مليشيات الحوثي تختطف مواطناً من جنوب اليمن للضغط على شقيقه عاجل .. دعم سعودي لحكومة بن مبارك ووديعة بنكية جديدة كأس الخليج: تأهل عمان والكويت ومغادرة الإمارات وقطر دراسة حديثة تكشف لماذا تهاجم الإنفلونزا الرجال وتكون أقل حدة نحو النساء؟ تعرف على أبرز ثلاث مواجهات نارية في كرة القدم تختتم عام 2024 محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي .. قائمة بأشهر هدافي الدوري الإنجليزي مقتل إعلامية لبنانية شهيرة قبيل طلاقها قرار بإقالة قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت.. من هو القائد الجديد؟ دولة عربية يختفي الدولار من أسواقها السوداء تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
مأرب برس - علاء بيومي
يسعى هذا المقال إلى البرهنة على حجة تنادي بأنه رغم التأييد الذي تتمتع به إسرائيل في أوساط النخب الأميركية الحاكمة فإن صورتها لدى الرأي العام الأميركي تعاني سلبيا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 على الأقل.
فقد مرت صورة إسرائيل في عيون الأميركيين منذ ذلك الحين بأكثر من أزمة واضحة، أولاهما في أعقاب الأحداث الإرهابية، وثانيتهما في أعقاب فشل التدخل الأميركي في العراق.
كما يرصد عدد من العوامل المساعدة على استمرار تدهور صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي خلال الفترة الحالية، وعلى رأس تلك العوامل الأخطاء الدبلوماسية التي وقعت فيها إسرائيل في حربها على لبنان، وصعود وسائل الإعلام البديلة وعلى رأسها الإنترنت، وانتشار الأصوات المتعاطفة مع المسلمين والعرب في أوساط شعبية أميركية معينة، واستمرار تدهور الأوضاع في العراق بصفة خاصة وتخبط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بصفة عامة.
وهي عوامل تشكل إضعافا مستمرا لصورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي، كما أنها قد تقود إلى إدخال صورة إسرائيل أزمات جديدة عميقة في أوساط الأميركيين.
الأزمة الأولى: النقد المتزايد لإسرائيل
تقرير "لوبي إسرائيل" الصادر في مارس/ آذار 2006 من تأليف اثنين من أكبر أساتذة العلوم السياسية بأميركا وهما ستيفين والت وجون ميرشماير تحدث -في بعض أجزائه- عن تحديات ضخمة واجهها لوبي إسرائيل من قبل الجامعات الأميركية بعد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
ويقول التقرير إن لوبي إسرائيل وجد صعوبة في التعامل مع النقد المتزايد لإسرائيل بالجامعات الأميركية مما دفعه لإطلاق عدد من المبادرات الجديدة للتعامل مع الأزمة.
حيث أنشأ بعض الأكاديميين الموالين لإسرائيل منظمة لمراقبة الحرم الجامعي تشجع طلاب الجامعات على كتابة تقارير ضد أساتذتهم الناقدين لإسرائيل، كما سعى آخرون للضغط على الكونغرس لمنع الدعم عن الجامعات التي ينتشر بها نقد إسرائيل.
التحديات السابقة يمكن النظر إليها كجزء من أزمة أكبر مرت بها صورة إسرائيل في أميركا بعد 11/9 وارتبطت بسعي الأميركيين لفهم الأسباب التي قادت إليها، حيث انقسم الأميركيون إلى فئتين رئيسيتين: أولاهما رأت أن السياسة الخارجية الأميركية خاصة تجاه الشرق الأوسط هي السبب، أما الفئة الثانية فرأت أن الإرهابيين يكرهون أميركا بسبب قيمها.
وبمرور الوقت ونظرا لنفوذ المحافظين الجدد داخل الإدارة الأميركية وفي أوساط الإعلام الأميركي انتصرت الفئة الثانية على الأولى، ولكن ذلك لم يمنع الأميركيين من إعادة التفكير في طبيعة سياسات بلدهم تجاه الشرق الأوسط ودورها في تأجيج العداء الدولي لأميركا، ساعد على ذلك التدهور الذي شهدته عملية السلام عامي 2001 و2002.
لذا كشفت بعض وسائل الإعلام اليهودية الأميركية خلال عامي 2002 و2003 عن شعور بعض قادة أكبر المنظمات المساندة لإسرائيل بأميركا، بأن صورة إسرائيل في عيون الأميركيين تمر بأزمة.
فعلى سبيل المثال نشرت وكالة جيوش تلغراف يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2003 مقالا تحدث عن انتشار شعور بأن "إسرائيل تخسر معركة التأثير على عقول وقلوب الأميركيين" في دوائر المنظمات المساندة لإسرائيل والتي شرعت منذ عام ونصف العام في تنفيذ حملة علاقات عامة واسعة لمواجهة تدهور صورة إسرائيل في أوساط الرأي العام الأميركي.
