|
مأرب برس – خاص
برزت الأصوات المتنادية مؤخرا بحقوق المرأة و مشاركتها في الفترة الأخيرة أكثر و أقدر خطابا و أكثر فصاحة من ذي قبل و هي بادرة تستحق الوقوف أمامها بحجم القضية التي تهم شريحة تمثل أكثر من نصف المجتمع الإنساني عدديا أما معنويا فالمرأة أكثر من نصف المجتمع نظرا لتأثيرها المتعدي أكثر من الرجل حتى على مستوى الجينات الوراثية .
و الحديث الذي يتصاعد اليوم مطالبا بمشاركة وإدماج المرأة في الحياة العامة ليس إلا اعترافا بأنها كانت خارج الحياة العامة طيلة فترة ما مضى و قد تكون هذه الفترة طويلة جدا.
و كما أظن فإن حالة الغياب عن الحياة العامة التي تشهدها المرأة العربية و المسلمة اليوم ليس إلا مفردة من حالة غياب عن الحياة العامة عاشتها الأمة فيما مضى و أن كانت حالة المرأة أكثر وضوحا و أطول أثراً.
لقد كانت حالة الغياب هذه نتيجة فترة آل فيها حال الأمة إلى الاستبداد و تمسك شلل أو اسر معينة بإدارة شؤونها بينما الأمة التي هي صاحبة الحق في إدارة نفسها وجدت نفسها قاصرة يحكمها القصر و الرعاع من الأبناء في فترات متعددة من التاريخ حتى آل وضعها إلى السقوط المدوي الذي مازالت تجتر تبعاته إلى الآن .
بوادر نهضة أو ثورة اجتماعية و فكرية و ثقافية ظهرت فيما بعد في أوساط مجتمعاتنا و كانت على قدر الترحيب بها إلا إنها كشفت أيضا عن واقع مر و ماض مظلم عليها الآن مواجهته و علاجه و الخروج منه و هذا كان و لازال يمثل عقبة صعبة أمام إرادة الخروج من هذا الواقع المأساوي .
حين تكون الإفاقة بعد سبات استمر قرونا فإن هناك متغيرات كثيرة و تطورات هائلة مرت بالأمم و لم يكون من المقبول أن يتعامل معها الناس بتعامل ما قبل السبات.
كما أسلفت فإن المرأة لم تكن الغائب او المغيب الوحيد بل بعضا من كل "و الكل هنا هو الأمة " و دليلي على ذلك ما نشاهده من تباين في وجهات النظر و تنافر أيضا حول مسالة الواجبات و الحقوق السياسية للأمة و الآراء المختلفة في مدارسنا الفكرية و مصادرنا التاريخية و مقتنياتنا التراثية بين مشرع للاستبداد و منعزل عن المشاركة و خارج عن المجتمع و ظللنا بين معتزلي و خارجي و ممسك بسلطان يدعي انه ظل الله في أرضه !!!!!!
و الكلام عن الحقوق السياسية للمرأة جزء من حالتنا تلك إذ أن الأصل في قضية كهذه محسومة أصلا بحكم الكيان الإنساني و البشري الذي ينتمي إليه الرجل و المرأة و الإنسانية هي الصفة التي منح الله هذا المخلوق بموجبها الكرامة والتفضيل و حق الاستخلاف في الأرض و ليس بموجب نوع الجهاز التناسلي لأحد منهما .
و لكن ضمن قافلة الترشيد و إعادة النهوض بالأمة و استنهاض و عيها و دورها الحضاري فلا بأس من تناول هذه القضية و لكن من منظور و أفق أكثر شمولا وسعة من أن نحصره في جانب من الجوانب.
الكلام عن مشاركة المرأة و المطالبة به لا يتم من خلال أسماء و أعداد كأصابع اليد تدرج لغرض التغطية الإعلامية بل إن ذلك ليس إلا إساءة للمرأة و اعتبارها عنصرا غريبا عن المجتمع بحاجة إلى إرضاء و تمثيل معنوي.
و الكلام عن الكوتا للنساء و تخصيص دوائر و مقاعد معينة تمثل مكن خلالها المرأة في المجتمع هو اعتبار يوضح أن المرأة تمثل أقلية في المجتمع و ليس حالة عامة من حالات المجتمع .
لماذا دوائر معينة فقط ؟ سؤال مهم يطرح نفسه و أنا على يقين من أن إجابة أنصار هذه الرؤية تتمثل في" أن واقع مجتمعاتنا و نظرتها للمرأة لا زال قاصرا و لا يمكن أن تشارك إلا من خلال تخصيص أو كوتا " !!
لهؤلاء الذين يعترفون بهذه الكارثة أقول: هل ستحتالون على واقعنا بالتمثيل الاستثنائي لتكرسوا تمييزا ودونية جديدة تلحق المرأة ؟ لماذا لا تواجهون الواقع و هل المشكلة في وصول عدد من النساء إلى البرلمان يمكن حلها من خلال التعيين و الكوتا أم أن المشكلة مشكلة ثقافية واجتماعية تحتاج إلى مواجهة شجاعة و جادة ؟؟؟.
الموضوع اليوم هو مواجهة ثقافة انحطاط و تمييز تراكمت لمدة طويلة من الزمن و لابد من التنصل عنها وإزالة تبعاتها و لا يتحقق ذلك من خلال أعداد معينة تمثل هنا أو هناك لغرض تسجيل حضور ليس إلا.
لابد من كوتا فكرية و تعليمية و اجتماعية قبل الكوتا العددية تعمل على خلق مجتمع مؤمن بحقوق وواجبات كل أفراده بغض النظر عن نوعهم و المشاركة في الحياة العامة كما اعتقد ليست حقا من الحقوق بل هي واجب يسري على كل الناس بحكم عضويتهم في المجتمع الإنساني .
الكوتا التي يجب المطالبة بها اليوم كوتا تعليمية تتمثل في تخصيص ساعات وحصص للتوعية بحقوق المرأة أو واجباتها على الأصح و مقاعد دراسية مخصصة للطالبات التي عجزت عن تحقيق نسب الالتحاق بالكليات المناسبة و بذا نؤهل كادرا نسويا قادرا على انتزاع حقوقه و القيام بواجباته على أكمل وجه و تتغير به نظرة المجتمع التي ليس شماعة أخطاء بقدر ما هي سلوك نتحمله جميعا . و أجدها فرصة مناسبة لإثراء الموضوع و مناقشته بما يحقق المأمول.... و الله المقصود.
Tholaia100@hotmail.com
في الثلاثاء 13 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 05:33:24 م