كيف يكون العلاج إذا كان الورم في الرأس؟
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 27 يوماً
الثلاثاء 17 يوليو-تموز 2012 04:58 م

استنادا إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، اللتان تتطلبان عقد مؤتمر الحوار الوطني في وقت مبكر من المرحلة الانتقالية الثانية من التنفيذ, ولضمان إنعقاد المؤتمر بمشاركة كل الأطراف, عبر إتخاذ خطوات إيجابية لبناء الثقة فيما بين المشاركين في عملية الحوار الوطني الشامل, صدر قرار الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي رقم (30) لسنة 2012م بإنشاء اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل, وحددت الفقرة من المادة (1) من القرار تسمية اللجنة وعدها 25 عضواً يمثلون مكونات المجموعات المقرر مشاركتها في مؤتمر الحوار وفقاً لما حددته الآلية التنفيذية لمبادرة مجلس التعاون الخليجي, وبينت الفقرة (ب) للمادة (1) سبب إختيار أعضاء اللجنة الفنية بالاستناد الى قدراتهم الحقيقية على تمثيل قطاع عريض من آراء مجموعاتهم المشاركة.

ان شرط المبادرة واليتها لعقد مؤتمر الحوار في وقت مبكر من المرحلة الانتقالية الثانية, غير متوفر بسبب احتمال انعقاد المؤتمر نهاية 2012م وفقا لما أوردته الفقرة (1) من المادة (4) بان تقوم اللجنة الفنية بتنفيذ مهامها حتى 30 سبتمبر 2012 وإصدار تقرير نهائى, وهي فترة غير مبكرة مطلقا. إضافة الى ذلك فان ضمان مشاركة كل الأطراف غير متوفر مطلقا بسبب اقتصار التعيين على المتوافقين فقط وانعدام خطوات بناء الثقة عبر اختيار عناصر سياسية غير مهنية للقيام بمهام فنية. فإذا دققنا في الأسماء المكونة للجنة نجدها قد تقسمت أثلاثاً, ثلث للمؤتمر وحلفائه وثلث للمشترك وشركائه والثلث الأخير (المتضمن 6 نساء وثلاثة ممثلين لمدينة عدن) لبقية مكونات الشعب اليمني مع إمكانية تبعيتهم لأحد الطرفين الأساسيين المؤتمر او المشترك.

وفيما يتعلق بالخطوات الإيجابية لبناء الثقة فيما بين المشاركين في عملية الحوار الوطني, فان مجلس الوزراء عقد اجتماعا استثنائيا للوقوف أمام الإساءات اللفظية النابية وغير اللائقة الصادرة من عضو مجلس النواب رئيس لجنة الحقوق والحريات بالمجلس محمد ناجي الشائف, تحت قبة البرلمان, والموجهة لشخص رئيس مجلس الوزراء محمد سالم باسندوة وتهديداته لوزير المالية الأخ صخر الوجيه. فإذا كان رئيس لجنة الحقوق والحريات بمجلس النواب هو من يسيئ ويهدد الوحدة الوطنية وتحت قبة البرلمان, فماذا ننتظر من قوانين يشرعها أمثاله؟ وعن أي خطوات لبناء الثقة نتحدث في ضل تكرار مثل هذه الاعمال المشينة والغطرسة والاستعلاء على الغير؟ وعن أي ثقة وشراكة وتوافق وأجواء ايجابية نتحدث؟ فعندما تقوم حكومة التوافق بتحريك دعوى قضائية ضد رئيس لجنة الحقوق والحريات لمجلس النواب التوافقي، والمطالبة بإسقاط الحصانة عنه، في جريمة القذف والمس بشخص رئيس الوزراء وكذا الحكومة بشكل عام, فعلى الحقوق والحريات السلام في ضل هذا التوافق الذي لا يستطيع فيه رئيس الحكومة ان يحظى باحترام شركائه.

من المخجل والمخزي لكل الشعب اليمني ان تبدر تلك الإساءات السخيفة عن قيادي في المؤتمر الشعبي يترأس لجنة الحقوق والحريات في مجلس من يعتبرون أنفسهم ممثلين للشعب اليمني. الأدهى من ذلك الكلمة المقتضبة لنفس الشخص والتي كان من المقرر ان تكون اعتذارا منه ينهي القضية, غير انه فاجئ الجميع بعبارات متعالية غير مكترثة بفداحة الإساءة التي وجهها للحكومة والبرلمان والشعب اليمني ضاربا عرض الحائط بأخلاقيات اليمن واليمنيين.

