آخر الاخبار

مليشيا الحوثي تسخر من تهديدات ترامب تدخل إنساني رفيع من برنامج حيث الانسان مع الصيدلي الذي دفع ثمن إنسانية كل ما يملك.... هكذا عادات الحياة من جديد مع فايز العبسي قرابة مليار دولار خلال عدة أشهر ..مليشيا الحوثي تجني أموال مهولة من موانئ الحديدة لتمويل أنشطتها العسكرية . اللجنة الدولية للصليب الأحمر تكشف عن دعمها للمرافق الصحية والمستشفيات في مناطق سيطرة الحوثيين عقب الهجمات الأميركية عقوبات أمريكية جديدة على إيران وكيانات وشبكات تهريب تموّل الحوثيين هل تغيّر واشنطن خطتها ضد الحوثيين لتكون أكثر حسماً.. أم ستكرر السيناريو؟ نتائج المنتخبات العربية في التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم 2026 خلال اجتماع موسع مع قادة الكتائب والسرايا والضباط..قائد شرطة حراسة المنشآت وحماية الشخصيات بمأرب يشدد على رفع الجاهزية وتثبيت الأمن مأرب: الجمعية الخيرية لتعليم القرآن تنظم برنامج سرد القرآني ل200 طالب. تتضمن 59 مادة موزعة على 6 أبواب.. الفريق القانوني يسلم الرئيس مسودة القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة تمهيداً لاعتمادها وإصدارها بقانون

محمد الفاتح
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 18 يوماً
السبت 30 أكتوبر-تشرين الأول 2010 04:58 م
 
 

شاءت الأقدار أن يكون السلطان العثماني محمد الفاتح هو صاحب البشارة التي بشّر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه: "لتَفْتَحُنّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" [مسند أحمد: 4/335].

وانتظر المسلمون ثمانية قرون ونصف قرن حتى تحققت البشارة، و فتحت القسطنطينية بعد محاولات جادة بدأت منذ عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه (32هـ=652م)، وازدادت إصرارًا في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في مرتين: الأولى سنة (49هـ = 666م) والثانية بين سنتي (54-60=673-679م)، واشتعلت رغبة وأملاً طموحًا في عهد سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي سنة (99هـ=719م).. لكن هذه المحاولات لم يُكتب لها النجاح والتوفيق.

نشأة محمد الفاتح

ولد السلطان محمد الفاتح في (27 من رجب 835 هـ = 30 من مارس 1432م)، ونشأ في كنف أبيه السلطان "مراد الثاني" سابع سلاطين الدولة العثمانية، الذي تعهّده بالرعاية والتعليم؛ ليكون جديرًا بالسلطنة والنهوض بمسئولياتها؛ فأتم حفظ القرآن، وقرأ الحديث، وتعلم الفقه، ودرس الرياضيات والفلك وأمور الحرب، وإلى جانب ذلك تعلم العربية والفارسية واللاتينية واليونانية، واشترك مع أبيه السلطان مراد في حروبه وغزواته.

ثم عهد إليه أبوه بإمارة "مغنيسيا"، وهو صغير السن، ليتدرب على إدارة شئون الدولة وتدبير أمورها، تحت إشراف مجموعة من كبار علماء عصره، مثل: الشيخ "آق شمس الدين"، و"المُلا الكوراني"؛ وهو ما أثر في تكوين شخصية الأمير الصغير، وبناء اتجاهاته الفكرية والثقافية بناءً إسلاميًا صحيحًا.

وقد نجح الشيخ "آق شمس الدين" في أن يبث في روح الأمير حب الجهاد والتطلع إلى معالي الأمور، وأن يُلمّح له بأنه المقصود ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، فشبَّ طامح النفس، عالي الهمة، موفور الثقافة، رهيف الحس والشعور، أديبًا شاعرًا، فضلاً عن إلمامه بشئون الحرب والسياسة.

تولى محمد الفاتح السلطنة بعد وفاة أبيه في (5 من المحرم 855 هـ=7من فبراير 1451م)، وبدأ في التجهيز لفتح القسطنطينية، ليحقق الحلم الذي يراوده، وليكون هو محل البشارة النبوية، وفي الوقت نفسه يسهل لدولته الفتية الفتوحات في منطقة البلقان، ويجعل بلاده متصلة لا يفصلها عدو يتربص بها.

ومن أبرز ما استعد له لهذا الفتح المبارك أن صبَّ مدافع عملاقة لم تشهدها أوروبا من قبل، وقام ببناء سفن جديدة في بحر مرمرة لكي تسد طريق "الدردنيل"، وشيّد على الجانب الأوروبي من "البوسفور" قلعة كبيرة عُرفت باسم قلعة "روملي حصار" لتتحكم في مضيق البوسفور.

فتح القسطنطينية

وبعد أن أتم السلطان كل الوسائل التي تعينه على تحقيق النصر، زحف بجيشه البالغ 265 ألف مقاتل من المشاة والفرسان، تصحبهم المدافع الضخمة، واتجهوا إلى القسطنطينية، وفي فجر يوم الثلاثاء الموافق (20 من جمادى الأولى 857هـ= 29 من مايو 1453م) نجحت قوات محمد الفاتح في اقتحام أسوار القسطنطينية، في واحدة من العمليات العسكرية النادرة في التاريخ، وقد لُقب السلطان "محمد الثاني" من وقتها بـ"محمد الفاتح" وغلب عليه، فصار لا يُعرف إلا به.

