نساء تونسيات في السجون
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: يوم واحد و 12 دقيقة
الأربعاء 29 يناير-كانون الثاني 2025 08:30 م
 

لو قدّر الله أن يمدّ في أنفاس المناضلة التونسية ميّة الجريبي لاحتفلت هذا اليوم بالتحديد بعيد ميلادها الخامس والستين وهي بالتأكيد وراء القضبان، فهذه السيدة التي توفيت قبل ست سنوات وعرفت بمعارضتها لنظام الرئيس الراحل بن علي ما كان لها أن تظل صامتة أمام الانحراف الكبير الذي تعيشه تونس منذ أكثر من ثلاث سنوات وهي من ناضلت بكل قوة من أجل تونس حرة وديمقراطية وساهمت في صياغة دستوره بعد الثورة.

ولو قدّر الله أن يمتّع المناضلة التونسية الأخرى راضية النصراوي بالصحة والعافية، وهي التي تعاني من مخلّفات التعذيب المريرة، لكانت هي الأخرى قابعة اليوم في السجن، وهي التي لم تستكن سنوات الاستبداد الطويلة التي عرفتها تونس مع الرئيسين الراحلين بورقيبة وبن علي، ولكان زوجها ورفيق رحلتها المعارض اليساري حمة الهمامي يحاول جاهدا أن يوصل لها بعض أغراضها الشخصية في الاعتقال عوض أن يهتم برعايتها بكل حب كما يفعل هذه السنوات.

هذه ليست قراءة في فنجان وإنما ما يوحي به الواقع المرير الذي تعيشه تونس حاليا على مستوى الحريات والذي أودى بنساء عديدات إلى السجن، بسبب نشاطهن السياسي أو المدني أو لمجرد التعبير عن الرأي أو لأسباب واهية بالكامل، في بلد كان يفخر بأنه رائد على مستوى حرية المرأة قبل أن يفخر بثورة عام 2011. فيما يلي بعضهن:

سهام بن سدرين المناضلة الحقوقية سنوات الاستبداد الطويلة، رئيسة «هيئة الحقيقة والكرامة» المنتهية أعمالها، نُقلت قبل يومين إلى أحد مستشفيات العاصمة التونسية في حالة حرجة، وهي الآن في الإنعاش دون أن يعرف أهلها أو محاموها مقرّها وحالتها. هي موقوفة منذ بداية أغسطس /آب الماضي على ذمة عدد من القضايا ذات صبغة سياسية وكيدية واضحة، تخوض منذ 14 يناير/ كانون الثاني إضرابا عن الطعام وهي في منتصف عقدها السابع احتجاجا على ذلك. عرٌفت بكشف حقائق مروّعة عن التعذيب ومختلف الانتهاكات التي عرفتها تونس في العقود الماضية وهو ما لم تغفره لها الأجهزة كما يبدو. وقد صرح المحامي العياشي الهمّامي عضو هيئة الدفاع عنها أن سجنها يعود إلى نشاطها كرئيسة للهيئة المعنية بمسار الكشف عن تجاوزات النظام الديكتاتوري السابق وفضح حقيقة الجرائم التي كانت ترتكَب ضد معارضيه، مؤكدا أن «من يقف وراء توقيفها اليوم، جزء منهم كانوا متورطين مع ذلك النظام».

 

الواقع المرير الذي تعيشه تونس حاليا على مستوى الحريات والذي أودى بنساء عديدات إلى السجن، بسبب نشاطهن السياسي أو المدني أو لمجرد التعبير عن الرأي أو لأسباب واهية

 

سنية الدهماني المحامية والمعلّقة بوسائل الإعلام التي خفّضت محكمة تونسية الأسبوع الماضي حكما بسجنها من مدة عامين إلى 18 شهر، بتهمة «نشر أخبار غير صحيحة» هي في الحقيقة جملة واحدة اعتبرت تحقيرا للوطن وجاءت في سياق انتقادها لسياسة السلطة تجاه المهاجرين غير النظاميين الوافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وقد اشتكت عائلة الدهماني ومحاموها مما وصفوها ممارسات إذلال وتنكيل تعرّضت لها طوال هذه الفترة في سجنها.

شريفة الرياحي الناشطة في المجال الإنساني المدني وإغاثة اللاجئين تقبع رهن الإيقاف التحفظي منذ مايو/ أيار العام الماضي مع أن لديها طفلة رضيعة لم تتجاوز الشهرين حين اعتقالها. وقد نظمت عائلتها الأحد الماضي وقفة احتجاجية تطالب بإطلاق سراحها مع عدد آخر من العاملين في مجال الهجرة، ومن بينهم عدد من النساء أيضا اتهموا جميعا بمساعدة مهاجرين غير شرعيين لمجرد عملهم في هذا المجال الذي لم توفّق الحكومة في إدارته كما ينبغي مما جلب لها اتهامات بالعنصرية ووتّر علاقاتها مع معظم الدول الافريقية جنوب الصحراء.

الصحافية شذى الحاج المعتقلة منذ يوليو/ تموز من العام الماضي في قضية عرفت إعلاميا بـ «إنستالينجو» وهو اسم الشركة التي كانت تعمل والمتخصصة في إنتاج مواد إعلامية عبر شبكة الإنترنت. وقد طالب محاموها وعائلتها وكذلك نقابة الصحافيين في كل مرة بالإفراج عنها في انتظار المحاكمة (جرت أمس الثلاثاء). وقد دخلت شذى ذات مرة إضرابا عن الطعام بسبب الإهمال الطبي وهي التي تعاني صعوبات كبيرة في السمع، فضلا عن ظروف أخرى سيئة للغاية في السجن.

عبير موسي زعيمة «الحزب الدستوري الحر» حكم عليها في أغسطس /آب الماضي بالسجن لعامين، بتهمة الإساءة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتحريض ضدها. موسي الموقوفة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 متهمة كذلك بتهم أخرى من بينها ما تصل عقوبته إلى الإعدام. وقد عرفت برغبتها القوية في التقدم إلى الانتخابات الرئاسية وانتقاداتها الشديدة للرئيس قيس سعيّد، في حين يتهمها معارضوها بأنها من فلول النظام السابق ممن عمل جاهدا على ترذيل الثورة والانتقال الديمقراطي الصعب ما ساهم في النهاية في التمهيد لحصول ما حصل من انقلاب سعيّد في يوليو/ تموز 2021، لكن ذلك لم يحل دون دفاع الكثيرين عنها كسجينة سياسية رغم الاختلاف الكبير معها.

أما خارج السجون فهناك من النساء التونسيات ممن لم يٌخفهن كل ما سبق فواصلن نضالهن السلمي من أجل الحريات وعودة الديمقراطية، من أمثال الجامعية شيماء عيسى والمحامية دليلة مصدّق وأخريات كثيرات غيرهما بالتأكيد…