|
لا تصدق ما يجري وان التقطته أذناك على الهواء ومن الأفواه مباشرة ،أو شاهدته عيناك في رابعة النهار ، فإنما ذلك هذيان حاقد ، أو تحذلق موتور محبط يطلب ثارة بخسية من الشائعات كهذه ...
تائهة هي عيناك وخرقاء في المقابل أذناك ، ولست بأكثر من أحيمق لا تفهم في السياسة ,ثم أخرس بعد ولا تنبس .
يستحي المرء أن يتكلم أو يحاور أو يكتب في شأن ما إن حضر الحديث عن الجعاشن .
والجعاشن .. ما الجعاشن ؟ ....
كانت قصة فصارت مأساة يتناقلها الركب ، وتحكيها الأمهات للصغار ، وقد صلت بها الفضائيات إلى حدود المعمورة ، وتكلم حولها الناشطون والمثقفون والأدباء وكل ذي حمية وإنسان .
الجعشني وما أدراك ما الجعشني ، اشعث أغبر ، منتوف الريش ، مدفوع على الأبواب لا يأبه لهوله أحد ، تطبع الناس مع مأساته فصار ليس بأكثر من وقع اثر لمتشاجرين في سوق الملح على موقع بسطة .
الجعشني اليوم لم يعلنها ثورة حيث توجس البعض إنما أطلقها صرخة استغاثة مكلومة ، والجعشني شانه كأبناء جلدته (اليمنيين ) صبور جلد على حمل الهموم والأإثقال وقور على السمع والطاعة ، وزاده أكثر على الاسترخاء والتحمل طبيعة التنشأة التي جبله عليها شيخه المنصور ، وعلى ذلك فاستغاثته اليوم ليست من قبيل الترف أو التناغم السياسي مع أو ضد حزب ما ، أو من قبيل المكايدات في ميدان رقص الثعابين ، إنما هو فقه المضطر والفطرة التي تجالد من اجل البقاء .
أقولها بكل بناني ومليء فمي وجناني أننا كلنا مؤسسة ومجتمع سقطنا في مستنقع أخلاقي وبيء من ساعة حضور الجعاشن .
هذه ليست قيمنا التي عرفنا بها كيمنيين أو زعم التاريخ عنا ، فان ضمر الدين فينا ، فأين النخوة التي افتخر بها العربي أو عُير عندها في أسوأ مراحله التاريخية (الوثنية ).
فإن ضاع عدل السلطان فأين مروءة الأقيال اليمانية ، وأعراف النصرة والنخوة ، وما لذي يبقى للشريف وهو يسود إن تنآى وصم أذنيه عن ملهوف يستغيث ووجيع يصرخ وحرة تستجيش في بني عمها المروة والنجدة.
حلف الفضول :
ذكروا أنه (قدم إلى مكة المكرمة تاجرا يمانيا من قبيلة زبيد ومعه تجارة ، فاشتراها منه رجل من قريش كان معروفاً بالعناد والباطل والظلم ، هو العاص بن وائل السهمي ، والد عمرو بن العاص وهشام بن العاص رضي الله عنهما.وبعد أن قبض العاص البضاعة واستقرت عنده أنكر حق الرجل.
فلما يأس الزبيدي من نصرة قريش ، وقف في وسط المسجد الحرام بجوار الكعبة ، وأنشد بأعلى صوته :
يا آل فهر لمظلوم بضاعتــه .....ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا للرجال وبين الحِجر والحَجر
البيت هذا لمن تمت مروءته .....وليس للفاجر المأفـون والغدر.
فقام أحد أشراف بني عبد المطلب واسمه الزبير فقال للزبيدي : لبيك جاءتك النّصفة ، والله إن هذا ظلم لا يُصبر عليه و لا يُترك ، وسارع في الحال إلى بيت رجل من كرام قريش اسمه عبد الله بن جدعان ، وكان من رهط أبي بكر الصديق ، وكان ممدوحا جواداً ، الذي قام بدوره ونهض فنادى في أفناء قريش وأحيائها : هلم يا أشراف مكة إلى بيتي نبرم حلفاً ينصر المظلوم ، ويأخذ على يد الظالم.
فاستجاب له نفر من أهل الغيرة والمعروف من بني هاشم وبني المطلب ، وبني أسد وهم قوم خديجة ، وبني زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين تيم ومنهم ابن جدعان نفسه ، فأبروا حلفاً وتعاقدوا ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها ومن غيرهم من سائر الناس إلا أقاموا معه حتى يردوا مظلمته ، فسمت قريش ذلك حلف الفضول – يعني الأفاضل – (وقيل سمي بحلف المطيبين ).
حسب علمي أن أبناء الجعاشن ليسوا مطية لحزب آخر غير الشعبي العام وأغلبهم لم يحمل سوى بطاقته ، وصندوقهم كان مغلقا عليه فلا يجوز البتة كفرانهم السياسي إن كانت القاعدة قد باتت على هذا النوع من الانتماء عند طرف السلطة .
ولا يجوز بأي حال أن ترجح عليهم قصيدة في كفة السلطان ، علت به وغاصت بهم .
ولا يجوز أن تمر من جنبهم أعراف النخوة والنجدة لدى النسيج القبلي الاجتماعي لتغادرهم إلى أعراف داحس والغبرا .
تبا لنا من بشر إن وأدنا في داخلنا الإنسان .. وتبا لنا من متدينين إن بقينا عند فقه الحيض والنفاس والأدب مع بغلة السلطان .
وتبا لنا من مثقف إن بقينا في الضلالة والتزيف أو السكوت نهتدي .
وتبا لنا من دولة إن تكلمنا في المحافل عن حقوق الإنسان والحيوان ، أو قدمنا مبادرات ومشورات لإصلاح مسار غيرنا من المجتمعات .
alhager@gawab.com
في الخميس 18 فبراير-شباط 2010 09:48:28 م