الجنوب بين آلام الصراع وآمال الإنفصال
بقلم/ علي بن ياسين البيضاني
نشر منذ: 9 سنوات و 11 شهراً و 29 يوماً
الأربعاء 19 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 10:30 ص

مما لا شك فيه أن الحراك الجنوبي ولد صادقًا حقيقيًا ثابتًا شامخًا في 2007م ، وأقيم أول مهرجان جنوبي في ساحة العروض بخور مكسر ، مما أزعج سلطات الرئيس السابق علي صالح ، وسبب هذه الثورة حينها معاناة حقيقية أصابت كل جنوبي شريف في مؤسسات القوات المسلحة والأمن وكثير من المدنيين ، وتم تسريح آلاف كثيرة منهم كمتقاعدين أو عمالة فائضة ورمتهم فى الشوارع ، وتم بيع المؤسسات الوطنية التي تملكها الدولة ، وبيعت بالمجان للمؤسسة الإقتصادية العسكرية ، فانتشرت البطالة والجوع والقهر بالإضافة إلى المهانة التي تعرض لها المواطن الجنوبي ، واعتباره مواطن من الدرجة الرابعة حيث سخّر النظام السابق كل رجاله وسلطانه ومجرميه للإنتقام بعد حرب 94م بصورة مهوّلة جعلت الكثير منهم يكفر بشيء إسمه ( الوحدة ) لما ارتبط هذا الإسم بكثير من المآسي والجوع والضنك ، وتجاهل السلطة حينها بتحسين أوضاع الناس.

في عام 2009م تم إخراج البيض من سردابه ، وهو مَنْ كان سببًا في آلام الجنوبيين بعد خمسة عشر عامًا ، ودخول إيران في صناعة المشهد الجنوبي مما أدى ذلك إلى إيصال الحراك إلى التشظي الحقيقي ، باعتبار أن البيض كسياسي غير مقبول شعبيًا ، ومتهم من أبناء الجنوب بأنه سلّم جيش ودولة وثروة لعلـــــي عبد الله صالح دون أي تأني وتحت تأثير عاطفي ، بالإضافة إلى أن دخول إيران فى الخط معناه استدعاء الأطراف الخليجية وعلى وجه الخصوص السعودية ، فبدأ الصراع بين الأطراف التابعة للسعودية ، وبين أطراف البيض التابعين لإيران فى الساحات والمهرجانات وغيرها ، وأخذ كل طرف يصارع الآخر وينبش ثأرات الماضي البغيض ، ودخول كذلك الرئيس السابق في تفريخ الفصائل بالأموال والأعطيات والمناصب ، رغم الترويج اعلاميًا لمبدأ التصالح والتسامح بين جيل لم يكونوا أصلاً حاضرين في الصراعات الماضية بل أن بعضهم لم يكن قد وجد في هذه الدنيا .. 

كل ذلك أوصل القضية الجنوبية إلى السراب ، بل سراديب الضياع لسبب وحيد لا غير غياب الوحدة القيادية ، وتزاحمهم حول مآلات الإستقلال الموهوم ، ونصيب كل طرف من كعكة الدولة القادمة ومناصبها ، مما جعل كل الأطراف الدولية والخليجية والعربية تصل إلى قناعة تامة أن القائمين على الحراك بفصائله المختلفة ليسو أهلا لدعم قضيتهم أو تبنيها نظرًا لما يلحظونه من خلافات قيادية وميدانية ،،

والآن وبعد مضى شهر تقريبًا على تصعيد الحراك الجنوبي في ساحة العــــــــــروض بخور مكسر ، والقيام بحشد الشارع الجنوبي باعتبار ذلك الفرصة الأخيرة لإعلان الإنفصال مستغلين تهاوي الدولة والنظام في صنعاء ، حيث جاء هذا القرار الجنوبي من ساحة النضال بامتياز والتف حول هذا القرار الكثير من الجنوبيين حتى من الذين كانوا لا يفاوضون على مسألة الوحدة ويعتبرونها خطًا أحمر ، ودافعهم الحقيقي أن العبث الحاصل في المناطق الشمالية ، وعلى وجه الخصوص صنعاء أوجدت لدى الشارع الجنوبي القناعة التامة في عدم الفائدة من الوحدة طالما أن البلاد سلّمت بسفالة مقيتة للحوثيين ، وتخوّفهم الحقيقي من وصول التمدد الحوثي الشيعي إلى الجنوب وهذا أكسب الحراك شعبية كبيرة انضم إليها كثير من الأطراف السياسية والشعبية بدافع ديني بحت أكثر منه سياسي أو مطالب حقوقية ..

