إقليم محور الشر ( مأرب ، شبوه ، الجوف ) وخيار الفيدرالية
بقلم/ عبدالرب البيحاني
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 24 يوماً
الخميس 15 مارس - آذار 2012 04:50 م

تم إطلاق مصطلح " محور الشر " لأول مره من قبل الرئيس الأمريكي بوش الابن في العام 2002 م من أجل وصف حكومات كل من العراق وإيران وكوريا الشمالية وقد استخدم هذا المصطلح لاعتقاده بأن هذه الدول تدعم الإرهاب وتسعى لشراء وتصنيع الأسلحة النووية .. ويعتقد الكثيرون بأن فكرة بوش هذه هي التي قادته لبدء ما يسمى " الحرب على الإرهاب " عندما خرج يخطب بسياسة صلعا سافرة تقول " من لم يكن معنا فهو ضدنا " وتحت غطاء محاربه الإرهاب تم غزو العراق لتجسد أبشع صور الإرهاب ، وتم سحل وقتل مئات الألوف وتهجير الملايين ونهب ثروات العراق ولم تخرج منها حتى قسمتها إلى أقاليم ...

مثل هذه الجملة الرنانة كانت تناسب الرئيس السابق علي صالح لذلك قام بلطشها وقرر استخدامها في وصف هذه المحافظات الثلاث ( مارب - شبوة - الجوف ) بمحور الشر ، وقام باتهام هذا المحور باحتوائه للعديد من قادة وأنصار القاعدة من اجل إرضاء السيدة أمريكا وحصوله بالمقابل على دعم مادي ولوجستي في مكافحة الإرهاب وتصفية أعضاء " القاعدة " .. وبالفعل كان له ما أراد وحصل على ما يريد ..

وعلى نهج الرئيس بوش الابن سلك الرئيس السابق علي عبدالله صالح في التعامل مع المحافظات الثلاث حتى أكتسب مهارة عالية جداً في فن إدارة الأزمات وفن الرقص على رؤوس الثعابين يمكنه الحصول بموجبها على شهادة الدكتوراه من " جامعته الخاصة " .. أو أن يحصل في يوما ما على جائزة نوبل في هذا المجال ، ولما لا .؟ فقد صارت هذه الجائزة تعطى لمن هب و دب ..

وقد كنا في العهد السابق نلقي باللوم على نظام صالح وجعلناه شماعة لكل القضايا وأنا هنا لا أبري النظام السابق .. لكننا للأسف بدأنا نرى ملامح سياسة تخبطيه وعشوائية قد تعالج المشاكل البسيطة بمسكنات ومعالجات تجعل اليمن تدخل حالة طوارئ أو غرفه العمليات لا سمح الله ، وكذلك قد تعالج قضايا مركزيه وهامه معالجات ناقصة تجاهلت الوطنية وارتكزت على منطق الحزبية و المناطقية التي قد تدخل اليمن في حالة صراعات تنتج دويلات إن لم نتدارك الأمر ونراجع خياراتنا وسياستنا .. فالمرحلة دقيقة الخطورة ومفصلية وتتطلب الحكمة والإخلاص ، لنضع كل الحلول والخيارات والبدائل على طاولة الحوار ولنتقبل ونتفهم بعض الأطروحات ونناقشها والمرجعية في ذلك الشعب .

لذلك قد تبدأ المعضلات صغيره ونتغافل عنها وتحل بسياسات تعقدها وتعمقها لتعود وبالاً على الوطن والمواطن وتستنزف من قوت المواطن وخزينة الدولة ، بالرغم أننا كنا نستطيع تجاوزها بأقل الأثمان وأسهل الحلول ..

فمثلاً الحراك الجنوبي جاء في عهد صالح كردة فعل طبيعية ، و لنقص الوعي جوبهت بمواقف حادة من الطرف الأخر " بعض الشماليين " جعلت الحراك يرفع سقف مطالبه من مطالب اقتصادية أو سياسية أو حتى اجتماعية في إطار الوحدة إلى مطلب الانفصال، وحتى أن البعض رفع شعار الكفاح المسلح لإخراج " المحتل الشمالي " ..!!

