دموع في فراق شيخ مأرب
بقلم/ د. ضيف الله بن عمر الحداد
نشر منذ: 4 سنوات و أسبوع و يوم واحد
الأحد 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 05:24 م

الموت قدر الله الذي كتبه على عباده وقضاؤه الذي لا يرد عن أحد أبدا

قرن الفناء بنا فما....يبقى العزيز ولا الذليل

فكلنا سنموت وكلنا سيرحل حتما عن هذه الحياة ولا يبقى إلا وجه الله جل جلاله

وكثير من الناس يأتون إلى هذه الحياة ثم يغادرونها دون أن يفقدوا فلا تشعر الأرض بفقدهم ولا السماء بفراقهم لأن وجودهم كعدمه يرحلون دون ان يتركوا أثارة من علم ينتفع به الناس أو عمل صالح تحيا به الأرض وتتزين له السماء.

أما أنت يا أباصلاح أيها العالم القدوة والأستاذ الجليل والقائد الفذ والمربي المحب المحبوب والإنسان البسيط المتواضع وصاحب القلب الكبير فقد أدميت برحيلك قلوبا احبتك وجيلا تتلمذ على يديك وأرضا عشقتها وعشقتك وأحببتها وأحبتك حتى شرفها الله بان ضمت في ثراها جسدك الطاهر

رحلت عنا أيها الداعية الجسور والعالم العامل والمجاهد العابد والورع التقي ولكن طيفك لم يرحل عن الخيال وكلماتك ما زالت تقرع الأسماع وتوجيهاتك ملازمة للروح تشفي غليلها وتروي عطشها

اترحل لا الأحباب من فيضك أرتوت

ولم يرو من عذب الأحاديث معشر

رحلت عنا إلى جوار الكريم الرحيم المنان لكن المآثر التي رسختها والقيم التي زرعتها والعلوم التي درستها لم ترحل بل تمثلت وترسمت في سلوك جيل عظيم تعلم على يديك ونهل من معينك الصافي وحمل الرأية بصدق وأمانة فمنهم من قضى نحبه ومن من ينتظر

مأرب ب سهولها وصخورها ب جبالها ورمالها ب أرضها وسمائها كلها شاهدة لتلك الخطى المباركة ل شيخنا ولكل إخوانه من الرعيل الأول من العلماء المصلحين والدعاة الصادقين فجزاهم الله عنا خير الجزاء ورفع قدرهم في عليين.

آثارك الزهراء تشهد أنها

       كتبت بسمت الصدق والإتقان

كم ايقظت من غافل قعدت به

         غفلاته عن رفعة وجنان

ولكم رقت بالسائرين ورسخت

        اقدامهم بالعالم الروحاني

إن كان لمأرب من شرف وفخر فهي تشرف وتفخر بك وتعلم علم اليقين أنك قد وهبتها زهرة شبابك وثمرة عمرك وكانت ارضها التي امتلأ قلبك بحبها وتشبعت قلوب أبنائها بحبك هي كفنك ودارك البرزخية حتى تقوم الساعة

الفؤاد مليء بالذكريات مع شيخنا منذ أن عرفناه في الصغر وحتى آخر لقاء جمعني به في بيته في عيد الأضحى قبل الماضي

والحقيقة أن الأحداث الأخيرة التي مرت بها اليمن عامة ومأرب خاصة وكل ما يتعلق بها يمكن لها أن نرسم للقارئ الصورة الحقيقية للشيخ مهيوب ولرفاق دربه من الرعيل الأول من الدعاة والعلماء والمجاهدين الذين جعلوا مأرب موطنهم الوحيد وبلدتهم المفضلة ومهوى الفؤاد وفضلوا بيوت الطين في البادية على قصور الحاضرة واستهوت ارواحهم ضيق العيش وشظف الحياة على ترف المدينة ومكاتب الوزارة وريع التجارة فيا لها من بيعة رابحة مع الله وهنيئا لهم تلك التجارة وجعلها الله شاهدة لهم وشافعة يوم أن يقفوا بين يديه.

