لماذا تغيب اليمن في الإعلام الخارجي
بقلم/ موسى النمراني
نشر منذ: 15 سنة و 7 أشهر و 8 أيام
الإثنين 06 إبريل-نيسان 2009 06:18 م

شعرت بحزن غريب من نوع ما عندما انسحب اليمن من قمة الدوحة وكان حزني مسببا بسببين الأول هو انسحاب اليمن الذي لم يثر أي ضجة إعلامية كان يمكن أن يسببها انسحاب جزر القمر مثلا، والثاني هو سبب الانسحاب أصلا الذي كان عدم السماح لليمن بطرح مشروع لتفعيل التعاون العربي أي أن وفدا يمثل اثنين وعشرين مليون مواطن وخمسمائة الف كيلو متر مربع وألف وخمسمائة كيلو متر سواحل ومائة وعشرين جزيرة مهملة ..الخ كل هذا وذاك لا يعطي اليمن مجرد 15 دقيقة من بين 1400 دقيقة هي أقصر مدة بقاء رئيس في القمة التي اختصر وقتها إلى النصف لأن الرؤساء لديهم مسئوليات ومش فاضيين لكثرة اللت والعجن ، وذلك المنع أو عدم الرغبة في السماع فضلا عن المناقشة هو أمر طبيعي بالنسبة لبلد يغرق كل يوم أكثر في مشاكله الداخلية من انفلات أمني وانهيار اقتصادي وفساد مالي وإداري ويعيش على غاز السعودية وقمح الإمارات ومع ذلك لا يجد حرجا في تقديم مبادرات يعجز عن حملها أساسا.

تناقلت القليل من وكالات الأنباء خبر انسحاب اليمن بشكل قصير ومبتسر ولا يدل على أهمية أو اهتمام ووضعت كثير من الصحف الخبر في صفحات هامشية وبعضها في الأخيرة بجوار أخبار المشاهير من الفنانات والأخبار الغريبة والطرائف أما المواقع الإخبارية المهمة فأهملت الخبر في وقته وأضافه كثير منها لاحقا مباشرة إلى صفحات الإرشيف ، وهو عكس ما يمكن أن يحدث لو أن حدثا أسودا قرر أن يكشف وجهه في اليمن كانفجار عبوة غاز مثلا في حي السفارة الأمريكية أو تصريح الأرحبي عن الوحوش الجائعة في اليمن أو لو أن بدر بن حرسي مثلا قرر أن ينتج فيلما جديدا في اليمن أو لو أن أمينة اختلفت مع خديجة السلامي لا سمح الله أو حتى لو أن أحدهم أخترع كذبة من نوع أنه شاهد ناصر الوحيشي يشرب الكابتشينو في بوفيه المركز الليبي بينما يمضي خبر انسحاب اليمن من قمة الدوحة بهدوء تام كما لو أن المنسحب لم يكن سوى موظف بسيط أصابته وعكة صحية فحصل على إذن مغادرة وغادر، والسؤال الذي لا يفرض نفسه تماما كالخبر هو لماذا يمضي الحدث بهدوء ؟.

