الزواج المبكر: هل هو ظاهرة اجتماعية أم..زوبعة في فنجان ؟
بقلم/ د.رياض الغيلي
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 7 أيام
الثلاثاء 09 مارس - آذار 2010 06:24 م

أثار طلب تعديل قانون الأحوال الشخصية في المادة المتعلقة برفع سن الزواج للفتيات إلى سبعة عشر عاماً موجة كبيرة من الجدل ، وبين المؤيدين للتعديل والمعارضين له جرى التهويل والتهوين إلى حد الإفراط والتفريط ، ويوشك أن يتحول هذا الجدل إلى حالة من حالات الصراع السياسي رغم أن الأمر لا علاقة له بالسياسة من قريب ولا من بعيد ، فهو قضية اجتماعية بحتة ينبغي أن يتم تناولها من هذه الزاوية فقط لا غير ، وأتمنى من المؤيدين والمعارضين للتعديل أن يتجنبوا إقحام السياسة أو الشرع في القضية ، وأن لا يتخذ المؤيدون للتعديل من معارضة البعض له فرصة لتحقيق مكاسب سياسية في صفوف النساء والمنظمات الحقوقية .

وأرى أننا مجبرون على التعاطي مع هذه القضية من الزاوية الاجتماعية فحسب لأنها تتعلق بظاهرة اجتماعية متفشية ليس في اليمن وحسب ، بل وفي بلدان كثيرة من العالم ، وبالإضافة إلى ذلك فإن الكاتب يرفض تسمية هذه الظاهرة بما يسمى بـ (الزواج المبكر) ، لأن الزواج المبكر في رأيي هو ذلك الزواج الذي يتم فور نضوج الفتاة أو الفتى نضجاً كافياً لتأسيس أسرة متماسكة قوية قادرة على التفاهم والانسجام بين ركنيها (الزوج والزوجة) ، وأعني بالنضوج ، النضوج الكامل الشامل (جسمياً ونفسياً وعقلياً وتربوياً) ولا يكفي في ذلك البلوغ الذي غالباً ما يكون في سن مبكرة عند الفتيات والفتيان ، وبالتالي فإن التسمية المناسبة لهذه الظاهرة هي (زواج الصغيرات أو القاصرات) ، وهذا النوع من الزواج لا يمكن له أن يحقق الهدف السامي لسنة الزواج التي تعني وضع لبنة جديدة في بناء المجتمع تسمى (الأسرة) ، والتي يجب لتكوينها تكويناً سليماً وصحيحاً أن تكون على أسس متينة أهمها النضج التام لا البلوغ فقط ، وهذه الأسرة بركنيها تتقاسم حقوقاً وواجبات لا يفقهها الصغار ، ومناط بها إعداد جيل صالح وتربيته تربية صالحة وهذا لن يتوفر إلا إذا أخذ كل من الزوج والزوجة حقهما أولاً من التربية والإعداد والتهيئة وهذا أيضاً لا يتأتى لصغار السن سواءً كانوا ذكوراً أم أناثاً .

ولكني وبالرغم من تأييدي للتعديل أرى أن المؤيدين للتعديل أفرطوا في وصف الظاهرة ، وأولوها اهتماماً كان يجب أن يُصرف إلى ظواهر أخرى أشد خطراً على المجتمع كالثأر ، وتعاطي المخدرات ، والعنوسة ، وحرمان المرأة من ميراثها... إلخ ، ثم إنهم (المؤيدون) بالإضافة إلى ذلك عدوا هذا التعديل انتصاراً للمرأة على الرجل ، وظنوا أنهم بهذا التعديل قد قضوا على الظاهرة قضاءً مبرماً بالرغم من أننا نعلم جميعاً أن القضاء على الظواهر الاجتماعية السلبية لا يتأتى بسن قانونٍ ، فالظواهر الاجتماعية تحتاج إلى توعية وتثقيف اجتماعي ، وكم من الظواهر السلبية لا تزداد بالرغم من وجود القوانين إلا تفشياً وانتشاراً ؟

ومن خلف ستار التعديل لم يخل الأمر من سوء استغلال سياسي لتحقيق المكاسب في صفوف الجنس الناعم ، وصار المؤيدون يتخذون من ذرائع المعارضين للتعديل القانوني حجة لتأليب المرأة ضد حزب سياسي عارض نفرٌ من أعضاءه هذا التعديل ، فصار الأمر وكأنه موقف سياسي يتبناه الحزب في أطره التنظيمية ، مع أن الأمر عكس ذلك تماماً .