في صيف 2015 م كنت في مكة حماها الله وحرسها في موسم الحج وكنت حينها راجعا من مأرب وكنا في ضيافة أحد الإخوة الكرام وحضر اللقاء بعض العلماء والأكاديمين ودار الحديث وكان جله عن الحرب في اليمن وعندها وجه بعض الحاضرين إلي سؤالا عن سر صمود مارب وثبات أهلها وعدم رضوخهم للعدو وتصديهم للمشروع الطائفي بكل شجاعة وإقدام وثبات منقطع النظير

 لماذا ثبت أبناء مارب وكل من فيها ثبات الجبال الرواسي امام كل المغريات! لماذا فضلوا الموت وتحملوا فاتورة المواجهة مهما كان الثمن ومهما عظمت التضحيات عن أن تحكمهم مليشيا جاءت من غبار التاريخ ؟

ما الذي جعل الأبطال يتسابقون إلى حياض الموت لمواجهة مليشيا وجيش جرار مدجج ب الترسانة العسكرية الكبيرة والمسروقة من أسلحة الجيش اليمني الذي يعد حينها من أقوى جيوش المنطقة واجهوه دون تردد أو تراجع مع فارق التسليح والعدد والعتاد

فكان الجواب أن السبب الأول والأهم في جعل ميزان الحرب يدور لصالح مارب وأهلها ولصالح الجمهورية والدولة التي اتكئت عصاها على مأرب هو السبق الدعوي حيث لم تجد المليشيا لها أرضية تصلح لنشر افكارها المتخلفة لأن الأحرار قد سبقوا بعقول وافكار أبناء مارب وظفروا بها قبل عقود من الزمن

وبداية القصة تعود لبداية عقد السبعينات حينما توجه ثلة من خيار العلماء والدعاة إلى مارب ووسط أهلها حطوا رحالهم في أرض ما زال أهلها على الفطرة السوية مع انتشار للجهل والامية وكانوا فاتحة خير لمأرب وأهلها فساهموا في نشر السنة ودحر البدعة ونبذ الفرقة والإصلاح بين الناس وهناك بدأوا بالتربية والتخلية وربوا جيلا من الدعاة والمجاهدين والصالحين وأسسوا دعائم التعليم في كل نواحي مأرب واجتهدوا في تزويدها بالعناصر التربوية الصالحة.

ومن هؤلاء العلماء الشيخ مهيوب رحمه الله حيث حط رحاله بجوار الرجل الصالح الشيخ حمد بن صالح جرادان رحمهم الله جميعا وجعل الفردوس مثواهم وبدأ مدرسا ومربيا ومفتيا وداعية ومصلحا اجتماعيا وقائدا مهابا مع تواضع جم وحسن طبع ولين ورفق

وبقي الشيخ ب مارب لا يفارقها ومشاركا في صنع كل التحولات الكبيرة التي حولت بادية الصحراء إلى حاضرة اليمن ودرة السعيدة وواجهة الإعلام العالمي

إن الماربيين بكل أطيافهم لن ينسوا فضل أبي صلاح وإخوانه على محافظتهم وسيبقى جهده وعطاؤه محفورا في ذاكرة الأجيال فلن نغمط جهدهم ولن نجحد فضلهم وستبقى الذاكرة حاضرة بكل المواقف العظيمة التي سترافقنا ما حيينا

والحر من يرعى وداد لحظة

        أو انتمى لمن أفاده لفظة

لقد كان الشيخ العلامة مهيوب بن سعيد مثالا للعالم الزاهد المجاهد الذي ربى تلاميذه بالفعل قبل القول وبالقدوة قبل الأمر وكان ابا للكل ومعلما للكل وناصحا أمينا بذل كل وسعه واجتهد قدر استطاعته في اداء الأمانة وظهرت ثمرة تربيته في مجالات العلوم المختلفة والمتنوعة وكذلك في ميادين الوغى وساحات النزال وكذلك في الدفاع عن كرامة الوطن والذود عن حياضه ودولته

ولإن كنا شهودا على بعض هذه المواقف التي هي في الحقيقة من صنع هؤلاء العظماء فإن ثمة امور حدثت في فترات سابقة ولم يعرف الكثير منا عنها شيئا ولا عن صانعيها ابتداء من أيام مجابهة المد الشيوعي منتصف السبعينات وما حدث بعد ذلك وكلي امل بالله أن توثق تلك المواقف وأن تدون في صفحات التاريخ لأنها في الحقيقة ثمار دعوة وجهد دعاة ونضال احرار وتضحية ابطال وجهاد مجاهدين قدموا الغالي والنفيس لأجل أن ينتصر دينهم وتعلو كلمة الله فحقق الله لهم مرادهم

رحمك الله يا اباصلاح ورفع الله قدرك في عليين وجمعنا بك في الفردوس الأعلى من الجنة على سرر متقابلين

عليك من الله المراحم والرضا

          بكل غداة في الدنا وأصيل

أيا رب فارحم عابدا لك زاهدا

        وأسكنه في الفردوس خير مقيل.