في عيده أل 23 : أهدي للإصلاح عيوبه .!
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 11 سنة و شهر و 28 يوماً
الخميس 19 سبتمبر-أيلول 2013 05:37 م

شهد الخميس 11 / 2 / 1411هـ الموافق 13 / 9 /1990 م الافتتاح الرسمي لمقر التجمع اليمني للإصلاح في مهرجان جماهيري حضره الآلاف من أعضاءه الذين آمنوا بأهدافه ومبادئه كتجمع يقوم على أساس منهج الإسلام الشامل لكل جوانب الحياة وباعتباره امتداداً حياً لحركة الإصلاح والتجديد اليمنية الحديثة وبيتا يضم كل من ينشد إصلاح الواقع وتغييره إلى الأفضل على هدي عقيدة الإسلام وشريعته  .  وخلال 23 عاما مضت منذ تأسيسه تعرض الإصلاح للعديد من الصعاب والمكائد الساعية لتحطيم بناءه وتحجيم دوره ودك شعبيته عبر تحالف مؤسسات سياسية متمرسة وهيئات دعوية متغطرسة وتكتلات قبلية شرسة , فكان لا بد له أمام تكتلها من كسوف في سراجه المضيء وخفوت في صوته القوي , إلا إنه ككيان متجذر في باطن الوطن سرعان ما يستعيد مكانته من جديد ويعود عملاقا كيوم مولده . وبعد مرور هذه الفترة الكافية والتجارب الوافية يجب على التجمع بكامل هيئاته أن يقف مع تجربته وقفة صادقة متجردة , تقييما وتمحيصا وتحليلا وتشخيصا . ليخرج بالعلاج الشافي من خطأ العمل وعثرات الفشل . ومن منطلق الواجب فعلى كل عضو ومناصر ومحب لهذا الكيان المبارك بذل النصح الصادق له دون شطط ولا جرح ودون مغالاة ولا مدح . وهو نصح لا يغير قناعتنا أنه الكيان الأقرب للصواب ولا يهز ثقتنا أنه القادر على إقامة النموذج المثالي للدولة الإسلامية الحاكمة بوسطية واعتدال وعدل ورحمة . وهنا أسجل بعضا من الظواهر التي أراها تحتاج مراجعة وتصحيحا . متمنيا أن يكون هذا الرصد مفيدا لدى أهل الاختصاص في دوائر التنظيم بما يحقق التوازن والنجاح في مسار العمل على كافة الأصعدة والتخصصات .

1 ـغلبة العمل السياسي : كان للدعوة والعمل الخيري والاجتماعي الدور الأساس في التعريف بالتجمع ومبادئه ونشر أهدافه في المجتمع قبل أن يفرض الواقع تصدر الجانب السياسي على برامج دوائر التنظيم الحيوية الأخرى . وبدلا من التعريف بالإصلاح كهيئة دعوية اجتماعية تهتم بالعمل السياسي أصبح معروفا اليوم كحزب سياسي من ضمن اهتماماته العمل الدعوي والخيري التعاوني . وصار الهاجس السياسي محور تفكيرنا ونقاشنا والمسيطر على برامجنا العلمية والعملية في لقاءاتنا التنظيمية وبرامجنا الميدانية مما ولد يوما بعد يوم ضعفا في الربانية وقسوة في الروحانية وأحدث غلظة في التواصل الاجتماعي وفظاظة في الحديث الودي مع الناس , وحل الجدل المذموم محل النقاش الهادف , ففي أي مناسبة اجتماعية ترتفع الأصوات ويستهلك الأخ طاقته لتبرير موقف سياسي لتنظيمه أو حادثة شخصية لأحد قياداته . وتحولت أنشطة الدعوة ومفهومها الرباني في نظر كثير من الناس إلى برامج حزبية يرون فيها كسبا سياسيا فقط . وقد لمسنا خلال فترة الثورة مدى فراغ مربعات عملنا من العمل الدعوي والنشاط الخيري , وما لحق بنا من خواء روحي من كثرة معافسة الأنشطة الترفيهية والترويحية ومعاشرة شتى أصناف الناس وتنوع أحوالهم . وقد نكون معذورين حينها لانشغالنا بأمر فيه من الأهمية بمكان , فقد شغلت الأحزاب يوم الخندق النبي " صلى الله عليه وسلم " وأصحابه عن فرض صلاة العصر . ولكننا اليوم يجب أن نستعيد التوازن المطلوب بين هذا وذاك وأن نصنع التخصص الفاعل لكل عمل , ولنتزود بما نحتاجه من طاقة الإيمان ونور العبادة فيذهب الله عنا الوهن والحزن ويحقق لنا العلو والتمكين . " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " . 

