آخر الاخبار

تعرف على تشكيلة الوزراء في حكومة تصريف الأعمال السورية بعد خلع الأسد شرطة المنشآت بمحافظة مأرب تختتم العام التدريبي 2024م وتكرم منتسبيها تزايد السخط الشعبي ضد الحوثيين في مناطق سيطرتهم ومتحدث جبهة الضالع يتوقع سقوطهم القريب محافظة إب تغرق في جرائم القتل والاختطاف في ظل هيمنة مليشيا الحوثي عاجل: مطار صنعاء يخرج عن الخدمة وسقوط ضحايا مدنيين وتدمير واسع في غارات شنها طيران الاحتلال ايران تهدد رسميا بنشر الفوضى والطائفية في سوريا وابتعاثها خلال أقل من عام عاجل: انفجارات عنيفة الآن تهز صنعاء والحديدة والإعلان عن سقوط قتلى ''فيديو والمواقع المستهدفة'' اللواء العرادة يشدد علي تعزيز التعاون بين اليمن ومصر لتأمين الممرات المائية وأهمية باب المندب بالنسبة لقناة السويس الرئيس العليمي يوجه بصرف علاوات سنوية لكافة منتسبي السلطة القضائية.. تفاصيل اجتماع حضره بن مبارك والمعبقي إسرائيل تكشف طريقة الرد االقاسي ضد الحوثيين في اليمن

محكمة في قفص الاتهام
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 4 أسابيع و ساعة
الخميس 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2024 05:20 م
  

إنها «مقززة، سخيفة، منحازة، عبثية» «فقدت كل مشروعيتها» «تساند الإرهاب» «مفلسة أخلاقياً» و«معادية للسامية» وهي «هيئة غير مسؤولة، «غير مخولة» ستلقى «رداً قوياً» وستتعرض لـ«فرض عقوبات» عدا عن اتهامات ضد المدعي العام للمحكمة بـ«التحرش» كنوع من الضغط الذي تعرض له خلال الفترة الماضية.

هذه التوصيفات يمكن أن نتوقعها ضد دولة عربية أو إسلامية، أو دولة من دول العالم الثالث، أو ضد أية حركة، أو حزب أو مؤسسة إسلامية، حيث اعتدنا على إطلاق مثل هذه التهم على ما له علاقة بالإسلام والشرق الأوسط، لكن التهم النمطية أعلاه كانت – هذا المرة – من نصيب أعلى هيئة قضائية دولية، وواحدة من أكثر المؤسسات الدولية شهرة واعتبارا، وهي محكمة الجنايات الدولية التي تعرضت لحملة منظمة من طرف قادة ومسؤولين في حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل: من الرئيس إسحاق هرتسوغ إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى وزير دفاعه يوآف غالانت، ووزير خارجيته جدعون ساعر، وليس انتهاء بوزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، ناهيك على التهم التي قذفها مسؤولون أمريكيون في وجه المحكمة.

لقد مارست القيادات الإسرائيلية مهام قاضي الادعاء ضد محكمة الجنايات الدولية، وهو أمر لا يؤثر على مصداقية تلك الهيئة، قدر ما يؤثر على سمعة تحاول «دولة احتلال» تنسب نفسها لـ«العالم الحر» تسويقها عن نفسها، في تناقض واضح لا يشبهه إلا تناقض داعميها، حين يدعون إلى وقف إطلاق نار فوري في غزة، فيما هم يزودون إسرائيل بكل ما يجعلها تستمر في جرائمها التي دفعت محكمة الجنايات الدولية إلى إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال ووزير دفاعه.

لم يكن من الممكن تقبل الأمر بالنسبة لقيادات الدولة العبرية، إذ كيف يمكن تسويق مقولات: «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» «والجيش الأكثر أخلاقية في العالم» بعد مذكرات التوقيف بحق «متهمين هاربين من وجه العدالة الدولية» يواجهان تهم «ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية»؟!

إن خطورة مذكرات التوقيف الصادرة عن محكمة الجنايات الدولية ضد نتنياهو وغالانت لا تتمثل في الخشية من إلقاء القبض عليهما وتسليمهما للاهاي، ولكن الخطورة تكمن في ما هو أعمق أثراً من ذلك، وهو أن مذكرات التوقيف تشكل تحدياً لصورتين تقليديتين لـ «اليهودي المضطهد» و«الفلسطيني الإرهابي» وهما الصورتان اللتان استثمرت فيهما دولة الاحتلال وداعموها على مدى عقود طويلة للتغطية على صورتين معاصرتين لـ«الإسرائيلي المحتل» و«الفلسطيني المضطهد» وهما الصورتان اللتان جاءت مذكرات التوقيف الدولية لتعيد لهما حضورهما، بعد عقود من تجاهلهما، بفعل الضخ الإسرائيلي والغربي المهول لإعادة منتجة الصور بالطريقة التي تناسب أولئك الذين يروق لهم إخراج الضحية في صورة الجلاد والجلاد على هيئة الضحية.

