دور بنك البنوك في وأد الاصلاح النقدي والمصرفي
بقلم/ عبدالله الثلايا
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 25 يوماً
السبت 23 يناير-كانون الثاني 2010 06:06 م

يفتقر البنك المركزي اليمني إلى رؤية اقتصادية متوسطة أو طويلة الأمد، وما يعمده من إجراءات -وليس سياسات- هي فقط للمحافظة على التوازن النقدي بثمن اقتصادي باهض جدا يتحمله أفراد الشعب الجهد أصلاً . ونتيجة لتلك التأثيرات، يجزم الكثيرون من الاقتصاديين أن بنك البنوك (البنك المركزي) أو ما يسميه موظفوه بـ\"المركزي\" لم يعد يخدم الحكومة كجزء من الهياكل الاقتصادية التي تدعم اقتصاد البلاد بعد توجهاته التجارية والخاصة التي استمرت أكثر من 13 عاماً، كما أكاد أجزم أن القيادة السياسية والسواد الأعظم من النخبة لم تعد تعرف اسم الشخصية الأولى فيه بسبب تدني وغياب دور هذه المؤسسة الحيوية في وقف تدهور الاقتصاد. لكني عرفته جيداً عقب الانهيار المالي العالمي الأخير حينما بادر الشخصية الأولى فيه وعلى غير عادته ليصرح بأن اليمن لن تتأثر بالأزمة العالمية التي عصفت بدول كبري نستجديها اليوم لدعم أمننا وليس تنميتنا فحسب. واستغربت أن يصدر ذلك التصريح على لسان المصرفي الأول في البلد لاسيما أن المصارف كانت أول المتأثرين بالأزمة. والمصيبة بالنسبة لدي أن تصريحاته أتت عقب إعلان عدد من المصارف المركزية الأوربية وبينها المركزي الفيدرالي الأمريكي بتخفيض نسبة الفائدة إلى أقل مستوياتها وحتى الآن وهم من احتوت بنوكهم على ودائع بلادنا وقتها بأكثر من 8 مليارات دولار. كما ان تطورات انهيار عملتنا مؤخراً هي أحد العواقب الجزئية لانهيار آخر قادم بسبب السياسة النقدية العقيمة وغير المبررة إقتصادياً التي يستمر المركزي في ممارستها، منها سياسة أذون الخزانة المستمرة بالرغم من رفض وزارة المالية لسداد فوائدها المليارية سنوياً وعمل فروعها واصدار فئات جديدة بدون غطاء...إلى أخر مثل تلك السياسات التي سيتم التطرق اليها في الحلقة القادمة.

وهنا لا نمتلك إلا دعوة البنك لمركزي إلى خلق أداء ملموس من الجميع ويستحق الإشادة، وليس ما يمارسه البنك دوماً من أرقام ينسبها لنفسه وليس فيها نصيب. ففي كثير من المناسبات تطلع علينا أجهزة الاعلام بأرقام يفاخر البنك بتحقيقها مثل الميزانية المجمعة للبنوك و احتياطيات البلاد أو بأرقام تبعث على الأسى وتشير إلى الأداء السلبي الحقيقي للبنك مثل الارتفاع المطرد لفوائد أذون الخزانة وتدخلات البنك العملاقة في بيع العملة الأجنبية لمن يدفع أعلى الأسعار وطباعة بنكنوت جديد وضخ كميات ضخمة من البنكنوت بدون وجود نمو اقتصادي أو انتاج وطني حقيقي...الخ.