2 ـ عدم الاهتمام بالقوة الرادعة : إن الانقلاب العسكري الأخير على الحكم الشرعي في مصر وقبلها الانقلاب على جبهة إنقاذ الجزائر في 12 يناير 1992م بعد فوزها بالانتخابات في 26 ديسمبر 1991م قد أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن القوى المعادية لا تؤمن بالديمقراطية ونتائجها الانتخابية حينما يتوصل بها الإسلاميون للسلطة . فإذا ما أيقنوا بفشل ديمقراطيتهم الهادفة أساسا إلى تعطيل حملة المشاريع الإسلامية من الوصول للحكم فعندها يقومون بالانقلاب عليهم بقوة الجيش والأمن غير مبالين بالشرعية الانتخابية والحقوق الدستورية . وهنا تطير رسالة عالمية لجميع نظائر الإخوان في المعمورة مفادها : " أن التوسع الجماهيري والحشد الميداني والفوز في محافل التنافس المدني كمجلس النواب والنقابات التخصصية والتجمعات الأهلية والرياضية والوصول بفاعليتها إلى كرسي الحكم أمر ممكن ولكنه لا يحقق التمكين الأمن المطلوب ما لم يكن يحمي ذلك درع عسكري وحجاب أمني يجعل الخصم يتوقف عن أي خطوة غادرة تطيح بالحاكم المنتخب . وقد كان لوجود الحماية القبلية والقوة العسكرية للفرقة الأولى أيام الثورة أثره الطيب في دعمها , ولكنه أمر استثنائي قد لا يتوفر في غيرها من المحطات وفقا لمعطيات معتبرة وأسباب مستجدة . وقد رأى الجميع أنه بفضل الله ثم بجاهزية كتائب القسام العسكرية في حركة حماس الفلسطينية سطرت غزة نموذجا أسطوريا في النصر والصمود ولولا هذا الأعداد لأضحت حماس لقمة سهلة لمن يرفض حكمها الشرعي المنتخب . وحتى لا يحرف البعض قولي عن مقصده فإن إعداد مثل هذه القوة هو للدفع لا العدوان , وإرهاب العدو المقصود به أن تمتلك سلاحا رادعا وقوة ضاربة مما يمنع الإرهاب والعدوان عليك .

