التدخل التركي في الشأن العربي.. حقيقة أم خيالٌ إماراتي؟
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 6 سنوات و 8 أشهر و 21 يوماً
الثلاثاء 03 إبريل-نيسان 2018 06:52 م
 

عندما تؤكد الإمارات أن "العلاقات العربية التركية ليست في أفضل حالاتها، وأن على أنقرة احترام السيادة العربية والتعامل مع جيرانها بحكمة وعقلانية"، فهل تُعبّر عن واقع العلاقات التركية مع معظم الدول العربية؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تعبيرا عن الموقف الخاص للإمارات وقلة عربية تجاه تركيا؟ ربما لن يجد القارئ عناءً في الوصول إلى الإجابة إن كان لديه بعض الوقت لمتابعة نشرات الأخبار في غير فضائيات (أبوظبي) وأخواتها.

ربما لن يكون مجديا لو سألنا وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد عن المغزى من تلك التغريدة التي أعاد نشرها في ديسمبر/كانون الأول 2017، والتي تتهم القائد العثماني فخر الدين باشا (1916 ــــ 1919) بسرقة أموال سكان المدينة المنورة وخطفهم وترحيلهم إلى الشام وإسطنبول، وسرقة أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية ونقلها إلى تركيا؛ لكن قد يكون منطقيا أن نسأله بمثل ما سأل الرئيس التركي: "حين كان جدنا فخر الدين باشا يدافع عن المدينة المنورة، أين كان جدك أنت أيها البائس الذي يقذفنا بالبهتان؟".

قد بات واضحا للمراقبين أن الموقف "غير الودي" للإمارات تجاه تركيا جاء من طرف واحد، بعد تسخير وسائل الإعلام لحملة دعائية منظمة ضد تركيا، وقيادتها الممثلة بشخص الرئيس رجب طيب أردوغان، بلغت مداها بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات الرئاسية في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

إذا كان دعم تركيا لتطلعات الشعوب الطامحة للتغيير، واهتمامها بثورات الربيع العربي، التي انطلقت لنيل الشعوب حريتها المسلوبة من قبل أنظمة استبدادية، يعد وفق المنطق الإماراتي تدخّلا في شؤون الدول العربية، فبماذا نسمي سعي الإمارات لإجهاض تحركات الشعوب لنيل حريتها عبر ثورات الربيع، وإنفاقها المليارات لوأد تطلعاتها إلى الحرية بتمويل أعمال وإعلام الثورات المُضادّة؟.

وبأي مجهرٍ ينظر الإماراتيون إلى الموقف التركي المتعاطف مع إرادة الشعوب العربية حتى يُسوّغ المسؤولون في أبو ظبي لأنفسهم تحميل تركيا مسؤولية الفشل العربي في مواطن عدة؟.

"النظام العربي في مأزق"، قالها وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي في تغريدة له في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، واعتبر أن "الحل للخروج من المأزق يكون بالتعاضد والتكاتف والتعاون أمام الأطماع الإقليمية المحيطة"، ثم يزيد بالقول إن "العالم العربي لن تقوده طهران أو أنقرة، بل عواصمه مجتمعة"، والسؤال الذي ربما يود كل قارئ طرحه في هذا المقام على الوزير: متى وأين قالت تركيا إن لديها أطماع في بلد أو أكثر من بلدان المنطقة؟!

يبدو أن ما في جعبة الوزير الإماراتي تجاه تركيا لا ينفد، حيث لم يَفُته أن يتعرض في تغريدته لعملية غصن الزيتون، وكأنها تهديد للأمن العربي، حيث دعا إلى "ضرورة العمل على إعادة بناء وترميم مفهوم الأمن القومي العربي على أساس واقعي ومعاصر، فدون ذلك يُهمش العرب وتُصبح أوطانهم مشاعا".

وإذا اجتمع وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد في مؤتمر صحفي ونظيره المصري سامح شكري، فليرتقب الجمهور أن تكون تركيا على المائدة، وقد يكون الأمر مقبولا أن يتهم الأول كلا من إيران وإسرائيل بالتدخل في الشؤون العربية لأنه أمر لا تخطئه عين بصير، لكن أن تضاف تركيا إلى القائمة فذلك يتطلب أن يقدم الوزير البراهين الدامغة عليه.

رسميا، رفضت تركيا هذه الاتهامات على لسان وزارة الخارجية التي أصدرت بيانا أكدت فيه أن "الجميع يدرك العلاقات التاريخية والأخوية التركية مع العالم العربي"، فهي (تركيا) تدرك النوايا الحقيقية وراء مثل هذه التصريحات التي تصب في سياق حملة منظمة لتشويه سمعة تركيا لدى الرأي العام العربي".

