ولماذا لم تعتذر أمريكا للمسلمين؟!
بقلم/ توفيق السامعي
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 28 يوماً
السبت 15 سبتمبر-أيلول 2012 07:17 م

أطلقت العقول المنظرة للسياسات الأمريكية تجاه العرب والمسلمين إحدى بالوناتها الحرارية لجس نبض السياسات العربية الإسلامية الأخيرة بعد الربيع العربي ووصول الإسلاميين إلى السلطة في بلدان الربيع، وكيفية التعامل معها وما مدى تجاوبها مع البيت الأبيض مستقبلاً..

هذه البالونة الحرارية متمثلة في ترويج الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم وكيفية ردود الأفعال حوله في الوقت الراهن في بلاد العربية والإسلامية.

وحسب اعتقادي فقد حقق البيت الأبيض غايته من عرض هذا الفيلم في هذا الوقت بالذات ورأى الساسة الأمريكيون كيف كانت ردود الأفعال؛ غضب في البلاد العربية لا تستطيع الجهات المختصة التحكم فيه أو إيقافه، واعتداءات على السفارات الأمريكية في ليبيا واليمن ومصر وعلى ممثليها في السفارة السويدية في إيران..

قامت القيادات الحديثة بالاعتذار للولايات المتحدة الأمريكية مباشرة عن تلك الأحداث ربما لمصالح معينة ولظروف بعينها يعرفها الجميع، لكن في المقابل لم تقم تلك القيادات بمطالبة القيادة الأمريكية بتقديم اعتذار مماثل باستثناء الرئيس المصري محمد مرسي الذي انتقد الإساءة لمعتقداتنا الإسلامية ومنها الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم.

ومع ذلك خرج الساسة الأمريكيون يدافعون عن \"حرية التعبير\" المكفولة في بلادهم، وإن كانت على حساب المقدسات لغيرهم، دون رادع أو ضابط لإساءتهم للإسلام، وفي الوقت نفسه يأمرون وينهون الساسة العرب للحفاظ على مصالح أمريكا وطلب الاعتذار وإرسال قواتهم إلى السواحل العربية، دون الاكتراث منهم لمشاعر أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم، ودون تقديم الاعتذار لهم، وبحسب قولهم \"الفيلم لا يبرر كل ذلك العنف تجاه الأبرياء\".

لكن حرية التعبير عند الغرب تضيع كلما طالب المسلمون بفلسطين وتحدثوا عن المغتصبين لها يظهر الساسة الغربيون عموماً والأمريكيون خصوصاً يتحدثون بملء أفواههم أن تلك الأحاديث معادية للسامية، فالسامية عندهم أهم من المقدسات الإسلامية.

نحن في اليمن كلما نظمت مظاهرة نحو السفارة الأمريكية برزت لنا صورة الفيلم الأمريكي \"قواعد الاشتباك\" الذي أنتجته هوليود عن اليمن عام 99 من القرن الماضي، هل سيتم تطبيقه على أرض الواقع أم لا؟ مع فارق التطبيق فقد سقط عدة شهداء في حوادث مختلفة حول السفارة في الماضي كان آخرها شهيد الأمس.

بقايا الأنظمة السابقة واقتحام السفارات:

مع أن الجهات التي دعت ونظمت المظاهرات في هذه الدول لم تظهر في الصورة إلا أن بقايا الأنظمة السابقة استغلت حادثة الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، فقامت باقتحام السفارات في اليمن وليبيا ومصر مع تساهل أجهزة الأمن وأمن السفارات فيها في تمرير المتظاهرين إليها، في الوقت الذي كانت الأنظمة السابقة تواجه كل من يقترب من السفارات الأمريكية بكل عنف ويسقط العديد من الضحايا، مراده مبعث رسالة من تلك البقايا للأمريكان بأنكم تحصدون ثمن تخليكم عنا وهؤلاء هم الإسلاميون نتاج تلك الثورات.

كان محيط السفارات في تلك الدول ومنها اليمن تحديداً تقوم قوات مكافحة الإرهاب وغيرها بعمل مناطق محظورة وعدة أطواق أمنية محسوسة وغير محسوسة في محيط السفارة وتحظر حتى مرور خط السير المعتادة حولها، فكيف هذه المرة غابت بل وسهلت هذه الأجهزة وصول المتظاهرين إليها، كما قال بعض المشاركين في الاقتحامات في اليمن ومصر؟!

واتضح أن من اقتحم القنصلية الأمريكية في بنغازي وقتل السفير الأمريكي من مؤيدي القذافي.

وللوقوف حول هذا الفيلم وخلفياته وخلفيات السياسات الأمريكية تجاه المسلمين علينا معرفة الآتي..

