإن خسائرها أفدح؟ ما مصلحة السلطة في تعطيل عناصر القوة وتبديدها؟ ما مصلحة الحوثيين في خوض حروب شرسة وقتل وتشريد اليمنيين؟ وهل يحسبون أنهم خارج حسابات القوى الخارجية؟ وهل يمكن أن يدركوا أنهم يعادون الإسلام في الواقع بما يعكسون من دموية واستباحة للدماء والممتلكات وأنهم في نهاية المطاف دعاة تخلف وفساد في الأرض؟

كم خسر اليمنيون في صعدة؟ وكم أهدرت من الممتلكات وكم تحول أناس من الغنى إلى العوز والحاجة؟ وكم تشرد من النساء والأطفال؟

كل ذلك عبارة عن جرائم يتحمل أوزارها الحوثيون والسلطة معا والمستفيد هو العدو الباطن والظاهر!!.