إن كون رئيس وزراء إسرائيل مطلوباً للعدالة الدولية أمر بالغ الرمزية، إذ أن هذه الدولة عاشت خلال العقود الماضية على «سرديات الهولوكوست» و«المظلومية التاريخية» ليأتي هذا القرار ناسفاً استراتيجية إسرائيل في توظيف «المظلومية اليهودية» للتغطية على «المظلومية الفلسطينية» مستغلة «معاداة السامية» وغيرها من مصطلحات بدأت تفقد محتوياتها المفاهيمية، وتأثيراتها الفاعلة، بسبب كثرة استهلاكها في سوق السياسات الصهيونية، داخل إسرائيل وخارجها.

خطورة القرار القضائي الدولي ـ إذن ـ تكمن في أنه ينقض السردية التاريخية الصهيونية، ويعيد تعريف الصراع العربي الإسرائيلي، وينفذ إلى شرائح مجتمعية واسعة في الدول الداعمة لإسرائيل، ويتجاوز الحجب الكثيفة التي تحول بين المواطن الغربي البسيط وبين رؤية الحقائق عارية على الأرض.

كما تكمن خطورة قرار التوقيف في أنه جاء من داخل المنظومة المؤسساتية الدولية التي تتكئ عليها إسرائيل في تقنين وجودها، الأمر الذي يجعل عدم احترام قرار تلك المنظومة ينعكس، ليس على صورة إسرائيل الدولية وحسب، بل على أساس وجودها المستند إلى قرار دولي صادر عن المنظومة الدولية التي تنتمي إليها المحكمة التي أصدرت قرار التوقيف.

وفوق ذلك فإن هذا القرار يضع حلفاء إسرائيل الغربيين – وخاصة الأوروبيين – في وضع حرج، إذ لا يمكنهم رفض قرار صادر من أعلى هيئة قضاء دولي مختص بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، في حين أنهم رحبوا بالقرارات الصادرة عن الهيئة ذاتها ضد رؤساء ومسؤولين من دول أخرى، وهو الأمر الذي يُصعِّب عليهم رفض مثل هذا القرار، أو حتى التشكيك في مصداقيته، حتى وإن كان من الصعب تنفيذه.

وعلى الرغم من أن القرار سيقيد تحركات المطلوبين للعدالة الدولية، وسيزيد من عزلة «حكومة الحاخامات» الإسرائيلية الحالية، وسيفتح الباب أمام مساءلات قد تطال الأطراف الدولية المتورطة في دعم هذه الحكومة، إلا أن قيمة القرار الرمزية والمعنوية هي الخطر الحقيقي الذي ستواجهه إسرائيل وداعموها، بسبب هذا القرار، مع استمرار عدوانها على غزة، الأمر الذي ربما يؤدي إلى التفكير في التخلي عن نتنياهو، للتخلص من تبعات وجوده على رأس الحكومة، وهو ما لن يقبله رئيس وزراء يجد في منصبه حماية له من الملاحقات.

وإذا كانت إسرائيل قد سعت لقلب الطاولة والقيام بدور المحكمة، ووضعها في موضع المتهم، وذلك بتوجيه التهم المذكورة أعلاه، لتتحول إسرائيل بموجب هذه السياسة إلى دور «المدعي العام» وتدخل المحكمة، بموجب ذلك، في «قفص الاتهام» فإنه لا يبدو أن إسرائيل وحلفاءها في وارد القدرة على تبادل الأدوار في هذا السياق، ذلك أن مسار الحرب على غزة، وحجم الجرائم الموثقة لا يساعدان دولة الاحتلال على لعب مثل هذا الدور السمج الذي يظهر فيه «المتهم» في دور المدعي العام، والمحكمة في «قفص الاتهام».

وفي حين حاولت بعض الشخصيات والدول التشكيك في مصداقية القرار وإلزاميته، حسم مسؤول السياسات الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الأمر بقوله: إن «الدول التي وقعت على اتفاقية نظام روما الأساسي ملزمة بتنفيذ قرار المحكمة، وإن هذا ليس أمراً اختيارياً» وهو الأمر الذي يراكم متاعب نتنياهو، قدر ما يضاعف الصعوبات التي يواجهها داعمو حكومته، حيث يفتح القرار الاحتمالات واسعة أمام صدور مذكرات أخرى ضد من يزودون جيش الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح.

ومع استمرار تعنت إسرائيل في رفض قرار المحكمة سيستمر النظر لنتنياهو وغالانت على أنهما «متهمان فارّان من العدالة» وهي الوصمة التي ستلاحقهما قانونياً ومعنوياً، حيث سيعتبر رفضهما المثول أمام المحكمة، أو رفض تشكيل هيئة دفاع عنهما أمام القضاء الدولي، سيعتبر ذلك تأكيداً على مصداقية لوائح الاتهام التي لو لم تكن كذلك، لما خشي المتهمان من تبعات الانصياع لأوامر القضاء الدولي.