رئيس الحكومة يعلن من عدن اطلاق عملية اصلاح شاملة تتضمن 5 محاور.. تفاصيل الكشف عن كهوف سرية للحوثيين طالها قصف الطيران الأميركي في محافظة عمران انفجاران بالقرب من سفن تجارية قبالة سواحل اليمن محكمة في عدن تستدعي وزير موالي للإنتقالي استخدم نفوذه ومنصبه في ظلم مواطن العليمي يضع الإمارات أمام ما تعانيه اليمن من أزمة اقتصادية موجة برد قاسية متوقع أن تستمر في 8 محافظات البحرية البريطانية: تلقينا تقريرا عن حادث بحري على بعد 25 ميلا غرب المخا حكم قضائي يعمّق الخلاف بين الرئاسي والنواب شرطة تعز تعتقل قاتل أربعة من أفراد أسرته في صنعاء اشتعال حرب التكنولوجيا ..الصين تسبق الولايات المتحدة في التاكسي الطائر ذاتي القيادة
عدن مدينة مدنية ومستقبل اليمن معها آمن
اعتمدت الحضارة اليمنية القديمة كحضارة أوسان في تحقيق ازدهارها وبناء قوتها على عدن، وفي العصر الإسلامي وفي العصر الحديث كانت عدن هي رئة اليمن التي تتنفس منها، فهي المركز التجاري الأكثر نشاطا والأكثر انفتاحا على العالم، فقد أسهمت التجار وتعاملاتها الواسعة مع الآخرين في تطور نظام اجتماعي مؤسس على التعدد والانفتاح وقبول الآخر، وساعدها ذلك على بناء منظومة ثقافية سلمية مؤسسة على القيم المدنية ورفض الفوضى والدفاع عن الدولة القائمة على النظام والقانون وأيضا ساعدتها تجربتها على تخلق ساكنيها بأخلاق حضارية، وهذا يجعلنا نرى أن أقرب المدن اليمنية للقيم المدنية هي عدن.
ومن يعرف عدن لابد أن يقتنع أنها قريبة من مفهوم المدينة المعاصرة مقارنة ببقية المدن اليمنية، فهي مدينة مركزية تحتوي على تنوع ثقافي واجتماعي ثري، وما يميز هذا التنوع أنه متحيز للثقافة المدنية، وقوة التجمع السكاني في عدن أن لديه روح جماعية متحيزة لصالح العصر، لذا فإن القادم من الريف المحيط بعدن للسكنى مجبر على أن يتطبع بطباعها لأن عدن مدينة نابذة لمن يتحدى روحها المدنية، وهذا مكّن عدن من امتصاص وهضم الثقافات القادمة إليها من الخارج أو من الريف اليمني، كما أن محاولات ترييفها باءت أغلبها بالفشل، وما يميز عدن وتنوعها أنها خلقت ثقافة متميزة متحيزة للعصر، لذلك سيلاحظ المتابع لتجربة المدينة في العصر الحديث أن التنوع اليمني في داخلها لم يخلق صراعات أثنية، وبعض الصراعات الطارئة على عدن كانت قادمة من الريف وكانت ذات طابع سياسي.
وهنا لابد من الإشارة إلى موضوع مهم غالبا ما يتم تفسيره بطريقة مناقضة لتجربة عدن وروحها المدنية والتفسير كان سياسيا لقهر العدنيين وإجبارهم على الرضوخ لإرادة القادمين الجدد من الريف بمنهج مناقض لطبيعتها وتجربتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فالمدينة عدن عندما رفعت شعار عدن للعدنيين لم تعبر عن روح عنصرية في تصوري بل عن روح مدنية مرعوبة من الغزو القادم من الجبال بالثقافة القبلية الفوضوية، وبالمناهج الفكرية المناهضة لتجربتها كمدينة تجارية، بمعنى أن الدعوة لم تعبر في حقيقتها عن نزعة عدائية مناهضة للآخر المتماهي مع روح المدينة، بل هي ردة فعل خائفة من هيمنة الريف على ثقافة المدنية التي تشكلت في عدن، صحيح أن النزعة الأنانية لمصالح النخب العدنية كان لها دور، إلا أنها نزعة مبررة في ظل صراع محموم على الموارد، وثقافة قادمة من الجبال محكومة بوعي القبيلة الباحث عن الغنيمة باسم العدالة.