وكذلك حركه الحوثي بدأت بنشاط ثقافي تناما وتعاظم في مواجهة المد الوهابي " الحليف للسلطة الموالية للسعودية " ، وشن النظام السابق حرب ضروس على الحوثيين وتم قتل مؤسسها حسين بدر الدين وتعاطف الناس مع الحوثي وبدأ يتسع جغرافيا ولتبدأ سلسله ست حروب كان أخرها التدخل المباشر من قبل السعودية حتى أصبحت الحركة أكثر شعبية مما كانت عليه سابقاً .!!

أيضاً لا ننسى القاعدة .. قد أؤمن أن هناك عناصر من تنظيم القاعدة يتواجدون في هذا المحور أو في باقي المحافظات .. لكنه ليس بالشكل الذي نتصوره دائماً .. فقد أصبح حالياً مصطلح " القاعدة " يطلق على تجار الحشيش والهيروين وكافة أشكال المخدرات ، وقطاع الطريق ، وكل من لفضه المجتمع .. برز من هؤلاء شخصيات مرموقة أصبحت تنافس من هم شركاؤهم في هذه التجارة ومتسترين تحت ظل السلطة ولا مناص للقضاء على هذه الشخصيات الا عن طريق اتهامهم بالانتماء للقاعدة .. وغالباً ما أسمع في مجالس " الشيبان " أن القاعدة حالياً ليس لها علاقة بالدين ولا بتحكيم شرع الله وإنما هي عبارة عن مماحكة القوى العسكرية ومن سقطوا في أبين أو بالبيضاء من أفراد يصفونهم بالانتماء للقاعدة أكاد أجزم بأن غالبيتهم أو حتى البعض منهم لم يعرفوا للمسجد طريق .. أصبحت القاعدة تهمة تلقى على عاتق من يقف معارضا في وجه الحاكم أو ليست لديه قناعة تجاه السياسة الأمريكية في وطننا الغالي .. وصراحة القول اننا لم نعد ندري بنت من هذه القاعدة التي كان صالح يلمع خطاباته بها ويشير بأصابع الاتهام تجاه محور الشر ..!!؟

لقد أصبح مبدأ الفيدرالية خياراً ومطلباً لدى البعض كحل منصف للجميع ، ولكأن المسألة أصبحت من المسلمات والاختلاف فقط حول شكل الفيدرالية وعددها وأقطابها .

لكن للأسف أن البعض يقول لا للفيدرالية والآخر نعم ، وهو لا يعلم ماذا تعني وما هي ظروفها وأسبابها وإيجابياتها وسلبياتها بالرغم أننا في عصر الإنترنت ويستطيع أن يطرح أي تساؤل في قوقل وسيجد الإجابة .. وبلا شك سيجد أن مبدأ الفيدرالية يحد من السلطة المركزية ويضع هامش كبير لكل الأقاليم لكي تستقل بذاتها في إطار الوحدة وهذا لا يعني بتاتاً التجزؤ فهو مطبق في كثير من البلدان وهي تجربه أثبتت نجاحها .. ولكن هل تنجح في بلادنا في ظل تواجد حراك جنوبي وحركة حوثية ومن يسمون انفسهم بأنصار الشريعة ( القاعدة ) ومشايخ قبلية لا تؤمن بالحد من المركزية على مستوى القبيلة فكيف تؤمن بها على مستوى الوطن ؟

إذا أردنا أن نخوض تجربة الفيدرالية وأجمع عليها الشعب فعلى الجميع أن يدرك أننا بحاجة لأرضية صلبة لنستند عليها من الوعي والصدق مع الذات والخروج من دائرة المصالح الشخصية ، لأن النتائج قد تكون عكسية ومحبطه للجميع .

بدأت ملامح هذه الفيدرالية تظهر على الساحة من أجل مناقشتها في مؤتمر الحوار الوطني وقد رأينا رأي يقول أن اليمن بحاجة لـ"6" أقاليم وتم تفصيلها.. وقد كان محور الشر أحد هذه الأقاليم وبعد أن أستبدل أحد الأضلاع لسبب ما بضلع بلاستيكي لاحول له ولا قوة أخشى عليه أن يصبح يوماً ما ضلعاً خارج حدود المحاور الإقليمية أو أن يتغنى بأغاني سعدونية " واللي مضيع وطن ، وين الوطن يلقاه " ، حيث أن هذا الضلع لا ينتمي إلى محور الشر ولا يتناسب معه لا طولاً ولا عرضاً ولا اجتماعياً ولا تاريخياً إطلاقاً ..

