نهاية العالم تخّيم على توقعات المعاصرين وانتظارهم
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 17 يوماً
الثلاثاء 29 ديسمبر-كانون الأول 2009 06:48 م

يان ماك إيوان *

الحركات الخلاصية والمهدوية المعاصرة، مسيحية أم إسلامية تشترك في توقع خواتيم عنيفة، وفي انتظار نتائج سياسية هائلة. والروح الخلاصية والمهدوية تحمل أصحابها على الأبلسة، فيحتقر دعاة هذه الحركات الجماعات والديانات الأخرى، ويطعنون في عبادتها آلهة كاذبة، ويتوعدونها بنار جهنم. وتحملهم، من وجه آخر قريب من الأول، على الكليانية (الشمولية). فأفكار أهل الحركات الخلاصية والمهدوية شاملة، وركنها اعتقاد يتخطى الطبيعة، وبمنأى من أي نهج عقلاني. وتؤدي هذه الأفكار الى مواقف خطابية وانفعالية، والى مواقف مضحكة، في أحيان أخرى. وينبغي، على الدوام، تخيل المستقبل على صور جديدة ومختلفة، وتشخيص مسيح دجال جديد، وبهائم غير البهائم المعروفة والسابقة، ومدن بابل فاسدة غير بابل المشهورة، وبغايا لا عهد بهن، ولا مناص من ضرب مواعيد مع الكوارث الموعودة والخلاص تحل محل المواعيد التي ضربت.

وتستوقف وجوه الشبه بين الحركات الخلاصية والمهدوية في القرون الوسطى وبين الحركات المعاصرة. ففي كلتا الحالين، قبل 500 عام واليوم، تضرب مواعيد اليوم الآخر، ويحل اليوم الموعود، ويمضي من غير أن يحدث شيء من الحوادث المنتظرة. فلا يثبط هذا من عزيمة المنتظرين، ولا يمنعهم من ضرب موعد جديد. وتفترض أسفار الرؤيا الخلاصية والأخروية أن يختار الخالق «شعبه» ويصطفيه، على ما جرى عليه التقليد اليهودي قديماً. و «الشعب المختار»، بحسب التراث الخلاصي، لا بد أن ينتصر مهما كان القمع والقهر قاسيين. وتنصب الحركات هذه امرءاً عادياً، قد يكون أسقف روما الكاثوليكي، «دجالاً» يبيت، تحت قناع طيبته، غواية شيطانية. وتمتاز الرؤيا الخلاصية بمرونتها وتكيفها مع أحوالٍ ومضامين شديدة الاختلاف. وعندما رسا كريستوف كولومبوس بجزيرة باهاماس، في العالم الجديد، حسب أنه بلغ الفردوس الأرضي الذي وعد به سفر الرؤيا، وأنه مضطلع بدور راجح في مملكة المسيح وعهده الذي يدوم ألف عام.

واعتقاد يوم الخلاص شائع في الولايات المتحدة فوق شيوعه في بلدان أخرى، ويعتنقه ناس من فئات المجتمع وطبقاته المختلفة كلها. ويذهب ج. و. نيلسون، الباحث في الاجتماعيات، الى أن الأفكار الخلاصية والرؤيوية أميركية مستوطنة على قدر الهوت دوغ. وحل الاتحاد السوفياتي محل المسيح الدجال الذي يسبق مجيئه ظهور المخلص المنتظر في آخر الزمان. وخلف الاتحاد الأوروبي، أو الدهريون، الاتحاد السوفياتي. ويذهب معتقدو الخلاص الألفي (على رأس الألف سنة في تقويم من التقاويم) الى أن الهيئات الأممية والدولية العاملة لأجل السلام، مثل الأمم المتحدة أو مجلس الكنائس العالمي، انما هي قوى شيطانية تؤخر معركة أرمجدون الحاسمة والأخيرة بين الخير والشر.

