الإسلام دين التسامح أم إلغاء الآخر؟
بقلم/ فؤاد الحميدي
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 11 يوماً
الثلاثاء 03 أغسطس-آب 2010 05:38 م

مع تعالي الأصوات هنا وهناك التي تحشر الإسلام في زاوية الإرهاب والعنف نظرا لما تقوم به بعض الجماعات الاسلامية المتطرفة من أعمال إرهابية قدمت للغرب صورة بشعة مشوهة عن الإسلام وعن المسلمين بالمقابل تعالت الأصوات للدفاع عن الإسلام بأنه دين الحب والرحمة والتسامح.

إن التسامح كما تعرفه المعاجم العربية يعني الكرم والجود والسعة والسخاء وهو أيضا العفو واليسر وسهولة المعاملة والتوسط والاعتدال , لكن التسامح بمعناه الحديث في بعده الفلسفي والأخلاقي والاجتماعي يعني القبول بالآخر واحترام خصوصياته العقائدية وشعائره الدينية وأفكاره وقناعاته . والتسامح الديني (الإسلامي) هو الذي افرز أنواعا من الاختلاف الثري في الجوانب الفكرية والمعرفية (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) إلا أن البعض يرى في التسامح نوعا من التنازل عن المعتقد والخضوع لمبدأ المساومة والتنازل فكان اللجوء إلى التشدد والغلو الذي يقود إلى إقصاء الآخر وعدم الاعتراف به بل أحيانا إلى تصفيته.

انه وان كانت هناك شواهد وجوانب مضيئة في تاريخنا العربي والإسلامي تبرز التسامح في أبهى صوره بيد انه في المقابل وجد ومازال يوجد من يدعي انتسابه للإسلام لكنه يمارسه بعيدا عن مبدأ التسامح وهذا ينطبق سواء على الأفراد او الجماعات او الدول وهذا ما شكل مفارقة خطيرة في النظم الغربية حاليا وهي أن التسامح مع الأيدلوجية الإسلامية هو إعطاء حرية لطرف غير متسامح , فحين يكون الغرب ارحم وارأف بالمسلمين المقيمين على أرضه يمارسون حياتهم الاجتماعية والفكرية والدينية بكل حرية يكون على النقيض حال بعض إن لم يكن معظم مسلمي الدول العربية والإسلامية الذين لا يستطيعون ممارسة حرياتهم بما فيها الدينية بالشكل الصحيح ناهيك عن أصحاب الديانات او المعتقدات الأخرى الذين هم أكثر عرضة للقمع.فالحرية الدينية في بعض الدول الإسلامية تصنف على أنها الأسوأ عالميا لكن تغييب الحرية الدينية في هذه الدول ليس نابعا من أيدلوجية معادية للدين بل إن قمع وكبت وتغييب الحرية في هذه الدول نابع من تسخير الديني للسياسي واعتماد المفهوم التقليدي للنصوص إلى جانب الإحساس بالسمو العقائدي الذي لا يهم معه تغييب او إلغاء عقيدة الآخر مع أن عقيدة هذا الآخر قد يكون لها من الشروط الموضوعية ما جعلها تعيش لآلاف السنين حتى وان كانت وثنية فهؤلاء كفار قريش برغم عقيدتهم الوثنية لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت لإلغائها بقدر ما أتى ليقارعهم بالمنطق والحجة والبرهان (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).

وانه وان كان الإسلام قد أرسى قاعدة (لا إكراه في الدين) لكن هناك من يأتي بأدلة (إن الدين عند الله الإسلام) (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ليحمل على عاتقه هم نشر هذا الدين بطرقه الخاصة حتى وان كان بمنع بناء كنيسة او معبد او مدرسة دينية او إن استدعى الأمر بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة على اعتبار أن الآيتين السابقتين و مثيلاتها من الآيات تصرح وبوضوح قرار رب العزة برفض جميع الأديان ما عدا الإسلام مع أن هذه القضية تظهر ان ثمة تسامحا دينيا في الإسلام وان الأمر يتعلق بأسلوب إنذار ووعيد أخروي وان حساب من يرفض الإسلام سيكون في اليوم الآخر ( وهو في الآخرة من الخاسرين).