وذكر التقرير أن إسرائيل التي نجحت في الحفاظ على النخب السياسية الأميركية الحاكمة لسياساتها باتت تواجه مشكلة في التواصل مع الشعب الأميركي.
كما أشار إلى استطلاع لتوجهات الأميركيين أجرته منظمة تدعى "مشروع إسرائيل" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 وجد أن نسبة الأميركيين الراغبين في أن تقف أميركا موقفا محايدا تجاه صراع الشرق الأوسط وصلت إلى 62% مقارنة مع 43% منتصف عام 2002.
كما كشف التقرير -وتقارير أخرى نشرت حول القضية ذاتها- أن صورة إسرائيل تعاني بدرجة أكبر في أوساط ثلاث فئات أميركية أساسية، وهي الجامعات الأميركية والأفارقة الأميركيين وأصحاب التوجه السياسي الليبرالي. وذكرت بعض المصادر أن هجوم إسرائيل الدائم على أعدائها لا يكفي لتحسين صورتها لدى الرأي العام الأميركي والذي بات يشعر أن إسرائيل لا تمتلك مشروعا لتحقيق السلام بالشرق الأوسط.
ولكن التقارير نفسها عادت وتحدثت عن جهود تقوم بها المنظمات الموالية لإسرائيل لتحسين الصورة كإنشاء منظمات جديدة للتعامل مع الجامعات وتوعية الطلاب، وأخرى للدعاية والإعلان، هذا إضافة إلى هجوم لوبي إسرائيل الناجح على عدد من أعضاء الكونغرس المساندين لإسرائيل في انتخابات عام 2002 التشريعية حيث نجح اللوبي في إسقاط عدد من أبرز أعضاء الكونغرس المساندين للقضية الفلسطينية وهما النائبة سنثيا ماكيني والنائب إريل هلليارد.
الأزمة الثانية: تردي الأوضاع في العراق
يمكن القول إن تحركات لوبي إسرائيل لاحتواء الأزمة الأولى، والتي لم توازيها تحركات متكافئة من حيث الحجم والنوع من قبل الأطراف المسلمة والعربي، والظروف التي مرت بها أميركا في العامين التاليين لأحداث 11/9 وصعود نجم المحافظين الجدد ومن ورائهم المسيحيون المتدينون وقوى اليمين الأميركي التي دفعت بأميركا لحرب العراق، ساهمت معا في تخطي صورة إسرائيل أزمتها الأولى، ولكن هذا لم يحول دون دخول صورة إسرائيل أزمة ثانية على أثر تردي الأوضاع بالعراق.
ويمثل تقرير لوبي إسرائيل -الذي أشرنا إليه في بداية المقال- علامة فارقة في هذه الأزمة، فقد نشر عن أكاديميين معروفين يعملان بأهم الجامعات الأميركية ممتلئا بنقد لمختلف الحجج الإستراتيجية والأخلاقية التي يستخدمها أنصار إسرائيل لإقناع الرأي العام الأميركي بأن مساندة إسرائيل تصب في مصلحتهم، حيث رفض مؤلفا التقرير هذه الحجج مؤكدين أن السبب الرئيسي للتأييد الذي تحظى به إسرائيل هو لوبي إسرائيل وقدراته التنظيمية.
كما ركز التقرير على نفوذ المحافظين الجدد داخل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش وكيف لعب عدد منهم ومن كبار أعضاء لوبي إسرائيل دورا هاما في إقناع الإدارة والرأي العام الأميركي بالحرب على العراق، وكيف حلموا هم وساسة إسرائيل بإعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد إسقاط النظام العراقي.
ويمكن القول إن تقرير لوبي إسرائيل لم يكن المؤشر الأول على الأزمة التي مرت بها إسرائيل في عيون الأميركيين نتيجة لأخطاء الحرب على العراق، بل كان -في الغالب- نتاجا لهذه الأزمة وليس سببا لها.
حيث ارتبطت الأزمة الحقيقية بحالة الرفض والسخط الشديدين التي طغت على غالبية الدوائر الأكاديمية والثقافية الأميركية تجاه سياسة الإدارة التي قادت إلى الحرب على العراق، والتي أصبحت يضرب بها المثل في سوء التخطيط والإدارة السياسية ليس فقط من قبل اليسار الأميركي فقط ولكن أيضا من قبل كتاب يمينيين معروفين كفرانسيس فوكوياما.
وترتب على ذلك طغيان حالة من الفشل والصمت على المحافظين الجدد أوائل عام 2006، ويكفي هنا الإشارة إلى مشروع "القرن الأميركي الجديد" وهو مشروع فكري يضم قيادات المحافظين الجدد، لم ينشر أي كتابات جديدة عن الشرق الأوسط منذ سبتمبر/ أيلول 2005.
