|
المجتمع الإسلامي, مجتمع يقوم في عباداته ومعاملاته وعلاقاته على البساطة والطهارة والنظافة والنقاء والفضيلة والعفاف والرقي في كل مناحي الحياة وجوانبها المختلفة, وبشكل أكثر خصوصية فيما يتعلق بالعلاقة بين طرفي معادلة البناء والأعمار والاستخلاف والتكريم, الرجل والمرأة ,,,
وحين تتأمل المجتمع المدني للرسول محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وصحابته الكرام , سنجد انه أعتمد اعتمادا كليا على النجاح في دمج وتفعيل الجنسين وربطهما عقليا وروحيا وعقائديا وسلوكيا ومصيريا , لتكون النتيجة الحصول على اكبر قدر من المصلحة والفائدة للفرد وللمجتمع بشكل عام ,,
فلذلك لا غرابة أن التحم الرجال بالنساء في معركة النضال الطويلة من اجل سيادة الحق والعدل والخير ودحر الباطل والظلم والشر , فكانا معا نموذجا رائعا راقيا محلقا , في مراعي العبادة والعبودية , والعمل , والجهاد , وكانت خير امة أخرجت للناس ,,,
تحريف الفطرة
ثم جاء بعد ذلك أقوام حرفوا الدين وضيقوا آفاقه الرحبة وخنقوا روحه الممتدة في الفضاء الواسع, فوضعوا الحواجز النفسية وأصدروا الأحكام الاجتماعية والفتاوى الشرعية التي ما انزل الله بها من سلطان, تلك الأحكام التي تقوم على افتراض السوء والقذارة والضعف والخور والبهيمية بين الرجال والنساء , فحرموا ما لم يحرمه الله تعالى , وهجنوا العقل بجاهلية امتدت للأسف طويلا ,,,,
وفي الواقع, يأتي هذا الموضوع مترافقا مع واقعنا الثوري الجديد, الذي يبحث عن معالم الدولة المدنية الحديثة, والتي برأيي ينبغي أن تقوم على الشراكة الحقيقية بين الرجل والمرأة وفق الوحي الإلهي والهدي النبوي القائم على الأصالة من جهة والمعاصرة من جهة أخرى ,,,
وطبيعيا أن تلك الدولة لن نصل إليها إلا بإعادة النظر في الأطر الدينية والاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية والتشريعية, وغربلة المفاهيم والقيم التي حكمت حياتنا وأثرت في ذواتنا وأسرنا وامتنا ,غربلة دقيقة بفقه وسطي معتدل ينطلق من روح الإسلام العظيمة ومقاصده الشرعية التي تم التلاعب بها وبمضمونها كما سنرى ,
ومن وجهة نظر فكرية إسلامية صرفة , سنتناول بالبحث والنقاش في مقالنا اليوم احد المفاهيم الذي ارتبط بقضايا المرأة الكثيرة, والذي تم تناوله والتعامل معه بكثير من التضليل والمغالطة والتطرف والاحتيال, إنه مفهوم الاختلاط بين الرجل والمرأة في أماكن العبادة والعلم والعمل والأسواق والطرقات وغيرها ,,
وحقيقة لا يعنيني كثيرا وجهة النظر الغربية ومن يعتنقونها ممن يدعون الانفتاح والتقدم , أولئك الذين أجهدوا أنفسهم بتحرير المرأة ( وتحليلها ) , فقد اثبت الأيام أن هؤلاء الحداثيين المزايدون, لم تزداد المرأة معهم وفي ظلهم إلا عبودية وظلم وذل واستغلال وابتذال وانتهاك وامتهان ,,,,
أذن لن أبحر معكم إلا عميقا في جذورنا وأعماقنا , في دين الله وشريعته الغراء التي جاءت لتبني الإنسان - رجل وامرأة – وتبني به, وتحطم كل الموانع والقيود أمام بناء الأمة ونهضتها بإعمال العقل والفكر والفطرة السليمة ,,,
تلك الفطرة التي حررت الأنفس والأرواح والعقول من الرق والأغلال والران الذي تراكم علينا بسبب ابتعادنا عنها دهور طويلة , وهي كما سنرى لا تحتاج إلي عظيم ذكاء حتى نكتشفها أو ننضم إلي من سبقنا من نفضوا غبار الجاهلية وران التخلف والعصبية والتحريف والتعسير والتضييق الذي طالها وطالنا ,,,
ووجهة النظر هذه هي ما نتفق عليها مع الأستاذ محمد سيف عبدالله العديني والتي أوردها في كتابه القيم ( عشر عوائق أمام حقوق النساء في الإسلام , وهو يتحدث عن العائق السابع المتمثل بالفهم الجزئي الذي لا يأخذ بخطاب الله التكليفي للرجال والنساء سواء بسواء فيقول فيه " إن نظرة الإسلام للمرأة تنطلق من خلال النظرة الكلية للإنسان رجل وامرأة نظرة التكامل والتوازن والتنسيق, هذه النظرة قائمة على واجبات وحقوق على كل منهما من غير تمايز ولا تفاضل, والذي يتجرد من النظرة الخاطئة التقليدية ويقرا القران سيحس إحساسا كاملا بهذه النظرة السليمة وسيحس أن الرجل والمرأة جناحا التغيير" انتهى ,,,,
