نظام الدولة بين المؤسسات واللجان
بقلم/ د.خالد عبدالله علي الجمرة
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 26 يوماً
الثلاثاء 13 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 07:19 م

مأرب برس – خاص

تتعرض مؤسسات الدولة باستثناء الرئيسة منها حالياً لعملية اختزال عميق، ومصادرة واسعة لاختصاصاتها، حين تفتحت مدارك جزء من الحاكم أو بعض منه، إلى إنشاء لجان وطنية تقوم باختصاصات مؤسسات نظامية، يفترض أنها أقوى من أن تهمش... لكن ضعف شخصية مسؤولي هذه المؤسسات، وغرس ثقافة الفساد داخل نفسيات الطاقات الحاكمة، والمهيئة للحكم، سمحت لعملية الاختزال تلك أن تتعمق في توجه الإدارة وتوجيهها إلى قناعة القبول بما يحدث.....

ورغم الوضع السيئ التي تعيشه الكثير من مؤسسات الدولة، إلا أنه يفترض تشخيص تلك الحالات والدفع بها بجدية واضحة نحو إصلاحها، وإزالة العوج الذي أصاب قوامها، ففي حين كان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أداه ناجحة في الإيقاع بتفاصيل التصرفات الفاسدة المتنامية في مفاصل النظام، كانت نيابة الأموال العامة محجمة عن التصرف الصريح تجاه هذه التفاصيل، بفعل بيروقراطية القانون المعقدة من ناحية وبفعل التوجه الكائن والذي مازال كذلك في نفسية البعض اعتقاداً أن ذلك باب ذكي من أبواب السياسة من ناحية إخرى، وهذا للأسف سبب أدى إلى تصاعد دخان صومعة استقرار النجاح الذي هو طريق وحيد للتنمية المنشودة، لتتحرك بعدها موجات الغضب وبأخطاء مماثلة، فتهتز أركان الصبر وتتصادر بقايا التفكير العميق والجاد ليتحول المشهد إلى أشباح لجان تسطو على اختصاصات مؤسسات كانت ناجحة كما أريد لها وصارت فاسدة كما أريد لها أيضاً.....

للأسف لا يمكن التفائل بما ستحققه اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد من نتائج وهذا ليس توقع متسرع، فبتجميع معطيات بسيطة يمكن الجزم بصحة هذا التوجه، فإذا كان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بوظيفته المهنية المجردة من التأثيرات الخارجية افتراضاً، وبتكويناته الضخمة، وميزانيته الأضخم، وكوادره الخبيرة المجربة، وتبعيته المباشرة لرئاسة الجمهورية، وقانونه الخاص، لم يستطع دفع خطوات مكافحة الفساد إلى النتيجة الصحيحة، وإذا كانت نيابة الأموال العامة بهيكليتها المستقلة، وكوادرها المعينة ببصيرة الاهتمام، لم تتمكن من تقديم مفسد واحد من العيار الثقيل لمنصة المحاكمة، إذا كان الفساد قد اخترق الإدارات الداخلية للتفتيش والمراقبة في معظم أجهزة الدولة تقريباً، وعطلها عن أداء دورها بالشكل الذي يلزم، بل وبشهادة رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة صارت هذه الكيانات الإدارية جزء معطل للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وحجة تعلق عليها تبريرات رؤساء أجهزتها والتي تستشهد بما تمنحه هذه التكوينات لها من صكوك براءة وشهادات لنظافة اليد، لهذا كله فإنه كان الأحرى البحث عن أسباب عجز هذه الجهات عن القضاء على الفساد، ولو تم ذلك فعلاً بإرادة مسلمة بصدق وبحجة الوطن والوطنية، فإن الأمر لم يكن ليحتاج ماهو الحاصل الآن من إنشاء لجنة وطنية عليا لمكافحة الفساد، وإنفاق أموال لإتشائها مع توظيف ميزانية ضخمة لتشغيلها كانت المشاريع التنموية أحق بها، فالأمر لايعدوا أكثر منه وسيلة وبهرجة إعلانية لتلميع صور التوجهات الجديدة، وهو حال ثبت فشلة في تجارب سابقة.

