قراءة في أبعاد الحملة عليه..الزنداني ليس فوق النقد ولكن(1)
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 11 سنة و شهر و 8 أيام
الأربعاء 09 أكتوبر-تشرين الأول 2013 11:23 ص
تستلزم هذه القراءة ابتداء التأكيد على أن التوصيف التالي لأبعاد الحملة غير المستغربة – بالنسبة لكاتب هذه السطور- على فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني، على خلفية ما قيل عن حديث له (مثير) عن الخُمُس، ومنح فقراء بني هاشم من ثروات البلاد المختلفة لهم، عوضاً عن الصدقة المحرّمة عليهم حسبما ذهب إليه بعض الفقهاء قديما وحديثاً؛ لاتعني أن الشيخ الزنداني يستعلي على النقد العلمي، أو أن كاتب هذه السطور يرمي إلى تنزيهه عن الخطأ، أو أن كل من تناول رأي الشيخ بالنقد والنقض والمخالفة تنطبق عليه حالة التوصيف التالية، كلا بل المراد التمييز بين المنهج العلمي في النقد والتقويم -وهو مطلب تربوي أساس وجوهري مع كل القادة والمصلحين، كي يصبحوا قدوة فعلية لتلامذتهم وأتباعهم- وبين ذلك الداء الذي يأبى إلا أن يتلمس للبراء العيب، وأن يصر على اختلاق الأخطاء بل الخطايا لخصومه، وأن يستمرئ (منهج الشيطنة)، مهما ثبت غير ذلك عنهم، ووقع ما هو أكبر وأخطر منه أو ممن هو راضٍ عنهم، بحيث يصدق عليه القول بأنه "يرى الشعرة في عين خصمه، ويدع الجذع في عينه"، وهذا مسلك مشين يتناقض مع أبجديات المنهج العلمي في النقد والتقويم للأفراد والجماعات، وما تعليق أحد أساتذة العلوم السياسية (الهاشميين) الكبار على حديث الشيخ ( الفقهي العلمي) عن الخمس ليدفعه نحو استنتاج أن الشيخ يبحث له عن زوجة هاشمية ليرث منها الخمس؛ إلا واحد من الشواهد الصارخة على مدى الإسفاف الذي يتلبس بالنقد وربما قيل (المنهج العلمي)، والرأي الآخر. ومرة أخرى ذلك مجرّد عينة لمدى الفجاجة والسقوط، بقدر الابتعاد عن الالتزام بأخلاق المعرفة، والتقيد بضوابط المنهج العلمي في النقد والتقويم.! وكتدليل عملي على مصداقية ذلك المنهج العلمي المنشود – بالنسبة لكاتب هذه السطور- فإني أحسب أن فضيلة الشيخ الزنداني قد وقع في سقطات ومزالق ولاسيما في السنوات الأخيرة – ليس من بينها حديثه عن الخُمُس ونحوه- بحيث يطرب لها كل باحث عن زلات الكبار وعثراتهم، ويستغرب لها كل محب، ويندهش منها كل مخلص، عرف مسيرة الشيخ وجهاده ،واستنارة فكره، وعمق نظرته، ووعيه طيلة حياته الجهادية، ضد الاستبداد والطغيان الإمامي، وما تبعه من مظاهر استبداد جديدة بعد ثورة سبتمبر 1962م، ولكنها رغم الأثر السلبي البعيد الذي أحدثه بعضها تظل الاستثناء في شخصية الشيخ ومسيرته الدعوية والفكرية والنضالية، وهذا شأن كل الشخصيات الفاعلة المؤثرة في القديم والحديث. وقد سجلت ذلك على نحو مفصّل في دراسة نشرتها على حلقات العام الماضي في مطلع شهر مارس/آذار 2012م في صحيفة الجمهورية، وتناولتها بعض المواقع الإلكترونية بعد ذلك بعنوان ( الإصلاحيون بين تحديات الأمس وتطلعات اليوم: مقاربة تربوية في ضوء الثورة). في الأبعاد النفس سياسية للحملة: في ضوء ما تقدّم لم أفاجأ كثيراً بحجم الهالة التي صوّر بها حديث الشيخ الزنداني صبيحة يوم 26 سبتمبر 2013م عن مسألة (الخُمُس) التي وردت في سياق حديثه عن قضايا كلية أهم وأبعد من ذلك التفصيل، لم أفاجأ لأني بت على قناعة تزداد يوماً بعد آخر، بأن شخصية الشيخ باتت هدفاً لكل سهم لايزال مسكوناً بنفسية عقود الصراع التي