عدن ومأرب ولفتة الرئيس هادي.. يد الدولة!
بقلم/ رياض الأحمدي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و يومين
السبت 23 يونيو-حزيران 2012 09:48 م
ظلت صديقتي في عدن لشهور تحدثني عن الأوضاع الأمنية المنفلتة وكنت أعدها بالاهتمام بعدن فور هدوء الحرب في صنعاء، وأنسى، حتى تفاجأت أنها قد رحلت مع أسرتها إلى خارج الوطن بحثاً عن الأمن وهرباً من المدينة التي كانت من أكثر مدن اليمن أمنا.. ومثلها رحل كل من استطاع أن يرحل من أبناء عدن، بالإضافة إلى المستثمرين وما إليهم ممن كانت عدن قبلتهم الأولى إذا أراد أحدهم قضاء لحظات آمنة...

بدأت أحداث ثورة التغيير الدامية من عدن حيث سقط أول شهداء الثورة المطالبة برحيل علي عبدالله صالح.. ثم انتقل العميد عبدالله قيران مع سيول الدماء المصاحبة لوجوده إلى تعز.. وهدأت عدن.. ولكن وجود الدولة كان في نزيف مستمر، ذلك النزيف الذي يأتي في ظل وجود مهدي مقولة ومساعي عائلة لصالح لتخويف الناس بانتهاء الدولة والوحدة، وتهيئة الأجواء لوصول أنصار الشريعة، وبعدها الاحتلال.. فانتشر المسلحون بدعم من بعض الجهات الرسمية والمؤاتمرية كعبدالكريم شايف رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام في عدن ، وآخرين.. إلى أن جاء الرئيس عبدربه منصور هادي وقد أصبحت عدن شبه خالية من الدولة، وأهلها لا يكادون يستطيعون الخروج ليلاً.. خوفاً من عصابات القتل والنهب والتقطع..

كانت عدن طوال الشهور الماضية تئن من العصابات وتعاني من انهيار الدولة إلى جوار مشاكل يمنية أكبر كحرب في صنعاء، وحرب أبين وأرحب وتعز، وغيرها.. كانت عدن تشتكي كل ذلك ولا أحد يسمع لها، مثلما كانت الثورة اليمنية تشتكي مجازر صالح إلى جانب وجود نماذج أعظم من المجازر في ليبيا وسوريا.. فكان الإعلام يعطي الأولوية للخبر الأكثر موتاً.

عدن ليست أي مدينة حتى تسقط بيد العصابات.. إنها توازي أهمية العاصمة خصوصاً في الجانب الاقتصادي.. ولابد أن نعترف أنه على الرغم من الحرب في صنعاء إلا أن جيوش وقوى تتحارب على الأمتار وتنشر نقاط التفتيش، منعت سقوطها في يد عصابات خارجة عن الجيش.. بشقيه الثوري والعائلي.. لذلك فإن عدن عانت الخوف من العصابات أكثر من صنعاء..

أوائل مايو الماضي كنا في مقيل بفندق بتعز مع مجموعة من الزملاء، وكان معنا الزميل الحراكي القادم من صنعاء ماجد الشعيبي، والزميل القادم من عدن فراس اليافعي.. وأخذت الجلسة في الحديث عن الأوضاع في أبين.. وتفاجأ ماجد أن فراس، ابن عدن، يقول إن لا حل في عدن غير الجيش.. وذكر العديد من الأسباب والتي أهمها أن الدولة في عدن هي كل شيء، وعندما تغيب فلا أعراف قبلية ولا قوى اجتماعية تحل بديلاً عنها.. ما جعلها فريسة لعصابات من أبنائها أكثر من غيرها..

هكذا قال إنه لا ينفع مع عدن إلا العسكرة والضرب بيد من حديد.. ومدينة كعدن هي المدينة الاقتصادية الأولى، والمدينة الثانية على مستوى البلد، وأمنها لا يهم فقط اليمن ، بل إنها تشرف على ممر دولي.. ما يجعل من سيطرة الدولة فيها أمراً لا يقبل التأجيل ولا التفاوض.. كما من الصعوبة أن تقبل الدولة بوجود جماعات مسلحة مهما كان انتماؤها.. أبناء عدن مسالمون للغاية، ومن يحمل خنجراً فيها فإنه يثير الرعب والهلع ويهدد أمن الجميع..

لذلك فإن ما يجري الآن في عدن ليس كما يتصور البعض، من أنه قمع للحراك.. بقدر ما هو استعادة ثاني أهم المدن، والتي يرتبط بها اقتصاد البلد ككل، وهو أمر كان يجب أن يكون منذ شهور وليس اليوم.. لكنني كمتابع كنت لا أستبعد أن تعود الدولة بجزء من جيشها إلى عدن بعد تطهير أبين من عناصر القاعدة..