جذور المشكلة
و لنستمع أيضا للمفكر التونسي راشد الغنوشي في كتابه ( الحركة الإسلامية ومسألة التغيير ) وهو يتحدث فيه عن قصور الحركة الإسلامية ويلخص لنا ما جرى فيقول : ( ظل تفاعل الإسلاميين محدودا بسبب عدم الوعي بما لاقته وتلاقيه النساء خلال قرون الانحطاط الطويلة من مهانات ومظالم وتضييق بآفاقها الإنسانية وبدورها في الحياة والحضارة , وطمس لشخصيتها وتحويلها إلي متاع باسم الإسلام , والإسلام من ذلك براء ,, وعندما جاء الغرب مناديا بقيم المساواة والحرية والتقدم , أغرى الأمر المرأة خصوصا وهي ترى صمت رجال الدين عن كل ذلك الظلم , واختصار قضيتها فقط بالحجاب ومحاربة الاختلاط والسفور , فتمردت وهي تبحث عن ذاتها ودورها , وعندما انطلقت الحركة الإسلامية وجدت نفسها أمام مجتمع مائل منحل فثارت ثائرتها ودعت إلي العودة للإسلام الذي لا يعني إلا العودة إلي وضع الحريم وذوبان الشخصية والحرمان من حقها في تقرير مصيرها , فكان من الطبيعي أن لا يلاقي طرح الإسلاميين الأخلاقي لقضية المرأة على أنها قضية عرى واختلاط وعمل خارج البيت غير الرفض واللامبالاة , بل والمقاومة والانحياز إلي صف خصوم الدعوة الإسلامية ممن عزفوا على أوتار تحرير المرأة ) انتهى ,,,
إذن القضية لم تأتي فقط مع الاستعمار الغربي لبلداننا ولا مع الغزو الفكري, المشكلة تاريخيا أقدم من ذلك , وتعود جذورها إلي المتأخرين من فقهاء المذاهب المختلفة الذين تعاطوا مع قضايا المرأة بكثير من التزمت والتشدد والغلو وقصر النظر ,,,
ولا يخفى عليكم قراؤنا الكرام, الآثار المدمرة لتلك الأحكام والفتاوى التي لم تصب المرأة فقط بمقتل, لأنه تم تجميدها وتحجيمها والحد من فاعلية دورها وهي تمثل نصف المجتمع, بل تجاوز الأمر إلي تعطيل الأمة والمجتمعات بالتأثير سلبا على النصف الآخر الخاضع لتربيتها فنشأت الأجيال تحت اكفها وخرج الجميع وهو يلوك معاني الظلم والتهميش والإقصاء والإلغاء والخوف والذل والضعف والاضطهاد والتبعية , وكلها مفاهيم تحمل ختم فتاوى العلماء والفقهاء ومشائخ الدين واجتهاداتهم العلمية البعيدة عن دين الله الحق وروحه المحلقة ,,
التغييب و التضليل
عند تتبع النصوص التي تنص صراحة على إباحة الاختلاط ستستغرب كيف غيبت هذه النصوص عن العامة ,, وكيف ضللت الأمة بعدم تناولها, بل والترويج لما يناقضها ولو كان ضعيفا من حيث سند الدليل أو ركاكة الاستدلال ,,,
هذا التضليل امتد على مدى قرون طويلة, وكان المبرر الجاهز دائما والسيف المسلط على رقاب المجتمع, حجة الأمن من الفتنة والصيانة من الشر والفساد ,,,
وتفنن المانعون للاختلاط في بناء الجدران العازلة والحواجز النفسية والاجتماعية , وصبغ المجتمع بصبغة الهوى والشر والفساد وسوء الظن , وتمت برمجة الرجال والنساء على الضعف والخور الذي يجعلهما عبارة عن عقول فارغة تافهة مليئة بالشهوات العارمة العاصفة التي تجعل الجنسين عرضة للسقوط في براثن الرذيلة والانحطاط بمجرد اقتراب احدهما من الآخر ,,,
ومع تقادم الزمان والجمود والتقليد, استطاعت فتاوي هؤلاء المفتين أن تتحول إلي الدين كله, وتم التعامل معها بقداسة وحرمة جعلت مجرد الاقتراب منها ذنب لا يغتفر وجريمة تستحق العقاب , وفي حين كانت الأحكام الدينية تنخر في المجتمع كان صوت الحقيقة المقابلة خافتا إن لم يكن منعدما , ولا أبالغ أن قلت انه حصل تواطؤ حيث تم تجاهل وتغييب الأدلة الصحيحة التي تتناول قضايا المرأة ومنها قضية الاختلاط بين الرجال والنساء الاختلاط الشرعي المباح الذي ليس فيه ريبة ولا تهمة ولا شك ,,,
ولكن هل فعلا حرم الله تعالى الاختلاط بين الجنسين , أم أن الأمر كان متروك على الأصل في الأشياء وهو البراءة والإباحة مع الاهتمام بالآداب والضوابط , وهل فعلا تحريم الاختلاط حفظ المجتمعات من الفتن والفساد ام ان العكس تماما هو الصحيح ؟,,,
