من عكفة الإمام إلى عسكر الرئيس
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 28 يوماً
الجمعة 19 سبتمبر-أيلول 2008 03:56 ص

في النظم الديموقراطية تعتبر المؤسسة العسكرية مؤسسة حامية للأمة حكاما ومحكومين، وإن مقولة الشرطة في خدمة الشعب هي مقولة متداولة قولا وفعلا ، ويكاد المواطن لا يرى أو يلمس وجود لافت للعسكر في الريف أو شوارع المدن، فأنت تدخل أوروبا من أي منفذ لأي دولة أوروبية وتتحرك بحرية تامة لا تجد من يستوقفك، ولا من يخضعك للتفتيش، ولا من يحد من حريتك في التنقل، هذا على امتداد الاتحاد الأوروبي وليس في إطار الدولة الواحدة، وعندما تخضع الطريق للإصلاح والصيانة أو لشيء ما يتم إبلاغ المواطنين جميعا عبر وسائل الإعلام احتراما لهم وتوضع الإرشادات بأن ثمة إصلاح هنا أو ما شابه منعا للحوادث وحتى لا يفاجأ المواطن بعد رحلته الطويلة بأن هذا الشارع مقطوع ويتفادى ضياع وقته باختيار طريق أخرى، وعندما يتم إطفاء الكهرباء في حالات نادرة يتم إبلاغ المواطنين بوقت الإطفاء حتى لا تتعرض أجهزتهم الكهربائية للتلف ولمدة محددة متبوعا هذا الإبلاغ بالاعتذار...الخ .

العالم أجمع يشاهد البيت الأبيض مقر الرئيس الأمريكي وحولها الحديقة الكبيرة التي يسير فيها الناس دون أن يعترضهم عسكري أو يخضعون للتفتيش ونرى مقر الحكومة البريطانية في الشارع العام ولها مدخل عادي يقف عسكري واحد في البوابة ويتحرك رئيس الحكومة والوزراء دخولا وخروجا مثل أي مواطن وبسياراتهم العادية دون أن يحدث تحركهم أي عرقلة لحركة الموطنين ، ونرى ساحة الشانزليزي مقر الرئيس الفرنسي وهي مفتوحة أما الناس ... الخ .

تقريبا معظم رؤساء الدول الديموقراطية يتحركون كبشر عاديين دون حراسة تذكر أو حشد لنقاط التفتيش، وإن وجد عساكر فهم مجرد مراقبون لا يقومون بتوقيف الناس للتفتيش ولا يمنعونهم من الحركة في الشوارع ولا يغلقون الشارع العام لأن رئيسا أو ملكا يمشي هناك أو يسكن هنا ، حتى رؤساء العالم الثالث عند زيارتهم للولايات المتحد أو أوروبا يتم استضافتهم في فنادق سياحية يسكن فيها الناس العاديين ولا ينزلونهم قصورا خاصة إلا ما ندر.

تعالوا نرى كيف هو وضع العسكر ووظيفتهم في اليمن والعالم الثالث. هل هم في خدمة الشعب الذي يمنحهم من قوته معاشهم ومن ثرواته يتم تسليحهم، كيف تتحدد وظيفة العسكري ؟ إننا نكاد لانجد فرقا بين عكفة الإمام وعسكر الرئيس في شيء ، حتى أننا نتذكر دائما مقولة الشهيد الزبيري عن العسكر حينما قال: ( والعسكري بليد للأذى فطن كأن إبليس للطغيان رباه...الخ).

عندما تسافر من تعز إلى الحديدة تعترض المواطن خمس نقاط عسكرية : قف للتفتيش : هل هو متهم حتى يستوقفه هؤلاء العسكر؟ ما هو القانون الذي تستند إليه السلطة ممثلة بوزارة الداخلية في توقيف المواطن والتعدي على حرية حركته : طبعا أي نص قانوني أو لائحة داخلية تنص على شيء من ذلك هي مخالفة للدستور الذي نحتكم إليه ينبغي تغييرها، كفل الدستور وقانون الإجراءات الجزائية في المادة(131) "حق الحرية الشخصية واعتبر استيقاف الشخص أو تفتيشه عملاً يمس حريته ولا يجوز إلا في حال وضع الشخص نفسه في محل ريبه وشك أو بأمر من النيابة . وإذا تعرض للتفتيش أو الاستيقاف فيحق له رفع دعوى قضائية ضد من قام بتفتيشه واستيقافه" العسكري يرى المواطن دائما في وضع مريب وهذا يخوله إلى تفتيشة وأحيانا إذا لم يحسن المواطن التعبير عن نفسه تمتد إليه أياد العسكر بالضرب والسب والاهانة وسحبه إلى الطقم وربما حبسه.

إن مجاميع عسكرية تنتشر في معظم شوارع المدن اليمنية تمارس استيقاف الناس وتفتيشهم والهنجمة عليهم واهانتهم وتوقيفهم وحبسهم دون موجب أو مبرر قانوني ، إلا لأن العسكري البليد يستعدى ويعبأ في النقمة على المواطن باعتباره عدو الوطن تحت أي مسمى ( انفصالي ، حوثي ، ارهابي ، مريض ، وحاقد)والعسكري هو المسؤول عن حماية الوطن ، فإذا اعتدي على المواطن فأي حماية تبقى للوطن ؟ وهذه المأساة تنتقل إلى القطاعات المدنية وفقا لمقولة بوش من ليس معي فهو ضدي.

  إن الرئيس هو رئيس الجمهورية وبالتالي ليس بينه وبين مواطنيه عداوة من أي نوع فلا حاجة لأن يتم تسخير العسكر في إغلاق الشوارع وإهانة المواطنين بالتفتيش والمنع من السير في الشارع لأن رئيس الجمهورية موجود في هذه المدينة أو تلك، بوسع وزارة الداخلية أن تجمع المعلومات الأمنية عن المشبوهين والمخالفين والمطاردين والمطلوبين للعدالة ليتم توزيع صورهم ومواصفاتهم للنقاط العسكرية ليكونوا هم وحدهم من يخضع للتوقيف والتفتيش والإجراء الاحترازي.

إن إظهار هيبة الدولة في التعسف وعسف المواطنين حقوقهم والاعتداء عليها ليست سوى امتهان يعمق غضب الناس وحنقهم وسخطهم ويسهم في تآكل شرعية السلطة يوما بعد يوم.

إن أصواتا كانت لا تسمع في جنوب الوطن أصبحت ترفع شعار الانفصال وتلح عليه، لم نسأل أنفسنا لماذا لم يكن هذا الصوت مسموعا قبل ذلك ؟ لم نسأل عن المبررات التي دفعت هؤلاء الناس برفض العيش المشترك ليمن واحد ؟ ليس لأنهم لا يرغبون بالعيش المشترك ولا يريدون الوحدة ؟ بل لأنهم يرفضون الظلم والتسلط بأسلوب خاطئ ، ومع غياب العدل والمساواة سيكفر الناس بالسلطة وما ترغمهم عليه وربما يصبح الانفصال شعارا يتسع رفعه في أرجاء الوطن لغيض السلطة ونكاية بها ، فإذا ما واجهت السلطة هذا السلوك بالقمع فإن الشعار سيتحول إلى مطلب شعبي لدى كل منطقة ، لكن السلطة بوسعها أن تسعى بجدية وتواضع إلى إشاعة العدل والمساواة وتقديم الخدمات حينها سيكثر المستفيدين وسيقل الناقمين، وسيخفت مطلب الانفصال.

إن العسكري الذي ينصرف لحماية السلطة ويدوس على كرامة المواطن بتعليمات أو بدون تعليمات يوسع الشرخ المجتمعي ، إنني أخرج من بيتي فأجد أمام بيتي في الشارع مجاميع عسكرية تـُخضع جميع الناس للتفتيش، أليس من الأفضل أن يوضع عسكري أمام كل عمارة يفتش ساكنيها دخولا وخروجا إذا كان الأمن لن يتحقق سوى بهذا الأسلوب.

لقد كنا نتابع بقلق بالغ أخبار حرب صعدة الأليمة فلنا بين الجنود أقارب وأصحاب والدماء التي تسفك هي دماؤنا كلنا، لكننا نجد أننا في جميع المدن اليمنية نعيش حالة طوارئء غير قانونية، وإلا مالفرق بين ما نعيشه وحالة الطوارئ إذا كانت الشوارع مغلقة وينتشر فيها الجنود بكثافة ويخضع الموطنون للتفتيش، فالحرب في صعدة بينما حالة الطوارئ في كل اليمن ، المواجهة مع جماعة القاعدة محدودة جدا جعل السلطة تواجه الأمة كلها وكأنها قاعدة استجابة لمطالب أمريكية.

نسجل الشكر لوزارتي الداخلية والدفاع لإجراءات أمنية هادفة: تتمثل بتوزيع فرق النجدة في الطرقات الطويلة عند كل خمسين كيلوا متر وبنقاط غير مرئية ولا تتدخل في حركة الناس ، يشعر المواطن بأن هذا الإجراء يخدم الجميع. ويثبت أن هناك عسكر الشعب يسهرون لحماية المواطن من المتقطعين والمخلين بالأمن ، وما عدا ذلك لا نجد سوى أن المواطن متهم حتى تثبت براءته، كل مواطن يعلم أن السير في الشارع ليس جريمة، لكن العساكر يمنعون الناس من السير في الشارع العام بحجة أن لديهم تعليمات لأن الرئيس موجود، هل وجود الرئيس في مدينة يكون سببا للتعدي على حقوق المواطنين من السير في الشارع. لماذا لا يغلق الشارع العام أمام القصر الجمهوري بصنعاء بينما يغلق في مدن أخرى ؟

أهلا بالرئيس فهو رئيس الجميع ، بالرغم أننا اعتدنا على عسكرة الشوارع منذ زمن، وهل التعليمات العسكرية فوق الدستور، إنها تعليمات مخالفة للدستور، ينبغي أن نبحث عن البديل الذي يحقق الأمن ولا يشكل تعديا على المواطنين، حتى لا نكون أمام صناعة عسكر الرئيس مقابل عكفة الإمام التي كانت أحد أسباب قيام الثورة. نريد عسكرا في خدمة الشعب وحمايته.

المطلوب من الحكومة أن تطور أداء وزارتي الداخلية والدفاع في نطاق الجواب على السؤال: متى وكيف يكون العسكر في خدمة الشعب ؟ أنا أستبعد أن تفاصيل مثل هذه يتدخل الرئيس فيها أو يأمرهم افعلوا هكذا أو أغلقوا الشارع الفلاني ، إنها اجتهادات تثير غضب الناس ، من أمر بإغلاق شارع الجامعة بدءا من مستشفى الثورة في الحديدة هذا الأسبوع، إن القيادات الأمنية التي اتخذت هذا القرار لم تحترم الدستور ولم تضع أي اعتبار للمواطن وحريته، نتمنى أن نخفف حدة هذه النقمة حتى لا يتسع الشرخ ، علموا العسكري كيف يحترم المواطن ويستوقفه وفقا للقانون، إن استعداء العسكر ضد المواطنين ظاهرة خطيرة ستؤدي إلى انهيار الدولة .

كيف يكون أداء الواجب وفقا للقانون؟ للتوضيح فقط فإن هناك اتجاهان تشريعيان منتجان لنوعين من القوانين:

1- قوانين ردعية في النظم الديمقراطية وهي تقوم على مبدأ المواطن بريء وشريف حتى تثبت إدانته ، وهي قوانين تسمح للمواطن أن يفعل ما يشاء وتعاقبه على الفعل بعد وقوعه.

2- قوانين وقائية في النظم الاستبدادية تقوم على مبدأ المواطن متهم حتى تثبت براءته وهي أكثر شيوعا في الدول النامية، وهي قوانين تمنع الإنسان من أي فعل قبل وقوعه سواء كان هذا الفعل شرعيا أو غير شرعي، ويشكل ذلك اعتداء صارخا على حريات المواطنين.

ينبغي أن نقدم فهما واضحا للوطن الذي نحبه ونحميه وننتمي إليه، " الإنسان هو الوطن " في إطار عقد اجتماعي يقوم على التراضي في العيش المشترك على إقليم معين ، من الخطأ أن نفهم أن الوطن معناه الأرض والإقليم فهنا نستعبد الإنسان من اجل تقديس الجغرافيا ، فالواحة الخالية أو الصحراء لا معنى لها إلا عندما يعيش الإنسان عليها.

كيف نحول نظرة الناس للعسكري من عكفي في خدمة الإمام أو الرئيس إلى عسكري في خدمة الشعب؟ وكيف نتخلص من وصف الشهيد الزبيري عن عسكر الإمام : والعسكري بليد للأذى فطن كأن إبليس للطغيان رباه ، مع خالص اعتذاري لكل العسكريين.

لا نريد أن نتخيل عسكر الجمهورية اليمنية بسوء المعاملة بقصد أو دون قصد للمواطن بهذه الصورة النمطية السيئة.

إن التفتيش عن السلاح للوقوف بالنقطة ليس عمليا فالمهرب يأت ويتعامل مع عسكر النقاط ويدفع ويمر وما يتم من تفتيش يظل دون جدوى لا فائدة منه، وليس كل المواطنين مهربين.

والتنافر بين العسكرية والمدنية واحتقار كل طرف للآخر مستتر ومتسع، فالمدني ينظر للعسكري بنظرة البلادة والشر، والعسكري يقابل المدني بنظرة الميوعة وانتفاء الرجولة. وهذه نظرة خاطئة ينبغي إعادة تصحيحها.

إن المدنيين والعسكريين هم أبناء الوطن الواحد الذي يفرق بينهم هو أداء الوظيفة ، ولن تستقيم الحياة بغياب الآخر، فلا وجود لدولة مدنية خالصة بدون عسكر ، ولا ودجود لدولة عسكرية بدون مدنيين. والجميع أخوة في الوطن والدين والهوية والتاريخ واللغة. وبغياب العدل والمساواة والتنمية لم يعد لهذه القواسم معنى.