3 ـ الركون لتحالفات ضلع على ورك  : لعبة السياسة لعبة مصالح ومكاسب على مختلف المستويات ومن اجل ذلك تتغير قناعات وتتبدل تحالفات وتنقلب ولاءات . ولذا فإن الكيان الناجح هو الذي لا يمانع من عقد أي تحالف وتعاون مع غيره من اجل هدف مشترك وفق أسس وضوابط متعارف عليها سواء كان هذا التحالف عفويا أو فرضته ظروف قاهرة وموازنات مدروسة , وبالمقابل عليه أيضا أن يكون على مستوى عال من الإعداد والاستعداد لأي خذلان أو نكوص يبدر من هذا الشريك في مسيرة الطريق نحو الهدف . وقد أخذ الإصلاح درسه كاملا من تحالفه بعد حرب 94م مع المؤتمر وما لحق به من تشوهات وتصدعات , فقد رسم له المؤتمر صورة الشريك السيئ محملا إياه أخطاءه الجسام . واليوم يتعاضد الإصلاح مع أشقاءه في اللقاء المشترك في مواجهة المؤتمر الشعبي حيث أستطاع بفضل الله أن يهز عرش العائلة الصالحية في انتخابات 2007م وأطاح بها في 2012م , وسيبقى الإصلاح محافظا على عهوده ومواثيقه مع الشركاء متعبدا الله بها , ولكن عليه أن يكون فطنا معتبرا مما سبق من سالف الوقت وحوادث الزمان , ولاسيما وهو يرى اليوم مناطق يمنية تقع كاملة تحت سيطرة جهات سياسية ومذهبية وشعبية معينة مما يجعل تنقلات قطع الشطرنج السياسي غير متوقعة ولا محسوبة مسبقا . وقد تبين لنا ما آل إليه تحالف الإخوان في مصر مع الجماعة السلفية وكيف خذلوهم مقابل وعود زائفة ومكاسب زائلة من الداخل والخارج . 

4 ـ رهاب التفرد بالحكم : منذ قديم عهدهم والإخوان المسلمون في اليمن يبتعدون عن التصدر للحكم رغم توفر عدد من الفرص المؤكدة للتمكن منه , ويقتنعون بالحلول ثانيا أو الدخول في شراكة متعددة . وربما كان ذلك لوجودهم حينها في مراكز مؤثرة على صنع القرار فلا حاجة لهم بالظهور كحكام فعليين أو ناتج عن تخوف وقلق من التصادم مع مراكز القوى وما قد ينتج عنه من فتن وأضرار . وما زالت محن الإخوان في مصر ( ناصر ) عالقة في أذهانهم وما مجزرة حماة السورية في 82م ببعيدة عن خاطرهم . فكل ذلك وغيره أصابهم برهاب الحكم فأثروا السلامة عبر السير بحكمة على حاشية الكتاب دون تصدر صفحته ولا إغلاق دفته , متحاشين كل تصادم عنيف مع القوة الحاكمة وباذلين له النصح فيما يصلح الرعية والبلاد . وقد حقق لهم ذلك مزيدا من حرية الحركة والكسب . وبالمقابل كان له ضرره عليهم فقد تحملوا في الثلاثة عقود الأخيرة من القرن الماضي معظم المهام الجسام في تثبيت أركان الحكم واستقرار البلاد , في حين جعل منهم الحزب الحاكم ذريعة لكل فشل في خطط التنمية محملا إياهم الجزء الأكبر من مسئولية فساده و سوء قراراته كرفع الأسعار وغيرها من الخروقات . فعلى الحركة الإسلامية في اليمن أن تغير قناعتها المتأصلة فيها بنيل مرتبة الوصيف ولتأخذ موقعها الطبيعي في الصدارة دون تفرد ولا إقصاء , وعليها أن تكف عن القيام بدور البديل الذي ينفذ مشاهد الخطر والفدائية بينما يحوز الصيت والمكانة ذلك الرعديد الذي يظل منكفئا على وسادته ولم يتجرأ على أداء فصل واحد من ملاحم البطولة والرجولة . والقول بأن ذلك استعجال أثبته تفرد مصر بالحكم لهو قول يحتاج بحثا في مكامن الخطأ فيتم تجنبها والسلامة منها . 