كنت قد قررت أن لا أشارك في إسعاد نوم هذا الخبر وأن اعمل بجهدي المتواضع على صنع خبر لاحق يجيب على أسئلة مابعد الانسحاب،وكانت الأسئلة هي "ماهي ظروف انسحاب اليمن لأن هناك من قال أن الرئيس انسحب بسبب تشبيه أحدهم لحرب صعدة بحرب دار فور وماهو مصير المبادرة وماهو تأثير ماحدث على العلاقات اليمنية القطرية من جهة وعلى العلاقات اليمنية العربية من جهة أخرى " ولأن مأزق المصدر المسئول الذي يرفض ذكر اسمه هو مأزق لعين لأن هذا المصدر ليس سوى صديق يتحدث إليك بأريحية صادقة وتدرك أنت أنه ليس من مصلحته أن يتصدر للتحدث باسم الخارجية اليمنية فتضطر إلى التواصل مع صديق آخر يعطيك بعض الأسماء والعناوين .. يعطيك رقم وزير الخارجية وهو بالطبع لا يجيب على أي اتصال مجهول إلا إذا كان رقما خاصا أو رقما مسجلا من قبل فتعرب لصديقك عن خيبة أملك وقد ضاع نصف اليوم وأنت تحاول إيذاء الرقم المحفور أمامك على أمل أن يقرر الوزير صرف وقت للتسلية فيجيب على التلفون فيتعاطف معك صديقك وينصحك : خلاص خذ مثلا تصريح من علي مثنى نائب الوزير هو طيب وجنتل مان فعلا كما أنه حريص على سمعة اليمن، وتفرح كثيرا حين تسمع أن هناك مسئول حريص على سمعة اليمن، تتصل بالوزارة مرتين لتجيبك موظفة صوتها أنيق جدا في المرة الثالثة .. ربما كانت في المرتين الأوليين تجرب صوتها على الكمبيوتر لتتأكد من لياقته فتطلب منها أن تحولك على مكتب الأستاذ علي مثنى وتقول في نفسك "لأنه حريص على سمعة اليمن" وبعد أن تنقطع موسيقى التحويلة ثلاث مرات أخرى يجيبك موظف ما ليقول لك أن النائب غير موجود لأنه في مكتب الوزير وعليك أن تتصل به الساعة الواحدة ظهرا ودون أن ينتظر ليسمع ردك تكون أنت تسمع موسيقى أخرى لا تدري إلى أي طريق توصل فتقفل الخط وتعاود الإتصال، مكتب الأستاذ علي مثى لو تكرمتم، لتجد ذات الموسيقى تترصدك مرة أخرى ويجيبك موظف آخر، يأخذ منك اسمك وصفتك ورقم تلفونك ثم يكتب الأسئلة بتأن شديد فتقول في نفسك لا بد أن هذا الموظف أيضا هو مثل الأستاذ علي حريصون على سمعة اليمن ، ويقول لك سنطرح الأسئلة على الأستاذ ثم سنتصل بك، لكن لا يتصل بك أحدا لمدة ساعتين هما آخر الدوام، فتبادر أنت للاتصال مر أخرى، ويدور الحوار السمج مرة أخرى لكن هذه المرة مع موظف تحويله صوته لا يشبه صوت الموظفة الأولى أبدا،حتى تصل إلى طلبك حولوني على مكتب الأستاذ علي مثنى لو تكرمتم، موسيقى ثم لاشيء، ثم اتصال آخر، تحويل ثم موسيقى ثم لاشيء، ثم الاتصال الثالث والثالث دائما فيه الخير والبركة يجيبك موظف ليس هو الذي أجابك سابقا فتشرح له أنك اتصلت قبل ساعتين ونصف وطرحت أسئلة على النائب وأنك انتظرت اتصالا .. تفاصيل مقرفة فيبدو كما لو أنك تشرح له لغزا غير مشوق ويطلب منك أن تتصل مرة أخرى بعد أن يتأكد من صحة أقوالك، ولأنك لاتثق أن الحظ سيوصلك به مرة أخرى وتخاف أن تتصل مرة أخرى فتجد موظف آخر يحتاج إلى نصف ساعة من الشرح حينها يكون الدوام قد انتهى على اعتبار أن دوام الأربعاء يقل عن دوام السبت بساعة ، وتطلب منه أن تبقى على الخط ويأخذ هو راحته في التأكد، لكنه يأخذ راحته عالآخر حتى ينقطع الخط قضاء وقدرا، وتتصل مرة أخرى لتقطع نفس المشوار الممل حتى تصل إلى مكتب النائب ليجيبك موظف آخر ليس هو أيا من الموظفين الذين أجابوك سابقا فيخيل إليك أن هناك موظفين في الوزارة تقتصر مهمة الواحد منهم على إجابة اتصال واحد ثم ينتهي دوامه ليبدأ دوام موظف آخر وهكذا كل الإجابات تبدو فاقدة للذاكرة لكن هذا الموظف يبدو على معرفة بالموضوع، قال لي أن النائب أحال الأسئلة إلى دائرة في الوزارة اسمها دائرة الوطن العربي، يعني كيف أتواصل معاهم ؟ عيد الإتصال واطلب دائرة الوطن العربي وفي الاتصالات الأخرى الكثير من المشاهد الهزلية التي حدثت في الاتصال بمكتب النائب لكن أهم مافيها أنه لا أحد يجيب إلا عند الإتصال بمكتب نائب رئيس الدائرة الأستاذ أحمد عبد الله ناجي لكن الأستاذ ضل في صلاة منذ أول اتصال وحتى أجابني أحدهم ليقول لي الأستاذ قد خرج لا يدري إلى أين ولايدري متى سيعود مرجحا أن يكون الأستاذ قد غادر لأن اليوم ربوع وانت عارف الدوام يوم الربوع ! ثم تبرع لي بنصيحة وهي أن أتصل بالأستاذ يوم السبت ولا شك سأجد الإجابات جاهزة .. هذا الموظف لا يدري أن يوم السبت سيأتي والعالم مشغول بعشرات الأحداث المهمة وأنه لم يعد هناك من يتذكر قمة الدوحة أساسا فضلا عن انسحاب اليمن من تلك القمة، وسيكون الخارج مشغولا بأخبار قمة العشرين وقمة الناتو والداخل مشغولا باختطاف الهولنديين وقتل طالب في حي السنينة.

