الصمود الحوثي الذي أخر الحسم
بقلم/ عادل امين
نشر منذ: 16 سنة و 5 أشهر و 13 يوماً
الأربعاء 04 يونيو-حزيران 2008 07:20 م

مأرب برس - خاص

* حرب صعده الخامسة.. دور سعودي ورضا أمريكي وصمود حوثي يؤخر الحسم 

الوضع الميداني في حرب صعده الخامسة وبعض المناطق الأخرى - كما هي العادة في كل الحروب السابقة – ملخصه تقدم كبير لقوات الجيش وتحذير نهائي لفلول الحوثي بتسليم أنفسهم لأقرب قسم شرطة كخيار وحيد قبل فوات الأوان , الحسم بات قريباً – بحسب الإعلام الرسمي – ولم يتبق سوى بضع جيوب يجري الإعداد لتصفيتها والانتهاء منها لإعلان نهاية حركة التمرد بشكل نهائي , أما القائد الميداني لهذه الجماعة المسلحة عبد الملك الحوثي فقد لقي حتفه وانتقلت القيادة لأخيه محمد بدر الدين, أضف الى ذلك فإن هنالك توقعات – وفق بعض المصادر- بقيام تحالف بين الحوثيين وتنظيم القاعدة لمواجهة السلطات لاسيما وأنهم صاروا جميعاً يميلون إلى تكفير النظام القائم واعتباره عميلاً لقوى خارجية, في المقابل يؤكد قادة التمرد الحوثي في الداخل والخارج تقدم جماعتهم واستيلائهم على مواقع جديدة وإلحاقهم خسائر كبيرة بالقوات المسلحة وتوجيه ضربات شديدة لها , وسقوط عدد من الضباط وقادة الكتائب العسكرية في المعارك , ووقوع الكثير من الجند أسرى بأيديهم , ويذهب ممثل الحوثيين في اتفاق الدوحة إلى التأكيد على سقوط لواء المجد القريب من مدينة ضحيان – شمال صعده - بدباباته وآلياته بيد جماعة الحوثي , وأن السلطة حاولت استعادة سيطرتها على هذا اللواء بإرسال وحدات عسكرية جديدة إلاّ أنها فشلت, كما لاينسى الحوثيون أن يُشيروا من جهتهم الى مشاركة قوات من الكوماندوز الأمريكي في الحرب الى جانب القوات الحكومية .

 حرب إعلامية مستعرة بين الفريقين يديرها الجهاز الإعلامي لكليهما كجزء من المعركة العسكرية التي بات الإعلام أحد أهم أسلحتها, فيما الحقيقة ما تزال ضائعة تحت وهج نيران المدافع وغبار المعارك الشرسة بين الجانبين المتناحرين .

هل الحسم ممكن؟

ثمة بعض المؤشرات التي توحي بجدية قرار الحسم من قبل السلطات, أولها دخول قوات الجيش النظامية التي لم تشارك من قبل في المعارك الى جبهات القتال كالحرس الجمهوري والقوات الخاصة, وتعزيز الجبهة بمزيد من الأسلحة الثقيلة والمتطورة,الى جانب انتهاج الجيش لأسلوب حرق المواقع التي يتحصن بها الحوثيون ومحوها, وكذا قصف القرى التي يتمترسون بها بعنف بعد إنذار السكان بإخلائها, وهو ما أدى الى تزايد أعداد النازحين من قراهم ويوشك أن يؤدي الى تفجر مشكلة سكانية في المناطق المتضررة قد تزيد الأمور تعقيداً وتحول دون تحقق هدف الحسم, وربما تقود إلى تدويل مشكلة صعده في شقها الإنساني .

