أغنياء استفادوا من فوز ترامب بالرئاسة مصدر مقيم في واشنطن : وزارة الدفاع الأمريكية أكملت استعداداتها لشن ضربة عسكرية واسعة تستهدف المليشيات في 4 محافظات هل يقلب ترامب الموازين على صقور تل أبيب .. نتنياهو بين الخوف من ترامب والاستبشار بقدومه تطورات مزعجة للحوثيين.. ماذا حدث في معسكراتهم بـ صنعاء ؟ دولة عربية تفرض الحجاب على جميع النساء اعتباراً من الأسبوع المقبل السعودية تعتزم إطلاق مشروع للذكاء الاصطناعي بدعم يصل إلى 100 مليار دولار سعيا لمنافسة دولة خليجية الفائزون في الدوري السعودي ضمن الجولة العاشرة من الدوري السعودي للمحترفين المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر يكشف عن توقعات الأمطار والأجواء الباردة في اليمن مظاهرات في مارب وتعز تندد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي وتدعو الضمير العالمي إلى وقفة شجاعة مع غزة تحركات يمنية لإنقاذ الاقتصاد الوطني وتكليف بوضع خطة التعافي
مأرب برس ـ خاص ـ دمشق ـ اسكندر شاهر
بالأمس أدى اليمين الدستورية التاريخية الرئيس الموريتاني الديمقراطي المنتخب ولد الشيخ عبد الله بغياب الفيلة العرب الصغار الذين تجاهلوا هذا الحدث النوعي الذي يشكل بالنسبة لهم (فال شر) و"زجرُ طير بنحس تمرّ بهم" ، ولكن اليمين التاريخية التي توجت العملية الديمقراطية الموريتانية السلمية النزيهة كانت بحضور ، فال الخير الكبير ، الزعيم العربي الصحراوي الأبي (الوفي) العقيد علي ولد محمد فال ، الذي قرر أن يدخل التاريخ من أوسع الأبواب ، وأن يضع بلاده "صحراء الملثمين" كما كانت تدعى في التاريخ على عتبة عصر
جديد ، من المرجح أنه سيضع موريتانيا "القصيّة" في واجهة مميزة ، فتحظى بشأن بعد عزلة لطالما رزحت تحت وطأتها منذ عهد "المر
ابطين" الذي كان للموريتانيين فيه شأن عظيم ما لبثت أن عاشت بلادهم بعده شبه عزلة أيام "الموحدين" و"المرينيين" و"السعديين" لتفرض عليها عزلة تامة عن المغرب في عهد الدولة "العلوية".
وبالرغم من التاريخ المتشظي الذي عانت منه هذه الصحراء الملثمة ، الذي لم يمكّنها من إثبات الكينونة المستقلة والمستقرة إلا في وقت متأخر إلا أن شعب "شنقيط" العلم والإيمان يثبت على الدوام بأنه شعب خلاق وفاعل ومتجاوز لعصره ، كما أن هذا الحس الديمقراطي وهذه الممارسة الحيوية لهذا الفعل العصري له مرجعية تاريخية في موريتانيا وخلفية نفسية لدى الشعب الموريتاني ، فبعد نضال الموريتانيين الطويل ضد الاستعمار من أجل حرية بلادهم واستقلالها ، طالب الموريتانيون بعد الحرب العالمية الثانية 1945م بالإصلاح وسعوا سعيهم نحو تأكيد الذاتية الوطنية ونيل الاستقلال من الاستعمار الفرنسي ، وتحت الضغط الشعبي أذعنت فرنسا ومنحت موريتانيا حق الانتخابات سنة 1946م ، وجرت انتخابات في العام نفسه ، وفاز فيها المواطن الموريتاني "حرمه بن بابانا" على المرشح الفرنسي "المسيو رازال" بأغلبية 4000 صوت ، وظل بابانا ممثلاً لبلاده في المجلس الفرنسي طيلة خمس سنوات .
وأفرزت هذه الانتخابات حراكاً سياسياً نوعياً تمخض عنه تشكيل حزبين أساسيين ، لتتشكل بعدهما أحزاباً في العام1957م ، أنتجت ائتلافاً في العام التالي يضم الأحزاب الوطنية الموريتانية ، وتوحد الحزبان الأساسيان في حزب واحد سمي "حزب التجمع الموريتاني " لتبدأ بعد ذلك مرحلة الاستقلال الوطني ، وليختار الشعب الموريتاني تقرير مصيره بإنهاء عهد الوصاية المطلقة من خلال استفتاء شعبي جرى في أيلول /سبتمبر 1958م ، ليتحقق للموريتانيين الاستقلال التام بعد ذلك في تشرين الثاني/نوفمبر1960م ، ولتمتاز جمهورية موريتانيا الإسلامية بالاستقلال الكلي والتام في 28 أكتوبر 1961م ، بالرغم من المحاولات المغربية الدؤوبة لمنع استقلالها.
و كمثيلاتها من الدول العربية رزحت موريتانيا تحت وطأة الأنظمة الشمولية والسلطات العسكرية المتعاقبة ، إلى أن منّ الله عليها بفال الخير العقيد علي ولد محمد فال ، حيث حوّل مسارها الكهنوتي إلى آفاق الحرية والمدنية والتغيير السلمي الذي لم تبد أمريكا والغرب أي اهتماماً به ، ولم نسمع مديحاً وإشادات لأنه كسر القاعدة وسبق الزمن ولم ينتظر رعاة البقر ومارينزهم الغاصب للأرض والعرض بقوة السلاح وبحجة الصلاح .
