|
مأرب برس – خاص
من المهم والضروري في عالم الأمم الحية والحرة والمستنيرة والجادة أن تضع لنفسها خارطة طريق إن صح التعبير، لمستقبلها النضالي والكفاحي التحرري والنهضوي، مستلهمة من ماضيها مقومات النجاح، وعوامل النصر والتمكين، وواضعة نصب عينيها العقبات والتحديات المستقبلية، وسبل مقاومتها والتغلب عليها، ومستفيدة مما لديها من ثروات وإمكانيات وعقول وخبرات ومقدرات، وهذا بحد ذاته يشكل بداية ا
لانتصار والنجاح والتمكين لأي أمة من الأمم .
تبدأ ملامح هذه الخارطة الإسلامية المنشودة بتقدير وتكريم كافة القوى الوطنية والتحررية والالتئام معها، ومؤازرتها ومساندتها .
إن أعظم جرم ارتكب في حق أمتنا أن مصادر القرار السياسي فيها لم تولِ - بعد - القوى الحية والمستنيرة حقها ومستحقها من الدعم والمساندة والمعاضدة والإكرام والتوقير، فيما دولة كدويلة الكيان الصهيوني كرمت وتكرم كل من خدم إسرائيل من أبنائها، ورفعته مكاناً علياً، فإسحاق رابين وشمعون بيريز والنتن ياهو وشارون وأولمرت ..الخ تلك القائمة المغضوب عليها، كانوا في الأصل ولا زالوا قادة أمنيون في الموساد، وزعامات حربية ميدانية، قدمت الكثير لأجل إسرائيل، وبقدر ما قدمته هذه الزعامات من نجاحات لهذا الكيان، بقدر ما منحتهم إسرائيل وشعب إسرائيل من التقدير والعناية والرفعة .
ليس فقط القادة الحربيون بل والعلماء والمخترعون والساسة والمثقفون والخبراء، بل والكهنة التوراتيون، وكل من أسهم في دعم ومساندة مشروع إسرائيل، ولو بكلمة أو موقف .
أعتقد أن بداية الحل يبدأ بتكريم قوانا الوطنية والحية، وقوى المقاومة والممانعة، في أمتنا، ذات المشروع الإصلاحي الشامل، إنه لعار على أمتنا أن تجازي رجالاتها وأحرارها وعلماءها ومثقفيها ومصلحيها وقادة الرأي والفكر فيها، بالسجون والمعتقلات، وتلفق عليهم التهم، جزافاً، لا لجرم ارتكبوه سوى أنهم أحرار، يأبون الظلم والظيم والاستعمار والاستبداد .
ولا أريد هنا أن أنقل صورا من جزاء سنمار واجهه هؤلاء الأحرار والخيرون في أمتنا، بدءا من معارك الإسلاميين في حرب فلسطين، وانتهاءً بحماس الحرية والجهاد والنضال والصمود والتحدي، والحصار المفروض عليها وعلى شعبها الأبي بلا ذنب أو جريرة، سوى تهمة المقاومة البطلة، أولاء الأحرار لم تعجزهم آلة الحرب الإسرائيلية، وإنما وقفت في وجوههم أنظمة الخيبة والعمالة العربية، في محاصرتهم وتجويعهم، وهبت الأقلام المستأجرة أو المهزومة أو المأزومة أو السقيمة، للنيل منهم ومن منجزاتهم، ومن وطنيتهم ودينهم، ولفقت ضدهم التهم زوراً وبهتاناً، فكانت تلك التهم أعظم جرما من المشانق والسجون والمعتقلات التي استضافتهم .
إن خارطة الطريق الإسلامية التي نرمقها بعين الصبر والأمل، أول بند فيها يجب أن يقضي بضرورة إيقاف كافة أشكال الحروب الإعلامية والفكرية ضد قوى الخير والنصر والإباء والمجد، في أمتنا، كما أن شن أي حرب باردة، أو غارات إعلامية على هذه القوى، يعد بمثابة الغارات الإسرائيلية على غزة حماس، أولا يقل جرما عن حرب التصفيات الدموية في العراق، سواءً بسواء، لأن لها نفس البواعث والأسباب من العداء والكراهية .
آن الأوان لأمتنا أن تكرم علماءها وأحرارها ورجالاتها ومقاوميها، وساستها ومثقفيها، وكل قادة ورواد المشروع التحرري الحضاري فيها، من مختلف التيارات والاتجاهات، وهذا التكريم الذي نتحدث عنه يجب ألا يقل عن منح هذه القوى الخيرة، قدراً من الحرية والأمان، ورفع كافة أشكال الحرب الإعلامية ضدها .
