دبلوماسيه الحياد العمانيه والصراع في اليمن
بقلم/ علي عبدربة القاضي..
نشر منذ: سنتين و 5 أشهر و يومين
الأحد 29 مايو 2022 06:57 م

العلاقات اليمنيه العمانيه عبر التاريخ حكمتها قواعد وثوابت أخلاقية أكدت دائمًا على قوة ومتانة العلاقة ، فما أن يـتعرض أحد البلدين لعدوان وغزو خارجي حتى يأتي الدعم والمدد والمساندة من البلد الآخر من العُمق الاستراتيجي الطبيعي ، كانت أشبه بحالة استجابة متبادله بين الشعبين.

فما أن تتعرض اليمن لعدوان اجنبي يستهدف الأرض والإنسان حتى تهُب عُمان لنجدتها، طوال التاريخ كان هذا ديدن العلاقات بين الشعبين ، حدث ذلك أكثر من مره سواءً ضد البرتغاليين الذين جاءوا باساطيلهم لاحتلال اليمن ، أو ضد الفراعنة الذين احتلوا جزيرة سُقطرى لفترة من الزمن ، وحاولوا البقاء فيها لفترات أطول ، الاساطيل العُمانيه هي من أخرجتهم من الأرض اليمنيه.

وعقب كل حادثة غزو وعدوان تكون هناك حالة نجدة واستجابه ، سرعان ما يغادر العمانيون بعدها عائدين إلى سواحل عُمان ، هكذا حدث مع جزيرة سُقطرى التي تركوها لليمنيين عندما تعرضت للغزو الفرعوني في القرن العاشر قبل الميلاد فكان التحرير فكانت النجدة من عُمان ، العلاقة بين اليمن وعُمان أزلية منذ فجر التاريخ عندما هاجرت بعض القبائل العربية بقيادة مالك بن فهم الأزدي من موطنها في مأرب بعد انهيار سدها العظيم إلى أرض عُمان ، علاقة تتفاعل كيميائيًا برافعة الدم والقبيله والأرومه الواحدة النقيه ، تلك العوامل هي التي صنعت تلك الحالة الرائعة من الصهر الاجتماعي بين الشعبين عبر التاريخ ، هي ذاتها التي تعتبر الرافعه المحركة لحركة التاريخ وديناميكيته التي لم تتوقف خلال أكثر من ثلاثة الاف عام وفي بعض مراحل التاريخ حُكمت حضرموت من دول قامت على أرض عُمان امتد نفوذها إلى عمق اليمن كما كان الحال في دولة اليعاربه.

نفس الحال تكرر في زمن الدولة الرسوليه التي كان لها حضورها في شرق عُمان اقليم صلاله ، في الحالتين لم يكن أهل اليمن ولا أهل عُمان ينتابهم شعور بأنهم محكومين من قوى غريبه عنهم بل كان الشعور الذي رسخ في الوجدان أن الدولة الحاكمة  من نفس طينة الأرض ومن ذات النسيج الاجتماعي الذي يتحرك تبعًا لما تفرضه الهويات الجغرافية بقوانينها الثابته والمتحركة.

وفي ظل معطيات كهذه لا يوجد في قاموس التاريخ اليمني والعُماني اي جملة او عبارة او كلمة غزو أو إحتلال يشير إلى أي من طرفي العلاقة ، باختصار هي واحدية الحضارة بين البلدين التي جعلتني ذات يوم اردد عبارة أن عُمان هي شطر اليمن الثاني واليمن هي شطر عُمان الثاني ، أمام تلك المعطيات التي انتجها الموروث الحضاري عبر التاريخ ، كان لعُمان الأرض والإنسان حضورها في وجدان كل يمني وهو نفس الشعور لدى الإنسان العُماني والذي يتجلى ويظهر بوضوح من خلال رؤية السلطان الراحل قابوس بن سعيد رحمة الله عليه الذي كانت له فلسفته للعلاقات بين البلدين تلك الفلسفة التي كانت تنطلق من رؤية تاريخية تقوم على القاعدة التي تقول بضرورة وجود دولة يمنيه آمنه مستقرة يهنئ المواطن فيها برغد العيش تعيش حالة دائمة من الاستقرار.