خلت منذ الستينات من القرن الميلادي المنصرم، ولم يتمكن بعضهم من إدراك أن الشيخ بشر مثله مثلهم ومثل كثيرين، فإذا كان ذا منطق حاد في ذلك الحين من وجهة نظرهم؛ فقد بدا من وجهة نظر آخرين أقوى حجة، وأصدق لهجة، وأكثر تجسيداً للانتماء لأمته وبلده وثورته، وحقق الكثير من أهدافه على حين عجز أو تعثر الآخرون، خاصة وأنّه لم يخضع لإرهاب الولايات المتحدة الأمريكية وابتزازها وحلفائها في الداخل، سواء الرسميين بالأمس واليوم، أم من كثير ممن يحلوا لهم تسمية أنفسهم بالقوى الليبرالية واليسار، مادام الخصم المشترك هذه المرة هو الشيخ الزنداني، ولعل ذلك يجسِّد واحداً من أهم عوامل النقمة عليه، كما غيره من الكبار الفاعلين ذوي التأثير والحضور على مدى التاريخ، ولهذا – قبل أي عامل آخر- لم يتمكن بعض رفاق مرحلته وضحايا تلمذتهم من التغلب على رواسب تلك المرحلة، وطي صفحتها، والسعي نحو فتح آفاق جديدة في العلاقة البينية، حيث لم يقووا على مغادرة مربع الماضي، ويعملوا على استيعاب ما استوعبه الشيخ قبلهم. ولعل من أهم دلالات ذلك الاستيعاب أن كل متابع لمسيرة الشيخ منذ عودته إلى البلاد مطلع التسعينات من القرن الميلادي الماضي يرى أنه تمكن من إثبات أنه شخصية أصيلة معاصرة، ثورية عقلانية عميقة، تستوعب ماحولها، وتدرك أن طبيعة المرحلة اليوم غيرها بالأمس، فعمل على نحو مباشر منذ مطلع تلك المرحلة مع إطاره السياسي في ترسيخ الوحدة، وتمتينها بالدستور، الذي يعتقد أن من أبرز بنوده تثبيت هوية الدولة ومرجعيتها وذلك بالنص على جعل (الشريعة الإسلامية مصدراً وحيداً). وكان الشيخ الزنداني– حسب متابعتي- من أبرز مشايعي فكرة اللقاء المشترك، وعمل مع أقطابه سواء قبل أن يُعلن رسمياً عن نفسه، أم بعد ذلك، وخلافه مع إطاره الإصلاحي، أو مع فرقاء الفكر والسياسة الآخرين، هي في الأساس خلافات واردة من أي قيادي في مثل موقعه ومستواه، بيد أن للأبعاد النفسية دورها الأكبر في تضخيم ذلك وتوتيره أحياناً، كما لبعض المحيطين بالشيخ ومستشاريه دورهم في زرع ما يشبه القطيعة، ويورّث الجفاء ويصنع كثيراً من الأوهام، تزداد مع ازدياد القطيعة وضعف التواصل، سواء مع عناصر في إطاره الخاص، أم مع الآخرين من خارجه، وجعل المناسبات (القسرية) الجامعة وحدها، هي التي تجمعهم قَدَراً، ولها أجندتها التي لاتسمح بالحديث المركز حول جوانب الخلاف، وأسباب الجفاء أو حدوث الوهم! وبذلك يتصاعد الخلاف درجة أبعد، وتتضخم المشكلة أكثر من أي وقت مضى، وقد يكون لذلك انعكاسه على مستوى العلاقة بالآخر، المسكون أكثرهم بالموقف السلبي من الشيخ على خلفية مرحلة الصراع القديمة، والمعززة – ربما- ببعض الأصوات من داخل إطاره الداخلي! ذكرى وعبرة: إن الهجوم علي الزنداني اليوم يذكرنا بأبشع مرحلة تصدرت الهجوم عليه من قبل اليمين واليسار كما لم تسلم حتى بعض قوى الكهنوت الديني، من المشاركة في حملة الإفك تلك، وذلك حين تصدى من مهجره في (العربية السعودية)، عبر سلسلة من الأشرطة التوعوية، وقبل عودته الفعلية إلى أرض الوطن، ليسهم مع حزبه التجمع اليمني للإصلاح وبعض الشخصيات (الإسلامية) الأخرى مطلع التسعينات في السعي نحو تأسيس دولة الوحدة على أصول دستورية متينة، يأتي في مقدّمتها التنصيص في المادة الثالثة على أن الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعاً، وحينها قامت أكبر حملة افتراء وتضليل على الإصلاح -والزنداني