هوليود صانعة السياسات الأمريكية:

إستخدمت الولايات المتحدة الكثير من الأذرع لصناعة وتسويق سياساتها تجاه الآخرين منها السياسة والاقتصاد والجانب العسكري والثقافي والإعلامي، وبرزت السينما الأمريكية \"هوليود\" كواحدة من أهم وأدوات السياسة الأمريكية في طريق الاحتلال الناعم أو السياسات الناعمة تجاه الآخرين.

فقد بثت هوليود حوالي 1000 فيلم عدائي للعرب والمسلمين والتحريض عليهم والإساءة إلى معتقداتهم في أزمنة مختلفة.

ولقد وُظفت السينما الأمريكية (هوليود) لشن سلسلة أفلام موجهة ضد العرب والمسلمين تصورهم بأبشع الصور.

ومن أشهر الأفلام مثلاً في نهاية ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي سلسلة \"دلتا فورس\" نهاية الثمانينيات التي تحول اسمها في الجزء الثالث منها من \"الدلتا\" إلى \"فرقة إحضار بن لادن\" في بدايات التسعينيات، تضمنت هذه السلسلة وتدور أحداثها في ثلاث دول عربية رمز لها اختصاراً بـ\"سوداليا\". وأفلام احتلال الكويت والبحرين من قبل العراق وإيران ورد الولايات المتحدة على ذلك وتوسعها في المنطقة وهيمنتها على العالم بعد إزاحة الاتحاد السوفيتي، تم تطبيق هذه الأفلام على أرض الواقع. وبعد حرب الخليج الثانية والثالثة وجدت السينما الهوليودية مواد خصبة في إنتاج مزيد من تلك الأفلام.

وكان في سلسلة أفلام الدلتا ما يوحي بمخطط مستقبلي يتم تنفيذه، ومنذ بداية عام 2001 بدأت أحداثه تتكشف كونها كانت مشابهة لكثير من الأحداث التي جرت بعد ذلك ابتداءً من أحداث 11/9 وما تلاها من فزاعة فيروس الجمرة الخبيثة التي طابق واقعها قصة الفيلم على الرغم من أن الفيلم مثل عام 1996، ومنعت هيئة الرقابة السينمائية المصرية عرضه في مصر عام 1998، فعادت الولايات المتحدة لتضغط على السينما المصرية بعرضه مرة أخرى عام 2000، فتم رفضه وذلك بحجة \"أنه يسيء للإسلام والمسلمين\" بحسب مدير هيئة الرقابة، في حوار معه في مجلة المشاهد السياسي عام 2000م.

وقد صدر منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة كتاب لأحد خبراء الإعلام في أمريكا ويدعى (جاك شاهين)، وهو أمريكي من أصل عربي عكف على دراسة وتحليل صورة العرب والمسلمين في أعين الغرب من خلال النمط السائد الذي تقدمه هوليود، واستغرقت الدراسة 20 عاماً كاملة استطاع خلالها أن يستعرض كل الأفلام التي تناولت العرب والمسلمين منذ عام 1896، وبلغت حصيلة الأفلام 900 فيلم أمريكي.

واستخلص شاهين من دراسته أن هوليود تتعمد أن تقول للعالم (إن العرب قوم سوء بكل ما تعنيه الكلمة من إيحاءات سلبية).

وثبت أن وزارة الدفاع الأمريكية والجيش والبحرية والحرس الوطني الأمريكي كلها جهات حكومية تحرص على وضع كل عدتها وعتادها تحت تصرف منتجي هوليود، لإنتاج أفلام جماهيرية قوية ومؤثرة هدفها تمجيد أمريكا على أنماط الشر العربي.

كما أن أفلاماً مثل \"قواعد الاشتباك\" [الذي أنتجته هوليود عن اليمن تصور مواطنيها كإرهابيين] عام 2000، و\"أكاذيب حقيقية\" عام 1994، و\"القرارات النافذة\" عام 1996، و\"ضرب الحرية\" عام 1998، ساهمت المخابرات الأمريكية مباشرة بدعم منتجي هذه الأفلام، وكذلك فيلم \"الحصار\" 1998 الذي تدور قصته حول قيام أمريكيين من أصول عربية بهجوم مسلح على مدينة منهاتن الأمريكية.

أما فيلم \"قواعد الاشتباك\" الذي مثل عن اليمن في عام 1999 \"فيحكي قصة متظاهرين يحتجون أمام مقر السفارة الأمريكية في اليمن، الأمر الذي يؤدي إلى إرسال طائرات هليكوبتر وجنود البحرية الأمريكية إلى الموقع الذي ترددت فيه أصوات إطلاق النيران، ويتمكن العقيد تيري شيلدرز، الذي يقوم بدوره صمويل جاكسون (بطل الفيلم)، من إخراج السفير وزوجته وابنهما الصغير من مقر السفارة، لكنه يكتشف لدى عودته أن ثلاثة من جنوده قد قتلوا على أيدي المتظاهرين ويأمر العقيد شيلدرز- تمضي قصة الفيلم- رجاله بإطلاق النار على المتظاهرين، فيسقط 38 منهم قتلى بين رجل وامرأة.