بالعودة الى القرار الجمهوري الذي اكد بأن اللجنة الفنية ليس لها سوى الصلاحية الفنية المتصلة بالتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، ولن تستبق أو تتحكم مسبقا بأي شكل من الأشكال بمضمون أعمال مؤتمر الحوار أو نتائجه, الا انه ومن خلال مواد القرار المذكور الذي وزع وظيفة مؤتمر الحوار بين صياغة دستور جديد للبلاد, ومعالجة الأوضاع ذات البعد الوطني مثل القضية الجنوبية وقضية صعدة, وتحديد إصلاحات في أوضاع الخدمة المدنية والقضاء والحكم المحلي وغيرها, وأخيرا اتخاذ خطوات تهدف الى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الإنتقالية، وضمان عدم حدوث إنتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنسانى فى المستقبل, الا ان القرار حدد مهام تلك اللجنة اللجنة في المادتين (3 و 4), ونجدها تتناقض مع تأكيد القرار بأنها لن تستبق أو تتحكم مسبقا بمضمون اعمال مؤتمر الحوار أو نتائجه. وعلى العكس من ذلك فان المهام المناطة باللجنة تجعلها تتحكم بكل صغيرة وكبيرة من مجريات المؤتمر على النحو التالي:

1-تحديد شكل مؤتمر الحوار وفرق العمل وأساليبه، وتحديد آلية إختيار أعضاء المؤتمر ومعايير أهليتهم, وتحديد حجم وفود المجموعات المشاركة وتمثيلها الملائم, مع وجوب تمثيل المرأة في كل الوفود, وتمثيل كل المناطق والمجموعات المعنية الأخرى فى وفود كل المجموعات المشاركة بشكل كافي. هنا يتضح جليا مدى تحكم اللجنة حين تحدد معايير اهلية اعضاء المؤتمر, أي انه يمكنها رفض مشاركة أي شخص عبر معايير الأهلية (مؤهل للمشاركة او غير مؤهل).

2- مشاركة كل المجموعات بشكل كامل فى الإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطنى بدون شروط مسبقة كما هو محدد في هذا القرار. هذه النقطة تجعل مهام اللجنة الفنية تتداخل مع مهام المؤتمر, حيث تشترك كل المجموعات في الإعداد والتحضير الذي هو من مهام اللجنة فقط, وكان المجموعات المشاركة في المؤتمر ستكون هي نفسها الممثلة في اللجنة وهو ما ألمحت اليه المادة (8) عن استعداد مؤتمر الحوار لقبول ما يقدم له من نتائج مشاورات منظمات المجتمع المدني وغيرها والنظر فيها, ما يعني عدم مشاركة المجموعات غير المشمولة بالقرار الجمهوري.

3-إعداد مشروع جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل وموضوعاته, وإعداد مشروع النظام الداخلي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل (ضوابط الحوار). ‌وتحديد مكان إنعقاد مؤتمر الحوار الوطنى الشامل والترتيبات الأمنية وسكرتارية المؤتمر والخبراء اللازمين. هنا يتناقض القرار مع نفسه فيعطي للجنة تحديد سكرتارية المؤتمر والخبراء, في حين تقرر المادة (9) بان يُعاد تشكيل سكرتارية اللجنة الفنية لتصبح سكرتارية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل, وتامر المادة (6) بان يتم بمساعدة الأمم المتحدة إنشاء سكرتارية مستقلة للجنة الفنية.

من كل ما أوردناه نرى بان اللجنة هي المتحكم الرئيسي في فعاليات مؤتمر الحوار الوطني, ولهذا تم تعيينها فجأة وفي غفلة من الزمن, وتشير اليه المادة (7) التي تنص على قيام رئيس الجمهورية بإصدار قرارات بالإجراءات التي اتخذتها اللجنة الفنية بشأن القضايا المذكورة فى المادة (4) وذلك بعد ستة أسابيع من صدور التقرير النهائي للجنة، أى بحلول 15 /نوفمبر/ 2012م. إضافة الى شرط المادة (5) بان تكون قرارات اللجنة الفنية بتوافق الآراء, او بالتوافق المشروط، مع عدم إعتراض أكثر من عضوين, او الرفع إلى رئيس الجمهورية لتحقيق التوافق أو إتخاذ القرار, وهو نفس النظام المتسبب في عرقلة كل اعمال البرلمان والحكومة ليكون القرار النهائي لنائب رئيس المؤتمر.

في كل الحالات فان قيادات المؤتمر تستقوي بمميزات استثنائية منحتها إياها المعارضة, ذكرت صحيفة البيان الإماراتية بعضا منها وهي:

1- نصف الوزراء وغالبية مجلسي النواب والشورى, وسيطرة شبه كاملة على كافة اللجان المتخصصة في المجلسين.

2- 28 لواء حرس جمهوري وقوات الأمن المركزي، إلى جانب قيادات قبلية وعسكرية في الجيش والأجهزة الأمنية.

3- كامل الدبلوماسية اليمنية وسفرائها.

4- أجهزة الاستخبارات والأمن القومي والأمن السياسي.

5- وسائل إعلامية غير مقيدة بقانون.

6- حصانة لكل جرائمهم, مع فترة سماح لإعادة ترتيب أوراقهم وأوضاعهم وتبادل المواقع وإخفاء الوثائق.