هذه الرؤيه والتي تعد جزء لا يتجزء من الاستراتيجية التي ارساها السلطان الراحل تعد من الثوابت للعلاقات بين عُمان وبين باقي دول المنطقة وفي مقدمتها اليمن ، وهي ما يتم تكريسه حاليًا في عهد السلطان هيثم بن طارق البوسعيدي أبو ذيزن والذي يرمز اختياره لاسم ذي يزن لأكبر أبنائه كدلاله على الاعتداد بالتاريخ المشترك بين البلدين فالسلطان هيثم بن طارق منذ أن تسلم زمام الأمر في السلطنة  تعامل مع الوضع المتأزم في اليمن بنموذج رائع متقدم يؤكد على روح الإخاء العربي الذي يفترض أن يستفيد منه صانع القرار العربي كنموذج ومثال يحُتذى به ، يحكم ويتحكم بالعلاقات العربية العربية ويكون بمثابة " الترمومتر " الذي ينبغي أن تُقاس عليه العلاقات العربية العربية ،فمنذ بداية عصر النهضة العُمانيه على يد المغفور له السلطان قابوس بن سعيد سُلطان عُمان الراحل وحيث كان تاريخ 23 يوليو 1970 هو بداية نهضة عُمان الحديثه اخطت الدبلوماسيه الُعمانيه العريقه لها نمطًا واتجاهًا يعد بمثابة العلامة المضيئة والفارقه في الدبلوماسية العربية ، قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، كان ذلك النمط والاتجاه القائم على الحياد الايجابي ودبلوماسية الوساطة أحد أهم مُخرجات الحياد الذي تمكّنت من خلاله الدبلوماسيه العُمانيه من تحقيق المصالح الُعليا  للشعب وللدولة العُمانيه ، اسهمت ومكنت سياسة الحياد والوساطة  الدبلوماسية من لعب أداوراً محوريه في الصراعات التي شهدتها المنطقة والاقليم والعالم ، فكان للدبلوماسية العُمانيه بما تحمله من موروث عريق الكلمة الفصل في وقف الحروب والنزاعات الاقليميه والدوليه ، والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة وهي في معظمها نزاعات وخلافات وقضايا بالغة التعقيد كان لحياد عُمان الدور الرئيسي في وقف الحرب العراقيه الإيرانيه في ثمانينيات القرن الماضي تلك الحرب التي خلفت مليوني قتيل واستمرت طوال ثمان سنوات وبفعل نجاح الوساطة العُمانيه توقفت الحرب ، ليتجاوز الدور النشط والحيوي المحيط الإقليمي إلى مسرح السياسة الدوليه ، حيث أثمرت جهود الدبلوماسية العُمانية بفعل علاقات التوازن الاستراتيجي في إبرام الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الامريكيه ، عُمان بفعل الأواصر المشتركة مع اليمن وكون كل بلد يعد الشطر الثاني للآخر وكون السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان يعد القائد العربي الأكثر فهمًا للمشهد اليمني واشكالياته المتعددة بأبعادها المختلفة السياسية والثقافية والإجتماعية ، وعليه فهو الشخصية العربية الأكثر قبولاً لدى اليمن واليمنيين في القيام بالدور السياسي والمساعي الحميدة التي لم تتوقف خلال سنوات الحرب اليمنيه وهو القائد الذي بدأ عهده بتحريك المياه الراكدة والآسنة في المشهد اليمني والذي نتمنى أن يكون له الشرف في أطفاء نار الحرب التي لن يستفيد منها إلا أعداء العرب والإسلام ، ومنذ توليه مقاليد الأمور في عُمان قامت الدبلوماسيه العُمانيه بدعم الجهود وتعزيز المساعي الدوليه الجاريه بتقديم مبادرة عُمانيه