تبدو صورة اليمن الخارجية مثيرة للشفقة والإشمئزاز في آن واحد فعلاوة على الأوضاع الداخلية السيئة من أمية وجهل وفقر وفساد فإن الدبلوماسيين اليمنيين بحكم أنهم لم يصلوا إلى أماكنهم بجهدهم وإنما بناء على محاصصة أصحاب النفوذ إلا من رحم الله أما من عداهم فإنهم طبعاً لا يحضرون الفعاليات الرسمية خوفاً من الإحراج لأنهم بثقافتهم الهشة أو بالأصح المنعدمة لا يستطيعون المشاركة في أي نقاش بين دبلوماسيين مهما كان سطحيا، كما أن أغلبهم لا يجيدون الإنجليزية ولا حتى العربية، وبناء على ذلك فاليمن غائبة عن المؤتمرات الدولية التي تدعى إليها السفارات لأن دبلوماسييها لا يستطيعون إلقاء كلمة، وبالتالي يخافون من الصحفيين بحكم ثقافتهم المتواضعة في أحسن الأحيان، وأنجح دبلوماسي يمني يمكنه أن يداوم في مكتبه يتحدث بالمسنجر لصديق دبلوماسي بدولة أخرى وطبعا لن يكون الحديث عن ما يمكن فعله لتحسين وضع اليمن والبحث عن فرص للتعاون مع دولة الاعتماد تستفيد منها اليمن، بقدر مايكون عن جمال الجنس الناعم في تلك البلدان وطريقة المعيشة ومراكز النفوذ ومواسم الصرف ولأن أكثرهم لا يجيدون ربط الكرفتة فإنهم سرعان ما يبنون علاقات حميمه مع نساء من أي نوع يربطن لهم الكرفتات.. ويتعرفن عن طريقهم على مضغ القات الذي يصلهم مع طيران اليمنية كل يوم عدا بعض البلدان التي يصل متأخرا بسبب ظروف التفتيش وطريقة التجفيف ومع ذلك ففي كل السفارات دبلوماسيين يخرجون إلى شوارع بلدان الإعتماد وهم يمضغون القات بسياراتهم الدبلوماسية كما لو كان أحدهم يتحسس دليلا على الهيبة لدرجة أن أحد السفراء فتح سفارته مطعم وملهى لأولاده وأصدقاء أولاده وآخر أقام عرس ابنته في مبنى السفارة وقبل ذلك كان قد حجز أكثر من رحلة على طيران اليمنية وطيران آخر للمعازيم من اليمن الذين حضروا العرس مجانا أي على حساب الدولة ولم يخسروا فلسا واحدا كقيمة للبدلات الفاخرة التي أهديت لهم، وعلاوة على ذلك فإن بإمكان أبناء الدبلوماسيين أن يسيروا في الشوارع بالسيارات الدبلوماسية مخالفين إشارات المرور لأن مخالفات السيارات الدبلوماسية لا تسجل بروتوكوليا وكل ذلك في سبيل إسعاد صديقاتهم اللواتي لا يستطعن المخالفة بسيارتهن العادية.

هذا هو وضع السلك الدبلوماسي اليمني الذي يفترض به أن يكون أداة لتحسين وضع اليمن قبل تحسين صورته، ومن الطبيعي إذاً أن تكون أخبار اليمن كلها هامشية وتصل مباشرة إلى الإرشيف ولا يهتم بها أحد .. فقط لأنه ليس في اليمن أخبار موثوقة لأن المخولين بالتحدث غير متواجدين ولا يتحدثون إلا في المقايل فقط، ومن الطبيعي أن تنتشر أي شائعة حول اليمن مهما كان نوعها لأنه لن يكون هناك من يقول هذا غير صحيح ويكون حينها مصدرا موثوقا يمكن الإعتماد عليه، ومالذي يتوقع من وزارة الخارجية بينما هي غارقة في مشاكل الشللية بين أجنحة كبار الموظفين فيها وكيف يمكن أن يكون هناك وزارة خارجية محترمة طالما موظفوها العاديون أي المحركين الفعليين للعمل الإداري يبحثون عن وظائف أخرى في المساء! والذين يسافرون إلى العمل في السفارات ينقسمون مابين رواد ملاه ليلية يصرفون بغير حساب ومابين تعساء يضطرون إلى فتح دكاكين لبيع مواد غذائية لاعلاقة لها بسمعة اليمن وأخباره!

حين لا يكون هناك أخبار موثوقة يكون هناك أخبار مثيرة واليمن الآن مصدر للأخبار المثيرة فقط .