وإذا أتينا نبحث في أكثر المجتمعات تشددا في موضوعنا اليوم, يا ترى كم ستكون نسبة الفساد الأخلاقي والقيمي, مقارنة بالمجتمعات الأكثر انفتاحا ,,,
وحتى نفهم موضوعنا بشكل واضح لا لبس فيه , وحتى نستوعب جيدا لماذا ندعو للاختلاط, سنعرض لكم الأدلة التي اعتمد عليها الذين يحرمون الاختلاط سواء في التيارات الإسلامية المتشددة ,أو بعض المتشددين في التيار الإسلامي المعتدل ,ثم سنذكر الأدلة التي استندنا إليها في دعوتنا, مع ذكر أوجه الاختلاط وآدابه وضوابطه في ثنايا العرض,,
أدلة التحريم
تتنوع أدلة من يحرمون الاختلاط بين آيات قرآنية, أو أحاديث صحيحة, او أحاديث ضعيفة وحتى موضوعة منكرة, وكل ما ورد في هذا الموضوع, سنجد انه يتناقض بقوة مع الواقع المعاش في المجتمع المدني وما صح عن رسول الله وصحابته الأطهار ,,,
وسنقوم بذكر الدليل ومناقشته والرد عليه باختصار, ومعظم الأدلة التي سنتناولها وردت في خطبة للشيخ محمد عبدالرحمن العريفي بعنوان (عشرون دليلا على تحريم الاختلاط ) :
قوله تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) وهذه الآية خاصة بأمهات المؤمنين زوجات رسول الله , وهي من التغليظ الذي فرض بحقهن سواء في الخير او في الشر, ومعلوم انه لا يصح التعميم على جميع النساء بناءا على أحكام خاصة بأمهات المؤمنين ,,,
قوله تعالى : (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) سورة الأحزاب الآية 53.. هذه هي أية الحجاب الخاصة بنساء النبي عليه الصلاة والتسليم وقد نزلت بعد زواج النبي بزينب بنت جحش ,, وينطبق عليها ما قلناه في الآية السابقة ,,,
قوله تعالى " وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ. فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ. فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ " 25,24,23القصص
وهذه الآية تروي قصة موسى مع ابنتي النبي شعيب عليهما السلام, وقد استند عليها الشيخ العريفي وغيره للاستدلال على تحريم الاختلاط , بالرغم من الآية تدل بمنتهى الوضوح على الاختلاط المباح الواقع بين الرجال والنساء وعلى أرقى مستوى , فكلا الجنسين متواجدان في بقعة واحدة وزمن واحد ويمارسا وظيفة واحدة, وروعي في اختلاطهما الآداب الشرعية المطلوبة من عدم المزاحمة والحياء والعفة التي التزم بها الطرفان ,,,
,, بل أن الآية تتحدث عن اختلاط ( تواجد ) ثنائي في الطريق العام بين نبي الله موسى وابنة شعيب التي جاءت لتناديه ليجز والدها له الآجر , وهذه دلالة على جواز الخلوة بين الناس وأمامهم من غير تهمة, كما سنؤكدها بأحاديث أخرى قادمة ,,,
قوله تعالى (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك) ... هذه حادثة فردية وقعت مع نبي الله يوسف عليه السلام , والقياس عليها للمنع قياس فاسد, لأنه يفترض السوء في كل النساء, ولأنه يركز على تصرف امرأة العزيز السلبي والغير أخلاقي , ويتجاهل الموقف القيمي القوي والايجابي لنبي الله يوسف, والآية تقدم الدليل أن الاختلاط يبقى على أصله وهو الإباحة وليس العكس ,,,
قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) ..الدعوة هنا لغض البصر, وهذا يأتي في إطار وضع الضوابط الشرعية للاختلاط المشروع وليس لنفيه ,,,
وهذه بعض الأدلة الصحيحة التي اعتمد عليها المحرمون ,, وسنلاحظ مدى التضليل والاستخفاف الذي مارسه اولئك وهؤلاء الدعاة على عقول عامة الناس وخاصتهم , وسنلاحظ كذلك مدى ضعف الحجج وأوجه الاستدلال التي روجوا لها ومازالوا ,,,
حديث رواه البخاري عن أم سلمه رضي الله عنها, قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه, ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيرا.
وفي رواية قالت: كن إذا سلمن من المكتوبة قمن, وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله , فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال .
وفي رواية قالت: كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم..