  5 ـ فلنبدأ بأنفسنا : من صميم دعوة الإصلاح كل ما أتى به الإسلام من تعاليم وأخلاق كمحاربة الباطل ونصرة الحق والتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان , والقيام بكل ما يحقق العدل والمساواة وحفظ الكليات الخمس . ومن هنا فعلى التجمع اليمني وهو يدعو إلى هذه المكارم أن يكون بكل هيئاته التنظيمية ورموزه الشخصية مبادرا إلى تطبيق هذه المآثر والأخلاقيات والسلوكيات متعبدا الله بها ومسطرا نموذجا مثاليا للمسئول الأمين وللكيان الرائد . وهناك قضايا لها أولوية وتحتاج سرعة في حسم موقفنا منها وإثبات حسن توجهنا نحوها وأهمها ما لحق بالجنوب من ظلم وتهميش ونهب , فبكل شفافية لا يخفى على أحد أن هناك رموزا من قياداتنا استفادت من أثار حرب صيف 94م وأخذت حصتها غير منقوصة من أرض وثروات وحقوق هذا الجزء من الوطن . واليوم ونحن نتحدث عن إنصاف الجنوب من ظلم حكم المخلوع أفلا يجب علينا أن نسارع في التخلي عما هو تحت أيدينا مما حزناه كغنائم حرب أو ببسط يد ونفوذ أو هبات حكومية ؟! وخاصة العقارات والأراضي ونقوم بإعادتها إلى أهلها أو لملكية الدولة أو أن نحسن التصرف بها لصالح أبناء الجنوب بتخطيطها أراض سكنية وتجارية ومنحها لأسر فقيرة أو لنقابات عمالية محددة عبر جمعية معتمدة أو غيرها من جهات الثقة . أو جعلها أوقافا يدر دخلها لصالح مشاريع تنموية . ومثل ذلك ما كثر الحديث حوله اليوم من التنازع القائم بين البيض وبيت الأحمر على ملكية السكن الكائن في حقات بمدينة كريتر . والواقع أنه ليس ملكا للبيض ولا لبيت الأحمر . فكلهم سكنه بموجب مركزهم الحكومي والسياسي أو لثقلهم الاجتماعي , وأما هو فملك للدولة لا يحق لأحد تملكه ولا حيازته كاستحقاق وطني أو ثوري . وللخروج من هذا النزاع أتمنى من الجميع تحويل السكن بموقعه المميز إلى صرح طبي متخصص في أمراض السرطان والأمراض المستعصية الأخرى . هناك مئات الوسائل لمن أراد أن يكون عونا لتنظيمه في إثبات تميزه وصدقه , كما انه سينال ثوابا وأجرا حسنا . فأين المستمعون القول والمتبعون أحسنه .

6 ـ متفرقات لابد من جمعها :  وهي عدة نقاط لا أطيل في شرحها حتى لا يتشتت بنا المقام ولكنها مهمة وتحتاج تحليلا ورصدا ودراسة ومنها :  ـ ترجيح فقه الموازنات على الحاجة المطلوبة مما يؤدي إلى إنتاج عقيدة التنازلات  ـ تحويل مصلحة الدعوة وحفظ أبناءها ومنجزاتها إلى صنم يتعبده القادة عند كل مواجهة مع الباطل , الذي لم يحفظ مصلحة الدعوة وقام بقتل أبناء الحركة وصادر منجزاتها  ـ تطويع الشريعة بالدليل المرجوح خدمة للقرار السياسي المتخذ  ـ الاستهانة بشبهات تتعلق بقرارات ومواقف تنظيمية مما يترك الإشاعة تؤجج حولها ويصعب احتوائها .

ختاما : 23 عاما هي عمر مسيرة الإصلاح وهي مساوية لعمر فترة البعثة النبوية منذ بدايتها حتى الوفاة واستطاع خلالها النبي " صلى الله عليه وسلم " تحقيق النصر والتمكين مارا بطريق العذاب والشدة والقهر والطرد وباذلا فيها وقته وماله ودمه وفقد معها الأحبة وهجر لأجلها الوطن , وتواجه من أجلها مع من يفوقونه عدة وعتادا , وهز برسالته أكبر قوتين في الأرض الفرس شرقا والروم غربا . فما لنا بعد 23 عاما مضت ما زلنا نعيش بدايات المرحلة المكية . " يا أيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم " .