القهر والحَزَنْ لوضع فضائية عدن
بقلم/ د.كمال البعداني
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 12 يوماً
الثلاثاء 13 إبريل-نيسان 2010 12:56 م

تقول عيسي وقد يمت نواظرها لحجا ً ولاحت ذُرى الأعلام من عدني

أمنتهـى الأرض يـا هـذا تـريـد بـنـا فـقـلت كـلا ولـكن مٌنـتهى اليمني

تذكرت هذه الابيات الشعرية التي قالها الشاعر الأموي قبل ألف وثلاثمائة سنة . تذكرتها وانا على مشارف مدينة عدن للمشاركة في فعاليات الهيئة الوطنية للتوعية على هامش معرض عدن الدولي الثاني للكتاب والذي سيكون معي ايضا ً زميلي الدكتور/ صالح الصوفي رئيس اللجنة الثقافية في الهيئة . وبما أن الجو كان جو ثقافي في مدينة عدن فقد عادت بي الذاكره إلى ما قرأته في كتب التاريخ اليمني عن هذه المدينة وكيف كانت مصدر إشعاع ثقافي في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي حيث كانت الصحف تصدر فيها صبيحة كل يوم . لذلك تخيلت نفسي أعيش تلك الأيام وذاك الجو الثقافي , فما أن رأيت بائع الصحف في أحد شوارع عدن حتى اقتربت منه طالبا ً صحيفة فتاة الجزيرة وصحيفة صوت اليمن والفضول والنهضة ولكني كلما طلبت منه صحيفة من هذه الصحف أنكر معرفته بها . ثم فاجأني هذا الفتى بائع الصحف بسؤال أحرجني فيـه قائـلا ً يـا عم من أين أتيت بهـذه الأسماء؟ فأجبته بأن هذه الصحف كانت تصدر في عدن فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي . فنظر إلي باستغراب ثم هز كتفيه وعقدا حاجبيه وحمل الصحف على كتفه وابتعد عني وأخذى ينادي بصوت ً مرتفع.. أخبار اليوم...أخبار اليوم . فأدركت أني في زمان غير الزمان . وأثناء إقامتنا في عدن استضافتنا قناة عدن في برنامجين مختلفين. المرة الأولى في برنامج ساعة على الهوى الذي يعده ويقدمه الدكتور المتألق القدير حسيـن باسلامه عميد كلية الآداب في جامعة عدن والمرة الثانية في برنامج (أحلى عمـر) الذي تعده وتقدمه المذيعة المثقفة المتميزة جميـلة جمـال .

