ما أحوجنا لأخلاق شفيق
بقلم/ د. محمد حسين النظاري
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 13 يوماً
الأحد 01 يوليو-تموز 2012 05:06 م
 

الفوز كان وارداً لأحد المتنافسين على انتخابات الرئاسة المصرية، وكان منتظراً ان يتم اعلان أحدهما فائزاً في منافسات الجولة الثانية.. ولكن ما لم يكن في الحسبان هي ردة الفعل ليست للطرف الفائز، فكلاهما ومن خلفهما أنصارهما عبرا سريعاً عن الفوز بطريقة استباقية، ربما من اجل التأثير ليس على لجنة الانتخابات ولكن على الفئة الناخبة والى جانبها الفئة الصامتة.. بمعنى ان من يحتفل بالفوز قبل اعلان النتيجة يهيئ أنصاره بالمقابل للانتقاص من ذلك الفوز اذا ما أعلنت اللجنة خلاف ذلك.

ومن هنا كان تركيزي أكثر على الطرف الذي لم يحالفه التوفيق -بالرغم ان النسبة ضئيلة جداً- فقد توقعت ان يرفض الطرف الخاسر النتيجة جملة وتفصيلاً، وبنيت ذلك على التعبئة التي شُحن بها الجماهير الموالية له، بالإضافة الى حجم النقد الموجه من المرشَحَين –كل منهما للطرف الآخر- ولهذا انتظرت ومعي فئة كبيرة - بكل تأكيد- الى أن تكون ردة فعل أحمد شفيق –بصفته الخاسر- رافضة للنتيجة، مع حملة للتشكيك بها، وتسفيه منافسه واتهامه بعدم أحقيته بالفوز.

ولكن شفيق خالف كل التوقعات وبادر الى تهنئة منافسه الدكتور محمد مرسي -الفائز بالرئاسة- متمنياً له التوفيق في مهامه وداعياً اياه إلى طي صفحة الماضي خاصة ما حدث أثناء فترة الانتخابات كونها كانت جولة للتنافس.. لقد اثبت شفيق بذلك ان مصر فازت عبر هذه الانتخابات مرتين مرة بتتويج مرسي كأول رئيس مدني، وثانياً لأنها كسبت ايضاً منافساً شريفاً يُقدّر ويعترف بمنافسيه. ان هذه الجزئية بالذات هي ما نفتقر اليها في وطننا العربي، ربما تبدوا اعتيادية في الغرب كونهم تمرسوا على الانتخابات، اما نحن العرب فإما الفوز او الإسراع بالتشكيك، إما ان ينصفنا الصندوق، او نرمي برأيه في اول مزبلة اذا لم تكن نتيجته في صالحنا.

الكل سيتحدث عن فوز مرسي التاريخي كأول رئيس عربي يأتي من الأحزاب - ذات التوجه الإسلامي - وهي بحد ذاتها تجربة فريدة، تجعلنا نستطيع المقارنة بين رؤساء هذا التوجه ومن سبقوه من التوجهات السياسية الأخرى.. ولكنني كما قلت سأقف عند الأخلاقيات التي زرعها موقف شفيق من إعلان النتيجة.. فقلة الفارق كانت كفيلة باعتراضه وتهييج الطرف المناصر له، ولو من خلال الاعتراض اللفظي، او حتى الامتناع عن التصريح.. وكان ذلك السلوك كفيلاً بإشعال مصر وإفساد الفرحة، فأكثر من 12 مليون ناخب –عدد المصوتين لشفيق- كانوا على استعداد لتبادل الأدوار مع المقيمين في ميدان التحرير، وربما يصل لحد الاشتباك.