لقد جعلت هذه المميزات بقايا النظام البائد قادرة على التأثير بقوة وفعالية في عملية انتقال السلطة وعرقلة عمل الحكومة الانتقالية وإعاقة إجراءاتها واعتراض قراراتها وخلق بدائل مهجنة للحوار الوطني من منظمات مجتمع مدني وأحزاب مفرخة بديلا عن شباب الساحات عبر استنبات الكيانات المصطنعة أمام الكيانات الحقيقية, نقابة مزروعة أمام نقابة شرعية, واتحاد طلاب سفري أمام اتحاد طلاب منتخب, ممثلين عن شباب الثورة من كيانات مصطنعة وعناصر من النظام السابق والأمن القومي, ومعهم اللذين يعتبرون الثورة فوضى والثوار مخربين.

ان أقطاب النظام البائد تمتلك الى جانب الوحدات العسكرية الرسمية, تنظيمات شبه عسكرية تتمتع بكامل الدعم الرسمي من أموال الدولة وحرية الحركة, كمنظمة شبيبة كنعان التي يرأسها يحيى محمد عبد الله صالح, وينضوي تحت لوائها شباب من مختلف الجنسيات أبرزها من فلسطين والعراق والاردن. هذا التنظيم مقسم على أساس سرايا وكتائب عسكرية شاركت سريتين منها في استعراض عسكري في معسكر قوات الأمن المركزي بصنعاء, وزاروا وحدة مكافحة الإرهاب والاطلاع على تجهيزاتها العسكرية، والتعرف على مهامها وطبيعة تدريباتها.

ان بلادنا وشعبنا يواجهان حاليا اكبر عملية غدر في تاريخها تتمثل في التوافق غير المنظم بضوابط ملزمة, يتحكم بها احد الخصوم ويحدد تسلسلها وطريقة التنفيذ التي تنتهي بالقول الفصل لنائب رئيس المؤتمر الشعبي العام الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي الذي طرح معادلة جديدة للعملية السياسية في البلاد تتكون من شقين: النجاح الكامل والدقيق والأمين على أساس رؤية المؤتمر الشعبي للمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن رقم 2014، أو تضخيم الاختلافات وبروز المماحكات ومن ثم السقوط في هاوية انهيار الوئام والسلام والذهاب الى طريق المخاطر وتعريض شعبنا اليمني لما لا يحمد عقباه. وتوضيحا لهذا الموقف يتحدث الإعلام التابع للمؤتمر عن ترحيل كل القضايا الى البوابة الوحيدة وهي مؤتمر الحوار الوطني, فقيادة المؤتمر مازالت تتعامل على انها هي من تحدد طريقة تنفيذ اتفاق التوافق, وعند التأزم تعود تلك القيادات الى الابتزاز الرخيص الذي وصل الى الانحطاط الأخلاقي في البرلمان او عمليات قتل الجنود للإساءة للحكومة التوافقية. ووفقا لمعادلة عبد ربه كتب الدكتور علي مطهر العثربي لصحيفة المؤتمر (الميثاق) تحت عنوان المشترك والانقلاب على الشرعية, متحدثا عن محاولات انقلابية يقودها اللقاء المشترك ويتبناها رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة ضد المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية, هروبا من الشرعية الدستورية الى اللاشرعية ومن تلك الكتابات نلاحظ بان التهمة موجهة الى المشترك بالخروج عن الشرعية الدستورية التي لا تنص عليها المبادرة الخليجية بل جاءت المبادرة الخليجية لتقضي عليها قضاء مبرما لا رجعة فيه.

لهذا السبب كتب الأخ عارف الدوش عن سياسة الغدر والالتفاف, التي انتقلت حاليا الى سياسة التهديد والوعيد بالحرب الأهلية. ويقول الكاتب عارف الدوش عن سياسة الغدر والخيانة في شمال اليمن أن المتوكل على الله إسماعيل حقق وحدة يمنية بمساندة قبائل جنوبية اتفق مع زعمائها بأنه سيوليهم مناطق الجنوب ثم غدر بهم وولى أصحابه. كذلك فعل الإمام يحيى حميد الدين بعد فتح اليمن الأسفل, بان خدع أهلها وولى أصحابه على مناطقهم, ومن بعده ابنه احمد الذي غدر بحركة الأحرار اليمنيين وقتلهم. كما ان فشل ثورة 48م وحركة 55م وانتفاضة 60م و61م وثورة سبتمبر 62م كانوا جميعا بعملية خداع وغدر ومكر, رافقها قتل ونهب وسلب. وتظل أكبر عمليتي غدر ومكر وخداع في اليمن، هي ملحمة السبعين يوماً، فقد تم الغدر والمكر والقتل والسحل والتمثيل بجثث أبطال فك حصار صنعاء واغتيال قائد الثورة البطل علي عبد المغني ورفاقه بالغدر والخداع والمكر، وثانيهما الوحدة اليمنية التي تعرضت للغدر بحرب 94م التي أدت الى طرد شركاء الوحدة وقضت على مشروعها المدني الديمقراطي.

فكيف يكون العلاج اذا كان الورم في الرأس؟