نوافق الإماراتيين الرأي أن القوات التركية لم تدخل إلى الأراضي السورية بناء على طلب من حكومة بشار الأسد، لكن يحق لنا أن نسألهم: وماذا عن القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي الأخرى التي دخلت إلى سوريا، هل طرقت الباب أو قدمت طلبا للدخول على الباب العالي لحكومة الأسد الوديع؟!.

الوزير الإماراتي يتحدث عن الأمن القومي العربي ويلمح إلى تهديدات تركية لجعل البلدان العربية مشاعا، هل سبق له أن تحدث عن التدخل الأمريكي في سوريا والسيطرة على الأجزاء الشرقية منها الغنية بالنفط والغاز والثروات المعدنية؟.

وهل خرج يوما على المنابر الإعلامية هامسًا أو مشيرًا إلى القواعد العسكرية والجوية الأمريكية في مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية في شمال وشمال شرق سوريا؟.

وهل تناسى الوزير الإماراتي - الذي يفترض أن يكون ضليعا بالقانون الدولي- المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة؟، ربما يكون من المفيد أن نذكره بذلك النص الذي يعطي لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها، إذ تنص المادة على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة ع

لى أحد أعضاء الأمم المتحدة".

وهل جهل المسؤولون الإماراتيون أم تجاهلوا تأكيدات الرئيس التركي منذ الساعات الأولى لعملية "غصن الزيتون" أن بلاده "ليس لديها الرغبة في البقاء هناك" (في سوريا)، وستنسحب في الوقت المناسب؟.

وهل تصريحات المسؤولين الأتراك، ومن بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المتكررة عن واقع "العلاقات الأخوية التي تربط تركيا بالعالم العربي" تندرج في إطار الأطماع الإقليمية لأنقرة؟.

ومع أول دخول لمقاتلي المعارضة السورية المسلحة بدعم من الجيش التركي إلى مدينة عفرين في 18 مارس/آذار، شن وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد هجوما على تركيا واضعا إياها في صف الدول التي "من المحتمل" أن تقوم باعتداءات على دول عربية، مُساويا بين السلوك الإسرائيلي في اغتصاب الأراضي العربية والتدخل الإيراني في عدد من بلدان المنطقة من جهة؛ ومن جهة أخرى، مُتجاهلا أن الدخول التركي إلى عفرين كان لحماية أمنها القومي وتحرير المنطقة من التنظيمات الإرهابية وعودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم.

الحكومة التركية قد أعلنت تحرير عفرين وكامل المنطقة التي يشكل العرب أكثر من 55% من سكانها، فيما لا يشكل الأكراد أكثر من 35% والباقي هم من التركمان، فيبقى السؤال في مواجهة الوزير الإماراتي: أليست هذه النسب تؤكد على حقيقة أن تركيا لا تواجه الأكراد بصفة خاصة في عفرين، وأنها تستهدف فحسب التنظيمات الإرهابية التي كانت تسيطر على المنطقة منذ سنوات حتى 24 مارس/آذار الماضي؟.

ربما كان الإماراتيون بحاجة إلى إعادة التذكير أن تركيا عضو فعال في حلف الناتو قبل استقلال الإمارات بربع قرن أو يزيد، وأن تركيا عضو في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة للحرب على تنظيم داعش منذ تأسيسه في أغسطس/آب 2014، وتستضيف على أراضيها قاعدة إنجرليك التي تعد من أهم قواعد انطلاق الطائرات المقاتلة لضرب مواقع التنظيم في العراق وسوريا، والإمارات نفسها عضو في هذا التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم داعش.

في حديثه للصحافة القطرية، لخّص النائب ياسين أقطاي في 28 ديسمبر/كانون الأول 2017، واقع ما شهدته المنطقة العربية من صراعات ونزاعات في السنوات القليلة الماضية، حيث بدا جليا أن "للإمارات نصيب من كل قطرة دماء بريئة سُفكت على كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي"؛ موضحا أن دولة الإمارات موّلت الانقلاب المصري وأججت الصراع الليبي وجرّت اليمن لحرب أهلية، كما لعبت أدوارا خفية في معظم المحاولات الانقلابية التي شهدتها دول المنطقة، مثل تركيا والسودان.

بعد كل ما سبق، يُصبح من نافلة القول أن نبحث لكل تلك الأسئلة عن جواب.