لذلك نجد أن الإنفصال المزعوم تلاقفته وأخذت تروّج له ، وتحاول أن تكسبه أطراف متصارعة ، فكيف لو تم تسليم السلطة لها فى الجنوب بدون أي حرب أو نزاع ، مثلما سلّمت الشمال للحوثيين ، لظلت تلكم الأطراف تتصارع وتتقاتل ، لأنها ما زالت تستجر صراعات الماضي من الستينات وحتى الآن ، هل سيسلّم الحكم للبيض وفصائله ، أم لمحمد علي احمد أو لعلي ناصر أم للسلاطين ، وهل سيسلّم للجفري وبن فريد ، أسئلة لا نجد لها حلاً ، ولن نجد لها حلاً كذلك ، ولذلك منذ أن تم الترويج للإنفصال لم يحظَ هذا القرار بتأييد دولي ولا خليجي ، لأنها تتابع المشهد الجنوبي الذي لاحظت عليه عدم الإجماع من الشعب الجنوبي أو من الأطراف المتنازعة ، لكي يتسلم الجنوب بجدية وتعامل منطقي وعقلاني ، فوجدت أن الصراعات ما زالت تخيّم على خيام المعتصمين ، وكل قائد من قادة الحراك يسعى بكل قوة لإستقطاب ما أمكن من الفصائل إلى صفه بل أن بضعها وهميّة ، يضاف إلى ذلك أن القائمين على المشهد يسعون بكل قوة إلى إذكاء الصراعات المناطقية ، والوعيد بطرد أصحاب الشركات والمصانع الخاصة بأبناء المناطق الشمالية ، وحتى عمال اليومية تم تهديدهم بالطرد من البلاد ، هذا أسلوب إقصائي تدميري مقيت لا يرضاه عقل ولا منطق ، جعل الدول الراعية للمبادرة الخليجية تستبعد مسألة الإنفصال ، بحجة أن هذا القرار انفعالي عاطفي غير متوازن ، ولا يمكن أن يرى النور ، وسيذهب الجنوب إلى صراعات مسلحة بين أطراف متعددة ستؤدي بالجنوب بثرواته البترولية ، وبمواقعه الإستراتيجية إلى الدمار ، بل سيؤدي الى تمزّق الجنوب وأقلها انفصال المناطق البترولية ( شبوة ، حضرموت ) ، وبالمقابل نجد أن إيران وفي هذا الوضع المضطرب لم تصل إلى قناعة بعد في اتخاذ قرارها بمساعدة علي البيض لإسقاط الجنوب وإن كان تابعًا لها باعتباره شخصية حمقاء ، وغير مقبول شعبيًا ، ولا يستطيع أن يقوم بالسيطرة الكاملة على الجنوب ، ولذلك فهي لم تزل تخطّط بقوة لإسقاط الجنوب ضمن مخططها التوسعي لكن بواسطة الحوثيين ، وربما بتواطؤ رسمي من الدولة ، لتفويت أي فرصة على قيادة الحراك من الإستئثار بالدولة الجنوبية القادمة لا يكون فيها ( الزمرة ) هي من تديرها ، وستقوم بكل الوسائل الملتوية لإسقاط المعسكرات ، وربما اكتساح الساحة وإفراغها من الإعتصام .  

المشكلة الكبرى ، بل هي أم المشاكل نجدها في مرض عضال قديم جديد مصاب به كل القيادات الجنوبية كبيرهم وصغيرهم ، وهو ( حب الرئاسة والسلطة ) ، وتصدر المشهد وحب معارضة أي طرف لا يكون معه بل وتخوينه والإدعاء لفصيله الوطنية وحب الجنوب ، وسفك الشعب الجنوبي ثمن هذا المرض آلاف الضحايا والمشردين أهمها صراعات يناير 86م ، ولذلك فقد وجدنا محمد علي أحمد يشكل مجلس إنقاذ ، كذلك يقوم باعوم والبيض بدمج الفصيلين ، ينشق منهما فصيلين ، أي بدل الإثنين صاروا ثلاثة ، ويؤدي هذا الدمج إلى تقسيم الكعكة ، البيض رئيس الجنوب وباعوم قائد الثورة وهلم جرا ، ويأتي الجفري ومحسن بن فريد ، كي لا تفوتهم قسمة الكعكة ، وتصريحات نارية من العطاس ، وغير ذلك كثير وآخر تلك الصرعات هو تشكيل هيئة تنسيقية عليا لقيادة ثورة التحرير بعدد ( 190 ) شخص ممثلين عن 13 فصيل حراكي ، هذا يدل على أن الهم الأكبر ليس الجنوب بل أين أنا في هذا الجنوب ، ولذلك نستطيع القول أن من يصدّق أن الإنفصال سيتم في 30 نوفمبر فهو أحمق وأخرق ، فانتصار الثورات لا يمكن لها أن تتم ولها قائدين ، فما بالك بقيادات عديدة شاخت تجاوز كثير منهم عمر السبعين السنة .. وكذلك إذا افتقدت أخلاقيات الإنسانية وصار منهجها التدمير والتخوين فمستحيل أن يكتب لها التوفيق والنجاح ...