ثورة على الثورات« الإسلام السياسي» والجيش السياسي!
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 16 يوماً
الأربعاء 31 يوليو-تموز 2013 07:29 م

من خلال رصد ما آلت إليه ثورات الربيع العربي من تصاعد العنف بين أصحاب التغيير أنفسهم بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ السياسي المعاصر ، تجعل المتابع والمراقب يقف في حيرة من أمره لكُل ما جِرى ويحدث من خلال الأعلام بمختلف أشكاله وصوره بالنظر لثورة تدفق المعلومات ، وفي رأيي المتواضع لا أجد تفسيراً  لهذا الاختلاف الحاد والحملات الشرسة من هذا الطرف آو ذاك وكغيري اتسائل  لماذا يتبارى المثقفون والساسة على حدٍ  سوا ، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ، بل وحتى أصحاب الاتجاه القومي بشقية الناصري والبعثي في على سعة البلاد العربية في التغزل بجزمة العسكر ويرمون بقيم الحرية والديمقراطية والمدنية التي طالما تغنوا بها وراء ظهورهم وكأنهم مصابون «بفوبيا» من أصحاب من يدعون أنفسهم أو يصفوهم بالاتجاه الإسلامي سوا سموه أخوانياً أو غير ذلك فليس هناك أي مسوغات مقنعة ومنطقية لمثل هذه التحفظات طالما كان في سياق ديمقراطي سلمي ، فلو منحوا فرصة وجربوهم ومن ثم يتوارى دورهم سلمياً وحسب اللعبة الديمقراطية التي غدت مجرد افتراضات لا تلقى وجودا لها على ارض الواقع ، وفي حال تشبثوا بالسلطة هم او غيرهم وأحتكروها بصورة استبدادية تماما كما يفعل العسكر حينها لكل حادث حديث!

ففي الأنظمة المدنية الديمقراطية تنحصر مهام الجيش في مهام محددة وتظل مؤسسة سيادية كغيرها من المؤسسات المتعددة الاختصاصات حسب دساتيرها ووفق ذلك يظل دوره حيادي في عملية التنافس السلمي على السلطة واقتصار دور في المحافظة على كيان الوطن من تهديدات محتملة خارج حدوده.

لعل من تبعات وسلبيات هذا السلوك والرؤية الضيقة هو انصراف بعض من تلك النُخب الثقافية والسياسية لهكذا جدل بتحول جوهري في اهتماماتها وأولوياتها ، لقد ترَكتّ هذه الشعوب نقّمتها على حُكامها الذين جثموا عقوداً وصرفوا النظر عن توحيد الرؤى المشتركة لإيجاد نظام سياسي يتناسب وتردي حالة المجتمعات السياسية والاقتصادية ، وبدلاً عن ذلك فقد اتجهوا لنزاعات طائفية من جهة ، وبين الاتجاه الديني ومعارضيه من جهة أخرى!

وفي نظرة بانورامية جغرافية واستطلاع للتاريخ لوجدنا بأن ارقي الأمم هي التي تنحي المؤسسة العسكرية جانباً ولم تجعل منهم ولاة الأمر ، وهو الأمر نفسه في بلدان شرقية وغربية نرى المؤسسة العسكرية هي لحماية الأوطان وليست للحكم ، فتأملوا من حولنا إيران وتركيا وإسرائيل وهى الثلاثة القوى الرئيسية الإقليمية الأولى في المنطقة ليس من بينها من نظام عسكري فحتي الكيان الصهيوني رغم عدوانيته وعدم اعترافه بمواثيق الأمم المتحدة ، وكونه ثكنة عسكرية دائمة إلا أن تلك المؤسسة تأتمر بأمر السياسيين في نهاية الأمر !