العقيد فال الكبير الذي حضر قمة (العربان) الفيلة الصغار في (قمقم) الرياض الأخير شامخاً غير آبه لاهتماماتهم المنحطة وحواراتهم البيزنطية وأسطواناتهم المشروخة .. حضر رافع الهامة آمناً مستقراً وحضروا كعادتهم وجلين قلقين ، وحال واحدهم عينُ على قمقم فارغ في الرياض ، وعينُ على كرسي يترنح في "البلاد" .
وليت زعيمنا الرئيس المشير علي عبد الله صالح الذي تفرد بترحيبه اللافت للعقيد فال في (قممقم) الرياض بقوله: " أهلا وسهلا بالولد الذي وفى " والذي أحرج شعبنا الأبي بخروج سافر عن النص وتقبيل الملك السعودي بتلك الطريقة المهينة والتي مهما تكن خلفياتها تبقى غير مبررة شكلاً ومضموناً ليته بدلاً عن ذلك قد وفـى هو أولاً بوعده ووعوده ، وترك شعبنا المقهور يختار له زعيماً ينقذه من مستنقع (حمران العيون) .. وليته أنقذ تاريخه كشريك في صناعة الوحدة علّ وفاءه بوعده الأخير بالتنحي كان قد مسح من على يديه بعض ما تلطخت به من دماء حروب متوالية لطالما اعترف بها "بأصغريه" ، بقلبه يعرفها ، وبلسانه صرّح بها لمن يعرف ولمن لا يعرف ، تاريخه الذي يشهد بسبب عدم وفائه لوعوده وتشبثه بالسلطة أسوأ نهاية .. فصولها تتوالى ، وكل يوم يكشف عن فصل جديد أسوأ من سابقه .. وما أحوج تـاريخ كهذا إلى وعد "وفي" وفعل حكيم وقرار صائب يختم به فيُحسن الختام .
وحال الفيلة الصغار الآخرون ليست بأحسن من حال صاحبنا ، ولكن صاحبنا اعتمد "الوعود" تكتيكاً ، فأفقدنا المصداقية والوفاء ، أمام شعوب العالم ، فلم نعد نلق قبولاً وأصبح صدقنا وكذبنا سواء .
فلا سبيل أمامنا وإياه ، إلا أن نتغنى بـ"الولد الذي وفى" ، وإذا كان أحدنا قد نسي الشخصية العربية الأصيلة وافتقدها مع طول عهد العربان وأشباه العربان فهاهو فال ، يذكرنا بها ويقول لنا أن الجزيرة العربية التي عقمت نساؤها كل هذا الزمن أن يلدن عربياً أصيلاً ، هاهي قد نفثت عربياً موغل في الأصول الحميرية ولا يضيره عرق بربري أو زنجي بوتقته صحراء تزدان بعنفوانها وبقامات باسقة وجباه سمر وشفاه تخلط رمل أقصى المغرب ، بلغة الملك الضلّيل أمريء القيس .
ولا غرابة .. أن يمر حدث عظيم كحدث البارحة ، حدث صنعه فال الكبير وسط تجاهل سياسي وإعلامي عربي ودولي رهيب ، فما عسى الفيلة الصغار أن تقول أو تفعل وخراطيمها (القصيرة!) تسبح في الأوحال النتنة ، وأذيالها (الطويلة!) تلّـوح لـ "سوداء الدمامة" .
"فال" الكبير الذي وعد فأوفى ، في زمن الوعود الخرقاء ، وعود كوعود "صالح" بعدم الترشح ، وكوعود حكوماته المتعاقبة بالإصلاح المالي والإداري واجتثاث الفساد ، وعود كوعود العرب بالتحرير والانتصار والكرامة ، وعود كوعود إسرائيل بالسلام ، وعود كوعود الأمريكان بالحرية والديمقراطية.
يستحق "الولد الذي وفى" أن يخلده التاريخ وان يشيد له الموريتانيون تمثالاً – وهو لا يزال حياً يرزق- ولكن تمثالاً للحياة ، وليس لانتظار السقوط المريع بدبابة عسكري آخر أقل قناعة وأكثر بلادة ، أو بأسطول يهرع أشراً بطراً من ماوراء المحيطات .
وهي مناسبة أيضاً لتوجيه تحية لكل زعيم عربي مات أو لا يزال على قيد الحياة ، وقرر أن يعيش بعيداً عن كرسي السلطة ، دون أن يكون خروجه قسرياً وسبباً في احتلال بلاده ودماره وتفتيته وانتهاك حقوق شعبه . ولا نزال بانتظار قناعة حقيقية يلهم الله بها "الفيلة الصغار" كقناعة فال الكبير ، بأن السلطة ليست نهاية الحياة ، وأن المنزل البسيط الذي كان بانتظار فال الكبير الخارج من القصر الرئاسي وحدائقه الغنـّاء اليوم أشرف من قصور كرتونية وقلاع متآكلة تتهشم وتحترق كل لحظة ، وتخطّ نهايتها بالرماد .
* باحث وكاتب صحافي من اليمن