كان لها الدور في إحداث متغيرات كبيرة في المشهد اليمني الراهن وقادت في نهاية الأمر إلى وقف إطلاق النار ( الهدنه الحالية ) وإلى ما يمكن توصيفه ببداية انفراج في الأزمة من خلال رفع الحصار عن ميناء الحديدة و فتح مطار صنعاء ، نعم أنها سياسة الحياد ودبلوماسية الوساطات التي لا يجيدها بتلك البراعة إلا اشقائنا العُمانيون الأن وبعد كل سنوات الحرب والخراب وتداعياتها على كافة الأصعدة وعندما نلتفت إلى الدور الفاعل والحاضر يبقى أمام السلطان والمثقف العروبي أن يدعو لقمة في مسقط تكون بمثابة قمة تاريخية تنهي الصراع في اليمن والجزيرة العربية هذه القمة تُعقد في مسقط عاصمة الحياد بمشاركة وحضور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة اليمني والسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي قائد حركة أنصار الله ، وبرعاية جلالة السلطان هيثم بن طارق وعلاقة عُمان المتوازنه التي تقف على مسافة واحدة بين جميع أطراف الصراع ستكون وثيقة مسقط التاريخية هي المخرج لليمن واليمنيين والمنطقة من الصراع الدامي الذي أهلك الحرث والنسل ودمّر ما بناه اليمنيون في عقود ، السلطان هيثم بن طارق يحفظه الله قادر على تحقيق السلام في اليمن ورسم خارطة طريق سياسية تكون محل إجماع اليمنيين ، تضمن فترة انتقالية وقيادة مشتركة بين فرقاء الصراع في اليمن تتبعها انتخابات برلمانية ورئاسية خلال عامين يتخللها دمج القوات العسكرية التي على الأرض وتطبيق قانون الخدمة العسكريه عليها من اليمن والاتفاق على نظام وطني توافقي يلبي كل طموحات وآمال الشعب اليمني ، وكما كانت العلاقة الأزلية بين البلدين عبر التاريخ علاقة نجدة واستجابة ستأتي المبادرة الكريمة من جلالة السلطان لعقد قمة السلام في اليمن بين القوى الاقليميه في المنطقة وباستضافة ورعاية كريمة من جلالته لتكون منعطفًا هامًا على صعيد حلحلحت الأزمات العربية ، انني وبعد أكثر من خمسة عقود في ميدان العمل السياسي القومي أرى أن الوضع العربي الذي بات من التعقيد يحتاج إلى أن يفتح المجال أمام دبلوماسية الحياد والوساطات التي انتهجتها عُمان والتي وحدها القادرة على وقف حالات التشظي والتشرذم الذي باتت تعيشه الأمة العربية والتي من شأنها أن تعمل على إعادة الروح للتضامن والوئام بين اقطار الوطن العربي ، اتمنى أن تجد هذه الدعوة من الاطراف المعنية بالصراع في اليمن صداً يمكّن لليمن من الخروج من النفق المُظلم الذي دخلت إليه ، في ذات السياق أدعو القوى السياسية والمثقفين وقادة الرأي والكلمة إلى التقاط اللحظة التاريخية الراهنة بالدفع بالفكرة "الدعوة"وبدون استحياء أو تحفظ للخروج من الواقع الراهن لإتاحة المجال أمام الجهود العُمانية الخيّرة لتحقيق السلام في بلدهم حيث اغلقت جميع الأبواب والسبل أمامهم ولم يتبقى أمامهم سوى الجار الحريص على أمنهم ومستقبل بلدهم.

خيراً مفتاح الحل في مسقط وطريق اليمن نحو السلام يبدأ منها عبر الدبلوماسية العُمانية العريقة ، دبلوماسية الحياد الاستراتيجي الايجابي والوساطات الناجحه.

-*رئيس كتلة المستقلين بمجلس النواب اليمني