هل مازال الجهاد ضرورة؟

إن مفهوم الجهاد مفهوم واسع يشمل جوانب عديدة لا يقتصر على إحداها على حساب الجوانب الأخرى فهناك جهاد النفس وهو ( الجهاد الأكبر) وجهاد الظلم (أعظم الجهاد) وجهاد أعداء الدين ويصير الأخير واجبا في الحالات التالية:

حالة الدفاع عن العقيدة.

حالة الدفاع عن النفس.

حالة الدفاع عن المظلومين والعجزة و الأطفال.

وانه وان اقر الجهاد في بداية الدعوة الإسلامية والذي هو بمعنى (القتال) فإن هدفه الأساسي لم يكن إكراه الناس على اعتناق الدين بقدر ما اقتضت الضرورة وواقع الحال إتباع ذلك الأسلوب . حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم) فهنا يتجلى دور الرسول –السياسي- فهذه مقولة يراد بها الترهيب والوعيد أكثر منها إقرار القتال وإلغاء الآخر فالدعوة الإسلامية كانت مازالت في بداياتها والأعداء يتناوشونها من كل جانب فكانت هذه بمثابة إعلان ظاهره الهجوم وباطنه الدفاع عن النفس والا عد هذا تناقضا وتعارضا مع نصوص أخرى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) وقال صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت بالحنيفية السمحة) أي التي تتخذ مبدأ التسامح منهاجا لها.مع أن ما حصل لاحقا إبان الغزو الإسلامي لبعض دول العالم في عهد الدولة الأموية والعباسية كانت لأسباب سياسية توسعية لهذه الممالك التي لا يمكن ان يطلق عليها اسم الدولة الاسلامية لأسباب لا مجال لذكرها هنا كما انه أيضا لم تراع خصوصيات هذه المجتمعات الجديدة التي أخضعت للمد العربي الإسلامي وتم تذويب هوياتها لصالح الهوية العربية الاسلامية وهذا ما جعل - على سبيل المثال – (الفرس إيران) حاليا يحملون ذلك الشعور التاريخي بالغبن لطمس هويتهم الفارسية والتي وبرغم مرور قرون على إخضاعها للوجود العربي الإسلامي إلا أنها تحاول الاحتفاظ بهويتها وهذا ما يبرر إصرارها على تسمية الخليج بـ(الخليج الفارسي) وان كان ليس تحت سيطرتها. هذا الشعور بالهوية ازداد وهجا وقوة منذ قيام الثورة الاسلامية الخمينية وزادت حدته في عهد الرئيس احمدي نجاد الذي يحرص دوما في خطاباته بتوجيهها إلى الأمة الفارسية.

إذن فهل ينبغي أن يكون مفهوم الجهاد الذي ظهر في بداية الدعوة الإسلامية والذي كانت له أسبابه ودواعيه المنطقية ان يظل ساري المفعول في الوقت الراهن لقتال غير المسلمين ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) فهذا معناه أن أكثر من ثلثي البشرية مصيرها القتل او اعتناق الإسلام كرها وهذا ما يتناقض كليا مع المنظومة الأخلاقية التي اقرها الإسلام من الإحسان والمجادلة الحسنة والألفة والتسامح والمسالمة والحرية ونشر المساواة وإحقاق الحق وبسط العدل بين الناس وتحرير الإنسان من الجهل والعبودية والظلم ونشر المحبة والموعظة الحسنة وتوطين النفس على التعامل الحضاري مع الآخرين حتى بوجود اختلاف وتمايز معهم إما اثنيا او عقديا او فكريا فحسن التعامل الأخلاقي والحضاري مع الآخرين قد يحولهم من موقع العداوة والخصومة إلى موقع الولاء والانسجام ,فالتعايش مع الآخر والاعتراف به والحوار معه هو جوهر التسامح الديني وهو دليل على قوة الشخصية ومظهر من مظاهر الرشد واكتمال العقل.