والحقيقة الأكيدة أن هذا الحديث يعتبر من أعظم الأدلة التي تدل على مشروعية الاختلاط وليس العكس كما يدعي المدعون, وانتظار الرسول بعد التسليم, يدل على الأدب الجم والذوق العالي والإحساس المرهف, حيث ترك فرصة للنساء للخروج أولا من المسجد حتى لا يتعرضن للتزاحم مع الرجال, وهذا هو المحظور وليس أصل الاختلاط في الصلاة ,,,
وعند البخاري ( باب طواف النساء مع الرجال ), ما رواه ابن جريج أخبرنا عطاء ــ إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال ــ قال : كيف يمنعهن، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال ؟ قلت : أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب, قلت : كيف يخالطن الرجال؟ قال : لم يكن يخالطن الرجال ، كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال، لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: عنك، وأبت، فكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمنا حتى يدخلن، وأخرج الرجال... )
هذا الحديث أيضا صريح في إباحة الاختلاط , وصريح أيضا في أن الحجاب خاصية من خصائص نساء النبي , وقد طاف الرسول صلوات الله عليه وصحابته والأمة إلي يومنا مع بعضهم البعض, وكون عائشة رضي الله عنها كانت تطوف (حجرة ) أي مبتعدة عن الرجال فهذا لا ينفي الاختلاط بين الجنسين بل يؤكده ,,, مع التأكيد على الضوابط وهو عدم المماسة وتجنب المزاحمة كما ذكر ذلك الدكتور الشيخ احمد الغامدي الذي قال : أما قول عطاء: (لم يكن يخالطن الرجال، كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال، لا تخالطهم) فإن ذلك لا يعني نفي مطلق الاختلاط، كما قد يغالط به العوام وأشباههم، وإنما معناه لم يكن أزواجه عليه السلام يزاحمن الرجال؛ فإن المزاحمة لا تجوز، وإنما تسمى اختلاطا تجوزا في العبارة، وقد كن يطفن حجرة عن الرجال أي ناحية عنهم فالاختلاط عموما واقع في الطواف،
وفي البخاري ,, عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة.
، وهنا لأنها رضى الله عنها كانت مريضة, لم يأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم ان تطوف وحدها , بل أمرها أن تطوف وراء الناس أي بعيدة لجهة خارج الكعبة حتى لا تؤذي الناس بدابتها,
أما الأحاديث الضعيفة التي استند عليها المانعون فتتمثل بالتالي :
حديث ابن مسعود رضى الله عنه عن الني صلى الله عليه وسلم :المرأة عورة " وهذ الحديث في سنده مقال وقد ضعفه الإمام الألباني وقال لا يصح مرفوعا عن رسول الله وإنما موقوفا على ابن مسعود ,,
حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمشي الرجل بين المرأتين) وهذا حديث أخرجه البيهقي وإسناده ضعيف جدا وفيه داود ابن أبي صالح الليثي وهو منكر الحديث.,,,
حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس للنساء وسط الطريق),,
أخرجه ابن حبان وإسناده ضعيف جدا، فيه شريك بن عبدالله بن أبي نمر سيئ الحفظ، وفيه مسلم بن خالد الزنجي قال البخاري فيه: منكر الحديث،,,,
حديث أبي أسيد الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد واختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء (استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق)، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به) ,,, أخرجه البيهقي والدولابي إسناده ضعيف مرسل، فإن عمرو بن حماس لا تثبت له صحبة وهو مجهول، كما قال أبو حاتم مجهول,,,
وفي منع جواز نظر المرأة للرجل الأجنبي احتجوا بحديث نبهان مولى أم سلمة أن أم سلمة رضي الله عنها حدثته: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احتجبا منه) فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا، ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه).
أخرجه الترمذي والطحاوي والطبراني في الكبير وإسناده ضعيف لجهالة نبهان مولى أم سلمة وقد ضعفه الألباني أيضا، والصحيح الثابت المعارض له هو المحفوظ,,,,
الأدلة التي تؤكد على إباحة الاختلاط
الأدلة الصحيحة التي تدل على إباحة الاختلاط وشيوعه بين واقع الناس وحياتهم اليومية في المجتمع المدني للرسول الأعظم وصحبه الكرام سنوردها لكم تباعا, وستجدون أن هذه الأدلة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الاختلاط والخلطة والتجانس والتمازج بين الرجال والنساء, كانت من الأمور المباحة والعادية والطبيعية في المجتمع الإسلامي الطاهر , وهناك أمور أخرى قد لا تتوقعها عزيزي القارئ لانها تدخل في دائرة العيب والحرام حسب ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا البعيدة تماما عن الشرع الحنيف ولكنها كانت من صميم المجتمع المدني النقي ,,, فهيا بنا إلي تأمل الأدلة :
من المعروف أن آيات الخطاب التكليفي الذي يحمل مسئولية الدين والدنيا , أو يبشر بالجزاء ويحذر منه, أو يحث على العمل وأداء الأمانة, جاءت كلها بصيغة الجمع والإجمال لا الفرد والتفصيل , ومعلوم بالضرورة أن العمل والبناء والحركة والنشاط وصناعة الحياة لا تكون إلا باختلاط وتكامل الجنسين وتوازنهما وتعاونهما وتشاركهما, ومن الآيات الكثيرة نذكر ,,,
قوله تعالى ,,,
ياايها الذين امنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا , يا أيها الذين امنوا أوفوا بالعقود , يا أيها الذين امنوا استعينوا بالصبر والصلاة , يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم , يا أيها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد , يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا .....
