|
مذهل عندما نتذكر الثورات التي تعاقبت في اليمن شماله وجنوبه منذ ما يقرب من نصف قرن وآخرها ثورة الشباب الشعبية السلمية ، كل تلك الثورات غايتها واحدة وهي تلبية مطالب الشعب في مكافحة الفساد بصوره السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، ولكن النتيجة للثورات السابقة سبتمبر وأكتوبر والحركات التصحيحية التالية لها بما فيها الوحدة اليمنية لم تحقق طموحات الشعب اليمني شماله وجنوبه وشرقه وغربه.
وفي بداية2011م خرج الشعب اليمني بمختلف أطيافه في مسيرات تقدر على مستوى الوطن بالملايين لهدف رئيسي واحد عام هو رفض الفساد ويشارك في تلك الغاية حتى أعضاء الحزب الحاكم آنذاك المؤتمر الشعبي العام لذا كنا نسمعهم يشكون الفساد ويقولون نحن مع التغيير ولكن كيف؟؟؟ وبعد مرور عامين على انطلاق ثورة التغيير تتبادر إلى أذهاننا أسئلة عديد حول نتائج تلك الثورة العارمة التي أخرجت الرئيس السابق وبعض أفراد عائلته من السلطة وأبقت على شبكة الفساد تحكم قبضتها على مفاصل الإدارة الحكومية ، وكأن المشكلة كانت على عبد الله صالح وعائلته فقط.
في كل مرة يثور الشعب اليمني ويخرج بعد ثورته يقلب كفيه يضربها أخماس في أسداس لماذا ثرنا ولماذا ضحينا ، فإن ثرنا ضد حكم العائلة جاءتنا عوائل وإن ثرنا ضد الفساد زدنا فساداً وإن ثرنا ضد المناطقية والتقسيم زدنا تقسيماً ، تلك الأسئلة المحيرة يكتشفها المتابع بذهول من خلال تطورات المشهد السياسي لأحدث ثورة شعبية هي ثورة 2011م.
البداية خروج الشباب رفضاً للفساد ، تصاعد الأمر إلى المطالبة بإسقاط السلطة ، خرجت المسيرات وسقط المئات من الشهداء والجرحى والمعتقلين...إلخ ، تبدأ الماكينة السياسية الداخلية والخارجية في السيطرة على مجريات الأوضاع وتوجيه دفتها إلى حيث ترسم لها...تحول الخطاب من إسقاط الفساد إلى إسقاط الأشخاص وتجاوب المهندسون السياسيون مع هذا المطلب وبرزت المبادرة الخليجية في جولاتها الماراثونية ومهندسها الأول عبد اللطيف الزياني الذي تمكن من توجيه مسار المشهد السياسي في اتجاه القضية الشخصية التي تهم القادة السياسيين قبل الشعب ، ووقعت المبادرة الخليجية التي تشمل مراحل نظرية لم تطبق غالبيتها حتى الآن .
على المستوى الدولي جاء مهندس السياسة الدولية جمال بن عمر الذي واصل مشوار الزياني مستخدما العصى الغليظة لمجلس الأمن ، وكما هو الحال بالنسبة للزياني استبعدت قضية الفساد وإن أشير إليها ضمنياً في قرارات وتوصيات مجلس الأمن ، واستمرت الهندسة السياسية في التعامل المباشر مع مراكز القوى السياسية شمالاً وجنوباً وفعلاً تمكنت من جمع غالبية القوى المتصارعة في قاعة واحدة بفندق موفمبيك وبدأت جلسات الحوار وأسهب كل شخص من المشاركين الذين يمثلون مراكز القوى بقول ما يريده دون حواجز وممنوعات ثم شكلت لجان الحوار...إلخ.
أخيراً لقد نجحت الهندسة السياسية في سحب الأيادي من الزناد مؤقتاً ولكنها فشلت في إشراك الشعب في طرح قضاياه الملحة وفي مقدمتها الفساد بمختلف أشكاله وصوره ، ونعتقد بشكل يقيني أن كبح جماح الثورة بخطة هندسية تستجيب لمراكز القوى وتتجاهل حق الشعب في العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد لن يكتب لها النجاح على المدى المتوسط والبعيد ، لأن تلك مسكنات ستدفع بالمواطن البسيط المنهك بقيود الفساد والمحسوبية إلى دورة جديدة من المواجهة والعنف مع رموز السلطة بما فيهم المحسوبون على الثورة ، لذا يمكننا القول أن فريق الهندسة السياسية من القادة السياسيين في الداخل والقوى الخارجية إقليميا ودولياً ، نجحت في نزع فتيل الأزمة ولكنها فشلت في تفكيكها لذا فمخاطر الفشل تكمن في بقاء الفساد بأدواته الممتدة أفقياً ورأسياً ، أما الأشخاص فسنة الله في الخلق تقضي بزوالهم مهما تعمروا والتاريخ خير شاهد ، بينما الفساد مرض اجتماعي تتوارثه الأجيال ومن الصعب إزالته إلا بفريق هندسي وطني ماهر يشمل السياسي والجغرافي والاقتصادي والأديب والفيلسوف ويشمل الريفي والحضري وغيرهم بحيث تكون الشراكة الوطنية الواسعة في رسم المستقبل وتنفيذه هي الطريقة الأسلم للنجاح.
في الثلاثاء 09 إبريل-نيسان 2013 05:24:12 م