بدأ الحوثيون رحلة الدعوة إلى السلام في يناير 2014 منذ بدأوا حراكهم الطائفي نحو قرية صغيرة تقع في محافظة صعدة يسمونها " دماج " مطالبين حينها بإخراج من فيها من الطلاب ، بدعوى أنهم أجانب و الحرص على " سلامة المنطقة " من أن تكون في مفخخة بـ( بالدواعش أو التكفيرين ) حد قولهم ، وقد نالوا مرادهم بعد 100 يوم من الحصار القاتل لطلاب عزل لا يملكون من السلاح إلا القرطاس والقلم الذي كانوا يفندون به شبهات الضلال لعملاء إيران في اليمن ، وقد خرج الأجانب من هناك بما في ذلك أبناء الأرض وملاكها ، هذه قصة قصيرة للسلام الحوثي بدأت في دماج وانتهت في جنيڤ.!
كانت الحكومة اليمنية ممثلة بالأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي تظن أن أطماع هذه الجماعة تقتصر على محافظة صعدة الكائنة شمال غرب العاصمة صنعاء ، ولم تكن تدرك أن دماج هي الشرارة التي سيلتهم الحوثيون بعدها بقية محافظات اليمن ، لذا كان هناك نوع من التساهل ، وعدم المسؤولية في الإنتصار لأكثر من 15000 ألف مواطن هجروا بلا ذنب من بيوتهم وقراهم .!
لم تنجح لجان الرئيس هادي من إيقاف هلع وطمع هذي الجماعة ، لأنها كانت تملك مشروعا واضحا تسعى لتحقيقه ، وهو الذي ظهر جليا في إحدى ملازم وصوتيات قائد الجماعة الهالك حسين بدر الدين الحوثي ، والمعنى : أن الوصول للسلطة عبر صناديق الإقتراع طريق طويل جدا ، لكن ثمة طرق هي أسرع " القتال " هذا هو المشروع الذي وضعه قائد هذه الجماعة " قتال اليمنيين " وقتلهم لأجل السلالة والوصول إلى السلطة عبر جثثهم ودمائهم.!لم يكن ذلك مشروع عرضيا أوجدته الأحداث ، فثمة مستندات تاريخية يتكئ عليها الحوثيون ، ومن قرأ في تاريخ عبدالله بن حمزة وغيرهم من غلاة الزيدية الذي تأثروا بالفكر الإمامي الإثنى عشري يعلم أن سياسة القتل وانتهاك الحقوق وسلب الحريات هي منهج شرعي يدرسونه كمعتقد يجب العمل به على الدوام .!
بعد سقوط دماج تحصن الحوثيون وخلا لهم المكان ، وبدأوا تنفيذ خطط الغزو لبقية المحافطات ، كانت عمران هي أقرب المدن إلى العاصمة صنعاء ، بدأ تتار صعدة الجدد هجومهم على عمران بمظاهرات يطالبون فيها بإسقاط المحافظ " دماج " وقائد اللواء 310 "حميد القشيبي " رحمه الله . في هذا الجو الصاخب ، كانت الحكومة اليمنية تحاور المليشيا المسلحة في " موفنبيك " بينما المليشيا توجه رصاص الغدر لأبناء عمران والقيادات الحرة فيها ، ومن خلال حوار موفنبيك كانت تكسب الكثير من الوقت لترتيب ماتبقى لغزو صنعاء ، وقد ساعدهم في ذلك قيادات نظام المخلوع صالح ، وهو الحليف الخاسر في هذه المعركة الغادرة ، استشهد اللواء القشيبي و سقطت محافظة عمران ، وانتهت قصة السلام الحوثي في عمران بعد أن سيطروا عليها 8 يوليو 2014 ، وقتلوا أشرف قائد عسكري أقسم أن لا يخون قسمه الوطني والعسكري ، وأن يبقى حتى آخر لحظة من حياته .!
