اليمن : 500 عام على الغزو البرتغالي حقائق الجغرافيا ودروس التاريخ ؟
ماجد عبده الشعيبي
ماجد عبده الشعيبي
 

في نهاية شهر فبراير من كل عام يحتفل اهالي الشحر في حضرموت بذكرى انتصارهم المجيد على الغزو البرتغالي للمدينة في العام 1523م ولا يزال ضريح الشهداء السبعة موجودا حتى اللحظة مجسدا ملحمة تأريخية عظيمة احتضن ذلك الضريح الخالد رفات الابطال الذين ارتقت ارواحهم في سبيل الله وهم يدافعون عن الوطن واستقلاله في وجه الاطماع والغزو الاجنبي.

 

فما قصة الغزو البرتغالي لليمن من البداية وحتى الانتصار عليه ودحره الى الأبد؟

 

البداية منذ سقوط الاندلس العام 1492 م وقيام المملكة البرتغالية والتي ورثت مكانة الاندلس وعلومها ايضاً.

 

كان للترجمة النشطة من اللغة العربية الى اللغات الاوربية حينها دورها المهم الذي أسال لعاب الأوروبيين لغزو الشرق بعد ان اذهلهم ما قرأوه في كتب الرحالة العرب والمسلمون من امثال رحلة ابن بطوطة وما جاء فيها من اوصاف مبهرة وللتو كان الاجلاف الاوربيين قد خرجوا من توابيتهم العفنة وعزلتهم التي عاشوها طويلا في ظل سطوة الكنيسة وشراهة الاقطاعيين اللامتناهية ، وكذلك ساهمت ترجمة كتب الجغرافيا والمعارف البحرية في زيادة تعلق الغزاة الأوروبيين بكنوز الشرق وهو ما استدعى تسيير الاساطيل البحرية (التي استولوا عليها من المسلمين الاندلسيين بطبيعة الحال) وحولوها الى اساطيل مليئة بالغزاة والقراصنة الجشعين الذين عزموا على احتلال الشرق كل الشرق ونهب خيراته وثرواته وصولا إلى سواحل الهند وما بعد الهند.

 

اليمن عشية الغزو البرتغالي: 

 

كانت اليمن في تلك الحقبة الزمنية مقسمة ومجزأة بين ولاءات ومشيخات تتقاتل وتتحارب فيما بينها فالزيدية تحكم صنعاء وما حولها وبنو طاهر يحكمون التهايم والسواحل وصولا إلى عدن وما بعدها بينما كانت حضرموت بكل حواضرها محكومة بالسلطنة الكثيرية والتي كانت تتبع شكلياً لبني طاهر ولكنها في الواقع كانت مستقلة تماما.

 

مسار الاحداث : 

 

بدأت طلائع الغزو البرتغالي تصل اليمن عام 1505م.

و نتيجة للخطب الجلل بسبب الغزو البرتغالي وتوغله في المدن الساحلية اليمنية حاول بنو طاهر وكذلك الزيديين الاتصال بالمماليك في مصر كونهم كانوا هم القوة العسكرية الاكبر حينها في المنطقة.

غير ان المماليك لم يكونوا عند المستوى المطلوب اذ تمت هزيمتهم على يد الاسطول البرتغالي عام 1509 م.

 

سرت حينها تكهنات ان المدن المقدسة (مكة المكرمة والمدينة المنورة ) كانت هي الهدف الرئيسي للغزو البرتغالي.

 

مما استدعى تدخل العثمانيين بطبيعة الحال والذين واتتهم الفرصة التي كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر للاستيلاء على جزيرة العرب بشكل كلي لمكانتها التاريخية والاستراتيجية .

 

وقبل مواجهة الغزو البرتغالي جرت معارك فاصلة بين العثمانيين وبين المماليك انتهت المواجهات بهزيمة ماحقة للمماليك وانتهاء دولتهم في معركة الريدانية الفاصلة عام 1517م.

 

والعجيب في الامر ان جيش المماليك الذي كان قد توجه إلى اليمن واستقر في تهامة اصبح في حيرة من امره فالدولة التي كان تحت لوائها(المماليك) لم يعد لها اي وجود على ارض الواقع وبعد الاخذ والرد وتداول الاراء بين القيادات العسكرية لهذه الحملة استقر الرأي على اعلان الولاء للعثمانيين والذين فرحوا ورحبوا بهذا التحول و عينوا احد افراد الحملة قائدا لها !