البنك المركزي التاجر يدعم الدولار ويضعف العملة اليمنية

يشير عدد غير قليل من رجال المال والاقتصاد في بلادنا أن البنك المركزي في بلادنا قد أهمل عمله الأساسي الذي أنشأ من أجله وهو إدارة السياسة النقدية للبلاد، وكان أحد مظاهر هذا الاهمال تحول البنك الى أعمال تجاريه ربحية مثله مثل أي بنك تجاري آخر لايسعى الا الى الربح وليحدث للبلاد ما يحدث مثل ما حدث نهاية الاسبوع الماضي عندما قفز سعر الدولار ملامساً عتية 220 ريال يمني وفي فترة وجيزة من 200 ريال استدعى ارتفاع أسعار العديد من الموادالغذائية والاستهلاكية بشكل حاد. يدَّعي البنك أن سبب ارتفاع الدولار يعود الى تعويم سعر الدولار وعدم علاقة البنك بذلك الانهيار وهذا ما سيصدر عن العلاقات العامة للبنك قريباً، ونخاف أن يخفى عليهم بيانات البنك المتكررة طوال العام عن بيعه مليارات الدولارات سنوياً لمن يدفع سعر أعلى بالريال مقابل ما يبيعه من دولارات (بالمزاد العلني)، إذ باع العام المنصرم أكثر من 2 مليار دولار بما يوازي ثلث الميزانية العامة للحكومة إجمالاً. وهذا شيء غريب إذ أنه مثلا وسعياً لخفض سعر الدولار قام الاسبوع الماضي بعرض حوالي 200 مليون دولار للبيع وهويريد أن يقوم البنك المشتري ببيعه للناس في السوق بأقل من 210 ريال للسوق!؟ هنا نسي البنك مسئوليته وسبب بيعه للعملة، إذ أن بنوك العالم المركزية تمارس بيع العملة لجميع البنوك بسعر مقبول تقرره هي وتغطي عجز\\احتياجات البنوك التجارية من العملة الصعبة بالاستعانة بموقف حسابات السيولة للعملة الصعبة لتلك البنوك التي يحصل عليها قطاع الرقابة على البنوك في البنك المركزي، وذلك لأن هذه البنوك التجارية بدورها تقوم بتدوير هذه العملة في طول وعرض البلاد. ويقوم البنك المركزي بممارسة الخطأ الثاني وهو بيع العملة الصعبة للسماسرة والوسطاء وهم الصرافين وهم في حقيقة الأمر وسطاء يعملون بأموال البنوك التجارية، إذ أن لكل صراف بنك تجاري معين يدعمه. أما الخطأ الثالث الذي يقوم المركزي به فهو بيع العملة الصعبة للبنوك الأجنبية التي تقوم بتحويل العملة الى مركزها أو فروعها في بلدان أخرى في حاجة الى السيولة. فهذه البنوك لاتقوم بأي عمل تنموي أو استثماري حقيقي في البلاد، إذ أنها لاتقوم بالاقراض للأغراض الاستثمارية إلا بنسبة أقل من 5% ويتحججون بضعف الضمانات المقدمة وعدم ملاءتها وعدم اقرار المحاكم بحق البنوك في الفائدة من المقترض.

بفضل سياسة المركزي النقدية، لن ينخفض الدولار في اليمن طالما وهو يقوم بدعم الدولار وليس الريال حتى وإن انخفض سعره عالمياً. فربط الدولار بعملة واحدة (الدولار) تنسحب معه أزمات الدولار وسبب ارتفاع الأسعار ، كما أن أذون الخزانة تمتص السيولة والبنك المركزي مسئول عنها وتتحمل الدولة نتائج فوائدها بالمليارات قد تصل الى 600 مليار في السنة. و نتيجة لربط العملة بالدولار تحملنا عبئين: عبء انخفاض الدولار، وعبء ارتفاع العملات الأخرى!! وتتحمل العملة اليمنية فارق الأسعار في كلا الحالتين وحتى عندما يتم شراء سلع من الدول الأوروبية ونتيجة لانخفاض سعر الدولار مقابل اليورو فإن اليمن تخسر نصف قيمة عملتها لربطها بالدولار فقط.

العرض النقدي: كلما زاد العرض النقدي زاد سعر الصرف.. يفترض أن يقلل العرض النقدي، لكن البنك المركزي يقوم بالعكس.. علاقة طردية.. كلما زاد العرض النقدي ارتفع سعر الصرف .