وهنا نؤكد أن تجربة مدينة عدن ومدنيتها المتحيزة للإنسان لا تنسجم روحها مع أي دعوات مؤسسة للكراهية فعندما نفحص مواقفها في العمق سنجد أن عدن مثلا في ظل الصراع السياسي الراهن ليست مهمومة بالنزعة الجنوبية بإبعادها الانفصالية بل الحقوقية لأن النزعة الانفصالية نزعة مريفة في جوهرها ومرتهنة حتى العمق بالوعي القبلي لا بالثقافة الحديثة، وهي نزعة مناقضة للشعارات المرفوعة وتؤسس للعنف ومحددها الجوهري المصالح المادية الأنانية لا القيم المدنية، وهي لا تختلف في جوهرها رغم شعاراتها عن النزعة القبلية القادمة من الشمال والتي تتعامل مع الموارد كغنيمة، فالنزعة الجنوبية المتطرفة قائمة على الكراهية. ورغم تفاعل بعض ساكني عدن معها إلا أنها نزعة ترعب القوى المدنية الخبيرة في عدن لأنها نزعة متناقضة مع طبيعة عدن كمدينة حقيقية تحاول امتصاص التريف وتقاوم حالات التشوه التي تنمو في أعماقها.
وهنا لابد من ملاحظة مهمة فإذا كانت مركزية صنعاء ارتبطت بالثورة اليمنية وحمايتها من أعدائها فأن مركزية عدن في العقل اليمني لا تقل عن صنعاء، فالتاريخ يؤكد أن النضال الوطني الملتحم بالعصر أنطلق من عدن، بل أن بذور الثورة الفعلية خلقت في عدن، وكانت عدن أشبه بالنافذة التي تمد البيت اليمني بالنور، فالقوى المناهضة للإمامة وللاستعمار قادت معاركها من عدن وفيها نمت معارضة ناضجة ومتحيزة للقيم الجديدة، فقد تمكنت عدن بحكم مدنيتها من صهر التناقضات اليمنية، وهذا سهل بروز التحالفات المتجاوزة للتقسيمات المختلفة، ومكن القوى الوطنية من بناء روح نضالية وطنية على أسس عصرية، وما يميز عدن عن صنعاء أن قوى التنوير كانت متمركزة في عدن.
ورغم أن القادمين من القبيلة والريف هيمنوا على السلطة لاحقا بفعل العنف المتناقض مع روح عدن السلمية إلا أن عدن كمدينة قاومت استفزازاتهم وبذلت محاولات جادة لهضم القادم من الريف في بنيتها المدنية وقد ساعدها على ذلك الفكر اليساري الناضج المتحيز للإنسان.
مؤهلات عدن
وما يميز عدن عن غيرها من المدن اليمنية أنها مدينة تملك مؤهلات اخرج اليمن من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويمكن حصر بعضها في النقاط التالية:
أن انتقال العاصمة إلى عدن سوف يسهم في تفعيل مدينة عدن كمدينة حرة تنافس كبريات المدن العالمية، لأن تركز القرار السياسي فيها سيجعل الهم السياسي والسياسة في خدمة الاقتصاد. وهذا يجعلنا نرى أن تحويل عدن إلى عاصمة للدولة اليمنية هي أقوى الضمانات لإعادة الاعتبار لعدن كمدينة منسجمة مع الحداثة، وكفيلة بمساعدة الدولة اليمنية من تجاوز إشكالية ضعفها في مواجهة نقائضها. فالمدينة المعاصرة في زمن العولمة هي مصدر قوة الدولة وفاعليتها.