 

عموما وان خرج بنا هذ الاستطراد بعيدا عن الغزو البرتغالي الا انه في صميم سياق الموضوع.

 

في الاثناء جاءت حملة عسكرية برتغالية الى مدينة عدن في 26 مارس 1513م بغرض احتلالها والسيطرة عليها الا انها واجهت مقاومة شعبية جبارة اجبرت تلك الحملة على التراجع والانسحاب بعيدا عن سواحل عدن الباسلة.

وكان اهالي حضرموت والمناطق المجاورة قد امدوا عدن بألف مقاتل للانضمام الى الجيش الشعبي للدفاع عن عدن.

 

بعد فشل البرتغاليين الذريع في احتلال عدن اتجهوا الى الشحر في عام 1523 م محاولين تعويض خسارتهم في عدن ولكنهم فشلوا كذلك في احتلال الشحر أيضاً.

 

ولم تنجح الحملة الاستعمارية البرتغالية إلا في السيطرة على جزيرة سقطرى عام 1507 م بعد معارك بطولية استشهد فيها عدد كبير من ابناء الجزيرة الاحرار.

وقد أقامت البرتغال في الجزيرة اكثر من 53 تحصينا عسكريا في كل انحاء الجزيرة وجعلوها قاعدتهم العسكرية الحصينة والإستراتيجية للسيطرة على طرق التجارة البحرية في المحيط الهندي.

 

حقائق الجغرافيا:

 

اليمن دولة بحرية بامتياز او بحسب المصطلح اليوناني فاليمن دولة (ثالاسوقراطية )وهذا المصطلح يشير ببساطة إلى السيادة البحرية للدولة على المستوى التجاري أو العسكري. 

 

وهذا ما يجب ان تكون عليه اليمن بشكل اساسي ويجب ان تبنى كل استراتيجيات اليمن في هذا الاتجاه وفي هذا الاطار (البحري).

وما عدا ذلك فهو لاستكمال هذا الهيكل التنظيمي لليمن .

 

أيضاً ما يميز اليمن هو موقعها الاستراتيجي الهام جدا على المستوى العالمي اذ تهيمن اليمن على مضيق بحري من اهم المضائق البحرية(مضيق باب المندب) .

 

نشدد التأكيد على ان مدينة عدن تتربع بموقعها المتميز على رأس المدن اليمنية الساحلية فعدن تعتبر المدخل الرئيسي للبحر الأحمر وهي المهيمنة كذلك على خليج عدن وهي من جهة ثالثة بوابة هامة للمحيط الهندي ومن جهة رابعة فإن ميناء عدن اهم ميناء بحري في المنطقة بسبب تكوينه التجاري والجغرافي وهذا ما ادركه البرتغاليون باكرا ومن اجل ذلك شنوا حملتهم التي سبق الاشارة إليها ومن ثم ادركت بريطانيا تلك الاهمية للمدينة واحتلت عدن عام 1839 م وتاليا جعلت من عدن ثاني اهم ميناء بحري على مستوى العالم بعد ميناء نيويورك في امريكا الشمالية.

 

وقبل بريطانيا ادركت الدولة العثمانية اهمية اليمن واهمية موقعها التي جعلت منها قاعدة لكافة عملياتها العسكرية في افريقيا وقبل العثمانيين كان المماليك قد وضعوا اعينهم على اليمن غير ان قدراتهم لم تكن عند المستوى الذي يؤهلهم لبسط سيطرتهم ونفوذهم على اليمن عسكريا فاكتفوا باقامة علاقات اقتصادية وتجارية قوية مع الدول اليمنية حينها.

 

ولا تقل جزيرة سقطرى اهمية عن مدينة عدن فالجزيرة تقع في موقع متقدم من طرق التجارة الدولية البحرية بين الشرق والغرب.

 

من نافلة القول ان نزيد التأكيد على ان اليمن كانت وستبقى هي ملتقى الحضارات والمكان الانسب لالتقاء القارات قديما وحديثا.

وقد نالت اليمن شهرتها الواسعة من مكانتها العالمية والتاريخية منذو اقدم الحضارات وحتى اليوم.

