الشهيد عمر الريدي وملامح الجيل الوطني الذي ينتمي له
بقلم/ عمار التام
نشر منذ: 4 سنوات و 3 أشهر و 22 يوماً
الأحد 26 يوليو-تموز 2020 07:12 م
 

لا يمكن لباحث أو مركز دراسات ما أن يتجاوز التحليل و الدراسة للتنبوء بمستقبل شعب و مجتمع ما دون التتبع لملامح جيل الشباب في ذلك المجتمع، بل هي أساس البحث و الدراسة و هي من يحدد المستقبل لذلك المجتمع.

كان الجيل الوطني الذي تشكل في ثلاثينات القرن الماضي متميزا و رآئدا لكنه معدود بالعشرات فقط، تم إعدام أغلب رموزه بعد فشل ثورة الدستور ٤٨م ، و سجن و شرد العشرات الباقين ليتحول إلى روحٍ ملهمة للضباط الأحرار الذين صنعوا فجر السادس و العشرين من سبتمبر عام ٦٢م التي ألهمت رواد النضال الوطني ضد المستعمر البريطاني في جنوب الوطن لتصنع ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام ٦٣م و استمرت المواجهة سبع سنوات بين فلول الإمامة و الاستعمار و الثوار شمالا و جنوبا أثخن فيها عشرات الرواد الأوائل للثورتين شهداء، لتتشكل نخبة من الجيل الثاني الذي أعقب جيل الرواد الأوائل نهاية الستينات و حتى نصف عقد السبعينات، نخبة تخطفتها تيارات القومية و اليسارية و الإسلامية المتصارعة في دمشق و القاهرة و بغداد و موسكو فغلب على جيل النخبة حينها التشدد في الإنتماء لتلك التيارات، مع ضعف شديد في الإنتماء لليمن و الإعتزاز بهويته الحضارية، فحضرت معهم تلك الحواضر إلى صنعاء و عدن و غابت صنعاء و عدن و ما نعيشه اليوم هو امتداد طبيعي و نتيجة طردية لبذور الصراع بتلك الحقبة.

توصف كل الأحزاب باليمن بالشمولية و الاستحواذ على تفاوت نسبي بينها و من أخطر انعكاسات الصراع بتلك المرحلة أن الأحزاب بنيت على تلك الإيدلوجيات المتصارعة و أنتجت هوية ضيقة بكل حزب ضاع في وجودها الإنتماء الوطني، و غابت الهوية الوطنية الجامعة، ليغلب على المجتمع اليمني خلال خمسة عقود مضت : اللاستقرار و الاضطراب، تكررت فيها الانقلابات و اغتيل فيها رؤساء و قادة سياسيون و قبليون و قامت فيها حروب تقاطعت مع أحلام اليمنيين و تطلعاتهم للعيش في ظل دولة النظام والقانون شمالا و جنوبا قبل و بعد قيام الوحدة اليمنية، و يعزى كل ذلك إلى الملامح الذي شكلت نخبة جيل ما بعد الرواد الأوائل.

كانت تلك مقدمة ضرورية لنعرج إلى موضوع المقال( الشهيد عمر الريدي و ملامح الجيل الوطني الذي ينتمي له ) كم كان ذلك المقطع الذي ختم به الشهيد عمر حياته النضالية مؤثرا و مزلزلا و كم هي تلك الردود التي أحدثها في قلوب غالبية اليمنيين بالداخل و الخارج ، فهل كان عمر حالة فردية نادرة أم أنه ظاهرة اجتماعية تمثلت في الجيل الذي ينتمي له عمر رحمه الله.

شخصيا أؤكد ظاهرة جيل بأسره كان عمر الريدي صوتا معبرا عنها في لحظات وداع للحياة الدنيا و استقبال الحياة الآخرة الخالدة ، يفصل بينهما حروف شكلت جمل لها روح نفاذة، حملت مضمون رسالي مؤثر و عميق،  و انتشرت على أوسع نطاق دون عناء من أحدٍ لنشرها، بل كان لها قوة جذب لم نألفه من قبل لتخترق أروقة العقل و تأخذ بنياط القلب في وقتٍ واحد.