والحقيقة أنني وانا في طريقي إلى مبنى التلفزيون أول مرة كنت أتصور أن المحطة الفضائية لتلفزيون عدن ستكون في مبنى فخم باعتبارها أقدم المحطات التلفزيونية في شبه الجزيرة العربية وفي مدينة عدن التي رُفع فيها علم الوحدة وتحتضن المنطقة الحرة وتستعد لاحتضان خليجي20. هذا ما كنت أظنه ولكن يبدو أن بعض الظن إثم فلقد فوجئت بسائق السيارة يقف بنا أمام مبنى قديم ومتهالك من أيام الاحتلال قيل لنا أنه مبنى تلفزيون عدن. فعبرنا البوابة إلى داخل حوش المبنى بعد التأكد من هويتنا ثم دلفنا إلى الداخل وهنا كانت المفاجأة المحزنة فقد وجدت نفسي وكأنني في ورشة لحام وليس في استديو قناة فضائية. فقلت في نفسي: هل يعقل أننا قد ظللنا الطريق وتوجهنا إلى قناة عدن الانفصالية التي تبث سمومها من لندن وربما أن هذا المكان هو فرع لتلك المحطة السيئة الصيت مادام أنه بهذه الصورة المزرية فقد يكون ذلك من باب التمويه غير أني تذكرت بأننا وقبل دخولنا إلى المبنى قد شاهدنا علم اليمن يرفرف على السطح وصورة مجسمة لرئيس الجمهورية على واجهة المبنى. فأيقنت أني في تلفزيون عدن الحكومي الوحدوي وليس الانفصالي ولكني والله رأيت أشياء تدمي القلب. أجهزة قديمة متهالكة قد أكل عليها الدهر وشرب، وكلما تعطل جهاز استفاد العاملون من بعض أجزاءه لمعالجة جهاز آخر – استوديوهات تفتقر إلى أبسط المقومات من الديكور الجيد إلى الإضاءة الجيدة إلى خطوط الهاتف أما الانترنت فلا يوجد إلا في مكتب مدير عام الأخبار – تهوية منعدمة وجهاز الشفط الخاص بالتهوية معطل – مكيفات معطلة نتيجة لعدم وجود الصيانة عِلماً أن نظام التكييف من أيام التشيك عندما كانت تشكوسلوفاكيا ما تزال دولة واحدة – رائحة الفئران الميتة والقادمة من البحر تزكم الأنوف – دورات المياه رديئة – البعض من الموظفين مصابون بالحساسية والأمراض الصدرية نتيجة لرداءة المبنى وانعدام التهوية فيه فهذا المبنى كان قد أممه الحزب الاشتراكي على شركة ألبينو وجعله مقبرة أو مبنى للتلفزيون – المصعد فيه معطل منذ الثمانينات أيام الرفاق . باختصار شديد الذين دخلوا سجن الفتح القبيح والذي هدمته الدولة وحولته إلى مدرسة بعد حرب الانفصال أقول أن الذين دخلوا ذاك المبنى وعرفوه ثم دخلوا مبنى تلفزيون عدن سيدركون أنه ليس هناك من فارق كبير بينهما. لذلك لا نستغرب بأن نرى مدير عام من مدراء الإعلام عندما يزور مدينة عدن بحجة الاطلاع على سير القناة التلفزيونية هناك لا نستغرب أن يجتمع ببعض العاملين أصحاب العلاقة في فندق شيراتون (جولد مور حاليا) ًوليس في مبنى التلفزيون. فالرجل بطبعه حساس ولا يستطيع المكوث في مبنى التلفزيون أكثر من ساعة. الشيء الإيجابي الذي لاحظته هناك هو كفاءة الكوادر حيث ترى في وجوههم حب اليمن والإصرار على العمل من أجل إيصال صوت عدن الوحدة إلى العالم الخارجي رغم كل المعاناة وانعدم الحوافز والمواصلات ورغم أنهم ذات مرة قد لوحوا بالإضراب لتحسين وضعهم فلوحت لهم الجهات المختصة بالأمن السياسي. البعض منهم قد غادر خارج البلاد والبعض في انتظار أن يسعفه الحظ في الانتقال بركب القناة الأولى في صنعاء. ومع ذلك فهم يواصلون المشوار ولسان حالهم يقول: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) وعندما تستفسر منهم عن الوضع تكون إجابتهم : إن شاء الله الوضع سيتحسن وقد وعدتنا الوزارة خيراً. فهم لا يشكون ولكن الواقع يؤكد ما قلناه . فمن يشاهد شاشة قناة عدن الفضائية سيدرك هذا الأمر. لذالك وبعد هذا كله يحق لنا أن نضع هذه الأسئلة أمام الجهات المختصة . لماذا؟ ولمصلحة من يحصل كل هذا؟ وما هي الدوافع؟ ومن يقف خلف هذا الأمر؟ أين توجيهات رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة للجهات المختصة بالاهتمام وتحديث قناة عدن؟ لماذا لم تنفذ هذه التوجيهات؟ أين وزارة الإعلام؟ أين المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون؟ أين السلطة المحلية في المحافظة؟ أين الصحيفة الرسمية التي تصدر من عدن صبيحة كل يوم لماذا لم تثير هذا الموضوع وتتبناه بـدلا ً من الإنشغال بالدعاة والعلماء وتصفية حسابات قديمة من حرب 94؟. ما الذي يجري في هذا البلد؟ إن هذا الأمر لا يخرج عن احتمالين:

