مليشيات الحوثي تختطف مواطناً من جنوب اليمن للضغط على شقيقه عاجل .. دعم سعودي لحكومة بن مبارك ووديعة بنكية جديدة كأس الخليج: تأهل عمان والكويت ومغادرة الإمارات وقطر دراسة حديثة تكشف لماذا تهاجم الإنفلونزا الرجال وتكون أقل حدة نحو النساء؟ تعرف على أبرز ثلاث مواجهات نارية في كرة القدم تختتم عام 2024 محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي .. قائمة بأشهر هدافي الدوري الإنجليزي مقتل إعلامية لبنانية شهيرة قبيل طلاقها قرار بإقالة قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت.. من هو القائد الجديد؟ دولة عربية يختفي الدولار من أسواقها السوداء تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
يصادف اليوم التاسع من أكتوبر الجاري 2006 مرور قرن كامل على مولد العلامة سيد قطب، وفي شهر أغسطس الماضي مرت أربعون سنة على تنفيذ حكم الإعدام فيه شنقا حتى الموت بأمر من جمال عبد الناصر، الذي مرت ذكراه الـ36 في يوم 28 سبتمبر.
إذن لا حزن اليوم ولا عصبية، آن الأوان للتأمل، ومع ذلك فلقد تحسّرت وأنا أقرأ في الصفحة الأخيرة في واحد من أعداد جريدة الشرق الأوسط الصادرة في أغسطس الماضي أن أسبانيا احتفلت بمرور 70 سنة على إعدام شاعرها جارسيا لوركا أثناء الحرب الأهلية، حين أخذوه إلى الغابات في أغسطس 1936 ونفذوا في «الشاعر» حكم الإعدام. هذا الخبر جعلني أعلق، متهكمة، لقد مرت أربعون سنة على إعدام سيد قطب، في أغسطس نفسه، عام 1966، فلماذا لم تحتفل به أسبانيا؟! لكنه، بعد أن استقرت حسرتي بين الضلوع وسكنت، عارفة أنه لا يمكن أن يعقد المجلس الأعلى للثقافة، بالقاهرة، ندوة حول الرجل، ولا يمكن أن تقوم بهذا الواجب أي جهة أخرى في بلادنا الحريصة على الاحتفال بالعندليب والسندريللا، فجأة طالعت اسم سيد قطب يقفز إلى الصفحات الأدبية وغير الأدبية في تنويه فخور وفاخر: أن سيد قطب «أول» من تنبأ بعبقرية نجيب محفوظ، وهنا تحركت الحسرة من جديد: أهكذا يتلخص «سيد قطب» في الأذهان وفي الوعي «الجمعي»، حتى من قبل أن تتشقلب منطقتنا تماما وفقا لمخطط «التجديد» الأمريكي للأثاث والتأثيث؟
سيد قطب، القيمة الثقافية والأدبية والعلمية والنقدية والفكرية، الذي بدأ مشواره الخصيب الغزير بكتاب عنوانه: «مهمة الشاعر في الحياة» 1936، وأنهاه بمجلداته الستة الموسوعية: «في ظلال القرآن» 1963/1965، مرورا بكتابه: «طفل القرية» 1945، الممتع فنا وإنسانية، لا تذكر من مآثره سوى أنه كان «الأول»، والأرجح أنه كان الثاني بعد الناقد الجليل وديع فلسطين، في استشعار قيمة نجيب محفوظ الروائية منذ «كفاح طيبة»؟ ما شاء الله!
في 11 يناير 2000 قرأت للأستاذ وديع فلسطين ـ وهو بالمناسبة مصري مسيحي من أخميم في صعيد مصر، احتفلنا في أول أكتوبر بعيد ميلاده الـ 83 حرسه الله ـ مقالا بجريدة الحياة اللندنية يرد، بطريقة غير مباشرة، غيبة سيد قطب، الذي أصبح الخوض في سيرته والافتراء والافتئات عليه هواية من هوايات بعض الأقلام التي تعرف وتنكر أو لا تعرف وتدعي المعرفة، وذكر وديع فلسطين في سياق مقاله مراسلاته مع سيد قطب، إبان زيارته إلى الولايات المتحدة عام 1950، وقد تكرم أستاذي وديع فلسطين، بناء على إلحاحي بمنحى صور 7 خطابات من هذه المراسلات.
الأهمية التي رأيتها في الخطابات، فوق أنها من سيد قطب إلى وديع فلسطين، هي في شكل الصداقة الأدبية السامية التي نشأت بين أستاذ في الرابعة والأربعين، في سمت شهرته وعطائه الفكري والثقافي والأدبي، وبين ناقد شاب لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره، ولغة المخاطبة الندية الودود التي تبث الهم الثقافي والعلمي والتربوي وتشاركه. إنها مراسلة نقف على طرف واحد منها، هو سيد قطب، لكنها تخبرنا عن الرقي الذي يتمتع به الطرفان، وتجعلنا نلمس الغور الإنساني الدمث، الذي كان جوهر شخصية الشهيد سيد قطب، والذي يجعلنا لا نصدق عنه أيا من التهم والبهتان الذي لاحقه ويلاحقه مع افتراءات العنف، التي روجتها الأجهزة الأمنية الناصرية وتشبثت بها أهواء الماركسيين والعلمانيين فلا يكفون لحظة عن غنائها في موال طويل.
