التسليم السلمي العربي الأول للسلطة.. ماجد أنت يا يمن
بقلم/ عادل الربيعي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 20 يوماً
الثلاثاء 28 فبراير-شباط 2012 07:56 م

إن القافزين من على المألوف بقلوب شجاعة وعقول واعية هم من يصنعون صفحات جديدة للحيـاة ، هكذا علمتنا سيرورة الزمن بين دفتي التاريخ ، وهنــا نقف اليوم وفي هذه اللحظة السياسية اليمنية على ما هو كذلك أو يبدو كذلك ..!!

نعم رئيس يمني سابق يسلم السلطة لرئيس يمني جديد مُنح الشرعية الشعبية من خلال انتخابات ديمقراطية مباشرة ... في قفزة من على دوائر المألوف العربي والمعهود اليمني ولحظة سياسية مدهشة تلد بالندرة ذاتها التي تصنعها الاستثناءات في نواميس الحركة الكونية .

فأن تشاهد بأم عينيك رئيساً عربياً يقوم بتسليم السلطة لخلف له في حفل بروتوكولي محلي وإقليمي مغموراً بالابتسامة والود ،فانك تقف أمام تغير جوهري في النواميس الحاكمة لمحددات السلوك السياسي اليمني والعربي على امتداد حقبته المعاصرة ، بل تصبح عياناً أمام سابقة تاريخية تستحق الوقوف والقراءة واستخلاص الدلائل والقيم والفرص كذلك .

وجدير بالذكر هنا أن الوقوف على هكذا حدث تاريخي يستلزم السمو المسبق من على النزعات السياسية والمواقف الحزبية المتأزمة والتعاطي معه بقيم وطنية وعقلية سياسية تعي المعنى والأهمية الأسمى للمنعطفات التاريخية التي تلد فجأة لتقسم التاريخ من حولها إلى ما قبل وما بعد.

وحقيقة تزداد صعوبة تقديم قراءة منطقية لهذا الحدث لكونه قد جاء محمولاً ولاحقاً لأزمة سياسية شديدة عصفت باليمن والوطن العربي تحت ما يسمى " الربيع العربي " ؛ وبالتالي فاللحظة والمشهد محاطين بالعديد من الحملات الإعلامية المتصارعة والتي تهدد من جعله أمــا مجرد نصراً شخصياً لشخص ما او مجرد مسرحية سامجه تُـدفن بين التشكيك والتشوية وهو ما قد يفقدنا القدرة على الاستفادة منها وتسطير العبرة التاريخية والقيمة الديمقراطية لهذا الحدث، والوقوف مشلولين أمام وأده في ثقافة الصراع السائدة في بلادنا اليمني خاصة والعربي عامة والتي تعاني من الافتقار إلى القيم الوطنية والثقافة المؤسسية وأمية حوار تقودنا إلى دهاليز من الأحقاد والانحرافات وبالدرجة التي معها تجدهم جميعاً قد فقدوا القدرة على استذكار الحلم والقيم المؤسسة لمواقفهم المبدئية !!

ويمكن القول بأن اليمن اليوم قد سطر مثلاً تاريخاً له وللعرب وأمام العالم من خلال الأبعاد الأربعة التالية :

1. أن القيمة الأهم لهذه الحدث تأتي من كونه سابقة سياسية تمنح كلاً من اليمن والرئيسين السابق والحالي ريادة محلية وإقليمية في تكريس قيم التداول السلمي للسلطة من خلال هذا الفعل المُحتفى به والمُحطم لأحد أهم أوجه الشلل و المعضلات والمتمثلة بشعور الحاكم العربي بعار النزول من على الكرسي وتسليم مقاليد السلطة في ظل فوبيــا من أحقاد الأعداء والخصوم، فالحاكم والشعوب العربية لم تجد بعد النموذج المُجسد لثقافة الشرف والافتخار بتسليم السلطة حتى اليوم.

وبالتالي فأن هذه اللحظة يمنية بامتياز وملهمة على امتداد الوطن العربي التواق لهكذا حلم ومشهد فقاموس الاغتيالات والانقلابات والخيانات والحروب العربية مثل وعلى امتداد الحقبة الماضية الكابوس الذي جعل من المشروع الديمقراطي العربي وليداً في ظلال المدافع بالضرورة ، و بالتالي على الشعب اليمني قاطبة بان يفخر بهذه اللحظة متسامياً عن أي صغائر تتقزم أمام هذه السابقة المشرفة التي تمنح اليمن المعاصر شيئاً من سمات مجـد تاريخه الرائد.

2. أن القيم الوطنية والمفاهيم الديمقراطية ليست إلا رؤى وأماني تجريدية ولدت في الأساس لتنظيم الصراع حول الحكم من خلال التداول السلمي للسلطة وبالتالي فأنها تبقى تجريدية في عقول النخبة والساسة حتى تتحقق في واقع تجربة ما لتتجسد كمنهج سياسي ومطلب شعبي حقيقي بقيمة حضارية.

أن الشعوب العربية والشعب اليمني يعاني من أزمة مصداقية لكافة الخطاب السياسي الديمقراطي العربي الذي بقى رهيناً للوعود والعودة مراراً وتكراراً إلى المدفع والمربع الأول ، وبالتالي فأن ترى "فجاة" رئيس عربي هو عميد الحكام العرب بعد ( مقتل القذافي )يسلم السلطة ! فانه لمشهد بليغ كفيلاً بأن يُسطر ألهام عربي جديد لثقافة ورؤى الديمقراطيات العربية.

