قبلَ أشهرٍ قليلةٍ من اليوم، وجهاراً نهاراً دَلَفَتْ قدما سياسيِّنا الكبير ، المُخضرمُ والرَّجل الثَّاني في الدَّولة ، إلى بوَّابة العجز مُعلناً حالةً هي أسوأُ من حالةِ الطَّوارئ، ومُدلياً باعترافٍ ثخينٍ صريحٍ ، ودون أن يُخالطهُ شكٌّ (بأنَّ شوكةَ المُخرِّبين أقوى وأعلى شأناً ومكانةً من شوكةِ الحكومةِ المُبجَّلة )، صاحبةُ الميزانيَّة والإنفاقِ الباذخِ والمهول ، المصحوب بآلةِ العجزِ والخِزي الذي تجرُّ بهِ خُيَلاءَها ،الذي لاتفوحُ منه سِوى رائحةُ المُحَاصَصَة والتَّقسيمِ الأَبلهِ والأبلدْ، والذي من شأنهِ أن جَعَلُ البِلاد على كفِّ عِفريتٍ يُقلِّبها متى وكيف شاء .
في هذا البلد الغريب الأطوار ،الذي تعيش فيه كلُّ عفاريت الكون الغريبةِ ، والمقلوبةِ رأساً على عقبْ ، كلُّ شيءٍ يسيرُ على عكس ما يُرام ، والأكثر غرابةً فيها ، هو أنَّ كلَّ فِرقٍ يُمارس المُراهقة أكثر من الفريق الآخر ، بأبهى صورةٍ يَرسُم التَّخلُّف نفسه على هذا النَّحو ، والتِّقدم بطريقة الرَّكض بالبلادِ والعبادِ إلى هاويةِ الهاوية ، وفي الأخير نتيجةٌ مأساويَّةٌ ، لن يدفع ثمن ضريبتها إلَّا ذلك المواطن المعلولُ ، بأطماع مراهقين يتحكَّمون بدفَّة السِّياسةِ وأَقْدَارِها ، غير آبهين بشيءٍ عدى مصالحهم المحصورة ( بينهم وبين ذواتهم ).
إذا استمرَّ الحال على ما هو عليه من قطعٍ للكهرباء يُرهق المواطنين ويزهقُ أرواحهم قبل ساعاتٍ طويلةٍ من اللَّأواء والعذاب ، وخاصَّةً في المحافظات السَّاحلية ، كـ"عدن" المُصابة بالتهابات "مُخرِّبي مأرب" الحادَّة ، والتي - أبداً - لا تكفُّ عن تقديم قرابينها وصلواتها اليوميَّة صوب عرشِ المُخرِّبين "الإنطفاءات المتواصلة" ، الذين يتحكَّمون بأقدارها حتى لو كانوا بعيــــــــداً عنها ، فخرابهم لا بدَّ واصِلٌ واصِلْ .
إنَّه لِزاماً علينا أن نسمعَ لما يقوله المخرِّبون ،وأن تقوم القبيلة بدور الدولة ، والدولة بالتأكيد تعرف ما الذي يجب عليها فِعْلُه ولا داعي لأن نقول .. ، طالما هي لم تستطِع فرض هيبتها على الأرض ، وطالما هي لم تستطع ضَبْطِ إيقاعاتِ المخرِّبين، عندما يُكسِّرون لها أجنحتها وأنابيب نِفطها ، ودون أن تستطيع توفير أبسط المقوِّمات لمواطنيها المحترقين من بعدها.
وإلا أصبحت حينها بتعاملها السَّمجِ حَيَالَ ما يحدُثْ ، تُسِنُّ سُنن الاختطاف والابتزازِ والتَّخريبِ والتَّدميرِ ، وكلَّ ما إلى ذلك ، لتجعل منه أنموذجاً زاهياً يسلُكُه الجميع بِكلِّ أدواته وحيثيَّاتِه ،بعيداً عن طريقة تلقين نصوص القانون المبعثرة وتُرَّهاته التي لا تُطبَّق إلَّا على الضُّعفاء والمساكين، وسنستمِرُّ نحنُ بدورِنا نُغنِّي وإخوانُنَا المواطير ، أنشودة التَّخلُّف بِغِيثارةِ القبيلةِ ودفُّ الدَّولة القديم .