أما المعارضون للتعديل فقد نظروا للنصف الفارغ من الإناء ، وصاروا كمن يبكي على اللبن المسكوب ، وساقوا حججا ما كان ينبغي أن تُساق في الاعتراض على هذا التعديل ، وعليهم أن يعترفوا بأن الظاهرة سلبية بكل ما تعني الكلمة من معنى، وإنني أجزم أن أيَّا من هؤلاء المعارضين لن يقدم على تزويج ابنته في سن مبكرة قبل أن يتأكد من أهليتها نفسياً وجسمياً وعقلياً للمشاركة في تأسيس أسرة صالحة والاستعداد لتربية جيل صالح ، وإن كان البعض منهم في اعتقادي لن يمانع في تزويج نفسه من فتاة صغيرة بلغت للتو تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم (كما يزعم) إلا أنه سيرفض رفضاً باتاً أن يجريَ على بناته أو أخواته ما يحب أن يجريَ لبنات الآخرين ، وبالتالي فهو يشبه إلى حد كبير من يجيز زواج المتعة لنفسه ويحرمه على أهل بيته !!

ثم إنهم قد أفرطوا في معارضتهم للتعديل إلى درجة أوحت للعامة أن الأمر من أصول الدين التي لا يجوز الاقتراب منها أو الخوض فيها ، مع أن الموضوع من القضايا الفرعية الثانوية التي يجوز الاجتهاد فيها ويجوز لولي الأمر أن يتدخل فيها كما فعل عمر (رضي الله عنه) في مواقف كثيرة إبان خلافته والذي كان له الكثير من الأوليات والاجتهادات التي لم تلق في أغلبها معارضة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إن أول حجة يسوقها المعارضون للتعديل هي واقعة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها ، والتي يذكر المؤرخون أنها كانت في التاسعة من عمرها ليلة بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يذكر البعض رواية عنها أنها كانت يوم عرسها تلعب مع أقرانها حين فوجئت بأمها تأخذ بيدها وتدخلها إلى المنزل لتصلح من شأنها وهي لا تدري ماذا يُصنع بها ، ثم تزفها إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم ليدخل عليها في نفس الليلة !!

وهذه الواقعة وإن صحت فلا يمكن اعتبارها سنة يجب التأسي بها بل هي من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم ، كما اختص بالجمع بين تسعٍ في وقت واحد لحكمة يعلمها الله تعالى ، أما غير هذه الواقعة فلم نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد زوج أياً من بناته أو بنات المسلمين في مثل هذا السن ، وإذا كان المعارضون يعدون الزواج من القاصرات سنة فعليهم أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في زواجه من خديجة رضي الله عنها التي كانت تكبره بخمس عشرة سنة ، وليتزوجوا من هي أكبر منهم حتى ولو بيومٍ واحد ، أو يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في زواجه من بقية أمهات المؤمنين اللاتي كن جميعاً - فيما عدا عائشة - إما أرملة أو مطلقة .

إنني أعتقد أن المعارضين إن تأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الزيجات سيحدون من ظاهرة العنوسة المبكرة التي تجتاح اليمن ، فالعنوسة في بلاد الله جميعاً تبدأ مع المرأة من سن الأربعين إلا في اليمن فهي تبدأ مع المرأة ببلوغها سن العشرين في الريف وسن الخامسة والعشرين في الحضر وهذه نتيجة حتمية لظاهرة (زواج القاصرات) ، تقول آخر الإحصاءات أن أكثر من ثلاثة ملايين فتاة عانس في اليمن أعمارهن ما بين (25-40) عاماً ، تتمنى الواحدة منهن أن يطرق بابها زوج صالح يخرجها مما هي فيه من صراع نفسي ووحدة قاتلة، أفلسن هنَّ أولى بالزواج والإعفاف من القاصرات ؟

أما ثاني الحجج التي يسوقها المعارضون للتعديل فهي أن هذا التعديل سيساعد على تفشي الزنا والفجور والخنا في أوساط المراهقين والمراهقات ، وهذه حجة مردودة عليهم ، فالأصل في الإعفاف التربية الصالحة والتنشئة الأسرية الربانية والتحلي بأخلاق الدين والتزام الطاعات والدليل على ذلك دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للشباب (يا معشر الشباب من استطاع منكم ... إلخ آخر الحديث)، أما الزواج فما هو إلا تكليلٌ وتتويج للتربية الصالحة ، وإذا فشلت التربية الأسرية في إعفاف الفتاة أو الفتى عن الحرام فلن يحل زواج القصَّر المشكلة بل سيزيد الطين بلة .

أخيراً أقول :الأم هي المدرسة الأولى للجيل (الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعباً طيب الأعراق) ، وإن القاصرة إذا أنيط بها تحمل هذه المسؤولية قبل أن تأخذ حقها هي أولاً من التنشئة والتربية والإعداد لاشك بأنها ستفشل فشلاً ذريعاً ، ويكون إلقاء مسؤولية الحمل والإنجاب والتربية عليها ظلم كبير لها وللمجتمع الذي ينتظر جيلاً قوياً صالحاً .