3. إن الحدث جاء يمنياً بعد مرور عام من عمر الربيع العربي والذي جاء غاضباً في تونس وانقلابياً في مصر و دامياً مشبوهاً في ليبيــا و تأمرياً في سوريـا ،وبنهايات درامية لحكام تلك الشعوب في ظل تلاشي أجهزة الدولة ومع محصلة مأسوية جعلت من حلم التغيير يأتي عاجفاً عن سوى مقتل الحاكم وضياع الدولة و شلل البدائل والخلفاء ، ناهيك عن تصاعد أدخنة المؤامرة الدولية التي بدأت تتصاعد من خلال الدور القطري المشبوه و التحركات الدولية والتي تلوح بخلفية مؤامرة دولية قد تقود الجميع صوب استعمار من نوع آخر ...وصولاً إلى انقسامات الشعوب وتصاعد نذور الحرب الأهلية وفي ظل واقع صادرت فيه القوى السياسية المتصارعة القيمة والشرعية الشبابية البريئة للتغيير.

أن الربيع العربي لم يعد زاخماً بالأمل والحلم كما بدأ ، كما انه لم يعد شبابياً و وطنياً و شعبياً فقد تساقطت أوراقه تباعاً وبصورة جعلت منه سيف ذو حدين يرهب الحاكم والشعب معاً ( بين مأزق وفتنة ) فمن واجب الحاكم البحث عن حماية السيادة ومن حق الشعب البحث عن سياسة نزيهة ، وبالتالي فأن ما حدث اليوم في اليمن وفي هذا التوقيت يقدم نموذجاً يجسد أنفراجاً للمأزق و تجسيداً للحكمة اليمانية المشهودة ، وهي قيمة تتمثل في جوهر حسنا الوطني .

4. أن التسليم السلمي اليمني للسلطة في ظل ما سبق لإنجاز تاريخي وهبة سماوية للشعب اليمني الصبور والذي جسد أرقى قيم التحمل وترجيح المصلحة الوطنية، فقد أثبت بانه شعب لا يبتلع الفتنة في نهاية المطاف، وهذه هي جوهرة الحكمة والتي افسدت كافة المخططات التي راهن عليها بعض الحالمين بأموالهم ومخططاتهم ، فعلى امتداد عام كامل كان المواطن يدعم التغيير ولا يقبل الخضوع لأحد حاكم وشعباً، وعلى الشعب اليمني بأن يرفع رأسه شعباً وقيادة وحكومة بهذا المشهد المجيد الذي صنعه الجميع رغماً عن جميع الرغبات .

وعلي أن أذكر شيئاً قد يقدح من موضوعيه طرحي – ولكنه جوهري - وهي أن وزراء كتلة المشترك الذين رفضوا عشية المراسيم حضور الحفل لم يكونوا إلا أولئك الذين تناسوا القيمة الأسمى للتغيير بسبب طبيعة ثقافة الصراع التي ذكرتها في مطلع المقالة ، وفي الواقع لم يعكس ذلك إلا انسلاخ سياسي عن المنطلق الوطني او رفض يشكك بمدى استقلالهم في القرار السياسي ، فاليوم كان يوم وطنياً يمنياً عربياً وليس فقط للرئيس السابق / علي عبدالله صالح ، ناهيك عن كون عدم الحضور انتقاصاً و تقليل من شأن فخامة الرئيس اليمني / عبدربه منصور و الوسطاء الدوليون الذين حضروا لأحيـاء اللحظة التاريخية ، في الواقع قد تم التسليم ولم يفشل بقدر ما حرموا المشهد من حضور سبق أن تم في الرياض وفي مجالس النواب !

أن المشهد كان وطنياً بامتيـاز وكان يستلزم روحاً وطنياً تسموا على الضغائن والكراهية ففي هكذا مواقف كانت الابتسامات كفيلة بصناعة آفاق جديدة للسلام والود.

وأخيرا فقد لاحظت عزوف بعض الفضائيات العربية الرسمية عن عرض اللحظة التاريخية التي خلالها قام الرئيس السابق بتسليم العلم اليمني والرمز الثوري للجمهورية للرئيس اللاحق ..في تجسيداً رائعاً هو الأول في الذاكرة العربية ... ولا أدري هل سوء تغطية أم هناك من يخشى بريق سهيل اليماني!!

فعلى كل يمني بأن يتذكر العلم الذي سُلم بانه شعار الوطن وليضع تلك الصورة على مجلسه ليتخلد مبدأ شرف التسليم السلمي للسلطة في اليمن ، وليتذكروا جميعاً بان اليمن مبارك من السماء بالريادة والحكمة فقد كان رائداً في نموذج الوحدة العربية الأولى في العام 1990 والآن رائداً بنموذج التسليم السلمي للسلطة كتجربة أولى وما يجعلك تندهش هو حضور الرئيس السابق / علي عبدالله صالح في صناعة المشهدين وكأن قدر هذا الرجل بان تقوده الأقدار صوب ريادة ما لأحداث استثنائية تبادر بها اليمن عربيــاً

مبروك لليمن وهنيئاً مع خالص الشكر للرئيس علي عبدالله صالح و كل الدعاء والطاعة لفخامة الرئيس / عبدربه منصور هادي