يا كم سمعنا عن الأولوية التي تتَّجه للحجِّ صوبَ مأربَ ؛لِتُحْكِم قبضتها على مأرب هذه كما يقولون ، ويا كَم سمعنا التَّهديد والزَّمجرة والوعيد ..!، ولكن في - كلِّ مرَّة -يحدث"الانفجار العظيم"، الذي يُبشِّر بنشوء نظريَّة ارتقاء القبيلة على حساب الدَّولة ، وصار التخريب شيئاً اعتيادياً يوجب التَّعايش معه ، حتَّى أنَّه قد يُصبح ذات يومٍ عملٌ كبقيَّة الأعمال الحرَّة ، التي يُجنى من ورائها الكثير من الأموال ، أو للأسف أنَّه قد أصبح !.
بسبب تلك الدولة التي أضحت كاذِبةً أمام صدقِ وعودِ المخرِّبين ، والذي ستعجبك فيهم خِصال الوفاء ، والالتزام بالوقت الدقيق حسب توقيت الخراب ،و للأسف كما تقول رسائلهم: "قطع العادة يورِّث العداوة"!، وهنا كانت ولا زالت الدولة تسعى دوماً لشراء ولاءات القبيلة ومثيلاتها ، حتَّى صار المخرِّبون لا يعرفون لغةً ، غير تلك التي عرفها الآباء والأجداد ، فصاروا لها عابدين ، وعلى آثارهم مقتدين .
إنَّ هذا التعاطي البليدٍ مع ما يجري من تخريبٍ همجيٍّ وأرعن ، لا يُفرِّق بين الأشياء ، تخريبٌ يُظهر حجم الدَّولة الحقيقي ، وقوَّة سلطتها في الرَّدع، ممَّا يجعل المُخرِّبين يقيسون - عمليَّاً - مدى مقدرة الحكومة على الفتْكِ واتِّخاذِ القرارِ الخاطِفِ ، الذي يصقع ويُفاجئ أمثال هؤلاء .
لإن لم تفعل الدَّولة شيئاً في هكذا وضعٍ ، ستستفحل الأمور أكثر مما هي كائنةٌ عليه الآن ، وتزيد الطِّين بِلَّة وسيحذو حذو المخربين آخرون ، في حالة استقطابٍ رهيبةٍ ، يُشكِّلون فيها بُؤراً يصعُب على الدَّولة التَّخلُّص منها في الأيَّام التي نحنُ عليها مُقدِمين ، وما تزايد "آل التَّخريب" إلا أكبر دليلٍ على ذلك (مجازاً) : آل شبوان ، آل رقيصان ، ودون أن ننسى آل كلفوت المخرِّبُ الشَّهير..
ورغم أنَّ أعمال التَّخريب لأيٍّ من ممتلكات البلد في أيِّ دولةٍ حُكمها الاعدام ، لكنَّ مخربي اليوم بشرٌ مثلُنا ، يأكلون ويتمتعون ويمشون في الأسواق مثلنا تماماً ، وأسماؤهم - إن أردت - موجودةٌ في أقرب وسيلةٍ إعلاميَّة تُطالعها عيناك ، وأخشى ما أخشاه أن يُفْتَن النَّاسُ بِهم ، فَيُسمُّون أولادهم بأسمائهم لكثرة ما يتمُّ تداولها !
في هذه الدَّولة وحدها ، الخاطِفون تُعطى لهم الفدية ، والمبتزِّون يُعطون ما يطلبون ، واللَّصوص يسرقون في وضح النهار ، والقبيلة تهزم الدولة ، والمخرِّبون تتمُّ الاستجابة لنداءاتهم وتُحقَّقُ لهم مطالبهم ، وحينها أُذِنَ لنا وحُقُّ أن نقول عنهم :" مُخرِّبون يستحقُّون الإعجاب" .. بالتَّأكيد يستحقُّون الإعجاب ، عندما يُقيمون الدُّنيا من تحتنا ، ثمَّ يعودون للنَّوم في أسرابهم آمنين مطمئنين ، لله درُّكُم من ثُلَّةِ مخرِّبين ..!!
في
الخميس 10 أكتوبر-تشرين الأول 2013 04:41:10 م