على الصعيد الشخصي كما عرفت الشهيد عمر رحمه الله منذ عقدين من الزمن: عرفت كذلك مجموعة من النبلاء الذين ودعناهم شهداء أبطال خلال الشهرين الأخيرين أمثال بسام العذري و أكرم العسكري و الدكتور نبيل الهزمي و الدكتور نعمان النقيب و قاسم الرميم و مئات الشهداء الذين عرفتهم شخصيا خلال عشر سنوات و أضعافهم ممن لم أعرف و عرفهم الناس رحمهم جميعا و آلاف من هولاء لا زالت ميادين النضال في الداخل والخارج تفخر بهم و تبشر بمستقبلٍ زاهٍ يصنعه حاضرهم العظيم.

 

في مجموعهم يمثلون جيلا رائدا لم تعرف اليمن مثله، وليس من باب بث الأمل أكتب هذا الكلام، بل من اعتقادي أنهم حقيقة واقعة، و ما سواهم وهمٌ سيبدد ، و زبدٌ سيذهب جفاءً.

على مدى خمسة أعوام و أنا أقرأ و اكتب عن ملامح هذا الجيل و الذي نحدده بجيل فبراير، إذ لم تكن ثورة ال١١ من فبراير سوى إعلان ميلاده، و ساحاتها منصة إشهار ليتصدر المشهد الوطني و يعبر عن روح اليمن و حضارته للعالم، بعد أن كانت تصوره مشاريع التوريث و السلالة و الانفصال بالإرهاب و التخلف ليسهل لها قياده و التحكم بحاضره و مستقبله.

نعم عمر الريدي رحمه الله رمزية لهذا الجيل الوطني الرائد و شاهد على الحق الذي يحمله هذا الجيل، و شاهد على عدالة القضية و حق هذا الجيل بالكرامة و حق شعبه بالحرية، فما ملامح جيل فبراير الذي مثله عمر الريدي و آلاف الشهداء الأبرار و المختطفين الأحرار الذين شكلوا معادلة وطنية مثلت حائط صد أمام الإمامة و الاستعمار و الاستبداد، إنها باختصار :

الوعي و الثقافة و التأهيل العلمي.

هذه أبرز سمات و ملامح جيل فبراير الوعي و الثقافة و التأهيل العلمي و هل كانت مجتمعات و أشخاص الجهل و التخلف إلا وقودا بلاثمن لمشاريع الإمامة و الاستعمار ، الكثير من جيل فبراير أكملوا دراستهم الجامعية و التحقوا بمعاهد اللغات و التنمية البشرية و نال الآلاف منهم شهادات الماجستير و الدكتوراة في مختلف التخصصات وارتادوا المنتديات الفكرية و الثقافية .

الإنتماء لليمن و الاعتزاز بهويته الحضارية.

غيب صوت الفنان أيوب طارش بشعر الفضول لأنه لم يكن مرغوبا لدى مشاريع التوريث و الحق الآلهي و الانفصال، لكن ساحات التغيير كانت مدرسة تتلمذ فيها جيل فبراير على معاني الوطنية و تمتمت شفاههم مقطوعاته الغنائية لتنبض قلوبهم بحب اليمن و عشق الوطن، كل يوم تتسع مساحة الانتشار للهوية الوطنية فقبل أن يهتم جيل فبراير بمعرفة أعداء اليمن التاريخيين المتمثل في الإمامة و الاستعمار، يستنهضون ذاتهم الحضارية و يستلهمون أمجاد التاريخ و معالم الحضارات اليمنية لتصبح دافعا خلاقا لقواهم و عزائمهم في معركتهم المصيرية مع الإمامة و الاستعمار انهم يواصلون جهودهم الجماعية المتواصلة لإحياء الذاكرة الوطنية التاريخية بدافعية كالريح التي تدفع شراع السفينة بسرعة كبيرة.

