حكومة وحدة وطنية..التحول في إستراتيجية النضال السلمي
بقلم/ عادل امين
نشر منذ: 15 سنة و 7 أشهر و 20 يوماً
الأحد 29 مارس - آذار 2009 07:12 م

قالها بعضهم- ربما على سبيل التندر- إن قادة أحزاب المشترك والإصلاح بوجه خاص زاهدون عن السلطة إلى حد الطفح، راغبون عن المشاركة فيها رغم يقينهم بأن الله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وهم لا يرون بأساً في أن يقضوا بقية أعمارهم مناضلون وحسب، كما لم يعد يهمهم أن يكونوا داخل السلطة أو خارجها بعدما ذاقوا \"حلاوة الكفاح\" على طريق النضال السلمي الممتد في سني أعمارهم، وقد باتوا مسكونين بهاجس النضال حد التصوف \"متصوفة النضال\"، و صاروا يفكرون بإقناع \"رعاياهم\" من المنضوين في أحزابهم بالكف عن التطلع بعيداً، وعدم التعلق بأماني السلطة والحكم، بالنظر إلى أن دروب النضال السلمي هي دروب طويلة وتحتاج إلى نَفَس طويل، فيما الجهود لا تزال في بدايتها، وبالكاد تم وضع الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل، وبالمثل، وكما يخطط النظام لتوريث السلطة ونقلها للجيل التالي بصندوق الاقتراع أو بغيره، فإن أحزاب المشترك- بحسب بعضهم- تخطط هي الأخرى لتوريث نضالها السلمي ونقل تجاربها في هذا المجال للأجيال القادمة ليُكمل الأبناء مسيرة الآباء، ليتواصل العمل وليبقى النضال السلمي حقاً حصرياً للمشترك مثلما ظلت السلطة حقاً حصرياً للمؤتمر.

على أن البعض الآخر لديه \"فائض\" مسوغات يكفي لإقناعنا جميعاً بضرورة ابتعاد المشترك عن مشاكل السلطة ومتاعب المشاركة، الطريق طويل، هذا أمر يتعين أن تستحضروه قبل الشروع في أي عمل، عليكم ألاّ تنسوا ذلك أبدا، ثم إن من السابق لأوانه- بحسب هؤلاء- طرح فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية بين المؤتمر والمشترك لمجرد نجاحهما في التوصل إلى اتفاق تأجيل الانتخابات البرلمانية لمدة عامين، إذ أن الفكرة من حيث هي لا تخدم المشترك بقدر ما تخدم الحزب الحاكم وتضخ فيه أسباب الحياة، وهم يعدونها أحد مطالب المؤتمر وإن لم يفصح عن ذلك، على اعتبار أن المؤتمر اليوم هو كالغريق الذي يحاول التشبث ولو بقشة لينجوا من الغرق، وحكومة الوحدة الوطنية- من هذا المنظور- ستعد بمثابة طوق النجاة لغريق طالما انتظرنا أن تبتلعه الأمواج وتريحنا منه، على أننا لسنا واثقين تماماً ما إذا كانت تلك الأمواج ستجرفه لوحده وتدع لنا فرصة تأمل المشهد من الشاطئ بأمان.

ويجزم هؤلاء بأن المؤتمر سيعمل على توظيف تلك الحكومة(في حال شُكلت) في تحسين سمعته خارجياً، وسيتخذ منها مشجباً ليعلق كل أخطائه وفشله عليها مثلما فعل في تجارب سابقة، وهو ما يبحث عنه الآن ويجد صعوبة في الوصول إليه، أما الانهيار الوشيك الذي تنحدر إليه البلاد سريعاً وتحذر منه التقارير الدولية فهو نتيجة حتمية لتراكم سياسات فاشلة وتعاظم أخطاء النظام عبر عقود من الزمن يتحمل مسئوليتها الحزب الحاكم لوحده، ومن وجهة نظر هؤلاء فإن المشترك غير معني إبتداءً بإخراج الحزب الحاكم من ورطته، كما أن البحث عن حول لمشكلاته التي أغرق بها البلد ليست ضمن مهامه كتكتل معارض يقدم نفسه بديلاً للحاكم لا مستشاراً له.