ويمكن القول أن عدن هي جوهرة اليمن الضائعة التي أستحوذ عليها عقل فحام قبل الوحدة وبعدها، وتؤكد بعض الدراسات أن عدن يمكنها أن تكون خامس مدينة جاذبة للاستثمار على مستوى عالمي بل ربما تصبح عدن من أبرز مراكز العولمة بما يعني أن مستقبل اليمن وأبنائه مرتبط بتحويل عدن إلى مدينة معاصرة، وتحويلها الى عاصمة سياسية سيمثل قوة دافعة، لأن ذلك سوف يسهم في نمو اقتصاديات المدينة بفاعلية ويقوي في ثقافة الناس الالتزام بالنظام والقانون.
كما أن تحويلها إلى عاصمة سوف يسهم في إثراء التنوع والتباين في المدينة وهذا مهم جدا ولن يؤثر القادمين على ثقافتها بحكم وضعيتها وتجربتها التاريخية بل أن التفاعل ومع قوة الدولة ومنظومة قيمها العصرية سوف يساعد على خلق ثقافة التوحد، فالمنظومة المدنية المسيرة للحركة سوف تعيد صياغة ثقافة جديدة تنصهر فيها الثقافات المتنوعة في لوحة جمالية أبداعية تقبل التعدد كخيار أصيل وتصبح الفئات المكونة للمدنية قادرة على بناء شبكات واسعة من العلاقات مؤسسة على معايير المدينة وحاجاتها، وهذا سوف يسهم في نمو المجتمع المدني باعتباره نتاج طبيعي للمدينة وربما يصبح هو القوة المركزية الفاعلة والتي تفرض فلسفتها على المجموع.
من جهة أخرى نمو عدن وتقدمها سوف يحاصر وعي القبيلة وخططها للهيمنة على المدينة ومع اضمحلال وعي القبيلة لصالح وعي المدينة المتحرر من أسر التقاليد البالية فأن ذلك يؤدي إلى قبول التعدد والاختلاف لدى الناس ورفض أي وعي يحتقر وينفي ويشوه الآخر، وهذا بطبيعة الحال سيجعل من الاختلاف والتباين مسألة طبيعية. ومع الوعي المدني سوف يتركز الولاء في الدولة ويجعل من الانتماءات المتنوعة مقبولة ومنتجة ومدخل لترسيخ الإبداع.
عدن بين عهدين
أسهم الانجليز في تطوير عدن وتقدمها وكانت أحلام الاستقلال تحلم بالمزيد من الرقي، إلا أن الاستقلال وضياعه في التطرف الايدولوجيا أفقد عدن حيويتها، لقد امتصت التجربة الشيوعية طاقة عدن فالمحاولات الإيديولوجية لهيمنة رؤية وثقافة معينة ولد التبلد وولد صراع أسهم في إفشال التجربة وجعل من المجتمع فرق شتى لا جامع لها، وهذا خلق ثقافة التعصب والانتهازية وأفقد المدينة فاعليتها في صناعة التقدم، وكان صراع القوى اليسارية في عدن سلبي على روحها المدنية وأسهم بفعل تريف بعض الحكام على هيمنة روح الوعي القبلي، وهاهي اليوم عدن تُدّمر طاقتها في صراعات المصالح بين القوى القبلية، إلا أن عدن أبية تقاوم التريف بكل قوة فجهازها المناعي مازال قويا.
لقد خنقت عدن في الصراعات المختلفة ومع هيمنة الوعي القبلي تم إعاقة تحولها الطبيعي، فالسيطرة التي فرضتها القوى السياسية على التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أعاق القانون الداخلي للمدينة من الانتقال إلى آفاق العصر، ورغم الإيجابية التي لعبتها القوانين والأنظمة المناهضة للأعراف والتقاليد البالية قبل الوحدة إلا أن صراعات السياسية أسهمت في بعث وعي القبيلة وأفقد التحولات مساراتها التقدمية.
إلى ذلك كان من المفترض ان تعود عدن إلى مساراتها في التقدم والتطور بعد الوحدة إلا أن صراعات المصالح وهيمنة وعي القبيلة أصبح كورم سرطاني اجتاح عدن ومازال الورم يمارس انتهاكه لجسد المدينة أما بالدعوات الانعزالية العنصرية وأما بلغة النهب والفيد أو بسياسات شكلية لبناء المنطقة الحرة، وأن لم يتم استئصال الورم فأن المدينة سوف تموت في صراعات قاتلة مدمرة لروح عدن المنفتحة ولمدنيتها المتأصلة في كيانها .
