في الأخبار أن الطيران الروسي اختبر في شرق حلب أسلحة فتاكة جديدة، بينها قنابل ارتجاجية وفراغية. ونقلت وكالات الأنباء مشاهد مروعة من المدينة. صورت بركا من الدماء وجثثا مشوهة ومستشفيات تغص بالجرحى في الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة، بعدما أمطرتها الطائرات السورية والروسية بوابل من القنابل والصواريخ. الفقرة السابقة مقتبسة من تقرير نشرته صحيفة «الحياة» اللندنية يوم الأحد 25 سبتمبر الحالي، ذكر أن السوريين في حلب يتعرضون للإبادة. كما تضمن وصفا للجحيم الذي شاهده مراسل الوكالة الفرنسية في أحد مستشفيات الجزء الشرقي للمدينة، ممثلا في الجرحى من الكبار والأطفال الممددين على الأرض وهم غارقون في دمائهم. وأغلبهم يلفظون أنفاسهم أمام الأطباء الذين أصبحوا عاجزين عن إسعافهم بسبب كثافة عدد الضحايا وخطورة الإصابات، أمام شح الإمكانات وقلة الأطباء.
إذا حذفت اسم حلب ووضعت مكانها كلمة تعز في اليمن، فإن المشهد المروع يظل واحدا، رغم اختلاف نوعية السلاح المستخدم وأسماء القتلى. الوحشية والبشاعة واحدة، وأنين الضحايا يظل واحدا، وبرك الدماء في شرق حلب لا تختلف عنها في «المخا» أشهر مدن محافظة تعز.
المذهل في الأمر أن ذلك يحدث ويستمر شهورا دون أن يحرك ساكنا في العالم العربي، فلا قمة تنعقد ولا قادة تنتفض، كأن الذي يجرى يقع في كوكب آخر لا علاقة لنا به. ليس ذلك فحسب، وإنما يتحدث سياسيون عن الدفاع المشترك والقوة العربية الموحدة ويتنافسون في الدعوة من على المنابر الدولية عن الحلول السلمية وضرورتها. وعن الإرهاب وسنينه. كما نقرأ عن رباعية عربية مشغولة بإحياء مبادرة السلام مع إسرائيل وبالالتفاف على التطبيع معها وبخلافة محمد دحلان للرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس.
الدم الذي يراق ليس مقصورا على سوريا واليمن، ولكن الحاصل في البلدين جزء من ظاهرة لها تجلياتها في أكثر من قطر عربي، ترفع شعار استباحة الآخر وإبادته. ومن المفارقات أن الذهن العام متجه إلى إدانة سلوك الجماعات الإرهابية وحدها. وفظائعها تستحق الإدانة حقا بأقسى العبارات، إلا أن الإرهاب الذي تمارسه الأنظمة مسكوت عليه. في حين أنه يستحق الاستهجان والإدانة ذاتها.
منذ ظهرت جماعة «داعش» في الفضاء العربي، وارتكبت الفظائع والبشاعات التي أفزعتنا واقشعرت لها أبداننا، فإن جرائمها طغت على غيرها بعدما خطفت الأبصار وروعت الجميع، وأثارت أعلى درجات الاشمئزاز والنفور. وذلك رد فعل طبيعي ومفهوم، يشكل حدا أدنى من الاستهجان الذي هي جديرة به. أسهمت في كل ذلك لا ريب الأساليب الوحشية التي اتبعتها في ارتكاب جرائمها، حين عممت صور القتل والذبح وقهر الآخر وإذلاله. وفي غمرة انفعالنا بممارساتها واستنكارنا لما اتسمت به من همجية مقززة. فإننا لم ننتبه إلى أن غيرها يستخدم نفس الأساليب دون إعلان وتحت عناوين أخرى كاذبة ومضللة. وفي بعض الأحيان تحاط تلك الممارسات بدرجات متفاوتة من الترحيب والتهليل. وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن جميعهم «دواعش»، بعضهم يظهر وراء أقنعة سوداء في أشرطة تلفزيونية معلنة، والبعض الآخر يظهرون ببدلات أنيقة وبوجوه مبتسمة تتصدر المحافل وتعتلي المنصات.
لست أرى فرقا بين إحراق داعش للطيار الأردني معاذ الكساسبة وبين قتل 37 شخصا في سيارة ترحيلات أو إحراق المستوطنين لمنزل عائلة الدوابشة في قرية دوما جنوبي نابلس. ولست أرى فرقا بين قهر وإذلال الدواعش للمعتقلين الأيزيديين أو غيرهم، وبين ممارسات الحشد الشعبي في العراق، وبين التعذيب والانتهاكات اليومية التي تحدث في السجون العربية العلنية منها والسرية. إن داعش لم تعد مجموعة إرهابية ترتكب جرائمها بحق مخالفيها، ولكنها صارت نهجا لمدرسة لها أفرعها النشطة في العديد من عواصم العرب، وأخبار الطرفين متاحة للجميع. الألوف أخبارهم تنشرها صحفنا السيارة، أما الآخرون فأخبارهم تحفل بها تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، وهي أوفر على مواقع التواصل الاجتماعي.