توقع كثير من المراقبين أن صنعاء بات أمر السيطرة عليها مؤكدا ، فعمران كانت هي مركز الحماية والأمان بالنسبة لصنعاء ، وبالفعل هذا ما جرى ، حوصرت الحكومة بما في ذلك الأخ الرئيس ، وحصل السلام الذي كانت تنشده هذه الجماعة " اللا قرآنية" وانقلبت على الحكم ، ودمرت كل شيئ جميل في اليمن ، واستولت على كل المواقع العسكرية والآليات ومراكز الحماية ، كل هذا كان بحركة دراماتيكية سريعة ، ولا أنس أن أشير إلى أن هذا وغيره حصل و كانت لجان الرئيس هادي في كل خطوة تمرد يقوم بها الحوثيون تتحرك نحوهم ؛ كان يصر على أن يرسل إليهم لجان الوساطة للعيش وفق سلم اجتماعي سياسي ، وكانوا أشد إصرارا منه على تحقيق مشروع السلام الحوثي ، الذي يقتصر على السلالة الإمامية لا غير ، وقد كان من جملة ضحايا مشروع السلام الحوثي الرئيس وحكومة النائب خالد بحاح كدرس للحكومات العربية أن لا تتساهل مع الفئات المؤلجة في إطار ولاية الفقيه.!
وصل الرئيس هادي إلى العاصمة العربية " الرياض " وكان الأخوة الأشقاء في المملكة قد أحسوا بأن الخطر بدأ يتوجه إليهم ، خصوصا بعد المناورات العسكرية الإستعراضية التي قام بها الحوثيون على حدود البلدين ، وهنا بدت السعودية ومن معها من دول التحالف أكثر نضجا ووعيا ، ولقنت عملاء إيران درسا تاريخيا لا يمكن بحال أن ينسى ، في ثلاث ساعات فقط جمدت حركة الطيران الحربي في اليمن ، وأعاقتهم عن أي ردة فعل من شأنها أن تخلق قلقا في بقية المنطقة ، واستطعت أن تكبح جماح البغي الذي مارسه الحوثي بحق اليمنيين ، وتم محاصرتهم برا وبحرا وجوا ، كانت دول التحالف قد أكدت على ذلك قبل ضرباتها بساعات ، ووصفته بالـ( مفاجئة ) وبالفعل هذا ما لم يكن يتوقعه الحوثي ولا حلفائه ، وهذا ما صرح به المخلوع صالح في مقابلته الأولى على قناة الميادين ، وهم ما فاجأ الحلفاء قبل الأعداء .!
حينما اشتد الخناق على تتار اليمن الجدد ، بدأوا بفتح بوابة السلام من جديد ، بعد خضوعهم لعمليات التحالف والمقاومة التي أرهقتهم في كل الميادين ، وبعد ذهاب الزهو الذي انتابهم إعلان الإنقلاب في 21 سبتمبر للعام 2014 ، لكن المفاوضات اليوم على المستوى الدولي الكبير ، وخارج الوطن المكلوم والمتخن بجراحه .!
حضر الحوثيون ( جنيڤ الأول ) وكانت النتيجة إحراق وجه اليمن الباسم " عدن " وإقامة مجازر فضيعة في كل من تعز ، وإب ، والجوف ، والبيضاء ، ومارب ، وحجة ، وفي كل إعلان عن هدنة ، أو مؤتمر تفاوض يتوقع المراقبون أن هناك مخطط دموي سينفذونه ، وفعلا التوقعات تصدق ، لأن الواقع الدموي الذي تعيشه جماعة الحوثي ، يثبت أنها جماعةغير مؤهلة لخوض المعركة السياسية بطرق سلمية وإنسانية .
ها نحن اليوم في ( جنيڤ الثاني ) وقصة السلام الحوثي مستمرة في القتل والدمار رغم الهدنة التي أعلن عنها من قبل الطرفين الشرعي والمنقلب ، مما يثبت أن قصة " السلام الحوثي " لا يمكن أن تنتهي روايتها إلا بالقوة ، والقوة كما أنها قد تكون حلا في بعض الظروف ، فإنها أيضا إن استخدمت في تحقيق نزوات النفس والمذهب قد تكون مشكلة ، وقوة الحوثي اليوم هي مشكلة المنطقة بأكملها ، فأزيلوا القوة بالقوة ، ليحل " السلام العربي " بدلا عن " السلام الحوثي " والسعيد من اعتبر بما سبق ، والشقي من اعتبر به غيره ، وإلى لقاء يتجدد .!