وهذا رأي شخصي نحترمه وأكيد أنه من تبناه أو طرحه لديه أسبابه ودوافعه وحججه ، ولأنني أحد شباب مأرب ومن زاوية أن أهل "محور الشر " أدرى بمحورهم وليس من الزاوية المناطقية الضيقة المنكفئة على الذات ، أرى " إذا سلمنا بالفيدرالية " جدلاً وعلى "6" أقاليم ، أن محور الشر تاريخياً وجغرافياً واجتماعيا يشكل وحدة متكاملة مترابطة ، والبديل الوحيد للضلع " الأعوج " اذا كان لزاماً هو حضرموت كما ورد ذلك في مبادرة سلطان السامعي حيث طرح فكرة فيدرالية اليمن الى اربعة اقاليم ومن ضمنها الاقليم الشرقي ويتكون من ( أبين- شبوة- حضرموت- المهرة- ومأرب ) ، وقد يكون في ذلك تعميقاً لأواصر الوحدة بالشكل الفيدرالي وأن تكون حضرموت هي "العاصمة" وهي العاصمة الأولى لأجدادنا وأجدادهم ..

ولنفرض جدلاً بأن الجميع أقتنع بفكرة الأقاليم وصارت واقع حتمي لدى جميع الأطراف ، عندها سندخل مرحله عصيبة جداً في كيفية تقسيم السلطة و الثروة فمثلاً نحن في هذا المحور منذ عقود نعاني من ضغينة وقسمة ظيزى للثروة .. فالمشتقات النفطية والغاز والكهرباء لم نرى منه ما يلبي حاجتنا على الإطلاق ولم نرى شئيا على أرض الواقع .. ولا ننكر بأن هناك عوائد تعود باسم المحافظة الفلانية سواء كانت مارب أو شبوة ولكنه يتم تسليمه إلى جيوب مشايخ معينه ومرتزقه لا يمثلون أبناء مارب أو شبوه الشرفاء .. ومع ذلك لا يكفيهم ما يأتيهم ومن اجل الحصول على ما يشبع جيوبهم يقومون بالتقطع والتقطيع والتفجيرات وبعد ذلك يتم دعمهم من قبل السلطة لإصلاح ما تم تخريبه وهكذا دواليك .. والسلطة تعرف ذلك تماماً ولا تعيره أي اهتمام ..

وأخشى أن يستمر الحال حتى في ظل الفيدرالية واستمرارية ميكانيزما " طفَّي – لصّي " ، عندها سينتابني نفس الشعور بأن أبناء المحافظات المستفيدة من المحطة الغازية لتوليد الكهرباء يمتلكون أرواح القطط السبعة القادرة على تحمل الصدمات التي من الصعب أن يتحملها أي إنسان . بينما البعض من أبناء مارب " الذين يقومون بتعطيل هذه المحطة وإخراجها عن المنظومة الكهربائية " يمتلكون إرادة صلبة كصلابة الأعمدة الكهربائية التي يمر فوق جوانحها أكثر من 400 " ميجاماربي " بإصرار دائم وملح في جعل هذه الأعمدة بشكل دوري ومتزامن أن تركع تضرعاً للأرض التي منحتها حق الدخول في المصلحة العامة ..

بطبيعة الحال .. أنا ضد أي عمل تخريبي مهما كان نوعه والغاية منه ، ولكن يجب علينا وعليكم التأكد بأن هناك ليس من حل ذو جدوى لعملية تقطيع الكهرباء في خطوط مارب مالم يتم توصيل التيار الكهربائي إلى كل بيت بيت دار دار زنقه زنقه في إقليم محور الشر ..!!

ما أريد أن أقوله ختاماً أنه ليس من مصلحة الوطن أن تكون الفيدرالية مستندة على مبدأ "هذا لك وهذا لي " وكأن الوطن إقطاعيات يتم تقاسمها بين أقطاب وإن اختلفت جغرافيًا وسياسياً ستتفق مصلحجياً على حساب ايجابيات الفيدرالية .. وأنه في حال كانت أقاليم فيدرالية أم لم تكن فإن محور الشر سيظل على نفس المنوال ، مالم يتم تسليم الحقوق إلى أصحابها الحقيقيين لا إلى أبناء مشايخ ومشايخ مرتزقين .. وإن استمرت حليمة تمارس عادتها القديمة فلا تستغربوا إطلاقاً إن تمت المطالبة بفك الارتباط من قبل أبناء هذا المحور في المستقبل القادم ...

abdullrab@gmail.com