ومن مسلّمات وأبجديات المقاومة لقوى الهيمنة الدولية، في مشروع خارطة طريق إسلامية التحرر من ثقافة الغزاة والمستعمرين فكريا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا، كما فعل اليابانيون، بمعنى عدم فتح أبواب العقل العربي على مصراعيها، لأفكار وثقافة الهيمنة الدولية، العابرة للقارات، وتعني كذلك عدم فتح أبواب السوق العربية والإسلامية للبضائع والمنتجات الإسرائيلية والدولية ذات العداء الصريح لأمتنا وهويتها وثقافتها، ودينها ونبيها، بمعنى آخر الحرص التام على حماية ثقافتنا الأصيلة وعدم السماح للآخر باختراقها، أو ببلورتها بشكل أو بآخر بما يخدم مصلحته وسياسته التوسعية في أوطاننا، أي أن نعكس ثقافتنا وهويتنا العربية والإسلامية الأصيلة على مناهجنا التعليمية وإعلامنا التثقيفي، ودور العبادة، والاقتصاد والتنمية، عبر خطط شاملة، لكل هذه الميادين، تجسد روح المقاومة الفكرية والثقافية .
ومما يجب أن يذكر ويشاد به، في هذا المقام، ما تضطلع به القنوات الفضائية الحرة كالرسالة واقرأ والمجد والجزيرة، والرافدين، والمنار، والأقصى، والحوار والمحور، وغيرها من القنوات الرائدة والتي تحمل المشروع الإسلامي، وإن كان في بعض جزئياته، إلا أنها على الأقل لا تمثل الآخر، ولا تنقل سياسته الثقافية إلينا، والأمل معقود أن تتوسع هذه القنوات وأن تتطور، وأن تكون أكثر شمولاً، وأكثر استيعاباً لكل فئات وتيارات الأمة واتجاهاتها، وأن تواكب العصر وتقنياته، وأن تكون هي محبوبة الجماهير المسلمة، سيما بعد إفلاس الإعلام الغربي عن كل المقومات الإنسانية والأخلاقية .
ثمة جوانب أخرى هامة تتطلبها بالضرورة خارطة طريق إسلامية من أهمها وأبرزها على الإطلاق السعي الجاد لوحدة عربية، كنواة لوحدة إسلامية شاملة، هذه الوحدة ليست بالضرورة أن تكون شاملة وكلية، بل كخطوة أولى يمكن أن نتحد على الأقل في وحدة القرار السياسي، سيما في القضايا الكلية الكبرى، وأن نتجه لتفعيل الكيانات الوحدوية القائمة وإبراز دورها بشكل فعّال، في مختلف قضايا الأمة، كمجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وكذا الأحزاب والجماعات والمنظمات الإسلامية غير القطرية، وغيرها من الهيئات والمنظمات، صحيح أن بعض هذه المنظمات والتجمعات لم تنشأ في الأساس إلا لأهداف أخرى غير معلنة، لا تخفى على أحد، اقتضتها ظروف الزمان والمكان، بيد أن الظرف حالياً يحتم على الأمة التعامل مع هذه التكتلات السياسية كأمر واقع، ومطالبتها بالتحرك والفاعلية، وتصحيح المسار والاتجاه، بما يخدم قضايا وأهداف الأمة .
ومن الواجب في هذه الأثناء مطالبة مفكري ومثقفي الأمة وسياسييها بضرورة انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، لما تمثله اليمن من عمق استراتيجي واقتصادي وسياسي كبير في الجزيرة والخليج، وتبني برامج عملية جادة لتطوير اليمن ليصل إلى مصاف دول الخليج، وانتشال اليمن من كبوتها الاقتصادية، لتلحق بركب الاقتصاد الخليجي، الذي لا نهوّن منه، ففي الجزيرة والخليج إمكانيات ومقدرات هائلة وضخمة، تحتاج إلى حسن إدارة واستغلال وتوجيه، وقبل ذلك إلى قرار حر .
وفي ذات السياق على الدول العربية وبالذات دول الطوق، إصلاح وتطوير وإعداد جيوشها، وبناء وتجذير الروح الوطنية والإسلامية فيها، ويأتي في مقدمة ذلك أيضاً السعي لامتلاك سلاح الردع النووي، كضرورة لا بد منها لردع أي عدوان يهدد هذه البلدان .
وعلى كل الأحوال والتقديرات فيجب ألا تعجز الأنظمة العربية في المرحلة الراهنة عن قرار شجاع يقضي باتفاق عربي ملزم للدفاع المشترك، في ظل هذه الأزمات والكوارث التي تجتاح أمتنا ودولنا، وألا نظل ننتظر موسى الحلاّق، أو أن نهرول إليه، إن كان بقي لدينا ما يمكن حلقه .
في الثلاثاء 19 فبراير-شباط 2008 04:52:09 م