وتملأ مواقع الانترنت تخمينات في تأويل الرقم المفترض الذي يدل الى «علامة» اليوم الموعود، فرقم 666، أو صنوه 616، ينبغي أن يترجم الى اسم زعيم أو مذنَّب أو الى تاريخ. وينبغي أن تنقل هذه الى حساب حروفي أو حساب الجُمَّل، وأن تطابق الرقم «المكتوب». وتضرب الحسابات في تأويلات متعسفة واعتباطية تفحم محاولات المناقشة كلها وتبطلها. وعندما خابت التوقعات، عمد أحيرام إيدسون، المقيم ببورت غيبسون في ولاية نيويورك، الى تعليل جاء في مثابة «حبل إنقاذ لاهوتي»، على ما وصفه له كينيث نيوبورت، القس الانغليكاني. وذهب أحيرام الى أن تطهير الهيكل، على قول سفر الرؤيا، ليس المقصود به هو حوادث أرضية بل حوادث سماوية. وهذه تقع في دائرة لا تطاولها أنظار البشر ولا عقولهم.

وفي أثناء سبعينات القرن العشرين، وثمانيناته، وتسعيناته، بيعت كتب هال ليندسي «الإنجيلية»، وأمثاله الكثر، بملايين النسخ. وتماشي معتقدات علمانية حديثة المعتقدات الدينية. وتوكل الى الكارثة الذرية، أو الى عدوى جرثومية كاسحة، أو الى سقوط بقايا كواكب من مجرات بعيدة على الأرض، أو الى الانفجار السكاني والى انهيار البيئة والمناخ، القضاء على الكوكب وسكانه. وتشبه المعتقدات الأمنية هذه المعتقدات الأخروية، على رغم تخففها من العناصر الإبليسية والخلاصية. ويشترك المعتقد أن في تسليمها بحتم النهاية والكارثة.

ومشت في ركاب الحركات الرؤيوية الخلاصية، منذ القرون الوسطى، صورة معركة فاصلة وأخيرة بين أئمة الظلم والتعسف وممالكهما وبين «شعب» مصطفى يقوم على الظالمين ويدحرهم، ويستأصل شأفتهم وعرقهم. وتتردد أصداء هذه الصورة في كتاب هتلر، «كفاحي»، وفي «وصفه» حصار اليهود، المتعطشين الى الدم والمال، الشعب الألماني الطاهر والنقي. و «يعد» هتلر الألمان باستئصال اليهود، وإنقاذهم، عن يده. وتقوم البورجوازية محل اليهود في «الرؤيا» النازية الهتلرية، والبروليتاريا محل الشعب الألماني، في الرؤيا السوفياتية.

وما كان يبدو قبل 30 عاماً من مخلفات ماضٍ انقضى وطوي، بعث اليوم قوة مخيفة في ديانتين توحيديتين كبيرتين. فاعتقاد النبؤات والتوقعات عاد قوياً وفاعلاً. وهو يلابس الأخبار الملتفزة، ويتكلم في النشرات الأخبارية، وبلسان السياسة. والعلم لم يدحض المنزع الرؤيوي، بل مده بوسائل جديدة كان يفتقر اليها. فأُولت بعض خيارات كتاب زكريا في تساقط لحم البشر وذوبان العيون في المآقي، وتلاشي الألسن في الأفواه، وبعض أقوال كتاب دانيال في صعود المياه، وغمرها الشواطئ والهضاب، وتحطيمها السدود، على معانٍ «علمية» معاصرة استعارت مادتها من قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة الذرية، أو من مناقشة العلماء آثار الاحتباس الحراري في الثلوج والقطبين والمحيطات والبحار.

وجمع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خططه الذرية وتسلحه بالصواريخ الى توعده اليهود بالإفناء والإبادة، «يجدد» الرؤى القروسطية الخلاصية والأخروية تجديداً «واقعياً». وخصص مكتب أحمدي نجاد ملايين الدولارات لتجديد مسجد صغير في ضاحية من ضواحي قم، جمكاران. وإنفاق المال على تجديد المسجد المتواضع يعزى الى توقع مجيء الإمام الثاني عشر وظهوره في المسجد العتيد، وخروجه من بئره. ويرعى أصوليون أميركيون من تكساس تربية قطيع عجول في جوار جبل الهيكل - المسجد الأقصى، في انتظار وضعها العجلة الشقراء والتامة الخلقة، العلامة على قرب نهاية الزمان. والمخيف في مثل هذه الأخبار هو مزيج الدين والسياسة. ويدعو المزيج هذا المؤمنين الى استعجال الكارثة، وينصبونها علامة على وشك قيام الساعة. 

* روائي بريطاني كتب «الولد المسروق» و «أمستردام» و «كفارة»، عن «غارديان» البريطانية، 17/12/2009، إعداد و.ش.