 

ولما دخل المدينة ترجّل عن فرسه، وسجد لله شكرًا، ثم توجه إلى كنيسة "آيا صوفيا"، وأمر بتحويلها مسجدًا، وأمر بإقامة مسجد في موضع قبر الصحابي الجليل "أبي أيوب الأنصاري" الذي كان ضمن صفوف المحاولة الأولى لفتح المدينة العريقة، وقرر اتخاذ القسطنطينية عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم "إسلام بول" أي دار الإسلام، ثم حُرفت بعد ذلك واشتهرت بإستانبول، وانتهج سياسة متسامحة مع سكان المدينة، وكفل لهم ممارسة عباداتهم في حرية كاملة، وسمح بعودة الذين غادروا المدينة في أثناء الحصار إلى منازلهم.

ما بعد الفتح

بعد إتمام هذا الفتح الذي حققه محمد الثاني وهو لا يزال شابًا لم يتجاوز الخامسة والعشرين -وكان هذا من آيات نبوغه العسكري المبكر – اتجه إلى استكمال الفتوحات في بلاد البلقان، ففتح بلاد الصرب سنة (863هـ=1459م)، وبلاد المورة (865هـ= 1460م)، وبلاد الأفلاق والبغدان (رومانيا) سنة (866هـ=1462م)، وألبانيا بين عامي (867-884م=1463-1479م)، وبلاد البوسنة والهرسك بين عامي (867-870هـ=1463-1465م)، ودخل في حرب مع المجر سنة (881هـ=1476م)، كما اتجهت أنظاره إلى آسيا الصغرى ففتح طرابزون سنة (866هـ=1461م).

كان من بين أهداف محمد الفاتح أن يكون إمبراطورًا على رومـا، وأن يجمع فخارًا جديدًا إلى جانب فتحة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، ولكي يحقق هذا الأمل الطموح كان عليه أن يفتح إيطاليا، فأعدَّ لذلك عدته، وجهّز أسطولاً عظيمًا، تمكّن من إنزال قواته وعدد كبير من مدافعه بالقرب من مدينة "أوترانت"، ونجحت تلك القوات في الاستيلاء على قلعتها، وذلك في (جمادى الأولى 885هـ= يوليو 1480م).

وعزم محمد الفاتح على أن يتخذ من تلك المدينة قاعدة يزحف منها شمالاً في شبه جزيرة إيطاليا، حتى يصل إلى روما، لكن المنيّة وافته في (4 من ربيع الأول 886هـ=3 من مايو 1481م)، واُتهم أحد أطبائه بدس السم له في الطعام، وكان لموته دوي هائل في أوروبا، التي تنفست الصعداء حين علمت بوفاته، وأمر البابا أن تقام صلاة الشكر ثلاثة أيام ابتهاجًا بهذا النبأ.

محمد الفاتح رجل الدولة وراعي الحضارة

لم تكن ميادين الجهاد والحرب التي خاضها محمد الفاتح خلال مدة حكمه التي بلغت ثلاثين عامًا هي أبرز إنجازات محمد الفاتح؛ حيث اتسعت الدولة العثمانية اتساعًا عظيمًا لم تشهده من قبل -وإنما كان رجل دولة من طراز رفيع، فقد استطاع بالتعاون مع الصدر الأعظم "قرة مانلي محمد باشا"، وكاتبه "ليث زاده محمد جلبي" وضع الدستور المسمى باسمه، وقد بقيت مبادئه الأساسية سارية المفعول في الدولة العثمانية حتى عام (1255هـ=1839م).

واشتهر محمد الفاتح بأنه راع للحضارة والأدب، وكان شاعرًا مجيدًا له ديوان شعر، وقد نشر المستشرق الألماني "ج. جاكوب" أشعاره في برلين سنة (1322هـ=1904م)، وكان الفاتح يداوم على المطالعة وقراءة الأدب والشعر، ويصاحب العلماء والشعراء، ويصطفي بعضهم ويُوليهم مناصب الوزارة.

ومن شغفه بالشعر عهد إلى الشاعر "شهدي" أن ينظم ملحمة شعرية تصور التاريخ العثماني على غرار "الشاهنامة" التي نظمها الفردوسي. وكان إذا سمع بعالم كبير في فن من الفنون قدّم له يد العون والمساعدة بالمال، أو باستقدامه إلى دولته للاستفادة من علمه، مثلما فعل مع العالم الفلكي الكبير "علي قوشجي السمرقندي"، وكان يرسل كل عام مالاً كثيرًا إلى الشاعر الهندي "خواجه جيهان"، والشاعر الفارسي "عبد الرحمن جابي".

واستقدم محمد الفاتح رسامين من إيطاليا إلى القصر السلطاني، لإنجاز بعض اللوحات الفنية، وتدريب بعض العثمانيين على هذا الفن.

وعلى الرغم من انشغال الفاتح بالجهاد فإنه عُني بالإعمار وتشييد المباني الراقية، فعلى عهده أنشئ أكثر من ثلاثمائة مسجد، منها في العاصمة "إستانبول" وحدها (192) مسجدًا وجامعًا، بالإضافة إلى (57) مدرسة ومعهدًا، و(59) حمامًا.

ومن أشهر آثاره المعمارية مسجد السلطان محمد، وجامع أبي أيوب الأنصاري، وقصر "سراي طوب قبو".

لقد كان الفاتح مسلمًا ملتزمًا بأحكام الشريعة الإسلامية، تقيًا ورعًا بفضل النشأة التي نشأها وأثرت فيه تأثيرًا عظيمًا، أما سلوكه العسكري فكان سلوكًا متحضرًا، لم تشهده أوروبا في عصورها الوسطى ولم تعرفه شريعتها من قبل.