اليمن والهشيم العربي
بقلم/ محمد خليفة
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 8 أيام
الأحد 07 أكتوبر-تشرين الأول 2012 05:39 م

تعهد مؤتمر دولي للمانحين، الذي عقد في السعودية الشهر الماضي، بحزمة مساعدات تقدر بـ 4 .6 مليار دولار لليمن التي تعاني الفقر وتمزقها الحرب . وطالب المؤتمر الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي بمزيد من الجهود من أجل دعم اليمن، أفقر دولة في العالم العربي

وكان قد صدر في واشنطن التقرير السنوي الثامن لمؤشر الدول الفاشلة للعام ،2012 الذي يكشف حالة استقرار أو عدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه البلاد، خاصة دول الربيع العربي . وبالنظر إلى مؤشر الدول الفاشلة لهذا العام، فإن تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن قد شهدت تدهوراً متفاوتاً في أوضاعها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، كما اعتبر التقرير اليمن وفق كل التقديرات الدولية تقريباً دولة غير مستقرة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وانتقلت في مؤشر الدول الفاشلة من رقم 13 العام 2011 إلى رقم 8 العام 2012 . هذا التدهور في الترتيب سببه الرئيس يعود إلى حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني وبالتالي الاقتصادي؛ سواء من حيث ارتفاع حالات سوء التغذية بين الأطفال اليمنيين، أو من حيث جيوب المجاعة التي تعانيها بعض المناطق النائية .

يضاف إلى ذلك أن 55 في المئة من سكان اليمن يعيشون في الوقت الراهن تحت خط الفقر، كما أن أكثر من نصف الشباب اليمني في حالة بطالة، والسبب أنه منذ أكثر من عام تعيش اليمن في أزمات هائلة، تتوزع بين أزمة الحكم، وأزمة الإرهاب متمثلاً في القاعدة، وأزمة الحركات الانفصالية . وكل هذه الأزمات اجتمعت في الجسد اليمني الضعيف، وبدأت تنهش في أوصاله . وتدخل العرب - خاصة دول الجوار - والولايات المتحدة وحلفاؤها، ونجم عن ذلك فترة انتقالية في الحكم، وتقام بعد ذلك انتخابات نزيهة ترضي طموح الشعب اليمني؛ لكن هذه الخطة لم تنجح في وضع حد للفوضى الهائلة في هذا البلد، لأن القِوى المتصارعة لم تتوافق جميعها على هذا الطرح الدولي، وبعضها لم يعترف بهذه الاتفاقية . ففي الشمال، هناك الحوثيون الذين يتأهبون - بلا شك - للحظة الحاسمة للانفصال . وفي الجنوب، هناك الحراك الجنوبي ودعاوى الانفصال، وإعادة دولة اليمن الجنوبي إلى الحياة، إضافة إلى »تنظيم القاعدة« ذي النفوذ الواضح في بعض المناطق اليمنية، وأسوأ من كل هذه الأطراف، هناك الفقر والحاجة وتزايد النقص في المواد الغذائية والضرورية لاستمرار الحياة، فالمنظمات الدولية تحذر من كارثة إنسانية في اليمن بسبب نقص الغذاء .

ويبدو أن أهواء اليمنيين تتوزع بين مؤيد للحوثيين، ومريد للقاعدة، ومن يسعى لفصل الجنوب عن الشمال، وهناك تيار وطني عارم يريد الوحدة الجامعة، والدولة اليمنية القوية . وربما تفاوتت هذه الرؤى المتناقضة في أحجام تمثيلها، إلا أن كل طرف منها يسعى بكل ما أوتي من قوة، إلى تحقيق طموحه على أرض الواقع، ولذلك تستمر الفوضى من دون أن يتمكن طرف منها من التغلب وفرض رؤاه . وربما أصبحت اليمن دولة فاشلة مثل أفغانستان، فلا الحكومة قادرة على فرض الأمن والاستقرار، ولا الشعب قادر على العودة إلى حالة الوئام والسلام التي كان يعيشها .

لا شك في أن هناك أسباباً عديدة وراء ما وصلت إليه الأوضاع في اليمن؛ لعل أهمها تلك الأيدي الأجنبية الخبيثة التي تمتد هنا وهناك؛ لتستميل طائفة أو جماعة يمنية إلى صفها . وهذه الأيدي مسؤولة عن شيوع حالة الفوضى في ربوع اليمن . وأيضاً، فإن التهميش الذي عانى منه بعض أبناء الشعب اليمني، وخاصة في مناطق الأطراف سواء في الشمال أو الجنوب، أدى إلى تكوين حالة نفور من مركزية الدولة . وأيضاً، فإن الدولة اليمنية وخلال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن لم تتمكن من تحقيق تنمية مستدامة، وظل الشعب اليمني يعيش - في معظمه - حالة من الفقر والجهل، وكأن هذا الشعب لا يمت بصلة إلى سبأ القديمة التي بنت حضارة عريقة، خلّدها التاريخ . كذلك لا يمكن أن نغفل غياب الديمقراطية، واستئثار النظام السابق - متمثلاً في الرئيس وحزبه - بكافة السلطات، وغياب الديمقراطية عن نظام الحكم، والاعتماد على العصبيات القبلية من دون الكفاءات، ما أدى إلى غياب العدالة، والشفافية، وانتشار الفساد، والمحسوبيات، وهذا أسهم في تفكك المجتمع اليمني، ووصوله إلى هذه المرتبة التي أشار إليها التقرير .

إن إنقاذ اليمن بات أمراً صعباً للغاية، لأنه بحاجة إلى مساعدة حقيقية لفرض الأمن في ربوعه . وإذا كان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قد بادر إلى إرسال الجيش المصري؛ لترسيخ الأمن والاستقرار في اليمن في منتصف الستينات من القرن الماضي، وكان للجيش المصري الفضل في رسوخ الأمن والاستقرار في اليمن طوال العقود الأربعة الماضية، لكن الآن وبعد شيوع هذه الفوضى الكبرى في اليمن، وتداخل أطراف إقليمية في الساحة اليمنية، إضافة إلى تضاريس اليمن المتمثلة في الجبال، والشواطئ الممتدة، كل ذلك يمثل صعوبات تقف عائقاً في وجه من يحاول فرض الأمن والاستقرار، خاصة إذا لم يلق قبولاً من أغلبية الشعب اليمني .

هل يمكن لدولة عربية أن تتخذ قراراً بالتدخل في اليمن لإنقاذ الشعب اليمني من هذه الفوضى؟ قطعاً لا توجد دولة عربية واحدة قادرة على اتخاذ مثل هذا القرار، فالضعف هو سمة العرب في هذا القرن، والضعيف لا يقوى على شيء ونحن لا نريد قطعاً أن تتدخل الدول العربية في الشؤون الداخلية لبعضها بعضاً، لكن إنقاذ اليمن من براثن الفوضى بات أمراً ملحاً للغاية، خاصة قبل أن تحدث كارثة إنسانية فيه، ذلك أن المنظمات الدولية تحذر من حدوث أزمة غذاء هائلة في اليمن . فإذا نشبت هذه الأزمة في المستقبل القريب، فهل سيقتصر دور العرب على جمع التبرعات فقط؟ أو أنهم سيسعون للملمة الجرح اليمني قبل أن يتسع ويتمزق اليمن على الطريقة السودانية؟

mohammed_khalifaa@yahoo.com

*البيان الإماراتية