ولم يكن مستغربا أن يتأكد شعور الأميركيين بالرغبة في الحياد تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، حيث وجد استطلاع لأراء الأميركيين أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) أواخر عام 2005 أن 63% من الأميركيين باتوا يعتقدون أن طرفي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقفان على جانب الصواب بشكل متساو وذلك مقارنة بنسبة 50% أواخر عام 2004.
مقدمات الأزمة الثالثة وقضايا أخرى
إضافة إلى الأزمتين السابقين يمكن الإضافة إلى عدد من العوامل الهامة التي من شأنها استمرار تدهور صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي خلال الفترة الحالية.
أولا: لم تتمكن إسرائيل خلال السنوات الخمس الأخيرة من علاج الجذور الفعلية للأزمة التي تعانيها لدى الرأي العام الأميركي، وعلى رأسها فشل عمليه السلام وعدم وجود خطط إسرائيلية مقنعة لتحقيق السلام المنشود في الشرق الأوسط.
ثانيا: حالة التأييد العام التي تمتعت بها إسرائيل من قبل الولايات المتحدة حكومة وشعبا في أعقاب بداية حرب لبنان، قد لا تعبر عن حقيقة شعور الرأي العام الأميركي تجاه السياسات الإسرائيلية بقدر ما هي رد فعل لموقف النخب الأميركية السياسية والإعلامية المساند لإسرائيل، ولطبيعة المشاعر الوطنية الأميركية والتي تدعو الأميركيين للتوحد في أوقات الأزمات.
لذا أكد استطلاع أجراه كير نهاية يوليو/ تموز 2006 أن الحرب على لبنان لم تغير موقف غالبية الشعب الأميركي (63%) المطالب بالمحايد تجاه صراع الشرق الأوسط.
ثالثا: هناك تغيرات تكنولوجية وديموغرافية بعيدة المدى تعمق أزمة صورة إسرائيل يصعب إيجاد حلول سريعة لها، وعلى رأس هذه العوامل صعود الإنترنت كمصدر للمعلومات، وزيادة أعداد المسلمين والعرب بالولايات المتحدة وأوروبا، وزيادة شعور الرأي العام الأوروبي السلبي تجاه السياسات الإسرائيلية مما يمثل عامل ضغط هاما على نظيره الأميركي.
هذا إضافة إلى انفتاح بعض فئات الشعب الأميركي على وجهة النظر العربية، وعلى رأسها الأفارقة الأميركيون وأصحاب التوجه السياسي الليبرالي والجامعات.
رابعا: فشلت إسرائيل في كسب التعاطف الدولي في حربها على لبنان بسبب إفراطها في استخدام القوة، ورفضها الحلول الدبلوماسية التي ساندتها غالبية دول العالم والمنظمات الدولية.
خامسا: تقرير "لوبي إسرائيل" تبعته موجة من المقالات التي ناقشت دور اللوبي –وهي تمثل في حد ذاتها– مادة هامة عن دور اللوبي تستحق الدراسة والاهتمام، كما أنها أوجدت درجة عالية من النقاش عن دور لوبي إسرائيل الذي يندر الحديث عنه.
كما ظهرت منذ ذلك الحين دراسات وتقارير هامة تحرج إسرائيل أمام الرأي العام الأميركي وعلى رأسها كتاب الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر "فلسطين.. سلام لا تفرقة عنصرية" وتقرير لجنة بيكر هاملتون والذي تحدث عن أهمية إيجاد حل سياسي لمشاكل المنطقة كطريق لحل أزمة العراق.
ويضع كتاب بيكر على وجه الخصوص العبْ الرئيسي في تدهور عملية السلام على أكتاف قادة إسرائيل ومن خلفهم الولايات المتحدة، حيث يرى كارتر في خلاصة كتابه الرئيسية أن إسرائيل تكاد تكون في حالة انتهاك مستمرة لاتفاقات السلام مع العرب منذ اتفاقات كامب ديفيد مع مصر.
خاتمة وتحذير
بقى لنا أن نحذر من أن دخول صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي أزمة كبرى جديدة في الفترة الحالية، ليس أمرا حتميا، فهو يعتمد على توافر عدد من العوامل القابلة للتغيير.
وعلى رأس تلك العوامل فشل لوبي إسرائيل في احتواء المستجد من التحديات التي تمر بها صورة إسرائيل رغم ما يتمتع به من قدرة على المبادرة وانتشار أفقي ورأسي بدوائر تشكيل الرأي العام الأميركي.
وكذلك قدرة الأطراف المسلمة والعربية على استغلال تلك التحديات رغم الإمكانيات المحدودة التي يتمتع بها اللوبيان العربي والمسلم بأميركا، وعدم وجود خطة علاقات عامة شاملة ترعاها الدول العربية أو الإسلامية بأميركا.
هذا إضافة إلى صمت النخب السياسية الأميركية الذريع عن كل ما قد يمثل نقدا لإسرائيل.
كاتب مصري- الجزيرة نت