|
تحدثت في مقال البارحة عن مؤتمر في طهران من المقرر عقده نهاية هذا الشهر لبعض الشباب والسياسيين والعرب باسم الصحوة الإسلامية، وأعطيت القارئ أمثلة لبعض المشاركين اليمنيين المحتملين ذاكرا أسماء من أعتقد أنهم محصنين ضد الاختراق لما لديهم من نضوج سياسي لا نقاش فيه، وتجاهلت أسماء مجموعة أخرى من الباحثين عن مشتر لبضاعتهم، مكتفيا بذكر أوصافهم وصفاتهم بغرض التحذير من ممارساتهم وتجنب التشهير بأسمائهم.
ويبدو أن الإيرانيين مدركون أن من يأتي من داخل الساحات الثورية لديه قضية وليس من السهل شرائه، ولهذا فإن تركيزهم هذه المرة جاء على المقيمين في أوروبا وأميركا. واستكمالا للعينة الصغيرة التي بدأتها في مقال أمس سأتحدث اليوم عن تاجر يمني من أبناء جلدتنا مقيم في مدينة سانفرانسيسكو الأميركية ويتنقل حاليا في جولات مكوكية بين دمشق وطهران والقاهرة لأنه يعرف من أين تؤكل الكتف وما هو الوقت المناسب لذلك، فقد كتب مقالا يبدو أنه يريد أن يشارك به في مؤتمر طهران في محاولة منه على ما يبدو للحصول على إحدى جوائز آية الله نوبل الطائفية المعلن عنها في كتيب المؤتمر.
جاء في مطلع المقال: «إن المعطيات المتطورة على الأرض توحي لنا بأن عام 2012 سوف يشهد تحرير جزيرة العرب أو عودة الفرع إلى الأصل وتنضم دول الخليج المصطنعة إلى اليمن مهد العروبة والحضارات العربية».
هذا التاجر الذي يدعي أنه كاتب هو نفسه الذي احتفت المواقع الجنوبية بمقابلة أجراها مع نفسه جاء فيها: «شارعنا في الجنوب قد حسم أمره في فك الارتباط وإذا كان هذا هو خيار أخوتنا في المحافظات الجنوبية فسنقف معهم».
أي أنه يؤيد الانفصال على المستوى الداخلي في اليمن ربما لأن هناك مصلحة مادية من جهة مخدوعة به. ولكن عندما يريد أن يرتزق من طهران فإن فك الارتباط يتحول إلى عودة الفرع إلى الأصل أو السعودية إلى اليمن لتوحيد جزيرة العرب وهو نفس الشعار الذي يجاهر به «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب».
وهذا الكويتب نفسه الذي لا داعي لذكر اسمه هو الذي يكتب عن صمود النظام السوري المقاوم ضد شعبه الخائن ويتحدث عما يجري في اليمن بأنها ثورة ضد علي محسن وحميد الأحمر.
ورغم أن البعض ممن حدثني عن هذا الشخص الغامض يزعم أن المخابرات الإيرانية هي التي تشرف على كتاباته وكتابات أفراد المجموعة المذكورة في مقال الأمس ولكني شخصيا أرجح أنهم مجرد مرتزقة انتهازيون، لأن الثورات عندما تطول ويتأخر الحسم ينتج عنها إفرازات جانبية من بينها ظهور طبقات وأفراد وانتهازيين يستفيدون من الوضع الانتقالي ويطيلون أمده بممارساتهم الانتهازية. وربما أنهم يحاولون من تلقاء أنفسهم أو بإيعاز مدفوع الأجر خدمة حلف «الحاء» غير المقدس ( حوثي - حراك - حرس)، والطرف الثالث في هذا المحور ربما يكون الحرس الثوري وربما يكون الحرس الجمهوري وكلاهما يسعى لإحياء مشروع التوريث. ومن غير المستبعد أن يكون الحرس الجمهوري أو الحرس الثوري هو الذي ينفق على كل ما تقوم به هذه المجموعة.
ورغم أني لا أقرأ مدونات مراهقي الحرس «الثورمهوي»، إلا أن العينة البسيطة التي أطلعت عليها لغرض كتابة هذا المقال جعلتني أتوصل إلى حقيقة مرة وهي أنهم جميعا «ناشطون جنسيا» وليس سياسيا، ويحاولون عرض أنفسهم بشكل مبتذل على المخابرات الإيرانية المشغولة بقضايا الحصار القادم على طهران ولا أظنها قد تنبهت إلى وجودهم على الخارطة، كما يحاولون مغازلة المخابرات السورية حيث أن أحد هؤلاء المستكتبين كثيرا ما أدى دور المنسق بين الحوثيين والأمن القومي، وأحيانا بين الأمن القومي وبعض ناشطي الحراك، ولهذا فهو يحرك خصره مدعيا مناصرته لانفصال المحافظات الجنوبية وفي ذات الوقت يحاول إيهام الحوثيين أنه حفيد فاطمة الزهراء وليس حبيب عبدالوهاب الحجري.