وبتتبع نصوص قانون إنشاء اللجنة المحددة لتكويناتها، وتعيين أعضائها، وتحديد اختصاصاتها، ومنحها اختصاصات قضائية بشكل متوسع، نجد أن معظم مقاصد هذه الاختصاصات هي وقائية لايحتاج بذل عناء وافر للتحايل عليها، وبعيداً عن النصوص وجدنا كيف استعصت عملية تعيين أعضائها، وكيف انتهت!! هذا بالطبع مع التسليم بإن كوكبة رائعة من أعضائها وعلى رأسهم رئيسها مشهود لهم بنظافة اليد في الأعمال التي تقلدوها على طول مدت بعضهم فيها، وهذا بحد ذاته يفتح باب للتفاؤل.... حتى لا نتوسع في الأخذ بمقاليد التشاؤم، لذلك يمكن القول أنه إذا ماصدقت النوايا، وتوافرت لدى القيادة العليا للدولة في تمكين هذه اللجنة من هذه الاختصاصات وبالشكل المبين في قانون إنشاؤها، فإن اللجنة مبشرة بنجاح باهر، وهو ذات النجاح الذي كان سيحققه أي جهاز من أجهزة الدولة لو توافر له ماتوافر لهذه اللجنة...

إذاً فإن دائرة النجاح لهذه المهمة تبدأ من نية الرئيس، وأركان النظام الأساسيين، وتنتهي عند رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، في تسلسل مشروط لايمكن القفز عليه، وليس من الحكمة ولا المصلحة للحاكم والمحكوم أن تفشل هذه اللجنة في تحقيق مهمتها وهي القضاء على الفساد سلوكاً وممارسة، فمرد نتيجة ذلك لو حدث سيؤول بنا جميعاً للأسف إلى مضاعفة جرعات اليأس، وعدم التصديق، مما سيزيد من الفوة الموجودة بين الحاكم والمحكوم وسيعدم الثقة بينهما، وسيزداد الحال سؤاً عما هو عليه الآن.....

وكذلك الوضع بشأن اللجنة الوطنية لتقييم الظواهر الاجتماعية السلبية فمهمتها الأساسية من خلال قرار إنشائها، هو رصد التصرفات السلبية الناتجة عن الأشخاص والجماعات باختلاف تأطيراتها وتوجهاتها التي تهدد الوحدة الوطنية، وهذا الأمر كان يمكن لمجلس الشورى القيام به، باعتباره جهاز استشاري أصالة يقدم النصيحة والرأي غير الملزمين لرئيس الجمهورية، كما أن الجهاز المركزي للإحصاء، وكذا المركز الوطني للمعلومات، هي الأخرى تستطيع أن تشارك بإيجابية في هذا الجانب ضمن إطار اختصاصاتها دون الحاجة لتعديل قوانين أو قرارات إنشائها، إن تغييب مهام مؤسسات الدولة في اختصاصات لجان مؤقتة، ركيزتها الأساسية وعمودها الأساس الأشخاص، سيلقي متاعب مستقبلية على هذا البلد، وسيزيد من أعباء أي حزم أصلاحية مستقبلاً يراد القيام بها، وسيعقد الوضع السيئ الحالي إلى الأسواء، والأخطر من كل ذلك سيصنع فجوة ثقافية في مفهوم نظامية الدولة وأجهزتها لدى أفكار الأجيال القادمة، مما سيرمي بظلاله على قرارات إدارة الدولة، وهو آمر إن حصل سيكون له نتيجة سيئة جداً، حيث سينتج لنا وفقاً لذلك جيل من القادة تشكل الضبابية في اتخاذ القرار وإنعدامية الفهم الإداري، جزء كبير من وقود فكرهم القيادي....

إن سياسة استحداث اللجان المؤقتة وتقليدها مهام مؤسسات الدولة، سيعرض النظام ككل للإنهيار، ولهذا على أصحاب القرار مراعاة مثل هذا الأمر مستقبلاً، ولا غرابة لو بقينا على هذا النهج، أن نجد أن مؤسسات الدولة كلها أفرغت من محتوياتها، وتكونات لجان قضائية وتشريعية وأمنية، وحربية، ورياضية، واقتصادية لإدارة مرافق البلاد والله من وراء القصد.

  khaledalj@hotmail.com