 المؤشر الأخر والمهم في قضية الحسم العسكري هو إعلان المملكة السعودية دعمها ووقوفها إلى جانب الحكومة اليمنية وقواتها المسلحة , فقد أكدت السعودية بوضوح هذه المرة أنها لن تدخر جهودها لدعم الجمهورية اليمنية وقواتها المسلحة, في إشارة صريحة منها لدعم المجهود الحربي لقوات الجيش وأنها لن تتخلى عن جارتها في موقف عصيب كهذا يستدعي حشد كل الطاقات لإخراج البلاد من محنتها بما يحول دون انهيار النظام تحت ضربات الحوثيين التي لم تعد محصورة في صعده وحدها بل إنها أضحت تدق أبواب العاصمة صنعاء في حين مازال الحوثي يهدد بنقلها إلى مناطق أكثر حساسية, وقد سارع الحوثيون إلى تحذير المملكة من مغبة التدخل في هذا الصراع وهددوها بسوء العاقبة, وهو ما يعني احتمالات نقلهم الحرب مع السلطة إلى مناطق التماس مع السعودية أو أبعد من ذلك , وتجدر الإشارة هنا إلى أن الموقف السعودي المؤيد للحسم العسكري يمكن النظر إليه على انه تعبير صريح عن مدى الرضا الأمريكي وتأييده لفكرة الحسم , وبالأخص إذا أخذنا في الاعتبار هذا الصمت الذي تبديه الإدارة الأمريكية تجاه الأحداث, لكن وبصرف النظر عن جدية السلطة أو عدم جديتها في المضي بموضوع الحسم العسكري إلى نهايته فإن إحتمالات الحسم ونجاح الحكومة في إخماد التمرد وإنهاء ظاهرة الحوثية في اليمن تبدوا ضئيلة للغاية على الرغم من توقع نجاحها في تحجيم هذه الجماعة وتقليص نفوذها وإعاقة تمددها, صحيح أن السلطة تستطيع محاصرة الحوثية والتضييق عليها وتحجيمها وتقليل مخاطرها إلى حين لكن لا يمكنها بحال أن تمحوها من الوجود وتشطبها من الواقع اليمني فقد صارت هذه الجماعة اكبر من مجرد حركة تمرد , إنها اليوم وبفعل الحروب التي خاضتها والدماء التي بذلتها تضع نفسها في قائمة حركات الجهاد والكفاح والتحرير, وبالتالي فهي تقدم نفسها بديلاً للسلطة التي تفتقر- من وجهة نظرها- للمشروعية الدينية التي أرست حكم الأئمة في اليمن لأكثر من ألف عام , إن الصراع الدائر اليوم في صعده هو صراع على السلطة وتنافس على كرسي الحكم ومحاولة لفرض شريك بالقوة , هذا الشريك يبحث عن دور مستقبلي ويريد تقاسم السلطة , ويرى في نفسه أكثر أهلية من غيرة لحكم البلاد , وعلى هذا الأساس فإن الدماء التي يبذلها الحوثيون تزيدهم إصرارا وتشبثاً بما يعتقدونه حقاً مشروعاً لهم اُغتصب منهم ولابد لهم من استرجاعه مهما كانت التضحيات, وهذا مايفسر قول احد قادتهم بأنهم باتوا مستعدين لخوض الحرب مع السلطة لأجيال قادمة! فمن أجل ماذا ستقاتل أجيالهم القادمة؟!

ثمة سبب آخر يدعونا إلى استبعاد فرضية الحسم مع الحوثيين وهو ذلك الصراع الخفي الدائر بين أركان السلطة وخاصة في قيادة القوات المسلحة, صراع على من يكون له الفضل وقصب السبق في إحراز النصر المنشود وإنها فتنة التمرد أو على الأقل إخمادها إلى حين, ومن ثم يكون من حقه بعد ذلك تحصيل استحقاقات الحرب وجني مكاسبها بتجذير سلطته وتكريس هيمنته وتوسيع نفوذه وفرض إرادته على شكل النظام القادم , انه نوع آخر من الصراع على السلطة والنفوذ يدور داخل أروقة السلطة ذاتها وفي كواليسها, وهذا أحد العوائق التي تحول دون الوصول إلى حسم سريع لحرب صعده وتؤخر من مسألة الانتهاء من هذه المشكلة بل وتجعل منها إحدى أوراق اللعبة السياسية بين مراكز القوى المتنفذة والمتصارعة على كرسي الحكم .

وإذا أضفنا إلى ذلك كله قوة الحوثيين التي تنامت بشكل كبير في الآونة الأخيرة, وتواجدهم القوي في أغلب مفاصل الدولة وأجهزتها المدنية والعسكرية, بالإضافة إلى حالة السخط والتبرم الشعبي لدى معظم قبائل صعده تجاه السلطة وطريقتها في إدارة معاركها مع الحوثيين التي غالباً ما تدفع تلك القبائل ثمنها الباهظ من أمنها ومستقبلها ومستقبل أبنائها فإن احتمالات حسم المعركة لصالح السلطة تغدوا بعيدة المنال, وفي البعد الإقليمي فإن الامتدادات الخارجية لحركة الحوثي والعلاقات الوثيقة التي صارت تربطها بأطراف شيعية رسمية وغير رسمية في أكثر من بلد في المحيط الإقليمي تزيد من تعقيد الأمر وتُصعّب من فكرة استئصال هذه الحركة.

