مثقلون بإرث "الحاكمية"
بقلم/ نائف حسان
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 13 يوماً
الإثنين 04 أكتوبر-تشرين الأول 2010 12:23 م
ليس في الأمر مزحة؛ ويبدو أن لياقة الرئيس ما زالت عالية. أصبحنا نعرف طبيعة حركة الرجل ومناوراته، والأدوات التي يلعب بها. ومع أن هذه الأدوات قديمة؛ إلا أنها لم تفقد فاعليتها.

نهاية رمضان المنصرم؛ لوح الرئيس بتشكيل لجنة من رجال الدين لتكون مرجعية للحوار السياسي، والخميس الماضي أصدر قراراً جمهورياً بذلك. ورغم أن هدف الرئيس يبدو واضحاً من تشكيل هذه اللجنة؛ إلا أن رجال الدين تعاملوا مع الأمر بجدية من يبحث عن دور. وعلمتُ, مساء الخميس، أن بعض الأحزاب تلقت رسائل من أحد رجال الدين الكبار طالبهم فيها بتزويده ببرامجهم!

قرار جمهوري بإنشاء "لجنة العلماء" كـ"مرجعية شرعية عليا لتقديم النصح والمشورة". والملفت أن القرار الجمهوري يقول إن ثاني مهام واختصاصات هذه اللجنة تتمثل في "التدخل لدى الأطراف ذات الشأن العام لإقناعها بالتحاكم إلى شرع الله تعالى". أعادني الأمر إلى السنة الـ37 للهجرة، وتحديداً إلى معركة "صفين"، التي رفع فيها معاوية بن أبي سفيان المصاحف على أسنة الرماح، طالباً الاحتكام إلى كتاب الله. وطبقاً للروايات التاريخية المختلفة؛ فمعاوية لم يتدارك بذلك هزيمة وشيكة لجيشه فحسب، بل زرع بذور شقاق كبير في جيش علي.

انطلت مكيدة عمرو بن العاص على آلاف من جيش علي. كان الأشتر النخعي يتقدم من خيمة معاوية، حين طلب من سيُعرفون في ما بعد بـ"الخوارج" من علي إيقاف القتال، وهددوا بمقاتلته إن لم يفعل. قال لهم علي بن أبي طالب إن في الأمر مكيدة. قال لهم إنه يعرف هؤلاء القوم، وأنه صحبهم أطفالاً وشباناً في قريش. وقال لهم إن "القرآن حمال أوجه". غير أن الذين خرجوا عليه من جيشه تجاهلوا كل ما قال، واستمروا في تهديده بالحرب إن لم يُوقف القتال، وخاطبوه لأول مرة باسمه، (يا علي)، دون صفته: "أمير المؤمنين". تألم للأمر، ورضخ لقرار إيقاف الحرب. والذين فرضوا عليه إيقاف الحرب، فرضوا عليه أبا موسى الأشعري حكماً عنه. قال لهم إنه يريد أن يكون عبدالله بن العباس ممثله في التحكيم، فقالوا إنه قريبه. قال لهم: "إذن فهو الأشتر". فقالوا إنه رجل لا يريد للحرب أن تتوقف. جلس علي، وأطلق حكمة ما زالت مشهورة حتى اليوم: "لا رأي لمن لا يُطاع".

وبعد كتابة التحكيم بين علي ومعاوية؛ عاد الخوارج إلى رشدهم فقالوا للإمام علي إنهم تابوا، وطلبوا منه أن يعلن توبته، ويخرج بهم لقتال معاوية. بعد كل ذاك؛ قاتل الخوارج علي بدعوى أنه رفض حكم الله وقبل تحكيم البشر!

أثبتت المفاوضات في "دومة الجندل"، بين عمرو بن العاص وأبي موسى، أن "القرآن حمال أوجه بالفعل"، ثم انتهى الأمر بالخديعة المشهورة التي تجرعها أبو موسى.

فقست "صفين" الخوارج، الذين استدلوا بآيات "الحاكمية" الثلاث الواردة في سورة المائدة. والمعروف أن المودودي أحيى "مبدأ الحاكمية"، ثم تقمصه سيد قطب، فالتيار الوهابي المتشدد، الذين يُعيد الرئيس بعثهم الآن، عبر نفخ "مبدأ الحاكمية" في روحهم بواسطة "لجنة العلماء"، التي تتمثل مهمتها في "التدخل لدى الأطراف ذات الشأن العام لإقناعها بالتحاكم إلى شرع الله تعالى"! وطبقاً لهذا المبدأ؛ فـ"من لا يحكم بما أنزل الله" فهو كافر.

"حاكمية"، ورجال دين، في القرن الحادي والعشرين، وفي بلد يقول إنه ديمقراطي!