ارتفاع نقود التداول:

كل أصول البنك المركزي بالدولارات، ويؤثر على احتياطات اليمن مع تراجع سعر صرف الدولار مما يكبد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة.

كل التزاماته بالريال اليمني للبنوك والمؤسسات العامة. ويتجه نحو زيادة سعر الصرف ليكسب فوارق أرباح من سعر الصرف ويسميها إعادة تقييم الأصول الخارجية.

البنوك التجارية مجتمعة لديها أصول خارجية بالدولار بمبلغ (125600) مليون دولار، والبنك المركزي لديه 743308 مليون دولار، الأمر الذي يثير التساؤل عن قدرة البنك المركزي على استثمار هذا الاحتياطي الضخم بما ينسجم مع معدلات الاستثمار المالي العالمي.

لا يوجد أي شيء اسمه احتياطي بل هي أصول خارجية للبنك المركزي وتمثل التزامات الجمهورية اليمنية تجاه الغير.

تقول التقارير المنتظمة للبنك المركزي المنشورة في وسائل الاعلام إن صافي أرباح البنك المركزي كذا مليار ريال!! من أين جاءت أرباح للبنك المركزي؟ هذه المبالغ لا تتحقق إلا بالمتاجرة بأسعار الصرف وبالدولار لأن البنك المركزي لا يقوم بأي أنشطة سوى بالمتاجرة بالعملة. والجزء الأكبر من هذه الأرباح هي نتيجة العمولات التي يتقاضاها من الحكومة مقابل إصدار أذون الخزانة، وهي جزء من التعويض المدور من الحكومة للبنك.

المركزي.. مفتش ما فتش حاجة

لم يعد يسمع الكثيرون عن مشروع سوق الأوراق المالية التي نُفِنَ مشروعه بعد الهزة الكبرى للسوق المصرفي بانهيار البنك الوطني الذي كشف عن هشاشة الرقابة اليومية للمركزي على البنوك. لقد تولت وزارة المالية إدارة إقامة ذلك المشروع بدلاً عن المركزي بسبب ريبة الاقتصاديين بقدرة المركزي على ذلك، إلا أن انهيار الوطني ساهم في اندثار هذا المشروع كاملاً بسبب دور المركزي في تعزيز غياب الرقابة أو السيطرة على الاشاعات أو الرقابة التي يمكن لها أن تتحكم بارتفاع أو انخفاض الأسهم، تماماً كما عززت ذلك الاعتقاد ممارسات المركزي واجراءاته الوقائية الفاشلة لوقف انهيار الوطني. لايزال البنك المركزي يؤكد في الكثير من تصريحات مسئوليه بأنه سيتخذ إجراءات صارمة ض البنوك التي لا تطابق عملياتها تعليمات البنك كما يؤكدون بأن مفتشيها يمارسون التفتيش على حسابات تلك البنوك وأن مواقفها المالية ممتازة...إلخ. إلا أن المصرفيون أيضاً لا يزاولون يتذكرون موقف البنك الوطني في آخر يوم له يوم لم يكن في خزائنه في فروعه الأربعة سوى 4 ملايين ريال و 20 ألف دولار لاغير ولم يستطع يومها البنك الأخير صرف أي شيك... عندئذ لم يكن للبنك المركزي إلا إعلان وضع يده على الوطني وكأن واجبه لم يكن إلا هذا الاعلان فقط... وهكذا نجح المركزي في إقناع الناس انه أدى واجبه، وهكذا انتهت القضية وكان على المودعين، الذين وثقوا برقابة المركزي، غسل أيديهم من أموالهم المنهوبة تحت نظر المركزي وسمع مفتشيه، وتجاهلت النيابة العامة دورها في تحميل البنك المركزي ثمن إهماله في حماية أموال الشعب وعدم اتخاذ أي اجراءات بحسب قانونه وقانون البنوك الذي منح المركزي صلاحيات وقائية فعالة كانت ستنقذ أموال المئات من المواطنين الغلابا.