 الدور الإقليمي

اشتعال الحرب مجدداً بين الحكومة والحوثيين هو بمثابة إعلان سقوط اتفاق الدوحة وفشل الوساطة القطرية التي يبدوا أنها لم تنجح في ملئ الفراغ الذي خلفه السعوديون, وقد أثبتت التجارب والأحداث أن السعوديين هم اللاعب الإقليمي الأكثر فاعلية وتأثير على الساحة اليمنية بحكم عوامل عديدة منها على وجه الخصوص عاملا التاريخ والجغرافيا اللذان ارتبطت بهما السعودية مع اليمن, وربما يكون من حسن حظ السعوديين فشل الوساطة القطرية الذي سيعيد لهم دورهم المسروق منهم والذي لا يستطيع أحد غيرهم أن يؤديه نيابة عنهم , وعلى هذا الأساس يبدوا أن السعودية قررت أن ترمي بثقلها السياسي والعسكري مرة أخرى على الساحة اليمنية لتحمي نفسها من الخطر المتربص بها عند حدودها الجنوبية , فالجدار العازل(الجدار السلفي ) الذي حاولت بنائه في صعده منذ ما يقرب الثلاثة عقود ومولته بكل الإمكانيات للحيلولة دون اختراق حدودها من قبل المخالفين والمناوئين فكرياً وسياسياً انهار بفعل نهوض حركة الحوثيين الفكرية والعسكرية, واتضح بصورة جلية مدى هشاشة ذلك البناء الذي عولت عليه في صد مثل هذا الفكر الذي بات يتهددها في العمق, وأمام توسع هذا الفكر والتيار المناهض والمعادي لما يسمى بالوهابية واحتمالات استخدامه كقنطرة عبور لأطراف إقليمية تحاول مزاحمة المملكة ومنافستها دورها القيادي (الروحي والسياسي) في المنطقة والإضرار بمصالحها المتشعبة كان لابد من اتخاذ قرار حاسم بوقف تمدد هذا الخطر وتحجيمه وإزالته إن أمكن .

لا ترغب السعودية في رؤية حزب الله آخر في شمال اليمن سيعد بمثابة مخلب شيعي على حدودها الجنوبية , فتجربة حزب الله اللبناني لا تشجع على استنساخ المزيد منه , وبالنظر إلى أوضاع اليمن غير المستقرة وبروز بعض دعوات انفصالية ومذهبية هنا وهناك تزداد مخاوف المملكة من قيام دويلة شيعية في هذا الجزء الحساس المتاخم لها والذي سيعرض أمنها وتركيبتها الجغرافية والسكانية لمخاطر محدقة , كما سيؤدي ذلك أيضاً إلى إضعافها سياسياً في مواجهة المطامع الإيرانية في المنطقة وفي الخليج تحديداً, لهذه الأسباب تجد السعودية نفسها مضطرة للوقوف إلى جانب السلطات اليمنية لمواجهة الخطر المشترك , وبالتأكيد فإن الموقف السعودي ينسجم مع التوجهات الغربية فيما يتصل بمسألة مواجهة الخطر الشيعي ومحاصرته .

وفي ظل هذه الأوضاع المتأزمة ومع استمرار فشل السلطة في الخروج من مأزق صعده يبدوا أن الدور القادم ستلعبه المعارضة في محاولة الخروج من هذا المأزق والبحث عن حلول تحقن دماء اليمنيين , والحقيقة أن السلطة ترغب في مساع من هذا القبيل لكنها لا تريد أن يُنسب للمعارضة فضل إنهاء المشكلة لدواعي متعلقة بالتنافس السياسي بينها والمعارضة, وسيكون هذا الخيار (خيار المعارضة) هو آخر ماتلجأ إليه السلطة وذلك في حال فشل خيار الحسم العسكري أو سقطت مواقعها المهمة بيد الحوثيين.

• مدير تحرير صحيفة (العاصمة)

adelameen@mktoob.com

الحاج معروف الوصابيمن يشتري لسان أحمد الحبيشي ..؟
الحاج معروف الوصابي
مشاهدة المزيد