الوسطية و الاعتدال و التوازن و الشمول.

ارتبط نضالهم بمشاعر العبادة كما أن ساحات الثورة و الجهاد ليست سوى محاريب عبادة مقدسة، حياتهم متوازنة وفهمهم و ممارستهم للتدين بشمول ينفي عنهم التطرف ويبعدهم عن العنف.

العفاف و الفضيلة.

لايوجد قانون نافذ و لا نظام قائم يمنع هذا الجيل من اقتراف الدنايا ،و ممارسة الخطايا، سوى وازعهم الديني و أنفتهم و آصالتهم اليمنية، عرفهم المجتمع بصلاح السيرة و حسن السلوك في حياتهم الاجتماعية و الاسرية و الشخصية.

التجديد و الإبداع و الطموح و التطلع للمستقبل.

ولا يسع المجال لذكر بصماتهم و نذكر أنه رغم ما تعيشه اليمن من أحداث و حروب وخاصة بعد انقلاب ٢١سبتمبر إلا أنهم لا زالوا يحصدون الجوائز و الأوسمة العربية و الدولية في مجال الفنون و التميز العلمي و المهني.

الحرية و الكرامة و المساواة.

هذه ثلاثي سيمفونية النضال التي يقدم جيل فبراير الشهداء و الجرحى و المختطفين على مدار الساعة في مواجهة الإمامة و الاستعمار و لن يتنازل عنها أبدا فلا تجده بعد سنوات الإختطاف و الإخفاء القسري إلا فارسا لا يشق له غبار في ميادين النزال.

العفو و التسامح و خدمة المجتمع.

فهو لا يدفعه للنضال أحقاد لينتقم ، بل يتنازل في حقه الشخصي كجيل مناضل تعرض للإيذاء من أطراف متعددة، و يسعى لتقديم الخدمات المختلفة لمجتمعه حتى في السجن، ولم يكن نبذ الشهيد عمر للأنانية و اهتمامه برفاق النضال بالسجن ليصل كرمه لزبانية السجن إلا سلوك يمارسه أحرار هذا الجيل بسجون الإمامة و الاستعمار جميعا.

الثبات و البطولة و الفداء.

مع طول أمد المعركة أو السجن أو النفي لازال جيل فبراير شامخا كشموخ الجبال الرواسي ، مستعليا على كل الظروف، متحفزا لمواجهة التحديات، حتى يدحر الإنقلاب و تقام الدولة الوطنية المنشودة متى ما أراد الله تعالى قريبا ان شاء الله.

قيادة جماعية واعدة.

أخيرا تصقل الظروف و التحديات الراهنة قدرات و مهارات هذا الجيل الذي أصبح رديفا قياديا في كل المجالات و سيتقدم خطوة جماعية واحدة ليتصدر المشهد قريبا و يحقق ما قصر بالعشرات من رواد النضال الحاليين عن تحقيقه، ربما لأنهم تجاوزوا سن العطاء و ان صدقت نواياهم، فلكل دولة رجالها، يجب أن نثق في هذا الجيل و نفسح له المجال ليحقق بعنفوان دافعيته الراشدة ما عجز من قبلهم عن تحقيقه عن قصور أو تقصير، مع تحلي هذا الجيل بالإحترام لمن سبقه من رواد النضال.

قد أكون أسهبت في الكلام لكن مقتضى الفكرة اقتضت إكمال الصورة لتأكيد أن ظاهرة الشهيد عمر الريدي رحمه الله ليست سوى رمزية لظاهرة جيل وطني كامل سيحقق العزة و الكرامة و التنمية الشاملة لشعب اليمن العظيم و إن غدا لناظره لقريب ان شاء الله.