بنك الشئون الإدارية

كان وراء كل تلك الاخفاقات السابقة الذكر، انشغال قيادة البنك عميقاً في الشئون الادارية الداخلية للبنك. فقد انشغلت في صراع داخلي بين مسئوليه وهما تياران، أحدهما قيادات جديدة وشابة موالية للقيادة الحالية للبنك والأخرى لاتزال يُنْظَر بتبعيتها للأدارة السابقة ويتم الصراع معها بغرض إحلالها وازاحتها. بالاضافة الى ذلك، موظفو البنك من ناحيتهم يعتقدون أن قيادتهم معنيون فقط بوضع تعميمات إدارية شبه أسبوعية تنتقص من حقوقهم المكتسبة بحكم أن البنك مستقل بينما يستقل مسئولوه بقرار سفرهم للخارج بلغت لأكبرهم أكثر من 26 رحلة \"عمل\" في عام 2009 في مخالفة واضحة لقرار فخامة رئيس الجمهورية بعدم سفر المسئولين للخارج لغرض التقشف. وبدل السفر عن كل يوم يعني صرف 700 دولارً في اليوم الواحد + 5000 دولار كنثريات للرحلة. وفي نفس الوقت، لا تزال كل طلبات المشتريات تمر على مكتب المحافظ لتوقيعه الشخصي عليها بما فيها طلبات أقلام الرصاص والاوراق و.. الخ، بالاضافة الى بدل الاضافي للموظفين الذي تسبب باستقالة وكيل قطاع الرقابة على البنوك الذي لم يمر عليه في المنصب سوى 3 أشهر بسبب اكتشافه عدم جدية قيادة البنك في تطوير عمل القطاع (الأهم في البنك) لأنها تريد السيطرة الكاملة على أعمال القطاع وعدم المضي بأي إجراء تطويري له بسبب أن \"كل شيء تمام ولا يستلزم الأمر التطوير.\"

لم تكن هذه الاستقالة الوحيدة في البنك بل سبقتها إستقالة العشرات من الكوادر الناجحة يحمل معظمهم الماجستير من الجامعات الغربية فضلوا، بسبب تعمد اهمالهم وغياب أي فرصة لاثبات وجودهم، أن يعملوا عند من يقدر ما درسوا لأجله ومنهم من تقلد مناصب معروفه لا يتسع المقام لذكرها لعل آخرهم كان مدير بنك الأمل. بالمقابل، سعت الشئون الادارية بالبنك الى توظيف الأحساب والأنجال كان من بينهم تخصيص وظائف كثيرة لأقارب المحافظ من بينهم ابنه وابنته وعدداً من أصهاره وأقاربه في المركز والفروع مما يعد مخالفة صارخة للقانون اليمني الذي يمنع أن يتولى أحد منصباً عاماً يديره قريبه من الدرجة الأولى أو الثانية لتعارض المصالح واستثنى القانون مؤخراً زوجات أعضاء السلك الدبلوماسي من ذلك مؤخراً بسبب طبيعة الوظيفة.فضلاً عن ذلك، دخل البنك في مواجهات ساخنة جداً مع نقابة موظفي البنك، لرفضه مطالبات الموظفين المتكررة بتحسين أوضاعهم وارهابهم لقمع نشطاءهم أسفرت تلك المواجهات بسجن اثنين منهم وتحويل آخرين الى فروع نائية في محافظات أبين و الجوف ومارب وغيرها. ويحلل المقال القادم أسباباً أخرى من نقاط الفشل والضعف في عمل هذه المؤسسة الحيوية التي تحول عملها إلى أعمال أخرى وتدهورت مهنيتها بشكل يدعو الى مراجعة عملها وإعادة النظر في سياساتها الراكدة.