الخطابات قصيرة وعفو الخاطر، لكنها ببعدها الزمني ونبضها الخاطف لا تخلو من دلالات مفيدة.
الأولى مؤرخة 22/1/1950 تقول في بعض أسطرها: «أخي الأستاذ وديع، تحياتي إليك، فعلى رغم معرفتي بمشاغلك أرغب إليك في أن تكتب إلى وأن تكون على اتصال بي ما استطعت، فأنا هنا في وحشة نفسية وفكرية على الرغم من كل الصحف الأمريكاني حولي....... كيف تمضي الحياة عندكم، وماذا عندك من أخبار الأدب والتأليف وشئون الفكر بوجه عام؟ وكيف تسير الأحوال السياسية والاجتماعية والصحفية عندكم، وماذا عن الأحكام العرفية والرقابة (طبعا في حدود الرقابة!).
هل تقابل الأستاذ فؤاد صروف؟ ماذا يعمل الآن؟ أرجو أن تبلغه تحياتي..... وتحياتي إليك ومودتي. المخلص سيد قطب».
الثانية على ورق فندق روزفلت، شارع جونز وإدي: «سان فرانسيسكو 15/3/1950، أخي الأستاذ وديع، أشكرك كل الشكر على ما جشمت نفسك من عناء في إرسال أعداد مجلة الأديب وشيخ الصحافة ومنبر الشرق............. ولقد سرني أن أعلم نبأ اختيارك أستاذا لصياغة الأنباء الصحفية بالدراسات العليا بالجامعة الأمريكية مما يدل على أن الجهد الصادق لابد أن يجد تقديرا في النهاية. من أعداد الأديب التي أرسلتها إليّ علمت أن هذه المجلة المهمة في الحقل الأدبي لا تزال تعاني من ركود في سوق الأدب....... وددت لو كنت على شيء من السعة لأجيب تلك الدعوة ـ (في إعانتها) ـ ومع ذلك سأحاول ما في جهدي........».
الثالثة، 2/4/1950: «أخي الأستاذ وديع، وصلتني رسالتك مفضوضة، كما توقعت، يبدو أن إخواننا في الرقابة يردون على كلمتك عن الرقابة! على أيه حال ليست الرقابة وحدها هي كل ما في مصر من ألغاز وأعاجيب! لدي سلسلة مقالات ربما نشرتها في الأهرام تباعا بعنوان: ألغاز محيرة في حياتنا المصرية...... لقد كنت معتزما العودة في مايو القادم فأنا لا أعمل لدراسة معينة، فالشهادات لا تهمنى في حياتي، إنها ميسورة كل اليسر في أمريكا، ولكني أرى الدراسة الحرة في مثل سني وموقفي أجدى نفعا....... بهذه المناسبة، إن لدي مشروعا عن سلسلة محاضرات عامة عن كيف نعيد إنشاء أداتنا الثقافية، أعني وزارة المعارف وملحقاتها على ضوء تجاربي ومشاهداتي........ وستتناول أحاديثي: إعادة تنظيم وزارة المعارف، اختصاص المناطق والدوائر السياسية. طرق وضع المناهج وتأليف الكتب المدرسية، علاقة الأداة التعليمية بعالم التأليف والصحافة والإذاعة المدرسية والعامة........».
الرابعة بتاريخ 14/5/1950، والخامسة 9/6/1950 جاء فيها: «........ عدم انتظام وصول الصحف والأخبار المصرية إليّ يشعرني بعزلة عن بلدي...... لست يائسا من مستقبل هذا البلد أيا كانت العقبات التي في الطريق. لقد استيقظنا ولن ننام مرة أخرى وإذا كنا نتخبط، فقد يزيد هذا التخبط يقظتنا، لأن الصدمات كثيرا ما تنبه الغافلين....». الرسالة السادسة 11/7/1950، والسابعة 28/7/1950 تحدد موعد عودته: «... سأغادر نيويورك إن شاء الله يوم 7 أغسطس لأصل مطار فاروق الجوي في الساعة 7,45 صباح يوم 20 منه، فإذا رأيت أن شيئا من هذا البرنامج يستحق أن تشير إليه في ـ (جريدة) ـ المقطم قرب يوم الوصول فافعل، وما أريد هذه الإشارة لشخصي، ولكن لدي أفكارا واقتراحات وبرامج أريد لها النفاذ في مصر للخير العام ومثل هذه الإشارات قد يساعد على تقبل هذه البرامج في دوائرنا الرسمية التي لا تقيس القيم إلا بظواهرها. لك تحياتي الخالصة وإلى اللقاء. المخلص سيد قطب». ويبقى أن أقول وأعيد: ألا نعلم أن الندوات الثقافية وحلقات الدراسة العلمية حول شخصيات أسهمت في حقول العلم والفلسفة والفن والأدب والثقافة، بمفهومها الجاد والواسع، ليس من شروطها أن «نوافق» على مسيرة الشخصية ونعتنق أفكارها ومذاهبها؟
هذا تساؤل إجابته البديهية تكشف زيف الطاقين بالحنك عن «التنوير» و«المعرفة» و«الحرية» وما إلى ذلك من الرطانات المتنوعة على اللحن الواحد.