عدن وشعارات تقرير المصير
تحولت عدن عبر النضال القادم من خطاب المنفى إلى سم زعاف أفقد عدن روحها المدنية، وبث في أرجائها الكراهية والحقد والتنافر المتناقض مع تطورها التاريخي، أي أن خطاب المعارضة المغتربة عن ذاتها في المنفى وأصحاب الدعوات الانعزالية وبث الكراهية أصبح يخلق حالة من الاغتراب الداخلي والانعزال والانطواء ويؤسس لثقافة الكراهية المرتكزة على العنصرية المكانية وهذا افقد روح مدينة عدن في نضالها من أجل القيم الحديثة.
وهنا يمكن القول أن الدعوات الانفصالية المتوقدة في معارضة الخارج أمر طبيعي، فالخروج من السلطة مؤلم وكان نتيجة صراع سياسي، ومع المنفى تتضخم لدي المعارض الروح الانعزالية لأنها مهمومة بالبحث عن مأوى ينقذها من عذاب الغربة وفي مأساة الاغتراب فقد جزء من المعارضة روحه الوطنية الوحدوية التي تم جرحها في صراع المصالح، ولأنها غير قادرة على تجديد رؤيتها لصالح ثقافة تجديدية ولأنها مرتهنة لمصالح أنانية فأنها تناهض قيم ظلت عبر تاريخها تدافع بل وتقاتل عنها، وهذا يعمق مأساتها. الغريب في الأمر أن جزء من أبناء عدن أنفعل مع هذه الدعوة رغم مخاطرها العظيمة على المدينة.
فشعار تقرير المصير ليس إلا تعبير عن حالة طارئة في تاريخ الوحدة الوطنية، فالقوى المعارضة المطالبة بتقرير المصير تعاني من ذات مشتتة وممزقة وهي تحاول بث الانسجام مع نفسها وتجاوز شقاء وضعها بالنضال من خلال كيان الجنوب، تجربتها القريبة مع دولة الوحدة كحلم لم يعد مجدي وهذا جعلها عاجزة عن إعادة بناء ثقافة مقاومة منسجمة مع حاجات الواقع، وجعلها مرتهنة لحاجاتها النفسية لذا فأنها لن تتمكن من تجاوز وضعها إلا بممارسة النقد لتجربتها برؤية إنسانية متجاوزة لوعي القبيلة الغائر في أعماق وعيها. وإذا استطاعة هذه النخبة الانسجام مع نفسها فأنها سوف تصبح قادرة على فهم العالم بطريقة منهجية وعلمية.
ومن الواضح أن المقاومة التي يبديها أصحاب الدعوات الانفصالية يعاني من إشكالية عويصة فالتناقض بين تحليل الواقع والمطالب يؤسس لثقافة نابذة لاغية للآخر وراغبة في تدميره، أنها تبني هوية متنافرة في خطابها فهي تتحدث عن هوية وهمية وتحاول إعادة تشكيل هذا الوهم ليصبح حقيقة ولأنها هوية مخلقة بفعل الصراع على الموارد، فأنها هوية أنانية تنتمي إلى المصالح الآنية المباشرة، ولأنها أيضا هوية مفتعلة يتم من خلالها تدمير الهوية الواحدة، فأنها تؤسس لصراع عبثي نتائجه الأعلى من ثقافة الوعي القبلي وتحجيم التقدم المتنامي لصالح القيمالمدنية.