والأحرى بالعرب اخذ العِبرّ من تجربتين في القارة الهندية فالهند مستقرة سياسيا قياساً بجارتها باكستان التي لا زالت تنجر من وقت لآخر لحكم المؤسسة العسكرية وحتى فيما لو حكموا فأنهم متواريين عن المشهد تماما كما هو في الجزائر والتي يبدو بأن رئيسها مدني ولكن لازال للعسكر دوراً محورياً حيث لم تتخلص من قبضتهم ، بينما يعزى نجاح تركيا ربما لمفارقات وصدف ، ذلك أن سعيها الحثيث والمتوصل منذ عقود للانضمام للأسرة الأوروبية ولمؤسسات الاتحاد الأوروبي كان له حسناته ، فمن ضمن أدبيات وشروط الانضمام للاتحاد الأوروبي جملة من الثوابت والمتطلبات حسب معايير قمة كوبنهاجن للدول الأوروبية ، وتتخلص أهم تلك الثوابت في متطلبات ديمقراطية واقتصادية وفي مجال حقوق الإنسان فمعايير كوبنهاجن التي حددت تلك الشروط ...ومن وقتها وتركيا وبتشجيع غربي تمت فيها موائمة قوانينها وفقا للمعايير وتم تنحية المؤسسة العسكرية تدريجياً وهذا يحسب لصالح حزب العدالة والتنمية بزعامة اوردغان هذا فضلا عن تطوير اقتصادها لتصبح الأكثر نمواً قياساً لبعض بلدان الاتحاد الأوروبي ذاتها ، وليتضاعف دخل الفرد لثلاثة أضعاف خلال عقد من الزمن ، والاهم من ذلك هو تحررها من قبضة العسكر ، وإلا لكان ميدان التقسيم فرصة لعودتها من ثكناتها ، وهو الأمر الذي لم يحدث !

وبهذا فقد حققت انجازاً ومكسباً بأبعاد الجيش عن السياسة في الفكر السياسي التركي المتجذِر فيه عقلية السيطرة والهيمنة للمؤسسة العسكرية وبتاريخها العثمانيين الحافل بالتوسع والفتوحات ، فها هي اليوم تجنح لرؤية النخب التي غدت أكثر مدنية عن ذي قبل!

يكاد يتمحور الجدل الدائر في فكر النُخب العربية حول موضوعين هما دور المؤسسة العسكرية وكذا الإسلام السياسي ، والذي تعود جذوره في التاريخ المعاصر وفيما يتعلق الأمر بجزئية الإسلام السياسي لعقود مضت وتحديدا منذ مطلع القرن الماضي فبعد أفول نجم الدولة العثمانية واتجاه الانقلابين فيها إلى سياسة «التتريك» حدث تحول في الفكر السياسي العربي ، واتخذ منحى ذو إتجاهين قومي كما في فكر ساطع ألحصري الذي غدا الأرضية النظرية لمفكري الاتجاه القومي بشقيه ، وكذا التيار الإسلامي الذي يرى بفكرة الإسلام السياسي ، ، وقد تم إحياء الإسلام السياسي منذ التسعينيات وبعد انبلاج الثورة الإيرانية المتزامن مع انتهاء الحرب الباردة وأفول نظام الثنائي القطبية على المستوى الدولي وغدا العدو الأساسي للغرب هو الاتجاه الإسلامي سوا كان سنيا أو شيعيا ، وهاهي تطل بقوة غداة ثورات الربيع العربي.

وهنا فأني بهذه التناولة المتواضعة لم افترض واسرد مثاليات لنماذج محصورة في بطون الكتب كجمهورية أفلاطون والمدينة الفاضلة للفارابي ولا حتى بنماذج حية لمدنيات معاصرة في الشرق والغرب ، بل في بلدان تصنف بأنها ضمن دائرة العالم الثالث سوا عربية أو غيرها ، كالهند وماليزيا وإيران وتركيا وفي البلدان العربية أكثرها ملكيات تتنعم بثروات التي قد تكون وتعتبر عامل من أسباب عوامل الاستقرار ولكننا نجد ملكيات عربية لا تُحضي بموارد نفطية كالأردن والمغرب ، ومع ذلك فهما أفضل من تلك الجمهوريات التي تسبح فوق بحيرة من النفط!

وما يجمع تلك الملكيات وغيرها من الأنظمة المختلفة سياسياً التي يُعزى لبعض أسباب استقرارها هو تنحي المؤسسة العسكرية وتلقى دساتيرها سلوكاً وممارسة فعلية في نهجها السياسي .

ويعتقد البعض من معارضي هذه الرؤية بأن أصحاب مشروع الإسلام السياسي بشقيه المذهبي لن يتطور ويرى النور ولاسيما أصحاب الفكر الإسلامي والسلفي تحديداً ، وأن لم يستوعب كل التيارات والأفكار والاختلافات سنرى نماذج تولد فاشلة.