ومنها قوله تعالى " ليجزي الذين امنوا وعملوا الصالحات بالقسط " ,, يونس آية رقم (4),,,
وقوله تعالى ( وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا )الآية 55 النور ,,
وقوله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) الآية 71 التوبة ,,,
وقوله تعالى ( ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) ,,, الآية 35 الأحزاب
وقوله تعالى ( قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) , [ سورة القصص: 105 ]
( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) سورة النحل اية97
وقوله تعالى ( أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض )195 ال عمران ,,,
وقوله تعالى ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم ) الآية 67 التوبة ,,,
وبالإضافة إلي الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها سابقا والتي استند إليها من يحرم الاختلاط , وهو كما قلنا واقع أصلا في أماكن العبادة كالصلاة والطواف ونحوه, نرجو التركيز مع الأحاديث الشريفة التالية :
•حديث فاطمة بنت قيس قالت (سمعت نداء المنادي ينادي "الصلاة جامعة " فخرجت الي المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم.... الحديث ) رواه مسلم .
•حديث أخرجه البخاري في باب " قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس" عن سهل بن سعد قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك.
وهذا الحديث فيه من بساطة المجتمع المدني وطهره الكثير, ويدل بما لا يدع مجالا للشك على ان الاختلاط مباح وأمر طبيعي لدرجة ان زوجة الساعدي كانت هي من تقرب الطعام وتخدم الضيوف وتكرمهم , وخصت رسول الله بشراب منقوع التمر لأنها تعرف انه يحبه , وتحب هي ان تكرمه وتميزه ,,,
•حديث أخرجه البخاري "باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال" ،
عن سهل بن سعد قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك.,,,
وفي هذا الحديث أشارات رائعة على النقاء والطهر والمحبة التي نبحث عنها في النفوس فكانت المرأة تخالط الرجال وتنظر إليهم وتخدمهم وتقرب إليه الطعام , وكان الصحابة يحبون صنيعها وطعامها فيشتاقون إليه ,,
حديث عند البخاري
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة، وعجب من فعالكما، فأنزل الله {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} ,,, انزل الله آية تتناول تقوية الروابط الاجتماعية وتحث على الأخوة وإيثار الآخرين, وتتعجب من سمو هذه الأنفس والأرواح, التي اجتمعت على مائدة يأكل منها الجميع بلا ساتر أو حاجز وبكل بساطة ,, فيأيها المانعون أين انتم وعقدكم العفنة من هذا الرقي,
•اخرج البخاري " باب عيادة النساء للرجال "
عن عائشة أنها قالت: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟، قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال : « اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ».
وقال البخاري : وعادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار.,,,
وهذه الأحاديث لقطات ومشاهد من لوحة المجتمع المسلم الذي عاشه الرسول عليه الصلاة والتسليم مع خير القرون, وبالإضافة إلى دلالة الحديث على وقوع الاختلاط بوضوح بلا أدنى لبس وتزاور الصحابة رجالا ونساءا , فأن فيه أيضا توصيف للمراة المسلمة وممارستها لواجباتها الاجتماعية بثقة وعفوية, لا تدل على شئ إلا على الطهر الذي كان متغلغلا في أعماق المجتمع ,,
وفي البخاري حديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش... الحديث»
وفي هذا الحديث دلالة صريحة على الاختلاط ودخول الرجال على النساء وهن يغنين , والاستماع إلي غنائهن بدون تهمة , ولو كان الاختلاط أو الغناء حرام لمنعه رسول الله وهو اتقى الناس وخير من طلعت عليه الشمس ,,,
•وفي البخاري حديث عن الربيع بنت معوذ أنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين).
، والجويريات هن الفتية من النساء،,,,
والحديث كما ذكر الشيخ الدكتور الغامدي يفيد جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة متى كان معها غيرها من النساء، وفيه جواز استماع الرجل لغناء النساء وضربهن بالدف.
ونقول أن رسول الله اسكت الجارية عندما بدأت بالتعدي على الله والدخول في المحظور لأنها أكسبت رسول الله القدرة على معرفة الغيب , ولكنه حثها على مواصلة غنائها وتكرار ما كانت تقوله في رثاء أهل شهداء بدر ,,,,
•وفي البخاري عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم,, ونخدمهم،, ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة....
وهنا تظهر لنا قمة الفاعلية والتفاعل مع قضايا الأمة, حيث شاركت المرأة مع الرجل في أكثر أماكن الاختلاط شراسة وقساوة وشدة وهي معارك الجهاد في سبيل الله ومن اجل إعلاء كلمة لا اله الا الله والتمكين لهذه الأمة وهذا الدين ,,
•وعند مسلم
حديث فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتقلي إلى أم شريك، وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان فقلت: سأفعل، فقال: «لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبدالله بن عمرو بن أم مكتوم... الحديث».
•وعند الشيخين ان رسول الله قال لفاطمة بنت قيس : اعتدي في بيت ابن ام مكتوم فانه رجل اعمى تضعي ثيابك فلا يراك )
ووجه الاستدلال أن أم شريك كان بيتها مفتوح لاستقبال الضيوف وإكرامهم بشكل دائم , وأي اختلاط أعظم من ان يأمر رسول الله فاطمة بنت قيس بان تكمل عدتها عند احد الصحابة ,, انه الطهر ذلك الذي نفتقده ,,,
•وعن انس بن مالك قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا مر بجناب ام سليم دخل عليها فسلم عليها " رواه البخاري ,,
•حديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناده صحيح , عن سالم بن سريج أبي النعمان قال: سمعت أم صبية الجهنية تقول: ربما اختلفت يدي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد.
، وأم صبية الجهنية ليست من محارمه صلى الله عليه وسلم،,,
ليس اختلاط فقط وانما في الحديث ما يدل على جواز الوضوء من إناء واحد وبدون تكشف لما دون الوجه الكفين
ومثله ما رواه ابن عمر قال: (كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا). رواه البخاري ,,
ومثله رواية أخرجها ابن خزيمة وإسنادها صحيح بلفظ: ( أنه ــ أي ابن عمر ــ أبصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم، الرجال والنساء من إناء واحد، كلهم يتطهر منه).
•وعند البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت، قال: «فهلا آذنتموني»، فأتى قبرها، فاصلى عليها,,,
، وفيه دليل على عمل المرأة في اشرف الأماكن وأفضلها واختلاطها بأخيها الرجل ,,,
•وعند البخاري باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها فقال: (والله إنكن لأحب الناس إلي) ,, (لأحب الناس إلي) يعني بذلك الأنصار ،,
هذا الحديث يوضح انه حصلت خلوة مشروعة أمام الناس وبينهم حيث كانت المرأة تأخذ رسول الله على جانبة الطريق وتشتكى إليه او تسأله ,, ونحن ندلل به على التعامل الإنساني الراقي بين الجنسين ,,,
•وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " ,,, لا يخفى ما في الحديث من جواز الاختلاط بضوابطه , ,
•وعند مسلم والنسائي وابن حبان عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد برأها من ذلك). ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان).,,
وهذا هو الدين الذي يضبط كل دقائق حياة المسلم فلم يحرم رسول الله دخول النفر من بنى هاشم على أسماء واستقبالها لهم, وإنما اشترط الدخول بأكثر من واحد لتجنب التهمة والشك فقط ,,
•وأخرج البخاري ومسلم، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ، وهو يضحك، قالت فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر... الحديث».
, وفي الحديث ما هو أكثر من الزيارة والإطعام لان الصحابية فلت رأس رسول الله ونام في بيتها واستيقظ ليبشرها بالنصر والفتح ,,,
•وعند البخاري وإسناده صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت.,,,
•وعند البخاري ومسلم
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: تزوجني الزبير، وما له من الأرض من مال ولا مملوك... الحديث وفيه، قالت: ( لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب معه).,,,
وفي لفظ آخر عند البخاري (... فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال «إخ إخ» ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه، وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني).,,
وفيه أكثر ما هو من الاختلاط ,,حيث عرض عليها رسول الله لتركب خلفه ولم يمانع زوجها الغيور ذلك, بل عاتبها لعدم امتثالها لطلب الرسول بإردافها خلفه ,,,
وبعد كل هذه الأدلة الصحيحة الصريحة التي تبيح الاختلاط وتجعله أمر طبيعي واقع وحاصل في واقع الناس لابد لنا من توضيح بعض الأمور :
•أن هناك دور بارز وجهد مشكور لكثير من الإسلاميين كالعلماء والدعاة والاكاديمين والمثقفين في نصرة قضايا المرأة ومحاولة الخروج بها إلي أفاق أوسع, لكن هذا الصوت مازال يحتاج إلي مزيد من الجهد والبحث والتنظير والتأصيل والتوعية ,,,
•إن نصرة قضايا المرأة من المنظور العلمي الوسطي المعتدل لا يقتصر على تيار إسلامي بعينه , بل أن هناك أصوات منصفة من التيارات التي توصف بالمتشددة تنادي بموضوع المقال,,,
•وبالمثل لا يعني أن التيار الأكثر اعتدالا وانفتاحا , وان كان يحسب له تقدم نسبي عن غيره إلا أن هذا التقدم الطفيف غير مبنى على قناعات فكرية حقيقية , وهناك البعض ممن ينتمون الي هذا التيار يتبنون نظريات وأفكار وفتاوي أكل عليها الدهر وشرب تعيدنا ألف سنة للوراء ,,,
•أن موضوع الاختلاط بين الجنسين وقع ضحية بين تيارين , تيار متخلف متشدد وتيار علماني غربي منفتح بدون حدود , ومعلوم أن كلا التيارين مرفوضان, لأنهما أدنى من أن يبنيان حضارة أو يقدمان شئ للإنسانية العطشى للحرية, وللانعتاق من يراثن الوصاية والخداع والمزايدة, إلي دروب الحرية والمصداقية والمشاركة والتشارك لما فيه خير البشرية وسعادتها ورقيها ,,,
•أن التيار اليساري عجز عن تقديم رؤية واقعية لتفعيل دور المرأة والنهوض به , والعجز أفدح عند التيارات الإسلامية ( اخوان مسلمين , سلفيون , شيعة ) فالجميع وان كان بدرجات متفاوتة لم يستطيعوا حتى الآن تقديم فكر إسلامي يستوعب المرأة ويوظف طاقتها ويسخر تلك الطاقة لصالح المشروع الإسلامي الذي يدعو اليه ؟ مقابل الرؤية الغربية لقضايا المرأة التي تقوم على النوع الاجتماعي والجندر وغيره, وعليه فان التيارات العلمانية والتيارات الإسلامية تمارس الاستغلال والمزايدة مع المرأة وقضاياها سواء بسواء , ومن يعارض هذا الطرح فليقل لنا كم نسبة تواجد المرأة في مؤسسات الدولة وفي قيادة العمل السياسي والحزبي ؟ وما مقدار مشاركتها في صنع القرار , ولنا في ثورات الربيع العربي التي أنتجت صدارة الإسلاميين كمصر وليبيا مثل واضح على النسبة التي تكاد لا تذكر لمقدار تواجد المرأة في المجالس التشريعية وفي الحقائب الوزارية وغيرها ,,,
•أن اليمن وان كان هناك تقدم في حضور المرأة في مؤتمر الحوار واعتماد لكوتا حسب المعاهدات الدولية التي تفرض نسبة 30% كتمييز ايجابي لصالح المرأة ,, إلا أن هذا الأمر جاء وفق املاء خارجي فرض على الأحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية , كما أنها مثلت بهذه النسبة في مؤتمر الحوار وليس في الحكومة التوافقية , وهذه أيضا من المزايدات المرفوضة ,,,
•أن الخطاب الديني والثقافي في المساجد ووسائل الإعلام يشوبه الجمود والتقليد والرتابة ومازال يلوك التصورات الخاطئة ويؤصل للثقافة التقليدية البعيدة عن شريعة الله واحتياجات المجتمع وضرورات الواقع ,,,
•ان هناك فرق بين الاختلاط المشروع بدون تهمة وشك وبضوابطه الشرعية, وبين الخلوة المحرمة شرعا وعرفا وأخلاقا, ولذا لا نقبل بخلط الأمور بجعلهما شئ واحد يطبق عليهما الحكم الأشد وهو التحريم ,,,,
•ان المجتمع الإسلامي مجتمع يقوم على الايجابية وتفعيل الرقابة الذاتية وتطهير الباطن وتزكية الجوهر لذلك فان تطهير النفوس والضمائر هو الأساس لنجاح دعوتنا الي العودة الي النبع الصافي والمجتمع الأصفى ,,
•أن الفكر الانعزالي المنغلق لم يستطع أن يحمي المجتمعات من الفساد والشر كما ادعى بفتاويه وأحكامه , بل ان الذي حدث هو العكس تماما فالمجتمعات الإسلامية ينخر فيها الفساد الديني والأخلاقي حتى العظم وان كان من تحت الستار,, ,,
•انه إذا قارنا عدد الانحرافات التي حدثت في عهد المجتمع النبوي المنفتح والذي يقوم على الاختلاط الطاهر الشريف , وعدد الانحرافات والفساد في المجتمعات المنغلقة والأشد غلوا التي تحارب الاختلاط سنجد أن الفارق كارثي بكل المقاييس ,,,
•إن المتدينين يرتكبون جريمة بحق دينهم وأوطانهم وأمتهم حين يتركون أوجه الحياة المختلفة في مراكز صنع القرار ومجالس التشريع ومؤسسات الدولة للنماذج السيئة التي تدمر لا تبني , بينما الأفكار المتخلفة التي تعشعش في زوايا أدمغتهم تساعد في تنشيط أولياء الشر والفساد وتحجم دور كل داعية إلي الخير والرشاد ,,,
•أن الاختلاط واقع في حياة الناس في الجامعات والعمل والشوارع والأسواق ومواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت ونحوه ولا يمكن منعه او تحريمه لأنه من مقتضيات الحياة , والمفروض عوضا عن محاربته , وضع الروئ والبرامج التي تنظم الأمر وفق ضوابط لا تتصادم مع الشرع وتساهم في القيام كلا بواجباته في بناء الحياة ,والتي تتمثل بالعفة والحياء وعدم التزاحم وتجنب المماسة وغض البصر وعدم الخضوع بالقول وحسن الظن والاحترام المتبادل وتجنب التهمة وترك الخلوة المحرمة ,,,
•أن ساحات الحرية والتغيير للثورة الشبابية الشعبية مثلت بحق أروع الأمثلة في الاختلاط المشروع المثمر وان القيم التي سادت العلاقة بين الجنسين من احترام وتقدير ومشاركة ينبغي ان تستمر وترتقي وتدرس ,,,
•أن الموضوع يحتاج إلي مزيد من المراجعات الفكرية, ومزيد من الدراسات النفسية والاجتماعية المتخصصة, ويحتاج إلي دراسة النماذج الدولية الجيدة التي طبقت الاختلاط بين الجنسين, ودراسة نموذج التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي في مدارس الارياف التي تجمع الجنسين والتي اعتبرها نموذجا رائعا للاحترام المتبادل والرقي والطهر الذي ننادي به ,,,
•أن توعية المجتمع وإعادة برمجته بالإيجاب وتدريبه على النظافة والطهارة والبحث عن آليات إنزال موضوع المقال إلي ارض الواقع,هي مسئولية يتشارك فيها الجميع, والمهمة تحتاج إلي تكاتف جهود الكل لوضع القواعد والقوانين والتأصيل للذوق الإسلامي ونشره في كل الأماكن في المسجد والمدرسة والجامعة والشارع والسوق وغيرها ,,
واسمحوا لي أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل العلماء والدعاة والخطباء والمثقفين والكتاب الذين كانت لهم بصمة في الاجتهاد والتجديد, واخص بالذكر الدكتور الشيخ احمد بن قاسم الغامدي الرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, المدير العام للهيئة فرع مكة المكرمة والذي اعتمدنا عليه في ذكر معظم الأدلة, وتخريجه للأحاديث وتحقيقها , وذكرنا للكثير من أوجه الاستدلال المدللة على مشروعية موضوعنا ,,,
وختاما أود أن أوضح لكم التساؤل الذي مفاده,, لمن هذا المقال ؟,,,
وبصراحة متناهية ,,, لم اكتب هذا المقال لمن يقراؤن العناوين دون المضامين , ولم اكتب هذا المقال لمن يأخذون دينهم من أفواه أنصاف العلماء والمفتين ,,,
ولم اكتب للواتي لا يثقن بأنفسهن ويخفن من كل صيحة أو كل ناعق, فأنا أؤمن أن الإقدام المرتعشة لا تصنع تاريخ أو تبني امة ,
ولم اكتب لمرضى النفوس الذين أن وردنا الماء صفوا شربوه هم كدرا وطينا , ولم اكتب لمن لا يجيدون الا صناعة التكفير وفتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار,
ولم اكتب للذئاب التي تصطاد الأرانب أو الأرانب التي تحاول اصطياد الذئاب ,,
إنما كتبت هذا المقال لمن يقرا ما بين السطور, ويضع النقاط على الحروف, ويتوقف كثيرا أمام العبارات التي بين الأقواس,
كتبت هذا المقال لأختي وصديقتي وابنتي, عزيزتي المرأة التي أربى بنفسي وبنفسها أن تكون مجرد زينة في حفلات اللاعبين واللاهين, او ديكورا يعلقه الساسة والمسوسين , ,, كتبت هذا المقال لمن يريدون إعادة صياغة بناء الأمة وتشييد أركانها على هدى الكتاب العزيز والسنة المضيئة وسلوك القامات الكبيرة في صدر الإسلام وفي كل العصور
كتبت هذا المقال لمن يتفقون معي أن المرأة المسلمة في ظل المجتمع النبوي كانت امرأة عظيمة ،ذات شخصية قوية, واثقة من نفسها ,مستقلة, قائدة في بيتها ومحيطها ومجتمعها,امرأة عفيفة لا تقبل الانتقاص من حقها وحقوقها, امرأة مستشعرة لواجباتها ومسئولياتها المتعددة تجاه دينها وبيتها ووطنها وأمتها, امرأة لا تقبل إلا أن تنافس في عملية التنمية والنماء , فكانت المعارضة والثائرة والمجاهدة والعالمة والمعلمة, فكانت خديجة وعائشة وأسماء وأم سليم وأم عمارة وخولة بنت الأزور وزينب الغزالي وتفاحة العنتري وياسمين الأصبحي ,هذه هي النظرة التي يجب ان يحافظ عليها الرجل والمرأة على السواء, وهذه هي النماذج التي ينبغي أن تكون قدوتنا والموجهة لخطواتنا وخططنا , وهذه هي الدعوة التي ينادي بها مقالنا, حتى ندك كل الجدران العازلة ونحطم جميع الأسلاك الشائكة وحتى نعود لمجتمع الحبيب محمد, مجتمع الطهر والطهارة والنقاء , ونعم للاختلاط ,,, ودمتم معا ,,,,
في الإثنين 13 مايو 2013 05:08:33 م