على رأسه- حين تم تصويرهم في موقف العداء من الوحدة، بسبب موقفهم من تصحيح الدستور وتأصيله، ولم يشفع لدى كثيرين ترديدهم للآيات والأحاديث التي تؤّكد فريضة الوحدة ووجوبها، مع تأكيدهم أن ضمانتها تكمن في تأسيسها، على أسس شرعية سليمة منيعة، تصون لها ديمومتها، وتحتفظ لها بسر قوتها وصلابتها، غير أن ذلك لم يغير من حقيقة نظرتهم شيئاً يُذكر، بل راحوا يصورون الأمر كما يريدون رابطين – تعسفاً- بين الموقف من الدستور الذي أعدته بعض الأطراف ذات الموقف (المغترب) من الدين والهوية (الإسلامية) وبين الوحدة، ولكن يشاء الله أن لاتطول فترة انكشاف حقيقة الإفك والظلم الذي مارسه جميع أولئك، ومصداقية الشيخ -بوجه خاص- وعمق نظرته، فإذا بالوحدة التي (طبخ) دستورها وراء الكواليس، تكشف عن حقيقة هشاشة البناء الذي قامت عليه، بعد أن راح رئيس الشمال – في ذلك الحين- علي عبد الله صالح يسعى ليسجل موقفاً يحسبه وملأه تاريخياً، على حين أنّه قائم على شفا جرف هار، فقام بتمثيلية مكشوفة – مع أنها انطلت على كثيرين مع الأسف- أمام مجلس الشورى في ذلك الحين، قائلاً: إني ماضٍ إلى عدن للتوقيع على اتفاقية الوحدة، فمن شاء أن يأتي معي فليمض. وتلك هي الشورى والديمقراطية، ورأي ممثلي الشعب عنده. ومن المؤسف أن يتحول موقفه المتجاوز لأعراف البرلمان وتقاليده، منجزاً تاريخياً وعبقرية نادرة في حق الزعماء والقادة، وإذا به يصبح القائد الوحدوي الأول، ويغدو مخالفوه في الوسيلة لا الهدف شياطين وانفصاليين مردة! غير أن الوحدة بدأت في التعرض لهزات وعواصف، منذ بداياتها، حيث قامت على ذلك الأساس الهش، ثم جاءت حرب 1994م التي أسهم الانفصاليون أكبر من أي طرف آخر في توفير عوامل انفجارها، لكنها أصبحت الشماعة التي ظنوها المبرر الأكبر لإعلان لانفصال، وذلك حين كانت تهمة الانفصال لعنة سرمدية دامغة، وتحول ذلك المطلب بعد ذلك إلى مطلب ( وطني) بالنسبة لقوى الانفصال في الجنوب، لايختلف معهم في ذلك عدد من الفقهاء والمشايخ هناك، وإذا بفتاوى مناقضة لفتوى الشيخ الزنداني ومعه جمهرة علماء الشمال في ذلك الحين، حيث تبرز الفتاوى الجديدة لبعض مشايخ الجنوب –ومنهم شخصيات اتهم بعضها بالتكفير والعنف يوماً- تتنادى جميعاً للقول بأن كل الآيات والأحاديث الواردة في القرآن والسنة إنما تتحدث عن الوحدة الإسلامية العامة، وليس عن الوحدة القطرية، ثم إن هذه الوحدة بين الشطرين لم تقم على أسس دينية (تأمّل) ومن ثم فلا يجوز ترديد أنها فريضة دينية أو واجب شرعي، لأن ذلك تنزيل للنص في غير موضعه، وتحميل له فوق ما يحتمل. والغريب هناك من يقول بغير ذلك، حيث يُتهم بكل نقيصة في علمه ودينه و(جنوبيته)، على حين يلوذ الأفاكون في الشمال بالصمت المطبق تجاه مثل هذه الفتوى (الجنوبية)، بل راحت بعض قوى الكهنوت الديني تشرعن لها اليوم، بدعوى أن ذلك حقها، ولا أحد يملك أن يجبرها على الوحدة بالقوّة، بعد أن كانت تنقم من الزنداني والإصلاح بالأمس كغيرها ممن حمل مشعل الإفك والتضليل، ولم يقل أيّ منهم ذلك حقهم كذلك، رغم أنهم ما زادوا عن أن طالبوا بأن تبنى دولة الوحدة على أسس شرعية سليمة، وكانت تلك القوى كغيرها تبحث في قاموس الشتائم لتلصقه بالزنداني والإصلاح، حيث كانت جريرتهم الربط بين سلامة دستور دولة الوحدة وإعلانها، ويشترطون تصحيح شطحات الدستور و(تبيئته) يمنياً! يتبع في العدد القادم- بإذن الله- . المصدر صحيفة الناس