نقل العاصمة وتطور النخبة
أن نقل العاصمة إلى صنعاء من ناحية واقعية ربما يحتاج في البداية إلى التركيز على المؤسسة العسكرية وتقويتها وتحويلها إلى مؤسسة محترفة، وهذا لن يؤثر على بناء الدولة بل سوف يخدم قوة الدولة في مواجهة نقائضها، صحيح أنه قد يخدم نخب معينة ويمكنها من فرض هيمنتها إلا أن الاحتراف سيمكنها من تجاوز مشاكلها الراهنة، ونؤكد أن المؤسسة العسكرية عبر تاريخ الدولة اليمنية الحديثة مثلت قوة حداثية، ورغم إشكالية تضخم هذه المؤسسة وهيمنة طرف عليها بفعل الواقع الموضوعي إلا انها لعبت دورا إيجابيا إلى حد ما في محاصرة القبيلة ووعيها.
والمؤسسة العسكرية لن يستمر تدخلها لفترة طويلة فالمدينة سوف تسهم في تقوية الثقافة المدنية وسينمو بقوة وفاعلية المجتمع المدني، كما أن نمو التجارة سوف يخلق نخبة قوية متشاركة مع النخبة السياسية والعسكرية المهيمنة وسيتجه الجميع من أجل بناء الدولة للحافظ على مصالحهم التي لن يتم حمايتها إلا بدولة حديثة مدنية منسجمة مع العصر، ومع الوقت ستتحول المؤسسة العسكرية إلى قوة مستقلة محايدة كلما تطورت الدولة.
ومع تطور الدولة ونموها سوف تتوسع النخبة ومع نمو عدن والمناطق المجاورة كأبين والمكلا، سوف يسهل ذلك في بناء تحالفات قوية لصالح النظام والقانون .
حضرموت والمكلا كعاصمة اقتصادية
وترسيخ الوحدة وتدعيم قوة النخبة المرتبطة مصالحها بالدولة القوية بحاجة إلى خطة واضحة لتنمية محافظة حضرموت والعمل على تطورها اقتصاديا بتحويل المكلا إلى عاصمة اقتصادية وهذا سيجعلها من أكثر المناطق الجاذبة للسكان، ونمو نخبة حضرمية متداخلة مع مصالح النخب القادمة من المحافظات الأخرى سيجعل من حضرموت من أكثر المناطق في المنطقة جاذبا للاستثمار المحلي والخليجي والعالمي.
مع ملاحظة أن النخبة الحضرمية وبفعل حسها التجاري يجعلها أكثر قربا من الدولة المدنية، وشعورها العميق بالانتماء لحضرموت والتميز الثقافي عن غيرهم لا يمثل أي خطر فالانتماء ليس عرقيا بل انتماء للمكان، والثقافة المحلية الحضرمية من عادات وتقاليد لا يهدد الوحدة الوطنية كما يصورها الآخرين، فالتكاتف الحضرمي قائم على التعاون والبناء والتعمير بما يخدم التنمية وتطور المجتمع، ولأنه مجتمع مدني يؤمن بالسلام لذا فأن الحضارم في تكاتفهم لا يتبنون دعوات فوضوية أو دعوات الحرب والقتال، وتجلياته الراهنة بطريقة سلبية هو نتاج لسياسات غبية في التعامل مع أبناء المنطقة وعدم إدراك لطبيعة الحضارم، ونؤكد هنا أن شعور الحضرمي بالتميز مهم جدا والحفاظ عليه لا يشكل أي خطر بل أن هذا الانتماء سيجعل النخبة الحضرمية قادرة على تحويل المحافظة إلى منطقة جاذبة للمهاجر الحضرمي وهذا مع نمو المحافظة مستقبلا سوف يولد في المحافظة تنوع مهم ومع غلبة التمدن سيغدو التنوع قوة دفع مهمة لتطور المحافظة.
ويمكن قياس النزعة المدنية لدى الحضارم بالقدرة التي يتمتع بها الحضرمي في الامتزاج والتماهي مع المجتمعات التي يهاجر إليها، مع الحفاظ على العادات والتقاليد، وهذا التميز الحضرمي جعلهم قوة داعمة لتنمية البلدان التي يعيشون فيها، ورغم تميزهم إلا أن ذلك لم يؤثر على ولائهم السياسي للدول التي ينتمون إليها بل انهم من أقوى الجماعات المنتمية للدولة والموالية للاستقرار.