ان موقف شفيق بدا مغايراً لموقف الطرف الفائز وأنصاره قبل إعلان النتيجة النهائية حين أعلنوا عن عدم نزاهة الانتخابات في حال أعلنت شفيق فائزاً بالرئاسة.. وهنا الفارق، فهم وقبل الإعلان النهائي استبعدوا الخسارة واعدوا لها عدتها.. فيما شفيق بعد إعلان خسارته، رد على الجميع بلغة السياسي البالغ –غير المراهق- وأوضح عن صفات الرجل الذي تحتاجه مصر بحق، وان لم يكن في دار الرئاسة ففي مواقع مهمة.

لست متعاطفاً مع اي طرف.. ولكني سعيد بالانتخابات المصرية التي يفترض أنها أنهت جدلاً واسعاً، ويفترض انها فتحت للناس آفاقاً رحبة من التعايش في ظل رئيس مدني -دكتور وأكاديمي في الجامعة- بمعنى انه وصل من العلم بما يمكنه من قيادة البلد الأكبر عربياً، شريطة ان يعي ان الذين انتخبوه لا يمثلون إلا قريباً من نصف المقترعين، بمعنى ان 13 مليون هي الفئة التي انتخبته من 50 مليون ناخب يحق لهم التصويت، اي ان العدد الأكبر لم ينتخبوه، وفيهم نسبة مقاربة جداً مع الطرف المنافس له، وهنا تكمن مدى قدرته على استيعاب الجميع، فهو الآن رئيس لكل المصريين وليس لأنصاره فقط، وإلا وجد نفسه بين معارضة قد تفعل نفس ما فعل المناصرون له على مدى عام كامل.

نتمنى ان ينطلق الدكتور محمد مرسي من النقطة التي انتهى إليها خصمه، والمتمثلة في الاعتراف بالآخر، وبحق وجوده، وعدم إنكاره. فالدكتور محمد مرسي لا يمثل المصريين فحسب بل يمثل كل البسطاء في العالم العربي الذين يريدون ان تعود مصر كبيرة كما كانت.. يريدون مصر جديدة تفتح قلبها قبل حدودها لإخوتنا الفلسطينيين، يريدون رئيساً ينقل للغرب قيم التوجه –الإسلامي- الذي ينتهجه.

فكم نحتاج الى نوصل للغرب سماحة ديننا وتمسك قياداتنا بالسلوك الإسلامي وأداء الشعائر الدينية بما فيها الصلوات الخمس مع المسلمين، ما أحوجنا ايضا الى ننقل للغرب انه لا فرق بين اسلام سياسي وإسلام غير سياسي، بل بين مسلم يؤدي فرائضه على النحو الذي امره به المولى جل تعالى، وبين آخر يتهاون بها.

إن اراد الرئيس المصري محمد مرسي ان يكون غيره امتدادا له في الدول الأخرى، بحيث يتشجع الناخبون في بقية الدول على انتخاب أصحاب نفس التوجه، فما عليه إلا أن يكون قدوة في التعامل، وأن ينظر للجميع من منظور واحد، والمتمثل في كونه ولي الامر الذي يستوجب عليهم طاعته، وأنهم رعيته المأمور بالعدل فيهم، وإعانة المظلوم وان كان لا يتفق معه في المذهب السياسي، والأخذ من الظالم ولو كان من نفس تياره.. حينها فقط سيجبر الآخرين على انتخاب أمثاله، أما اذا كان السلوك عكس ذلك فلن يكتب لهذه التجربة الامتداد للدول الأخرى.

نبارك لإخوتنا في مصر العروبة نجاحهم، ونقول لهم انتبهوا فأنتم لم تقطعوا إلا الجزء اليسير من السير في الطريق الصحيح.. ولكي تكملوا المشوار فعليكم ان تضعوا ايديكم بأيدي الجميع بدلاُ من إقصاء او إلغاء المنافس، وان حاسبتم الأخر فبموجب القانون –بحسب ما ارتكبه من جرم-، لا من منطلق المنتصر، وكونوا قدوة للشعوب التي تنتظر ما ستسفر عنه أيامكم القادمة، والتي نسأل الله ان تكون كلها خير