الأول: أن هناك من هو حريص كل الحرص على بقاء هذا الوضع حتى لا يصل صوت عدن الوحدة إلى الخارج. فقد تغير كل شي في عدن بعد الوحدة تغير إيجابي إلا تلفزيون عدن ومبناه لم يصلهما خير الوحدة الإحتمال الثاني : أن بعض المسئولين من لا زال يفكر بعقلية طفولية قاصرة ومتخلفة حول قناة صنعاء وقناة عدن. وعلى ما يبدو أن الجهات المعنية قد فهمت توجيهات الرئيس بطريقة مغلوطة، فبدلاً من الاهتمام بتحديث الأجهزة والمبنى اهتمت هذه الجهات بتحديث الأسماء. من قناة عدن إلى 22 مايو إلى يمانية إلى عدن مرة أخرى. وأخشى إذا استمر الحال على ما هو عليه في قناة عدن أخشى أن يحل حرف (الميم) بدلاً من حرف (النون) في اسم القناة. أليس هذا نوع من الجنون بل هو أخطره وهو الجنان (اللوزي) . من المهم القول أن عدن مقبلة على استضافة خليجي20 ولا شك أن العشرات من المراسلين والصحفيين الخليجيين والعرب سيتوافدون إلى هذه المدينة لتغطية البطولة ولا بد أن يقوموا بزيارة إلى تلفزيون عدن حتى ولو كان هناك –كما يقال- استوديوهات بث مباشر في الملاعب الرياضية . فماذا سينقل هؤلاء المراسلون عنا من انطباع وكيف سيحللون الأشياء ويسيسونها بل أن البعض منهم سيقول بخبث بأن هذا الوضع ناتج عن سياسة متعمدة من قبل السلطة دون أن يدرك أن هذه سياسة حفنة من البشر لا يرون أبعد من أنوفهم وجيوبهم ويعتقدون أنهم يتقربون إلى السلطة بذلك. لقد تم اعتماد مليارات من أجل ترميم بعض الملاعب الرياضية وتجهيزها. ألا يستحق تلفزيون عدن الترميم والتجهيز والتحديث أسوة بهذه الملاعب فهو الدائم والذي سيوصل صوت اليمن للخارج باسم عدن أما دورة الخليج فهي مؤقتة ومنتخبنا الوطني سيخرج بنقطة ثمينة كالعادة. نصيحة لوجه الله: إذا استمر الوضع على هذا الحال فما على الجهات المعنية وبجانبها محافظ عدن الذي لم يحرك ساكن ولم يثير هذا الموضوع لحكمة يعلمها الله. فما عليهم إلا أن يقوموا بوضع لوحة أمام مبنى التلفزيون مكتوب عليها: (مغلق للصيانة طوال فترة خليجي20) حتى يظل الطبق مستور. لقد أعلن رئيس الجمهورية قبل يومين من مدينة المكلا عن إنشاء قناة تلفزيونية باسم حضرموت وهذا شيء جميل ورائع فحضرموت تستحق ذلك ولا شك أنه سيكون لهذه القناة اهتمام خاص من قبل الدولة وإذا كان هناك تقصير من الجهات المختصة وتعاملت بنفس عقلية قناة عدن فلا شك أن رجال الأعمال من أبناء حضرموت كفيلين بجعل هذه القناة تنافس قناة الجزيرة من حيث الإمكانيات وهكذا يصبح عندنا في اليمن عدة قنوات فضائية وكلها ستكون مميزة إلا قناة عدن لا بواكي لها. لذلك مطلوب منك يا فخامة الرئيس لفتة إلى هذه القناة وموظفيها وكوادرها فهم والله يحبون اليمن ووحدته ويتطلعون إلى الإبداع والتميز لذلك يا فخامة الرئيس ليكن الإشراف المباشر من قبلكم على تحديث وتجهيز هذه القناة ومبناها ولا تعتمدوا على غيركم فتجريب المجرب خطأ مرتين فعدن تستحق منكم هذه اللفتة فلقد كانت صوت اليمن الثقافي في الأربعينات والخمسينات يوم كانت اليمن مشطرة فلنجعلها تواصل المشوار كصوت اليمن الثقافي يوم أصبحت اليمن موحدة. والمؤمل من كلٍ من الأستاذ/ طـارق محمد عبدالله صالـح رئيس الهيئة الوطنية للتوعية والأستاذ/ عبده بورجي الترمومتر الثقافي لرئيس الجمهورية أن يتبنيا هذا الأمر وإيصاله إلى رئيس الدولة والله من وراء القصد. محطـات مـن عـدن 1- الشكر والتقدير للدكتور / حسين باسلامه عميد كلية الآداب في جامعة عدن على تفاعله وتسهيله لفعاليات الهيئة الوطنية للتوعية على هامش معرض الكتاب.

2- العميد عبدالله قيران مدير أمن عدن أثبت أنه يملك حس ثقافي لا يقـل عن الحـس الأمني فقد حرص على حضور معظم فعاليات الهيئة وتفاعل معها فله منا الشـكـر .

3- الشكر والعـرفان للدكتور/ علي أنصاري رئيس اللجنة الفنية في الهيئة الوطنية للتوعية على تواصله الدائم معنا طوال أيام الفعاليات.

4- كل الحب والإعجاب لأبناء عدن الطيبين الذين غمرونا بحبهم ولشبابها الواعي الذي شارك وتفاعل مع فعاليات الهيئة الوطنية للتوعية ولا ننسى إرسال التحيه للأستاذ/ فـارس السـقاف رئيس الهيئة العامة للكتاب لتفاعله وتسهيله لأنشطة الهيئة الوطنية على هامش معرض عدن الدولي للكتاب.