النخبة الحضرمية نخبة محافظة لكنها منفتحة على الآخر، أن تجربة الحضارم التاريخية وواقعهم يجعل من المحافظة وعاصمتها المكلا منبع للنمو الاقتصادي، بل أن المساحات الشاسعة وموقع حضرموت الجغرافي وغنائها بالموارد ربما يحول حضرموت إلى مركز عالمي للتبادل التجاري وصناعة الخدمات.
أحلام ضائعة في دولة مخنوقة بالقبيلة
بناء دولة مدنية حلم لن يتحقق طالما الدولة مرتهنة لوعي قبلي مكتسح للسياسة اليمنية، فالوعي القبلي بعد أن تم تفعيله في لعبة الصراع السياسي عمل وباحتراف على قتل آليات الدولة المدنية وأفقد الدولة روحها، وبدل أن تعبر الدولة عن المجموع أصبح المجموع مرتهن للدولة أما بالاعتماد عليها في إشباع حاجاته الأساسية أو بالخوف من قهرها وتسلطها، وتحولت الدولة إلى آلة عاجزة عن فرض إرادتها، وتعتمد في شرعيتها على تحالفات مناقضة لوجودها، كما أن تلك التحالفات من جهة أخرى أعاقت عملية التغيير، وأصبحت الصراعات المهيمنة على السياسة اليمنية صراعات نخبوية على موارد البلاد وعلى طبيعة القسمة.
ان بناء دولة مدنية حديثة بحاجة إلى قرارات حاسمة من القيادة السياسية ويمثل نقل العاصمة من صنعاء إلى عدن المدخل الأول لتحرير الدولة من وضعها الراهن، وقد يعتبر البعض أن هكذا حل يمثل نوع من التعمية على طبيعة الأزمات المهيمنة على الساحة اليمنية، ولكني على قناعة أن كل المشاكل المعيقة لبناء الدولة ناتجة من غياب ثقافة الدولة المدنية وهيمنة وعي القبيلة على المجتمع والدولة، والثقافة المدنية لا يمكنها أن تنشأ إلا في مدينة، والمدينة مازالت غائبة في اليمن، وصنعاء عاصمة اليمن ومركز القرار السياسي ونتيجة تجربتها التاريخية في العهد البائد وفي العهد الجمهوري قبل الوحدة وبعدها جعلها من أكثر المدن تريفا في اليمن. صنعاء تحولت إلى عبء ثقيل على التطورات المفترض حدوثها في المجتمع والدولة.
دبي وعدن مصالح متناقضة
يتداول بعض المختصين أن نمو مدينة عدن والمكلا يهدد مصالح دبي على المدى البعيد، وهؤلاء يؤكدون أن دبي تدير حرب خفية ضد عدن في المرحلة الحالية، وتحول عدن إلى منطقة حرة كفيل بمنافستها وربما مستقبلا سحب البساط من تحت أقدامها، لذا فأن تحويلها إلى عاصمة والتركيز على عدن كمدينة وتأهيلها وتبني إستراتيجية واضحة لتطوير المدينة والقناعة بأن مستقبل اليمن سيكون اقوي في ظل تحول عدن إلى مدينة متعولمة ربما يدفع أصحاب المصالح في دبي للتدخل لعرقلة أي خطة لتطوير عدن، ويمثل دعم الدعوات الانفصالية ونقائض الدولة في الواقع اليمني أدوات قد تستخدمها دبي لإدخال اليمن في صراعات مناهضة للعصر ومعرقلة لخططه في الخروج من أزماته العميقة.
وختاما
يمكن القول في الختام أن أعظم القرارات التي يمكن أن تدخل الرئيس صالح التاريخ هو نقل العاصمة إلى عدن وهذا القرار سوف يمكن الرئيس صالح من تجذير تاريخه الحافل بالانجازات في بناء اليمن الجديد وسوف يمكنه من وضع اللبنة الأخيرة في المعمار الوحدوي، فبناء الدولة المدنية وترسيخ الوحدة وتطور الاقتصاد ونمو الثقافة وولوج اليمن العصر مرتبط بقرار نقل العاصمة إلى عدن.