اعتراض روسيا ليلة البارحة على بيان رئاسي لمجلس الأمن يدين فيه رفض مليشيات الحوثي وصالح التوقيع على رؤية الأمم المتحدة لحل الأزمة اليمنية؛ لن يغير في سيرة الأمر شيئا.. فهو اعتراض - في جملة الاعتراضات الروسية - التي اعتدنا عليها في بلدان الربيع العربي.
في تقديري أن إيجابيات روسيا في الأزمة اليمنية كبيرة، وتغفر لها الاعتراض على صدور بيان رئاسي ليس له صفة إلزامية ولن يضيف أو ينتقص شيئاً من قيمة القرار الأممي 2216 الصادر تحت الفصل السابع، والذي انسحبت روسيا إلى الظل يوم صدوره، وقدمت اعتراضاً وليس نقضاً "فيتو" على القرار، وهو موقف إيجابي سمح بمرور القرار، أو بتعبير السفير الروسي بصنعاء "فلاديمير ديدوشكين" الذي قال حين التقيته في صالة التشريفات في مطار الكويت في 18 نيسان/ أبريل الماضي: "لقد انسحبنا إلى الخلف وسمحنا للقرار 2216 بالمرور من أجل أن ينتصر طرف معين وينتهي الإشكال". وتابع بما يشبه التهديد الدولي الجديد لابتزاز دول التحالف بالقضية اليمنية: "لم ينتصر أحد حتى الآن، والمعادلة على الأرض تغيرت ما يستدعي قرارا جديدا"!
ولروسيا موقف إيجابي من خلال وزير خارجيتها سيرغي لافروف، الذي أكد لوزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي أنه "لن يتم التعامل مع المليشيات الحوثية، ولن تتم الاستجابة لنداءاتها؛ لأن المبدأ الروسي واحد. فتدخلنا في سوريا كان بطلب من الحكومة الشرعية، وتدخلنا في اليمن لن يكون إلا بطلب من الحكومة الشرعية". ولها موقف إيجابي من خلال سفيرها في صنعاء "ديدوشكين" الذي كان ضمن الموقعين على إدانة موقف الانقلابيين الرافضين للتوقيع على الرؤية الأممية للحل..
أما موقف روسيا المعترض على بيان ليلة البارحة لن أقرأه إلا في سياق محيطه العربي، وامتعاض الروس من موقف السعودية الداعم للمعارضة السورية، والانتصار الذي حققته المعارضة في حلب قبل موعد جلسة مجلس الأمن بيوم واحد.
سنكتفي كمساندين للشرعية اليمنية بالصوت العالي للمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ؛ الذي أكد في إحاطته لمجلس الأمن مساء أمس أن ممثلي صالح والحوثي هم من عرقلوا مشاورات الكويت ورفضوا التوقيع على الرؤية الأممية، وهذا بحد ذاته كافٍ من قبل مبعوث تصرف بمسؤولية تجاه طرف لا يعترف إلا بقوة السلاح، ويريد أن يجر الجميع إلى حرب مستدامة بدلاً من سلام مستدام.
سعى الانقلابيون طيلة جولتي مشاورات الكويت إلى الضغط عبر حلفائهم السريين، الذين تتقدمهم سفيرة الاتحاد الأوروبي "باتينا موشايت" (تتخذ موقفاً مغايراً لموقف الاتحاد الأوروبي!!) إلى الضغط بتشكيل حكومة وطنية من طرفي الصراع قبل الشروع باستعادة مؤسسات الدولة وتسليم السلاح المتوسط والثقيل والانسحاب من المحافظات وإطلاق سراح المعتقلين، بمعنى شرعنة الانقلاب وتحويل مرتكبيه من مليشيا إلى دولة، وبهذا يكونون قد أجهزوا على الدولة ورموز شرعيتها بضربة واحدة.. إذ كيف ستأمن دولة وحكومة ورجالها بالعودة إلى صنعاء والعمل فيها؛ ولا يزال الانقلابيون يتصرفون بكامل سلاح ومؤسسات ووظائف الدولة؟!
المبادئ كل لا يتجزأ، وعلى المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة؛ تحديد موقف واحد بلغة واضحة: هل هم مع الدولة اليمنية أم مع من قوض بنيان هذه الدولة؟ هل هم مع الشرعية اليمنية أم مع الميليشيا؟ مع الشعب أم مع العصابة التي قتلته وشردت بعضه، وحاصرت البقية منه بالسلاح والجوع والخوف، ودمرت بنيته التحتية ومنجزاته ومكتسباته؟ هل هم مع دولة قوية وقادرة ومسؤولة، أم مع مليشيا لم تستطع تأمين حارة، وتسببت بانهيار كلي للاقتصاد والعملة الوطنية وتصفير الاحتياطي النقدي للدولة؟
كل يوم يمر يدفع ثمنه المواطن اليمني من أمنه وقوته ومكتسباته.. والمجتمع الدولي لا يزال يتواطأ مع ميليشيات لا تجيد غير القتل ونهب المال العام.