الفيلم أثار ثائرة اليمن، فقد دعا مسؤول في الخارجية اليمنية جامعة الدول العربية إلى مقاطعة الفيلم والشركة المنتجة له، كما أن \"قواعد الاشتباك\" الذي لم يعرض في أي بلد عربي حتى الآن، أثار غضب الجالية العربية والمسلمة في الولايات المتحدة\"( ).

غضب اليمن جاء لتصوير الفيلم أن أطفالاً ومنهم طفلة في السادسة من العمر تحمل مسدساً وتطلق النار على أحد حراس السفارة الأمريكية في صنعاء فتقتله، وكأن الشعب اليمني إرهابي حتى على مستوى الأطفال.

واعترفت السفيرة الأمريكية باربرا بودين يومها بأن الفيلم مسيء للغاية، \"وأنه أهان الشعب اليمني، كما أساء للسفير الأمريكي الذي صور فيه على أنه أبله، ولم يقدم القوات المسلحة الأمريكية في صورة لائقة\"، كما جاء في تصريح لها لبي بي سي 26/4/2000.

وقام أحد الباحثين وهو رئيس \"مركز ابن خلدون\" للدراسات الإسلامية بالجامعة الأمريكية في واشنطن ومؤلف كتاب \"الإسلام اليوم: تعريف مختصر بالعالم الإسلامي\"، والمفوض الباكستاني إلى بريطانيا من 1998-2000، أكبر أحمد بتتبع وتحضير رسالته الدكتوراه في الأفلام المسيئة للعرب والمسلمين والإسلام، ويقول: \"لقد انخرطت هوليود في الحرب على الإسلام خلال العقدين الأخيرين، وكانت أضخم أفلام هوليود مثل: \"أكاذيب حقيقية\"، و\"القرار الحاسم\"، و\"الحصار\"، بنجوم كبار على رأي شخصيات ترسم صورة للإسلام مساوية للإرهاب.

وعملت هذه الأفلام على تكييف الرأي العام الأمريكي على توقع الأسوأ من حضارة رسمت على أنها إرهابية وأصولية ومتعصبة.

وكانت هذه الصورة من القوة إلى درجة تجعل الثقافة الشعبية تستنتج هذه المساواة دون تفكير أو إمعان نظر فيها.

وهذا ما جعل أصابع الاتهام في تفجير \"أوكلاهوما سيتي\" الفيدرالي عام 1993 تشير إلى المسلمين.

ورغم أن فيلم \"قبلة قبل النوم\" صوّر حادثة تدمير البرجين في 11 سبتمبر 2001 قبل الحادثة بخمس سنوات أي في عام 1996 ليدل ذلك على أن الحادث مخطط له داخلياً من قبل وليس جماعة القاعدة.

(مشهد من الفيلم الأمريكي القبلة الطويلة قبل النوم) حوار يدور بين الشخصيتين الرئيستين في الفيلم يقول:

\"- 1993 المركز التجاري الدولي، التفجير، أتذكرين؟ أثناء المحاكمة أحد المشاركين ادعى أن المخابرات المركزية تعلم مسبقاً بالأمر.. الدبلوماسي الذي أصدر التأشيرات للإرهابيين كان من مكتب المخابرات ليس بالأمر الذي يصعب التفكير فيه، فهم مهدوا الطريق للتفجير لتبرير زيادة التفجيرات.

- تقصد أنك ستقوم بعملية إرهابية كاذبة لموافقة الكونجرس على زيادة الأموال؟

- لسوء الحظ يا سيد هنسي ليس عندي فكرة كيف أكذب بمقتل أكثر من أربعة آلاف شخص، لذا يستوجب أن نقوم بها حقيقة وبالطبع ننسبها للمسلمين، هكذا أحصل على مخصصاتي المالية\"( ).

واستنتاجاً من كل ما سبق فإن هذه الأفلام التي تبرز بين حين وآخر للإساءة للعرب والمسلمين ومعتقداتهم ونبيهم هي أفلام مسموح بها في سياسات البيت الأبيض وممولة من كبار صناع السياسة والرأسمال الأمريكي، خاصة ذات التوجه الصهيو مسيحي، تبنى عليها توجهات سياسية مستقبلية لأمريكا وإسرائيل معاً، وليست عفوية أو في إطار ما يسمى \"حرية التعبير\" عند الغرب.