ويطرح البعض أن التجارب أثبتت أنه لا يمكن الوثوق أبداً بحزب حاكم لا يؤمن أصلاً بحق أحد في مشاركته فضلاً عن منحه فرصة إثبات وجوده إلى جانبه، وما هو متوقع منه في مثل هذه الحالة أن يعمد إلى وضع العراقيل أمام شركائه، وإفشالهم بكل السبل، وإظهارهم أمام الجماهير بمظهر العاجز الذي لا يصلح لإدارة دولة ومعالجة مشاكلها، وسيعمل جاهداً على إحراقهم شعبياً ضمن برنامجه للإعداد للانتخابات، وبالتالي يكون المشترك قدم خدمة جليلة للمؤتمر بلا مقابل، ومنحه فرصة ذهبية لتمرير أهدافه بطريقه تمكنه من الاستمرار في خداع الجماهير وتضليلها، والتنصل من مسئوليته فيما آلت إليه الأوضاع كحزب حاكم ظل متفرداً بالحكم لعقود مضت.

ضمانات تنفيذ الاتفاق

على النقيض من ذلك فإن المتحمسين لفكرة حكومة الوحدة الوطنية يرون ما هو أبعد من ذلك، ويعتقدون بأن السلطة حلت مشكلتها بتأجيل الانتخابات، إذ سيتيح لها التأجيل فرصة كافية لإعادة ترتيب أوراقها، والتفكير بوسائل جديدة لمواجهة المشترك، وسيمنحها كذلك الوقت الكافي للعب مع المانحين بما تملكه من أوراق لمحاولة إقناعهم أو ممارسة الضغوط عليهم للوقوف إلى جانبها لجهة تعاظم المخاطر التي صارت تتهدد النظام وتوشك أن تزج بالبلاد في الفوضى كما هو حاصل اليوم في الصومال، وقد برزت مؤشرات من هذا القبيل جاءت على لسان وزير التخطيط والتعاون الدولي الذي ذهب يهدد المجتمع الدولي بأن ما يفعله ثلاثة ملايين صومالي بالعالم لن يعد شيئاً ذا قيمة مقارنة بما هو متوقع فعله من 24 مليون يمني وصفهم بالمحاربين الأشداء وليس لديهم ما يخسرونه على حد زعمه، لكن حكومة الوحدة الوطنية ستضع الجميع(المشترك والمؤتمر) على مسافة واحدة من الداعمين الدوليين، إذ سيمثلون طرفاً واحداً هو الحكومة، وهو ما سيتيح للمشترك التخاطب مع المانحين بصورة أفضل مما كان عليه، وسيفتح له مجال أوسع من حرية الحركة وعرض قضايا البلد بصيغة أفضل أمام المانحين والمجتمع الدولي خاصة في الشأن الانتخابي، وسيعزز المشترك من موقفه، ولن يكون بمقدور الخارج التعامل مع طرف محدد في الحكومة على حساب الطرف الآخر، فالمشترك ساعتها سيكون قد تجاوز مرحلة استضعافه كتنظيم معارض، وسيظهر أمام الخارج بصورة الند للمؤتمر، القادر على فرض نفسه، وممارسة الحكم بأفضل مما هو قائم، فقط لو أخذ فرصته في ذلك.

أضف إلى ما سبق، فالضمان الوحيد لتنفيذ المؤتمر اتفاقه الأخير مع المشترك هو تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ذلك أنه من غير المنطقي أن نكل أمر كهذا إلى مصداقية المؤتمر، إذ من المسلم به أن هذا الأخير لا مصداقية له، والمشترك يعلم ذلك قبل غيره، وتجاربه المريرة معه تغنيه عن أن نسوق له الشواهد، ويرى هؤلاء بأن المهمة الأساسية لتلك الحكومة ستقتصر بدرجة أساسية على مسألة الإعداد والتحضير للانتخابات النيابية المقبلة حتى لا يبقى المؤتمر متفرداً بها ويظل يفاجأ المشترك بمبادراته ومقترحاته بين الحين والآخر، إلى جانب أن المشرك سيعمل- من خلال مشاركته في السلطة- على إرساء مبدأ التداول السلمي للسلطة وكسر قاعدة التمديد السلمي للسلطة، وفي أسوأ الحالات فعلى قيادات المشترك أن تتهيأ لدفع ضريبة التغيير إذا كانت جادة بالفعل في إحداثه.

وثمة شيء آخر مهم وهو: كيف سيضمن المشترك حيادية الجيش والإعلام والوظيفة العامة والمال العام ويحد من قدرة المؤتمر على توظيف تلك الأوراق ما لم يكن مشاركاً في الحكومة ومطلعاً بشكل مباشر على كل ما يدور من حوله؟ صحيح أن الحزب الحاكم لن يمكنه من الوزارات السيادية في الأغلب، لكن ذلك لن يمنع أعضائه من التواجد فيها بطريقة أو بأخرى بما يجعلهم قريبين وعلى دراية بما يدور وما يمارسه فيها المؤتمر من تجاوزات وخروقات وعبث بالمال العام وغير ذلك، تلك مقتضيات الشراكة، وسيكون المشترك في وضع أفضل يتيح له فرص اكتشاف توجهات الحزب الحاكم وسياساته المستقبلية بشكل مبكر.

في السياق ذاته فإن من المتوقع أن تحد حكومة الوحدة الوطنية(فيما لو تم التوافق عليها) من قدرة المؤتمر على تعبئة القوات المسلحة ضد المشترك، بل ربما تفسح المجال لقياداته للتواصل مع أبناء القوات المسلحة عبر القنوات الرسمية بما يسهم في إزالة الغشاوة عن أعينهم، وتغيير تلك الصورة الشوهاء التي رسمها الحزب الحاكم عنهم.

ولو افترضنا جدلاً أن الحزب الحاكم وافق على تشكيل تلك الحكومة لكنه أصر على الاحتفاظ بالوزارات السيادية، وكانت -مثلاً- وزارات الصحة والتموين والتربية والأوقاف والعدل وحقوق الإنسان وغيرها من الوزارات التي لا تدخل في عداد \"السيادية\" من نصيب المشترك، فربما يكون ذلك فرصة سانحة له للعمل مع الجمهور وتقديم صورة مشرفة للرأي العام عن النموذج الذي يفتقده في حكومة المؤتمر، ويستطيع المشترك مقايضة شريكه بالحصول على الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وكذا وزارتي الإدارة المحلية والتخطيط والتعاون الدولي على سبيل المثال، في مقابل التنازل عن عديد وزارات سيادية كالخارجية والداخلية والدفاع والنفط والمالية والخدمة المدنية، وكذا جهازي الأمن السياسي والقومي، وهذا يعتمد على مهارة قيادات المشترك في التفاوض، ومقدرتها على المناورة السياسية وتمرير مطالبها بطريقة ذكية لا تستفز الطرف الآخر.

ويبقى أن نشير إلى أحد أهم مكاسب المشترك من حكومة الوحدة الوطنية- من وجهة نظر الداعين لها- وهو الخروج من دائرة الاستضعاف إلى دائرة الاقتدار والفعل السياسي، ورفع معنويات قواعد وأنصار المشترك، وزيادة أسهمه لدى جماهير الشعب المتعطشة للتغيير، تلك الجماهير ستجدد ثقتها بالمشترك حينما تجده وقد فرض نفسه على كرسي السلطة مُرغماً الحاكم على القبول بشراكته كخيار لا بديل عنه في زمن لا يحترم سوى الأقوياء.

ولا تعني حكومة الوحدة الوطنية بأي حال توقف مسيرة النضال السلمي لبلوغ الأهداف والغايات، بل إنها ستكون أحد روافده، بما يضاعف من زخم النضال السلمي ويوسعه، ويكسبه مزيداً من القوة والتحمل، ويغري الخائفين والمترددين بالانخراط فيه، فالأقويا وحدهم من يصنعون تاريخ أمتهم، وتنقاد لهم الجماهير وتسير خلفهم.

على المشترك أن يخوض غمار التجربة، ويقتحم صعاب المشاركة السياسية من موقعه في السلطة، وأن يثق بنفسه وقدراته دون أن يظل مشدوداً إلى هواجس الخوف من الفشل أو الوقوع في شراك المؤتمر، عليه أن يُحدث نقلة نوعية في إستراتيجية النضال السلمي لتغدوا السلطة ذاتها إحدى ساحاته وأحد أمكنته، فالنضال السلمي- كما يقول الأستاذ محمد اليدومي- لا يعني السهولة والدعة، فبدون الاستعداد للتضحية وامتصاص الصدمة يتحول النضال السلمي إلى شكل من أشكال المهادنة مع الظلم والفساد.

adelameen@maktoob.com