 

و في الحقيقة لم يتغير شيء فلا تزال حرب الممرات المائية في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن والمحيط الهندي كما كانت قبل 500 عام و هي ذاتها اليوم بل وبوتيرة أشد وحرب اكثر ضراوة واخطر من كل ما سبقه وكلنا شهود على احداث اليوم!

 

ومن هنا -اقترح انه - يجب تدريس جغرافيا وتاريخ اليمن الزاميا على كل طلاب الجامعات الحكومية والخاصة كمتطلب رئيسي مثله مثل الثقافة الاسلامية ومتطلب اللغة العربية. ويجب ان يكون المنهج شاملا لجميع الجوانب التاريخية والجغرافية بدون استثناء .

 

ليفهم ويستوعب ويدرك الجميع اهمية ومكانة بلادنا اليمن عبر كل مراحل التاريخ والصراعات المريرة و المؤامرات الدولية قديما وحديثا على اليمن ليس من اجل الثروة او من اجل شيء اخر كما قد يتصور البعض ، ليدرك كل اليمنيين ان الصراع الخارجي على اليمن ومنذ فجر التاريخ هو فقط على موقع اليمن الجيوسياسي وان حرب الممرات الدولية المائية (والتي تقع اليمن في القلب من ذلك ) لا تزال هذه الحرب قائمة حتى اللحظة الراهنة وهذا هو درس الجغرافيا الاهم والاخطر ان احسنا الفهم .

 

ومن دروس التاريخ المهمة جدا في الحالة اليمنية على وجه الخصوص ان اي تمزق داخلي يعقبه بالضرورة غزو واستعمار خارجي.

 

هذه الحالة بدأت منذ عهد الملك ذو نواس في اليمن حين أحرق المواطنين اليمنيين لمجرد أنهم اعتنقوا المسيحية وهجروا اليهودية!

 

هذه الوحشية من قبل السلطة حينها والبطش الشديد بالمخالفين اعقبها خراب اليمن ودمارها الابدي .

 

لقد كان لهذه الجريمة السياسية الوحشية تداعياتها الخطيرة جدا أهمها أنه اعقبها الغزو الحبشي للوطن والذي دام اكثر من 70 عام ثم جاء بعده الاحتلال الفارسي وكلنا يعرف سلسلة تلك الأحداث الدامية حتى جاء الاسلام فتنفس فيه اليمنيين الصعداء ولو لزمن يسير.

 

كذلك الحرب الداخلية بين الزيديين وبين آل الطاهري الذي تكلمنا عنها آنفا استدعت بالضرورة الغزو المملوكي للوطن الذي جاء بحجة الدفاع عن اليمن ضد الغزو البرتغالي.

الغزو المملوكي كذلك اعقبه العثمانيين الذين بسطوا سيطرتهم على البلاد لقرون.

 

وكتأكيد على هذا الأمر ففي الحرب الاهلية التي كانت بين الجمهوريين والملكيين عقب ثورة 26 سبتمبر المجيدة عام 1962 م هذه الحرب استدعت بالضرورة الجيش المصري كمساند وداعم للجمهورية واستدعت بالمقابل السعودية وايران واسرائيل وبريطانيا والأردن ودول أخرى كرديف ومساند للملكيين.

 

وكحالة اخرى مؤكدة لما سبقها فلا يخفى على الجميع التدخلات الخارجية الحالية في الشأن الداخلي اليمني والتي استدعى هذا التدخل السافر بالضرورة هي الحرب الاهلية الحالية والتي لا يعلم الا الله وحده كيف ومتى ستنتهي ويحل السلام على كامل التراب الوطني.

 

ها أنا قد ذكرت لكم اربع حالات تؤكد لكم الحقيقة التاريخية الثابتة وهي أن اي احتراب داخلي يمني فإنه يستدعي بالضرورة تدخلاً وغزواً واستعماراً خارجياً. لندرك أن الأمر جد خطير.!

 

وهذا ان دل فإنما يدل على أن بلادنا اليمن مستهدفة دائما من قبل القوى الخارجية تلك الدول عادة ما تستغل الاضطرابات السياسية والحروب الداخلية لتنقض على اليمن للسيطرة عليها لتستفيد من موقع اليمن الاستراتيجي الهام المحوري في طرق التجارة الدولية وتستثمره لصالحها.!

 

فمتى نعي حقائق الجغرافيا ومتى نستوعب دروس التاريخ ؟!


في الخميس 08 أغسطس-آب 2024 05:08:55 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=47056