لصوص مسلحون في جنوب اليمن
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 6 سنوات و 7 أشهر و 3 أيام
الجمعة 30 مارس - آذار 2018 08:47 م

تشهد محافظة عدن عمليات نزوج كبيرة وواسعة خاصة لرجال المال والإعمال وتحديدا أولئك الذين ينتمون إلى المحافظات الشمالية , ناهيك عن مغادرة الالف من ذوي الاعمال والمهن المتعددة التي ترتكز عليها حياة المواطن العادي في تلك المدينة, هذا النزوح القسري الجديد يعد الثاني " بعد النزوح الاول الذي تسبب به الحوثيون " يجرى في ظل هينة المجلس الانتقالي وحزامه الأمني الذي بات يفرض سيطرته على الأرض بقوة السلاح .

ليس هولاء فقط هم من فروا وأعلنوا المغادرة بهدوء أو خلسة , بسبب ممارسات المليشيات الجنوبية التي تحولت إلى عصابات تمارس إمتهان اللصوصية والنهب والقمع لكل الشماليين في الجنوب , بل وصل الحد إلى رئيس الوزراء الذي اعلنها صراحة قبل أيام بقوله " لن أعود إلى عدن مجددا كي نتقاتل" وهي رسالة حساسة بعث بها الدكتور أحمد بن عبيد بن دغر في نظري إلى أكثر من طرف قد تكون دول التحالف في مقدمة الأطراف وتحديدا السعودية والأمارات العربية المتحدة وثانيا إلى المجتمع الدولي ورعاة المبادرة الخليجية , وربما إلى الرئيس هادي .

الحكومة اليمنية فيما يبدو أنها حاولت بالدفع بملف "المتمردين " في الجنوب المتسببين بكل هذا النزوح القسري والفوضى الأمنية, خارج إطار التحالف " بعد الوعود المتعددة منهم بحسم هذا الملف ,, لكن يبدو أن حساسيته الموضوع سرع بطرح القضية على مجلس الامن عبر المذكرة الرسمية التي وجهتها الحكومة اليمنية إلى لجنة العقوبات الدولية التي أكدت فيها أن قوات الحزام الأمني هي مليشيات مناطقية وعشائرية قبلية خارج سلطة الشرعية بل وتعمل على تقويضها, إضافة إلى وصف مدير أمن عدن "شلال شايع" بالمتمرد .

لا يمكن لبن دغر أو غيرة من المسئولين أو بقية رجال المال والاعمال في اليمن و العامة من الشعب " الشماليين " تحديد موعد العودة إلى عدن في ظل وجود عصابات مسلحة خارج إطار الشرعية وخارج إطار القانون .

الحمقى في الجنوب هم فقط الذين ينظرون إلى نزوح هذا الكم الهائل من رجال الاعمال خارج "الجنوب" هربا من عمليات البطش والسرقة والعدوان حتى على خصوصياتهم وغرفهم نومهم أنه نصر ونجاح أمني لهم .

الحزام الأمني وسياساته العدوانية ضد الاخر لا يصنع نصرا للجنوب ,إنما يصنع الضياع والخراب للجنوبيين أولا قبل الشمال .

 عدن تتحول يوميا من قبلة مدائن اليمن إلى مدينة خاوية تعج بالكراهية وتنبض بالوهم ,ويسيطر عليها الموت والاغتيالات والتفخيخات, ويذبل فيها مؤشرات الحياة والمستقبل , وستصبح قطاعا جغرافيا لن يتحرك فيه إلا رواد الكراهية وصانعي الموت , وسيتحول المجتمع فيها إلى قطيع من العاطلين في إقطاعية قاحلة ستدخل في صراع مستقبلي مع ذاتها وشركائها من دعاة الكراهية ومشجعي المناطقية وستبرز خلافات "أبين والضالع وشبوة وغيرها وسيتم إحياء كل ثارات الماضي وخلافات الأمس.

المدن التي يرحل عنها رجال الاقتصاد في أي بلد من العالم , يؤكد التاريخ أنها قادمة على كوارث مجتمعية وسياسية واقتصادية كبيرة , والجاهلون فقط هم الذين لا يدركون معنى مغادرة سلطة المال والتجارة من بلدانهم أو دولهم إلى مناطق أخرى .

عندما تتحول المدن إلى شوارع ومباني يسكنها الموت , وأزقة تنخر فيها البطالة فتأكد أن ثمة ثورة للجياع قادمة هناك.

الكثيرون من أبناء الجنوب بدأوا يبحثون اليوم عن فرص للعمل في عدن ولحج وغيرها من محافظات الجنوب كي يعولوا أسرهم وذويهم لكنهم يصطدمون بواقع جديد يرسم في معالمة كل معاني الإفلاس والتدهور.

 العالم يتسابق في وضع الاغراءات والتسهيلات أمام رجال المال والأعمال , للاستثمار والعمل في دولهم , كي تضج بلدانهم بالحياة , لكن الحمقى فقط هم من يمارسون عكس تلك السياسات .

المشهد من بدياته يرسم ملامح كابوس قادم على الجنوب في ظل حكم عصابات مسلحة لا تراعي أخلاقا ولا قيم مجتمعية أو تعي بمفهوم العلاقات العامة بين المجتمعات.

نجح الحوثيون في الشمال في تدمير كل شيء جميل في اليمن , وعلى خطاهم يدمر الحزام الأمني وكل من سار في فلكهم كل شيء جميل في الجنوب , وكل هولاء هم أعداء الوطن .

كبرى المشاريع الاستثمارية توقفت في الجنوب , وكبار المستمرين بدئوا بالرحيل وبعضا منهم أنتهى من سحب استثماراته وأمواله من عدن , وغالبية صغار التجار أوقفوا أعمالهم كلية, نظرا لعمليات القمع والنهب التي تمارسها عصابات المجلس الانتقالي بحقهم .

أتوقع مصيرا مشابها لجنوب اليمن كمصير جنوب السودان الذي تعصف به حاليا الحروب والصرعات وينخر فيه الفقر والمرض رغم أنه يعيش على بحار من الثروات , ناضلوا كثيرا من أجل استقلالهم عن الشمال ونيل حريتهم كما يقولون , لكنهم لم يجدوا سوى وهما قادهم إلى الحروب والتصفيات الداخلية فيما بينهم , ومجاعة بدأت تفتك بهم .

الشعوب والمجتمعات عندما تسلم مصائرها إلى عصابات تقودها نزوات عاطفية هوجاء , فأن مصيرها دائما يكون مؤلما .

نتمنى من دول التحالف التدخل العاجل لوقف مسيرة هذه العصابات التي تقود اليمن إلى مصير مجهول سواء في الشمال أو الجنوب, مالم فستكون الضريبة مكلفة على الكل وباهظة أكثر مما هي عليه اليوم , ولا نامت أعين الجبناء.