عدن تتعافى الآن وتدفع الثمن مثلها مثل باقي المدن التي كان النظام المخلوع يريد تدميرها.. وعلى العناصر المسلحة من الحراك وغير الحراك أن تعلم أن من المستحيل أن تقبل الدولة ومعها الشعب بأي وجود مسلح لأي جماعة في عدن.. وهذا ما سيقبلون به بعد أن يكونوا قد ضحوا ببعض مسلحيهم المغرر بهم.. طالت الأيام أم قصرت..

مأرب

نحن دائماً مع الحلول السلمية.. لكن قبل أشهر في الطريق من إب إلى صنعاء، صادفت سائقاً شرعبياً يعمل في شركة سياحة، وكان ذكياً يحاول إقناعنا طوال الطريق بأن لا حل في مأرب والجوف إلا إرسال الجيش والضرب بيد من حديد.. ويضيف: أنا تعاملت معهم، وأعرفهم واختطفوا علينا السياح وسرقوا سياراتي أكثر من مرة.. لا قبائل ولا شيء.. عصابات ابتزازية، بمجرد التعامل الجاد من دولة موحدة معهم لن تجد لهم أثراً..

لسنا مع هذه الحلول حتى الآن.. لكن عندما نتذكر الخسائر التي ندفعها ودفعناها منذ أكثر من عام ستنجد أن 50% من الأزمة التي نهبت المواطنين وقضت على اقتصاد البلاد هي أزمة الكهرباء والبترول.. وبعد كل هذا الصبر، وبعد كل هذا العذاب و"الجعيث" والظلام ومليارات المليارات التي يدفعها الشعب الجائع الذي يجمع له الناس المساعدات.. بعد كل هذا فإن القوة وحدها هي يكسر ما لم يستطع الصبر والسلام أن يفعله..

الرئيس هادي

قبل أيام كتبت عن الرئيس هادي نقداً استحثه على استخدام قوته وأن يحرك المياه الراكدة.. وعندما جئت أقرأ خبراً عن لقائه بقائد المنطقة الوسطى ورئيس هيئة الأركان ومحافظ مأرب وذلك التهديد القوي لمن يقصر عن أداء واجبه بحماية المصالح العامة.. والحرص على ذكر الحرس الجمهوري داخل ذلك التصريح ولقاء السفراء، وبدء حملة عسكرية في مأرب.. كل ذلك جعلني أفكر بالرئيس هادي كأقوى رجل وهو بهذه الصورة القوية التي لم تأتِ من فراغ..

لقد شعرت أنه قادر على قلب الطاولة واجتثاث مشاكل اليمن خلال فترة وجيزة.. فالرجل قائد الجيش الذي طرد للتو القاعدة في أصعب الظروف.. وهو الرجل القوي المدعوم دولياً والمسؤول الأول عن هذا الشعب الضعيف.. وهو العسكري المحنك الذي يعرف متى يبدأ.. هناك شعوباً تتوق إلى أولويات مدنية.. لكننا كيمنيين بحاجة إلى دولة ووجود عسكري للدولة ينهي سيطرة العصابات والجماعات.. ومن ثم لا أحد يخاف على الديمقراطية بعد اليوم.. لقد ولى زمن الديكتاتوريات على المدى المنظور على الأقل.

ومثلما بدأ الرئيس هادي بالإرهاب الدولي الموجه إلى العالم والذي اصطدم في طريقه بالداخل المتمثل في القاعدة.. فإن الإرهاب المحلي الموجه إلى المواطنين لا يقل خطورة، بل إنه يؤثر بشكل أكبر على حياتهم، كإرهاب الحوثي وعصابات التخريب في مأرب وعدن.. وملاحقة قطاع الطرق في مأرب هي خطوة كان يجب أن تتم قديماً.. لكن لا بأس أنها قد بدأت.. ويجب أن تستمر الدولة بفرض هيبتها.

نعم؛ الشعب وكل القوى والشخصيات الوطنية معك ما مضيت في فرض سلطة الدولة على أراضي الوطن.. والأقليات المتمردة إن لم تلق سلاحها وتأت إلى الحوار، فلا تمثل شيئاً في هذا الشعب.. ولا يظنن أحد أن الشعب بمختلف قواه المدنية والسياسية والاجتماعية سيقبل بوجود مسلح لغير الدولة.. أكان حراكاً انفصالياً أم حوثياً أم قاعدياً أم قبلياً.. الشعب مع الرئيس ما مضى في التغيير وفرض سلطة الدولة، وبعد أن تصبح لديه دولة قادرة على حماية مصالح الناس سيبدأ بالبحث عن أهداف أخرى.