ولا غرابة من ذكر اسم عبدالوهاب الحجري سفير صالح الدائم في واشنطن فالشخص المعني تربطه بالحجري صداقة حميمة وعلاقة عميقة وقد أمضيا سنوات طويلة يسخران مواهب صديق السفير بخبث لمشروع التوريث الفاشل، وذلك عن طريق شن حملة ضارية على الرئيس الأب بتشجيع من السفير ذاته، وفي ذات الوقت الترويج من طرف خفي لنجل الرئيس.
وحسب المعلومات التي استقيتها مؤخرا من عدة مصادر فإن صديق السفير تزوج من أسرة سنحانية فاضلة مقربة من أهل الحكم، ولكنه استغل جهل الناس بخلفيته مع التوريث وبدأ في الآونة الأخيرة يقدم نفسه كمعارض لا يشق له غبار ويصارع للبحث عن شهرة بمهاجمة نفسه أحيانا بأسماء مستعارة وأحيانا بنشر كتاباته في قائمة بريد الكتروني مصغرة مطمئنا عن جهل أن البريد الالكتروني هو موقع إخباري يصل إلى كل الناس.
وعند سؤال المصادر إياها عن خلفية هذا المعارض قيل لي أنه كان يعمل طباعا للأخبار الانجليزية في محطة تلفزيون صنعاء قبل أن يحل الكمبيوتر محل الطباعين. بعد ذلك حصل صاحبنا على منحة لدراسة اللغة الانجليزية في فرنسا حسب قوله لأصدقائه. ونظرا لما يتمتع به من مهارات في تسخير علاقات النسب والصداقة لصالحة فقد تمكن في وقت لاحق من إقناع وزير الإعلام السابق حسن اللوزي أن يرقيه من طباع إلى قارئ نشرة انجليزية، بعد أن أدرك أن اللوزي قادر أن يكشف ضعفه في اللغة العربية بكل سهولة. وساعده في ذلك أن دخول الكمبيوتر إلى العمل التلفزيوني أدى إلى نوع من الدمج بين عمل المحررين والطباعين وأصبح أي محرر قادرا على الاستغناء عن الطباع. وبحكم الضرورة فإن كثير من المحررين تمكنوا من إجادة الطباعة ولكن القليل من الطباعين استطاعوا إجادة التحرير فما بالنا بقراءة النشرات. وسرعان ما اكتشف اللوزي والمشاهدون بمن فيهم من لا يعرف الانجليزية أن صاحبنا يقرأ النشرة بلهجة صنعانية تارة وبلكنة فرنسية تارة أخرى، وفقا للمصادر إياها، فجرى بعد ذلك استبعاده من التلفزيون وإعادته إلى الجهة المنتدب منها إلى التلفزيون وهي مؤسسة الفندم غالب.
كان الجمع بين العمل في الإعلام والأمن ظاهرة غير غريبة في الجمهورية العربية اليمنية قبل الوحدة وربما بعد الوحدة، بل إن العمل الإعلامي في تلك الأيام لم يكن سوى غطاء للتمويه يرتديه بعض الدخلاء على المهنة. ويقدر بعض من وافق على الحديث عن تاريخ الطباع المذيع الذي أصبح تاجرا أنه أمضى في أجهزة القمع اليمنية أكثر من 16عاما، اشترك خلالها وفقا لمصادر تعرفه شخصيا في مؤامرات تجسس واستهداف لنائب رئيس الوزراء الأسبق حسن مكي ، وتسميم ووزير المغتربين الأسبق أحمد البشاري، وغير ذلك من المهام السرية التي لا نعرف منها إلا القليل.
وتقول المصادر ذاتها أن الشخص المشار إليه اختلف مع بعض رموز النظام في اليمن بعد أن استولى بطريقة غامضة على مبالغ مالية كبيرة وهرب بها إلى أميركا حيث أنه يملك حاليا عدة محلات للقمار وبيع الخمور في مدينة سانفرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركي. ويقول مصدر من أوساط الجالية اليمنية في المدينة إن أحد محلات القمار السرية التي يديرها الرجل لصالح جهات غير معروفة يقع في الطابق الأرضي من مبنى مسجل لدى السلطات كمسجد للعبادة ويرتاده مدمنون معظمهم غير مسلمين.
ويزعم المراهق السياسي الذي جاوز الخمسين من عمره بأنه معارض للنظام، ومع ذلك فقد تمكن بمساعدة السفير الحجري وآخرين من تعيين أحد أصهاره ملحقا ثقافيا في السفارة اليمنية بواشنطن. ووفقا لقضية موثقة بنكيا فقد اكتشف الملحق الثقافي أن هناك مبلغ يزيد عن المليون دولار تم إيداعه في حساب الملحقية دون علمه. ونتيجة لرفضه تحويل الملحقية إلى إدارة لغسيل الأموال تمت إعادته لليمن دون أن يعرف حتى الآن مصدر المليون دولار ولا مصيرها. وكان صديق السفير الباحث عن دور قد أدرج عقب مغادرته اليمن ضمن المطلوبين للأنتربول الدولي على خلفية قضية الأموال التي فر بها إلى أمريكا، إلا أن الحظ ساعده بأن مدير مكتب الأنتربول في اليمن الذي أصبح وزير داخلية فيما بعد تربطه أيضا صداقة وزمالة بالسفير الحجري واستطاع الحجري إقناع مدير الأنتربول في اليمن بتجميد قضية صديقه المعارض بحجة أنه يفيد الوطن بانخراطه في صفوف المعارضين وبذر الخلافات والشكوك بينهم وأيضا لديه مهارات أخرى يعرفها الحجري أكثر من غيره.
وتوضح سجلات المحاكم الأميركية أن صديق السفير تورط في أكثر من 12 قضية مالية في وقت كان خلالها ينام في السفارة عند قدومه إلى واشنطن أو في مقر إقامة سفير علي عبدالله صالح. ولا أرغب في نشر الوثائق المنشورة أصلا في مواقع محاكم ولاية كاليفورنيا وبعض المحاكم الفيدرالية الأميركية، فالهدف هنا هو تسليط الضوء على عينة من أساليب النظام المنتهي، وليس التشهير باسم هذا أو ذك.
وبسبب كثرة قضايا النصب والاحتيال التي تورط فيها صديق السفير، قرر مؤخرا تغيير مقر إقامته وبدأ يتنقل بين سكن خاص بالرئيس صالح في القاهرة وبين فنادق ضخمة ومنازل للمتعة في طهران ودمشق. وهذا الناشط «جنسيا» لم يخجل من الكتابة عن خلافه مع بعض بائعي الهوى في القاهرة حول «الأسعار» زاعما أن مندوبي السياحة المصريين لا يعرفون الفرق بين اليمني والخليجي، وكأن وزارة السياحة سوف ترسل له من يستقبله في المطار.
وخلال لحظة صحو نادرة أثناء وجود الرجل في دمشق توجه لزيارة عضو القيادة القومية عبد الحافظ نعمان محاولا إقناعه بالعمل على تفكيك اللقاء المشترك مدعيا أن الثورة يجب أن تكون ضد المشترك وليس ضد علي عبدالله صالح. ولكن الأستاذ عبدالحافظ نعمان قبل أن يصبح وزيرا في حكومة المشترك استهجن العرض وطلب من الزائر أن يقود الثورة بنفسه إذا كان لديه مجموعة أتباع أو حتى تبيع واحد.
ورغم الانفلات الصحفي وغياب التدقيق في الجودة إلا أن معظم المواقع اليمنية ترفض نشر المقالات التي يكتبها صاحبنا التاجر الذي يريد أن يتحول إلى كاتب. وكان قد زعم في أحد مقالاته أن محاكمة الزميل سمير جبران رئيس تحرير صحيفة المصدر تمثيلية، واختطاف الزميل محمد المقالح كان مسرحية. وعلى الأرجح أن رفض نشر كتاباته يعود بالدرجة الأولى إلى رداءتها لكنه يدعي أن هناك حصارا على مقالاته شبيه بالحصار المفروض على إيران.
ومن المفارقات المضحكة أني كنت واحدا ممن استمع إلى شكواه، فتوسطت له لدى الزميل عبدالله مصلح ناشر صحيفة اليقين ليستكتبه لديه في صحيفة العاصمة قبل صدور اليقين دون أن أدرك حينها خلفية الرجل ومراميه. ولهذا فإني أشعر بالأسف أني كنت من أوائل المخدوعين «به» ومن روج ببراءة لحقه في التعبير عن رأيه دون علم مسبق بتاريخه.
كما أنخدع به لاحقاً إخوتنا الجنوبيون وما يزال هناك الكثير من المخدوعين والمغرر بهم. ومع هذا فأنا سعيد بذلك لأن التاريخ ينبئنا أن الثورات العظيمة لا تنجح إلا عندما يلتحق بها النصابون والقتلة واللصوص والفسقة، حيث إن التحاقهم بها هو المؤشر الأول على أن نهر الثورة بدأ يجرف الجميع، ولن تؤثر أي قشة أو جثة على تدفق المياه الصافية في نهر الثورة العظيم.
في الجمعة 13 يناير-كانون الثاني 2012 05:56:04 م